استهداف مستمر | “بروفايل” منار الطنطاوي: استهداف مستمر على خلفية سياسية

تاريخ النشر : الثلاثاء, 22 أغسطس, 2023
Facebook
Twitter

المنهجية

اعتمد التقرير على شهادة من منار الطنطاوي، وعلى أوراق ومستندات رسمية تم الحصول عليها من الطنطاوي ومن وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير باعتبارها الوكيل القانوني للطنطاوي.

 

مقدمة

تتعرض الحرية الأكاديمية منذ 2014 لموجة موسعة وممنهجة من الانتهاكات من جانب مختلِف أجهزة الدولة، من بين تلك الانتهاكات استهداف الأكاديميين عبر التحقيقات الإدارية ومجالس التأديب وتوقيع جزاءات قد تصل إلى الفصل. أيضًا شهدت السنوات الماضية ظهور أدوار رقابية من الجامعة على الحياة الشخصية للأساتذة. فلم تعد الجامعة تكتفي بالمراقبة داخل الجامعة وفرض الرقابة على الأبحاث العلمية التي يقوم بها الأساتذة وما يتم مناقشته من موضوعات داخل قاعات الجامعة، بل تعدتها إلى حالات مهمة مثل حالة الدكتورة منار الطنطاوي، حيث تتعرض لسلسلة لا تنتهي من الانتهاكات الإدارية من جانب المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان فرع السادس من أكتوبر، ومن وزارة التعليم العالي لكونها زوجة مسجون سياسي سابق. وقد تضمنت تلك الانتهاكات عددًا من التحقيقات ومجالس التأديب والجزاءات وعرقلة حصولها على درجة الأستاذية بالرغم من استيفاء كافة المتطلبات وعرقلة عودتها إلى منصب رئاسة قسم الهندسة الميكانيكية في المعهد فرع السادس من أكتوبر، وهو ما يتم توضيحه من خلال هذا التقرير.

 

مرجعية

منار عبدالحكيم الطنطاوي هي أستاذ مساعد في قسم الهندسة الميكانيكية في المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان فرع السادس من أكتوبر.

تتعرض الطنطاوي لعدد من الانتهاكات من جانب المعهد وإدارته ووزارة التعليم العالي، تتضمن حرمانها من الحصول على درجة الأستاذية بالرغم من استيفاء المتطلبات،  كما تمنعها إدارة المعهد من العودة إلى منصب رئيس قسم الهندسة الميكانيكية.

خضعت الطنطاوي للتقييم من قبل لجنة من المجلس الأعلى للجامعات فى ديسمبر 2019، ومنحها المجلس الأعلى الأستاذية في فبراير 2020. وتبقَّى فقط اعتماد وزارة التعليم العالي والمعهد التكنولوجي العالي. تأخر هذا الاعتماد وتم التعتيم من جانب الوزارة والمعهد على قرار الاعتماد من دون إبداء أسباب.

كما طالبت الطنطاوي بالعودة إلى منصب رئيس قسم الهندسة الميكانيكية والذي سبق وأن تولته واعتذرت عنه في 2016 لظروف صحية، حيث أن منار الطنطاوي هي أقدم أستاذ في القسم. وطبقًا للمادة 56 من قانون تنظيم الجامعات والتي تنص على: “يعين رئيس مجلس القسم من بين أقدم ثلاثة أساتذة في القسم ويكون تعيينه بقرار رئيس الجامعة بعد أخذ رأي عميد الكلية أو المعهد”.[1] وقد تجاهل العميد طلبها. وتم إبلاغها بأن تجاهل طلب عودتها يرجع إلى غياب الموافقة الأمنية حيث أنها زوجة مسجون سياسي، في إشارة إلى الصحفي والكاتب السياسي هشام جعفر، الذي قضى في الحبس الاحتياطي ثلاث سنوات ونصفًا على خلفية عمله الصحفي، قبل الإفراج عنه فى 2019 في القضية رقم 720 لسنة 2015 حصر أمن دولة.

كما أرسلت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة حقوق إنسان) نيابة عن الطنطاوي في مارس 2021 إنذارًا إلى المعهد ووزارة التعليم العالي تطالب فيه باعتماد درجتها العلمية وتعيينها أستاذًا، ونشرت الشبكة بيانًا لها على موقعها وصفحتها على الفيسبوك بذلك. وتمت مشاركة البيان على نطاق واسع على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، مثل: الجزيرة ومكملين والشرق. بالتزامن مع ذلك، قام الصحفي هشام جعفر، زوج الطنطاوي، بالنشر على صفحته على الفيسبوك عن حرمانها من المنصب ، وقال إن ذلك لم يكن على هوى رئيس المعهد وأيضًا لاقى المنشورَ تفاعل كبير على الفيسبوك.

مثلت خطوة انتشار قضية الطنطاوي على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والمنصات المختلفة خطوة فاصلة. فقد واجهت إدارة المعهد التكنولوجي العالي هذه المطالبة بمزيد من التعسف حيث أحالت إدارةُ المعهدِ الطنطاوي، إلى التحقيق بتهمة غير حقيقية هي الإساءة إلى المعهد وعميده عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حيث أن الطنطاوي لم تظهر فى أيٍّ من وسائل الإعلام كما لم تسئ إلى رئيس المعهد أو أيٍّ من أعضائه. وتلا ذلك سلسلة لا تنتهي من التحقيقات ومجالس التأديب.

هدفت تلك الانتهاكات في البداية إلى عرقلة حصول الطنطاوي على درجة الأستاذية وما يترتب على ذلك من حقوق مادية وأدبية، ومنعها من تقلد منصب رئيس القسم. ومع استمرار مطالبة الطنطاوي بالحصول على درجتها العلمية، حيث اتجهت إلى تقديم طعن أمام المحكمة الإدارية العليا ضد تعنت وزارة التعليم العالي والمعهد التكنولوجي العالي في التصديق على الدرجة. مع ذلك الإصرار استمرت انتهاكات المعهد وهدفت إلى خلق أسباب ومعوقات تعرقل عودة الطنطاوي إلى منصبها، مع تلكؤ وتعنت فى التصديق على الدرجة سواء من جانب وزارة التعليم العالي أو من جانب إدارة المعهد.

 

الانتهاكات التي تعرضت لها الطنطاوي

تعرضت الطنطاوي لأربعة تحقيقات وثلاثة مجالس تأديبية:

التحقيق الأول:

بدأت التحقيقات فى 29 يونيو 2021 عندما تم تحويلها إلى التحقيق من جانب إدارة المعهد من دون إبداء أسباب ولم تحضر الطنطاوي التحقيق. ثم فى 6 يوليو تم استدعاء الطنطاوي إلى التحقيق مرة أخرى. حضرت الطنطاوي مع المحامي. وقد شاب التحقيق عديد من المخالفات ما أدى إلى انسحاب الطنطاوي والمحامي من التحقيق. فقد بدأت المخالفات بتسليم الطنطاوي بشكل غير رسمي خطابين موقعين من مدير الشؤون القانونية بالمعهد يطلب منها الحضور من دون الإشارة إلى الاتهامات أو الجهة التي قدمت الشكوى أو طلبت التحقيق. بالإضافة إلى أنه أثناء التحقيق رفض المحقق إطلاع الطنطاوي أو المحامين على صورة من أوراق التحقيق وقرار الإحالة ورفض إثبات أي طلبات للدفاع، ما أدى إلى انسحاب الطنطاوي والمحامين، ورَفَضَ المحقق إثبات ذلك فى التحقيق، وهو ما دفعه إلى تحرير محضر عن طريق النجدة حَمَلَ رقم 549 لسنة 2021 إداري قسم أول أكتوبر.

 

مجلس التأديب الأول:

وبالرغم من انسحاب الطنطاوي فقد أثبت المحقق القانوني كل التهم ضدها. تبع ذلك فى 21 أغسطس 2021 اتخاذ مجلس الإدارة قرارًا بتحويل الطنطاوي إلى مجلس تأديب بتاريخ 21 ديسمبر 2021 بناءً على مذكرة من المحقق القانوني بتهمة الإساءة إلى المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان، وإلى عميد المعهد عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية المعادية للوطن كما جاء في نص المذكرة.

ومن الممكن أن يكون تحويل الطنطاوي إلى مجلس التأديب قد جاء كرد فعل من المعهد على طعن الطنطاوي ضد الوزارة والمعهد أمام المحكمة الإدارية العليا. ففي الأول من أغسطس قدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير طعنًا نيابةً عن الدكتورة منار الطنطاوي برقم 61520 لسنة 75 ضد كلٍّ من وزير التعليم العالي وعميد المعهد التكنولوجي العالي على الامتناع عن منحها درجة الأستاذية بالرغم من توفر كل الشروط الفنية والإجرائية.

وقد تم تأجيل مجلس التأديب عدة مرات فى 2 فبراير 2022، 29 مارس 2022، 5 إبريل 2022، 10 مايو 2022، 31 مايو 2022، 7 يونيو 2022 إلى أن عُقِد في 26 يوليو 2022، وقرر معاقبة منار الطنطاوي بخصم 15 يومًا من راتبها، في الدعوى التأديبية المقامة ضدها رقم 18 لسنة 2021.

 

وفي 31 مايو 2022 أصدرت هيئة مفوضي الدولة  تقريرًا برأيها القانوني بخصوص دعوى الطعن، يوصي بقبول الدعوى شكلًا وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن منح الطنطاوي درجة الأستاذية، وإلزام جهة إدارة المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان بالمصروفات الإدارية. وأوضحت الهيئة في تقريرها أن لجنة مختصة بالمجلس الأعلى للجامعات أوصت بترقية الطنطاوي إلى درجة أستاذ، وبناءً على تقرير اللجنة؛ أرسل الأمين العام بالمجلس الأعلى للجامعات خطابًا إلى عميد المعهد التكنولوجي يفيد حصول الطنطاوي على اللقب العلمي، ولكن جاء خطاب الإدارة العامة لشؤون المعاهد بعدم الموافقة على حصول الطنطاوي على درجة الأستاذية، من دون إبداء أية أسباب على الرغم من توافر الشروط المنصوص عليها في القانون، وبحسب تقرير الهيئة فإن هذا يعد إساءة استعمال للسلطة، ومن ثم يصبح القرار جديرًا بالإلغاء.

 

التحقيق الثاني:

استمرت انتهاكات إدارة المعهد ضد الطنطاوي بعد قبول الدعوى، حيث أنه في 19 يوليو 2022 كانت الطنطاوي قد تقدمت بشكوى ضد زميل لها لسبه إياها أمام القائم بأعمال رئيس القسم، ولم يتم إعلامها باتخاذ أي إجراء، بالرغم من تقديم طلب إلى الشؤون القانونية لمعرفة تطور الشكوى. وبدلًا من التحقيق مع الزميل لرد اعتبار الطنطاوي، تم استدعاء الطنطاوي إلى التحقيق فى 11 نوفمبر بناءً على مذكرة  قدمها المشرف على الفرع والقائم بعمل رئيس القسم والزميل الذي قدمت الطنطاوي ضده شكوى بالسب. وتم توجيه إليها تهمة سب زميل، وتم تجاهل بعض الشهود الذين شهدوا على الواقعة. وبعد التحقيق لم يتم اتخاذ أي إجراء حتى 25 فبراير 2023.

مجلس التأديب الثاني:

أصدر العميد قرارًا تنفيذيًّا بتحويل الطنطاوي إلى مجلس تأديب بتهمة الإساءة إلى الزميل. وقد جاء قرار مجلس التأديب فى 23 مايو بمعاقبة الطنطاوي بخصم خمسة أيام من راتبها، بالرغم من عدم إعلامها رسميًّا وعدم حضورها أية جلسة تأديب.

 

في 30 أغسطس 2022 حكمت محكمة القضاء الإداري ( الدائرة السابعة) بقبول الطعن رقم  61520 لسنة 75، المُقام نيابة عن منار الطنطاوي، ضد كلٍّ من وزير التعليم العالي وعميد المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان، وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن منح الطنطاوي درجة الأستاذية. استجابة لذلك، استمرت التحقيقات الكيدية ضد الطنطاوي!

 

التحقيق الثالث:

في 28 يناير 2023 تم إعلام الطنطاوي بتحوليها إلى التحقيق بناءً على مذكرة مقدمة من القائم بعمل رئيس القسم يتهمها فيها بسؤاله والتشكيك في وضعه القانوني والتجديد له كقائم بالأعمال. وقد تم تسليم مذكرة بمخالفات القائم بعمل رئيس القسم والمشرف على الفرع وتم إثباتها فى التحقيق. وفي 25 فبراير حولت الطنطاوي إلى مجلس تأديب ثالث ولم يتم إعلامها رسميًّا. وإلى الآن لم يقم مجلس التأديب.

 

التحقيق الرابع:

وفي 12 إبريل 2023 صعَّدت إدارة المعهد الانتهاكات من خلال تحويل الطنطاوي إلى التحقيق بتهمة انتحال صفة رئيس القسم وإمضاء إجازات للعاملين فى القسم بصفته بعد تقديم رئيس قسم الهندسة الميكانيكية شكوى ضدها. حيث طبقًا لمذكرة التحقيق رقم 20 لسنة 2023، تم اتهام الطنطاوي بإمضاء إجازات لأمين المعمل الذي يعمل تحت إشرافها في القسم وقد تم إرفاق آخر ثلاث إجازات لأمين المعمل. وطبقًا للتحقيق، أفاد خالد قطب عبدالرازق (أمين المعمل) بأن العرف والمعمول به في تسلسل عملية طلب الإجازة في المعهد، أن يتقدم بطلب الإجازة إلى الدكتورة منار بصفتها مشرفة على المعامل، وبعد موافقتها على الإجازة يتقدم إلى الشؤون الإدارية لوضع رصيد الإجازة على الطلب، ثم تقوم الشؤون الإدارية بإرسالها إلى الدكتور سعيد (رئيس القسم) بالبوسطة لاعتمادها. ويضيف بأنها ليست أول مرة يقوم فيها بطلب إجازة بهذا التسلسل. وقد وافق الدكتور سعيد على آخر ثلاثة طلبات للإجازة لخالد قطب، على الرغم من تقديمه شكوى ضد طنطاوي بالتوقيع على تلك الطلبات.

مجلس التأديب الثالث:

وقد قررت لجنة التحقيق تحويل الدكتورة منار إلى مجلس تأديب في 11 يوليو 2023. وقد تم تأجيل الجلسة إلى 25 يوليو، ثم إلى 7 أغسطس، ثم إلى 15 أغسطس، وطبقًا للمادة 69 من قانون العمل، التي تنص على أنه: “لا يجوز فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأ جسيمًا، ويعتبر من قبيل الخطأ الجسيم الحالات الآتية: إذا ثبت انتحال العامل لشخصية غير صحيحة أو قدم مستندات مزورة…”. وبالتالي تهدف إدارة المعهد من تحويل الدكتورة منار إلى مجلس تأديب إلى فصلها بدلًا من إعطائها حقوقها وتنفيذ ترقيتها إلى درجة الأستاذية.

وتستمر إدارة المعهد في رفض منح الطنطاوي الدرجة، وذلك بالرغم من طلب وزارة التعليم العالي فى مايو 2023 مستندات وأوراق الطنطاوي من المعهد من أجل تنفيذ قرار المحكمة الإدارية العليا والتصديق على درجة الأستاذية. ومع هذا فإدارة المعهد ما تزال تتلكأ في إرسال الأوراق إلى الوزارة.

 

 

تشير الانتهاكات ضد الطنطاوي إلى سلوك ممنهج من الإدارة لمعاقبة أي أستاذ يطالب بحقه، بما لا يأتي على هوى السلطات الأمنية. ويشير ذلك إلى تحول الجامعات والإدارات إلى أدوات وأذرع للأجهزة الأمنية للدولة تُنكِّل وتستهدف كل من لا ينال الموافقة الأمنية. فالمشكلة الأساسية للطنطاوي ليست مع إدارة المعهد، وإنما مع عدم حصولها على الموافقة الأمنية للعودة إلى منصبها كرئيس قسم، ومع تمنع وزارة التعليم العالي من التصديق على ترقيتها إلى درجة أستاذ. ويعود غياب الموافقة الأمنية إلى كونها زوجة مسجون سياسي سابق طالبت يومًا بالإفراج عن زوجها وناضلت من أجل أن يحصل على حقوقه داخل محبسه وخاصة الرعاية الطبية.

 

التوصيات:

  • على إدارة المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان وقف كل الإجراءات التعسفية ضد الطنطاوي.
  • على وزارة التعليم العالي والمعهد التكنولوجي منح الطنطاوي درجة الأستاذية، لاستيفائها كل الشروط القانونية والفنية التي تتيح لها الحصول عليها.
[1] "المادة 56"، قانون تنظيم الجامعات، وزارة التعليم العالي، 2006، تاريخ الاطلاع 6 أغسطس 2023، متاح على الرابط:

https://shorturl.at/vwKMQ

“>

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.