قراءة قانونية في حكم محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار فرض قيود رقابية على رسائل المحمول المجمعة

تاريخ النشر : الأحد, 12 ديسمبر, 2010
Facebook
Twitter

مقدمة

 

بتاريخ 27/11/2010 حصلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على حكم من محكمة القضاء الادارى بالقاهرة بوقف تنفيذ قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بفرض قيود على رسائل المحمول النصية المجمعة وما تضمنه من إلزام مقدمي الخدمة والمستخدمين بالحصول على موافقة على محتوى الرسائل من الجهات الحكومية المختصة بما فيها الجهات الأمنية ، ويعتبر الحكم انتصاراً هاماً لعدد من الحقوق والحريات أهمها \” حرية تداول المعلومات والحق في المعرفة والحق في الاتصال وحرية التعبير )، حيث يعتبر أول حكم في تاريخ القضاء المصري يعترف بشكل واضح وصريح بحق الجمهور في تداول ونقل المعلومات استناداً للمواثيق الدولية الملزمة لمصر ، ولما كانت المبادىء القانونية التي أرساها الحكم هامة لكافة المهتمين بحرية تداول المعلومات ، والمدافعين عن حقوق الإنسان بوجه عام ، فان مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقدم هذا الملخص الذي يحتوى على الوقائع الخاصة بالدعوى ، والإجراءات التي تمت أمام المحكمة ، وأهم المبادىء القانونية التي انتهى إليها الحكم .

أولا :- الوقائع .

 

في مطلع أكتوبر 2010 أعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن إصداره قراراً إدارياً يلزم الشركات التي تقدم خدمة رسائل المحمول المجمعة( BULK SMS ) بالحصول على ( ترخيص ) ، ويلزم الشركات التي تقدم خدمة رسائل المحمول الفردية بالحصول على ( إجازة ) ، وقد تضمن كلاً من الترخيص والإجازة بعض البنود التي تلزم هذه الشركات بعدم تقديم الخدمة للمستخدمين إلا بعد الحصول على موافقة من الجهات الحكومية المختصة بما فيها جهات الأمن القومي على ( محتوى الرسائل ) ، وكذلك الاحتفاظ ببيانات المستخدمين وتعاملاتهم ومحتوى الرسائل لمدة عام ، وتقديمها إلى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أو من يفوضه في ذلك ، أو الأجهزة الأمنية عند طلبها ، وأيضاً السماح للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات و الجهات الأمنية بالدخول إلى مواقع هذه الشركات لمراقبة عملها .

أثار هذا القرار تخوفات عديدة لدى المؤسسات الصحفية ومنظمات المجتمع المدني ، حيث اعتمد عدد كبير من الصحف والمؤسسات الإعلامية خلال سنوات عديدة على استخدام خدمة رسائل المحمول المجمعة( BULK SMS ) كوسيلة لنشر الأخبار العاجلة والمعلومات ،وقد بدأ عدد من المنظمات الحقوقية مؤخراً في استخدامها في نشر المعلومات المتعلقة بمجال عملها وفضح انتهاكات حقوق الإنسان ، فضلاً عن انتشار هذه الوسيلة في كافة المجالات الأخرى ، حيث يستخدمها مرشحي الانتخابات البرلمانية في الوصول إلى الجمهور ، والإعلان عن أنفسهم ، كما تستخدمها العديد من الشركات التجارية في الإعلان عن منتجاتها ، وبموجب القرار الصادر من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ، لا تستطيع هذه الجهات الصحفية والحقوقية والتجارية بل والأفراد استخدام هذه الخدمة إلا بعض الحصول على موافقة الجهات الحكومية على ( محتوى الرسائل ) ، وعلى سبيل المثال التزمت الصحف بالحصول على موافقة من المجلس الأعلى للصحافة لاستخدام خدمة إرسال الأخبار للجمهور عبر رسائل المحمول المجمعة ( BULK SMS ) .

 

استعلمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن طريقة عمل رسائل المحمول المجمعة والفردية ، وعن أطراف هذه العملية ، من خلال مطالعة قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 ، والقيام بزيارات إلى الشركات التي تقدم خدمة رسائل المحمول النصية المجمعة ، وإجراء مكالمات هاتفية مع شركات المحمول الكبرى ( فوافون وموبينيل واتصالات ) ، وقد تبين أن هناك أربعة أطراف في خدمة رسائل المحمول النصية المجمعة.

 

1- الطرف الأول :- شركات المحمول الكبرى التي تملك شبكة الاتصالات في مصر وتسمى هذه الشركات في قانون تنظيم الاتصالات ( المشغل ) ، وهذه الشركات لا تقوم بتقديم خدمة الرسائل المجمعة بشكل مباشر للمستخدمين ، وإنما عن طريق شركات أصغر تسمى الشركات الوسيطة .

2- الطرف الثاني :- الشركات الوسيطة : وهى التي تقوم بالتعاقد مع شركات الاتصالات الكبرى ، لتقديم خدمة رسائل المحمول المجمعة ، وتسمى هذه الشركات في قانون تنظيم الاتصالات ( مقدم الخدمة ) وهذه الشركات تتعاقد أيضاً مع المؤسسات والأفراد الذين يريدون إرسال رسائل ذات محتوى محدد إلى الجمهور .

3- الطرف الثالث :- المستخدم : ويشمل كل الجهات والأفراد الذين يريدون إرسال رسائل للجمهور ذات محتوى محدد ، مثل أخبار صحفية ، أو الإعلان عن منتجات معينة أو الترويج لأفكار معينة ، وغيرها من المحتويات المعلوماتية المختلفة ، ويسمى هذا الطرف في قانون تنظيم الاتصالات ( المستخدم ) وللقيام بذلك يقوم المستخدم بالتعاقد مع الشركات الوسيطة ، ويرسل لها المحتوى الذي يريد إرساله للجمهور ، لتقوم الشركات الوسيطة بدورها بإرساله .

4- العميل النهائي :- وهو الجمهور الذي تصله الرسائل في النهاية ، وهذا الطرف تكون علاقته بالمستخدم ، حيث يقوم بالاشتراك على سبيل المثال في خدمة رسائل المحمول الخاصة بإحدى الصحف ، لتصله الأخبار التي تنشرها هذه الصحيفة بانتظام عبر رسائل المحمول .

وقد تقدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى عدد من الشركات الوسيطة التي تقدم هذه الخدمة بطلب التعاقد لاستخدام خدمة رسائل المحمول المجمعة في نشر أخبار انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بمجال عمل المؤسسة وهى ( العنف الامنى ضد طلاب الجامعات – الرقابة على الإبداع – الحق في المعرفة ) ، وقد طلبت هذه الشركات من مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحصول على موافقة من المجلس الأعلى للصحافة على محتوى هذه الرسائل ، نظراً لطبيعتها الإخبارية .

طلبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من المجلس الأعلى للصحافة الموافقة على محتوى الرسائل ، إلا أن المجلس الأعلى للصحافة رفض، بدعوى اختصاصه بإعطاء هذه الموافقة فقط للصحف الصادرة بترخيص منه .

رأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن هذه القرار الصادر من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات هدفه الحقيقي هو إعاقة تدفق المعلومات التي ترسلها المؤسسات الصحفية المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان للجمهور ، فضلا عن فرض رقابة على محتوى الرسائل ، واعتبرت القرار انتهاكاً لحرية تداول المعلومات وحق الجمهور في الحصول على المعرفة دون قيود .

 

ثانياً :- الإجراءات

 

بتاريخ 13/10/2010 أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الدعوى قضائية رقم 1430 لسنة 65 ق أمام محكمة القضاء الادارى ضد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ووزارة الاتصالات ، وطلبت وقف تنفيذ وإلغاء قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الذي يلزم الشركات الوسيطة التي تقدم خدمة رسائل المحمول المجمعة بعدم تقديم الخدمة للمستخدمين إلا بعد الحصول على موافقة على ( محتوى الرسائل ) ، بما يتضمنه ذلك من إلغاء كافة أشكال الرقابة على محتوى رسائل المحمول المجمعة .

تداولت الدعوى لعدد أربعة جلسات ، وقد قدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير للمحكمة ما يثبت كونها إحدى منظمات حقوق الإنسان المصرية التي تعمل على الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في مجالات الحرية الأكاديمية وحرية الفكر والإبداع والحق في المعرفة ، كما قدمت ثلاثة مذكرات قانونية بدفاعها ، تضمنت الكشف عن مخالفة قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بفرض قيود على رسائل المحمول المجمعة وإلزام المستخدمين ومقدمي الخدمة بالحصول على موافقة على محتوى الرسائل من الجهات الحكومية لنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59/1 لسنة 1946 في شأن حرية تداول المعلومات ، والمادة 9 من الميثاق الافريقى لحقوق الإنسان والشعوب ، وكذلك مخالفة هذا القرار لنصوص الدستور المصري التي تكفل حرية الرأي والتعبير .

قدم دفاع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عدد من المستدات والوثائق تضمنت الصيغة التنفيذية للقرار والتي تشمل ثلاثة وثائق رئيسية هي

1- القرار التنفيذي لشركات المحمول فيما يتعلق بخدمة رسائل المحمول المجمعة .

2- الإجازة التي تمنح للشركات التي تقدم خدمة الرسائل الفردية .

3- الترخيص الذي يمنح للشركات التي تقدم خدمة الرسائل المجمعة

كما قدم دفاع الجهاز القومي مذكرة قانونية واحدة بدفاعه شرح فيها أسباب إصدار الجهاز لهذا القرار ، وأن غاية هذا القرار هو تنظيم هذه الخدمة وليس تقييدها .

وبعد أن تداولت الدعوى أمام المحكمة ، قررت الحكم فيها بجلسة 27/11/2010 . وقد جاء حكمها لصالح مؤسسة حرية الفكر والتعبير وضد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات .

 

ثالثاً :- الحكم وأهم المبادىء القانونية التي انتهى إليها

 

توضيح منطوق الحكم

 

حكمت المحكمة بوقف تنفيذ قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات فيما تضمنه من إخضاع خدمة الرسائل النصية القصيرة المجمعة للرقابة المسبقة أو اللاحقة بتعليق مباشرة الشركات المرخص لها لنشاطها المتعلق بتقديم تلك الخدمة على وجوب الحصول على موافقات مسبقة قبل تقديم الخدمة تقوم على ( رقابة محتوى الرسائل ) محل الترخيص من أية جهات ، ويشمل ذلك وقف تنفيذ النصوص غير المشروعة الواردة بالقرار المطعون فيه في ( البند 10 من القرار التنفيذي لشركات المحمول فيما يتعلق بخدمة الرسائل القصيرة ) الذي ينص على أن \” يحق للجهاز أو للمفوضين من قبل الجهات الأمنية الدخول إلى مواقع ومنشات الشركة بغرض مراقبة كيفية توصيل الشركات المرخص لها بتقديم خدمة الرسائل القصيرة بشبكات المحمول ، وله أن يضع الخطوات التنفيذية والقرارات المناسبة لذلك طبقاً لنصوص هذا الترخيص وقانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 وأية قواعد أو تعليمات أو قرارات سيادية أخرى \”، ( والبند 2 من الإجازة بتقديم خدمات الرسائل النصية المفردة ) الذي ينص على أن \” يلتزم الطرف الثاني – يقصد به الشركات الجائز لها تقديم الخدمة – بالحصول من الجهات الرسمية الأخرى المختصة على جميع الموافقات القانونية والإدارية اللازمة والتي تختص هذه الجهات بإصدارها ، وذلك لمباشرة نشاطه طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها بما في ذلك الموافقات الصادرة من أجهزة الأمن القومي كما يلتزم بالحصول على جميع الموافقات اللازمة على محتوى الرسائل محل الإجازة من الجهات الرسمية الأخرى المختصة والتي تختص هذه الجهات بإصدارها قبل تقديم الخدمة والبند رقم 5 من إجازة الرسائل المفردة الذي ينص على أن \” يلتزم الطرف الثاني – يقصد به الشركات الجائز لها تقديم الخدمة- بإعداد قاعدة بيانات تحتوى على كافة المعلومات والبيانات الخاصة بتعاملاته الخاصة بالخدمات محل هذه الإجازة بما في ذلك محتويات جميع الرسائل المرسلة وتوقيتاتها\” ، و ( المادة الثالثة / البندين 3-7 و 3-9 من الترخيص الصادر للشركات التي تقدم خدمة رسائل المحمول المجمعة ) والتي تنص على أن \” البند 3-7 يلتزم المرخص له بإعداد قاعدة بيانات تحتوى على كافة المعلومات والبيانات الخاصة بتعاملاته وتعاملات العملاء المتعاقدين معه الخاصة بالخدمات المرخص بها محل هذا الترخيص بما في ذلك محتويات جميع الرسائل المرسلة وتوقيتاتها و البند 3-9 يلتزم المرخص له بالحصول على جميع الموافقات القانونية والإدارية اللازمة على محتوى الرسائل محل الترخيص من الجهات الرسمية الأخرى المختصة والتي تختص هذه الجهات بإصدارها قبل تقديم الخدمة \” و ( المادة الحادية عشر / البند 11-3 من الترخيص بتقديم خدمة الرسائل المجمعة ) التي تنص على أن \” يحق للمرخص أو للمفوضين من قبله خلال فترة الترخيص الدخول إلى مواقع ومنشات المرخص له بغرض مراقبة أداء المرخص له لتنفيذ هذا الترخيص ، وله أن يضع الخطوات التنفيذية والقرارات المناسبة لذلك طبقاً لنصوص هذا الترخيص وقانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 وأية قواعد أو تعليمات أو قرارات سيادية أخرى\” .و ( المادة الثامنة عشر / البند 18-1 من الترخيص الصادر للشركات التي تقدم خدمة الرسائل المجمعة) والتي تنص على أن \” لا يترتب على هذا الترخيص إعفاء المرخص له من الحصول من الجهات الرسمية الأخرى المختصة على جميع الموافقات القانونية والإدارية اللازمة والتي تختص هذه الجهات بإصدارها ، وذلك لمباشرة نشاطه طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها بما في ذلك الموافقات الصادرة من أجهزة الأمن القومي .

 

الأسباب القانونية للحكم

 

 

انتهت المحكمة إلى أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير بوصفها من المؤسسات المدنية التي تتعامل مع الشأن العام في مجالات حقوق الإنسان، فهي وأعضائها المنتسبين إليها من المستخدمين لخدمة الاتصالات محل القرار المطعون فيه التي تقوم على الحق في استخدام الطيف الترددي والحق في الاتصال، تتأثر مراكزهم القانونية بمحتوى ومضمون قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات سواء في كيفية تنظيمه لخدمة الرسانل الجماعية أو في إجراءات تقديم الخدمة ، واعتبرت أن هذا القرار ينتهك حق مؤسسة حرية الفكر والتعبير في الجوانب الآتية

1- الحق في المعرفة: وقد اعتبرت المحكمة أن هذا القرار ينتهك الحق في المعرفة بوصفه أحد حقوق الإنسان الأساسية ، وأنه وثيق الصلة بحرية تداول المعلومات والحق في التنمية والحق في الحياة وفى ذلك قالت المحكمة

 

\” أن \”الحق في المعرفة\” Right to know ليس حقا ترفيا مقررا لمحض المعرفة دون تبني موقفًا إيجابيًا يعبر عن الغاية من تقرير الحق،، وإنما يرتبط \”الحق في المعرفة\” ارتباطًا وثيقًا بحق آخر هو \”الحق في تدفق المعلومات وتداولها\” right to information flow and circulation ، وكليهما يرتبط بحق أوسع وأشمل هو \”الحق في التنمية\” Right to Development الذي نصت عليه المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة الأولى من إعلان الحق في التنمية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 في الرابع من ديسمبر 1986، وهو بدوره وثيق الصلة بالحق في الحياة The right to life وكذلك بالحق في بناء قاعدة اقتصادية تتوافر أسبابها، وفضلا عن ذلك فإنه ومما يترتب على الارتباط الوثيق بين خدمات الاتصالات، ومنها خدمة الرسائل النصية المجمعة، وبين الحق في تدفق المعلومات وتداولها ما يلي:

 

1- أن حرية تداول المعلومات ترتبط بحقين أساسين من حقوق الإنسان الأول هو الحق في التعبير، والثاني هو الحق في المعرفة، وتمثل حرية تداول المعلومات- الرافد الرئيسي – لحرية الرأي بصورها المختلفة فحق الإنسان في حرية الرأي والتعبير يشمل حقه في تلقي المعلومات والأفكار ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود وذلك من خلال كافة وسائل التعبير والإعلام أو بأية وسيلة أخرى يمكن نقل الآراء ونشرها وتداولها من خلالها، فبدون القدرة على الحصول على المعلومات وامتلاك حق تداولها وإبلاغها للرأي العام لن يكون لحرية الرأي أي مدلول حقيقي داخل المجتمع.

2- أن حرية التعبير وتداول المعلومات لا يقيدها إلا بعض القيود التشريعية المشروعة كالدعاية إلى الحرب والكراهية والعنصرية أو القومية أو الدينية وفقا لحكم المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (4) من الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، والحروب والنزاعات المسلحة وإعلان حالة الطوارئ العامة، ومقتضيات الأمن الوطني والنظام العام، واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم.

3- أن الحق في تدفق المعلومات وتداولها هو حق ذو طبيعة مزدوجة، فهو في وجهه الأول يفرض التزاما (سلبيا) مفاده امتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ أية إجراءات تشريعية أو إدارية للحيلولة دون التدفق الحر للأنباء والمعلومات سواء في الداخل أو من الخارج، ومن ثم يمتنع على الدولة وضع العوائق ضد تدفق المعلومات أو السماح باحتكار المعلومات ومنع نشرها إلا في حدود المحافظة على النظام العام، وهو في وجهه الثاني يفرض التزاما (إيجابيا) مفاده التزام الدولة بنشر المعلومات الرئيسية التي تتعلق بالمصلحة العامة على أوسع نطاق وذلك من أجل ضمان الشفافية والرقابة على أداء السلطات العامة.

4- أن الحق في تدفق المعلومات وتداولها يتطلب إيجاد بيئة ثقافية ومعرفية culture media يتم من خلالها تبادل المعلومات والمعارف بشتى صورها وأنواعها عبر الخطاب العلمي والثقافي في مواقعه الكثيرة وهو ما يتعين توفيره دون إقحام لعراقيل تحد من التمهيد لتلك البيئة.

5- أن الفضاء اللا محدود صار وطنا تبنيه شبكات الاتصال الإلكترونية، وتنتجه الألياف البصرية، وتنقله الموجات الكهرومغناطيسية، ومن ثم بات أمر إتاحة المعلومات في الوقت المناسب والشكل المناسب لمتخذي القرار هو الأساس في عملية صناعة واتخاذ القرار، كما أنه صار أحد المعايير المستخدمة لقياس جودة القرارات، وذلك بعد أن صارت تكنولوجيا المعلومات أحد الأدوات الأساسية والهامة لتبادل وتداول المعلومات، وبالتالي أضحى استخدام الوسائل التكنولوجية المختلفة أساسًا لا غنى عنه لإتاحة المعلومات في الوقت المناسب وبوسائل غير تقليدية ليس لمتخذي القرارات وحدهم، وإنما لكل مواطن بحسبانه حقا أصيلا له.

كما استندت المحكمة إلى العديد من المواثيق الدولية في مجال إثباتها لحرية تداول المعلومات وحرية التعبير بوصفهما من حقوق الإنسان الأساسية وفى ذلك قالت

\” أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الحق حيث ورد في المادة التاسعة عشرة منه أن (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناقه الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود)

ثم جاء ذلك بعد قرار الأمم المتحدة رقم (59) الصادر في 14 نوفمبر 1946 والذي نص على أن (حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايتها)\”

2- حرية التعبير :- وقد اعتبرت المحكمة أن هذا القرار يقيد حرية التعبير وفى ذلك قالت

\” أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود (مسبقة) على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها. بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيا، بل يطرحونها عزما ولو عارضتها السلطة العامة- إحداثا من جانبهم- وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا. فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير\”

3- الحق في الاتصال :- وانتهت المحكمة إلى أن هذا القرار ينتهك الحق في الاتصال بوصفه أحد حقوق الإنسان الأساسية ، وفى ذلك قالت المحكمة.

\”إن الحق في الاتصال بوصفه حاجة إنسانية أساسية وأساس لكل مواطن اجتماعي يثبت الحق فيه للأفراد، كما يثبت للمجتمعات التي تتكون منهم ، وهو حق لا يقوم إلا بأدواته المحققة له ،وهو يعني حق الانتفاع والمشاركة لجميع الأفراد والجماعات والتنظيمات، مهما كان مستواها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي ، وبغض النظر عن الجنس أو اللغة أو الدين أو الموقع الجغرافي في الانتفاع بوسائل وخدمات الاتصال وموارد المعلومات على نحو متوازن، وتحقيق أكبر قدر من المشاركة العامة في العملية الاتصالية ، بحيث لا يقتصر دور الأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة على مجرد التلقي للوسائل الإعلامية ، بل يمتد لتتحول إلى المشاركة الإيجابية ، فضلا عن ما يترتب على حق الاتصال من حق للفرد في الحصول على المعلومات والمعارف والإطلاع على تجارب الآخرين، وحقه في التعبير وإيصال الحقيقة للآخرين والاتصال بهم ومناقشتهم ، والتأثير في القيادات الاجتماعية والسياسية بما يخدم الفرد والجماعة\”.

 

وأضافت المحكمة:

 

\” وحيث أن (الحق في الاتصال) وثيق الصلة بميثاق حقوق الإنسان والمواطن الذي أعلنته الثورة الفرنسية عام 1789 حيث أشارت المادة (11) من الإعلان المذكور إلى أن (حرية تبادل الأفكار والآراء هي من حقوق الإنسان المهمة، ولكل مواطن الحق في أن يتكلم ويطبع بصورة حرة\”

 

للتحميل pdf

اضغط هنا

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.