في انتظار رد اﻷمن.. عن عوائق سفر أعضاء هيئة التدريس

تاريخ النشر : الأربعاء, 19 يونيو, 2019
Facebook
Twitter

إعداد: محمود ناجي، باحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

تحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF إضغط هنا

 

المحتوى

منهجية

مقدمة

القسم الأول: القيود المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس:

  • القرارات الإدارية المقيِّدة لسفر أعضاء هيئة التدريس
  • حالات منع أو رفض سفر أعضاء هيئة التدريس

القسم الثاني: الآثار المترتبة على منع سفر أعضاء هيئة التدريس:

  • أثر المنع من السفر على المستوى الأكاديمي للجامعات
  • الموافقة الأمنية كأداة للمراقبة

القسم الثالث: ضمانات الحق في حرية التنقل لأعضاء هيئة التدريس:

  • سفر أعضاء هيئة التدريس في الدستور والمواثيق الدولية
    – على مستوى حرية التنقل 
  • على مستوى الحرية الأكاديمية
  • على مستوى استقلال الجامعة
  • قراءة في مواد قانون تنظيم الجامعات ذات الصلة

خاتمة وتوصيات

منهجية

 اعتمدت الورقة على تحليل القرارات والبيانات الصادرة عن وزارة التعليم العالي وإدارات الجامعات، الخاصة بالقيود المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس. كما أجرى الباحث مقابلات مع ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس يعملون في جامعات حكومية متنوعة، وتم استخدام أسماء مستعارة لبعض أساتذة الجامعات ممن أجريت معهم المقابلات، بناءً على طلبهم. كما اعتمدت الورقة على التقارير الصحفية ومقالات الرأي ذات الصلة، إضافة إلى دعويين قضائيتين عملت عليهما وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لصالح اثنين من أعضاء هيئة التدريس، طعنًا على إجراءات الموافقة الأمنية على السفر.

مقدمة

تحاول الدولة منذ سنوات فرض سيطرتها على الجامعات المصرية باستخدام قوانين وقرارات عدة أصدرتها خلال السنوات الماضية، بداية من تعديل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، حيث تم إلغاء اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب، وأصبح تعيين وإقالة القيادات الجامعية من سلطة رئيس الجمهورية.

وكان هذا التعديل بمثابة ضربة قوية لاستقلالية الجامعات، والتي تأثرت إلى جانب ذلك باشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس، وهو الانتهاك الأبرز الذي تركز عليه الورقة. وكانت الموافقة على سفر أعضاء هيئة التدريس تأتي بالتنسيق بين مجالس الأقسام العلمية وإدارات الكليات قبل أن تشرع أجهزة الأمن في انتهاك استقلالية الجامعات.

تحاول مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذه الورقة أن تسلط الضوء على القيود المفروضة على سفر الآلاف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، فقد تحولت هذه القيود إلى روتين يومي يواجهه أعضاء هيئة التدريس، بما يؤثر سلبًا على عملهم الأكاديمي وتطور مهاراتهم، ورغم أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تعمل مع بعض الحالات التي تعرضت للمنع والتضييق بسبب تدخل الأمن في مسألة السفر، فإن الجانب الأكبر ممن يتعرضون لهذه الممارسات يفضلون الصمت عنها، حفاظًا على الأمان الوظيفي وخوفًا من اتخاذ إدارات الجامعات إجراءات تعسفية ضدهم. ولا تتوقف الورقة عند الإجراءات المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس المصريين إلى الخارج، بل تتناول كذلك القيود المتعلقة بزيارة أساتذة أجانب إلى الجامعات المصرية.

تحاول الورقة رصد وتحليل القيود التي تفرض على سفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية المصرية، والتي لا يقتصر تأثيرها على انتهاك الحرية الأكاديمية ومبادئ استقلال الجامعات فحسب، بل يمتد أثرها السلبي إلى مستقبل البحث العلمي في مصر. وتبين الورقة الآثار المترتبة على القيود المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس على المستوى الأكاديمي بالجامعات والمحتوى العلمي الذي يتم تدريسه.

كما تتناول الورقة مدى مخالفة القرارات الصادرة باشتراط الحصول على الموافقة الأمنية قبل سفر أعضاء هيئة التدريس أو إقامة مؤتمرات دولية للمواثيق ذات الصلة بالحرية الأكاديمية والدستور المصري وقانون تنظيم الجامعات.

 القسم الأول: القيود المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس:

تتناول الورقة من خلال قسمها الأول القيود المفروضة على سفر أعضاء هيئة التدريس أو زيارة أساتذة أجانب للجامعات المصرية، من حيث القرارات الصادرة عن إدارات الجامعات أو وزارة التعليم العالي في هذا الصدد، ثم تنتقل الورقة إلى تقديم قراءة في بعض الحالات والدعاوى القضائية، التي عملت عليها مؤسسة حرية الفكر والتعبير بشأن الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس.

  • القرارات الإدارية المقيِّدة لسفر أعضاء هيئة التدريس:

سعت إدارات الجامعات المصرية إلى منهجة انتهاكات الحرية الأكاديمية، من خلال إصدار قرارات تهدف إلى تقييد حرية البحث والتدريس والنقاش الأكاديمي وفرض قيود على سفر أعضاء هيئة التدريس إلى الخارج، بحيث تخلق إطارًا قانونيًّا لهذه القيود. ويكون على أساتذة الجامعات التطبيع مع هذه القرارات، تجنبًا للمساءلة الإدارية أو تعطل عملهم الأكاديمي، إلى أن تتحول هذه الممارسات التي تنتهك الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة إلى إجراءات روتينية ضرورية لإتمام العمل الأكاديمي بمرور الوقت. وفيما يلي تستعرض الورقة مجموعة من القرارات، التي صدرت عن إدارات جامعات حكومية بشأن سفر أعضاء هيئة التدريس.

كانت البداية[1] بظهور خطاب يحمل وصف “سري جدًّا”، في 17 إبريل 2014، صادر عن مكتب الوزير وائل الدجوي وزير التعليم العالي آنذاك. وحمل الخطاب توجيهًا من مجلس الوزراء بعدم جواز عقد أو استضافة أي مؤتمر دولي في مصر إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الخارجية والتنسيق معها في كل ما يتعلق بالنواحي الإدارية والتنظيمية. وقد أرسل وزير التعليم العالي آنذاك وائل الدجوي الخطاب إلى رؤساء الجامعات لتنفيذه في الجامعات بشأن عقد المؤتمرات الدولية. واللافت هنا أن القرار استند إلى قرارٍ لرئيس الوزراء رقم 220 لسنة 1986، والذي يتعلق بالجهات والوزارات الحكومية، ولم يتطرق إلى الجامعات التي يكفل الدستور المصري استقلالها.

وفي 30 يونيو 2015، أعلن رئيس جامعة دمنهور[2] حاتم صلاح الدين منع توقيع أي بروتوكولات أو اتفاقيات مع أي جامعة أجنبية داخل كليات الجامعة، إلا بعد الحصول على موافقات من وزارة الخارجية والجهات الرقابية والأمنية. أثارت تصريحات رئيس جامعة دمنهور جدلًا كبيرًا بين أعضاء المجتمع الأكاديمي آنذاك، خاصة وأن رئيس جامعة دمنهور أرجع هذا القرار إلى الخوف من “اختراق البلد من خلال البعثات الخارجية، ولأن معظم المشاريع المقدمة من الجهات الأجنبية وراءها أغراض تضر بالبلاد”، على حد تعبيره.

ثم ظهرت مثل هذه القرارات في جامعة طنطا[3]، عندما تداول عدد من أعضاء هيئة التدريس قرارًا موقعًا من نائب رئيس جامعة طنطا لشئون الدراسات العليا والبحوث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويقضي القرار الصادر في 27 يوليو  2015، بإلزام أعضاء هيئة التدريس بالحصول على موافقة وزارة الخارجية عن طريق وزارة التعليم العالي، قبل المشاركة في الندوات أو المؤتمرات أو ورش العمل الدولية أو تقديم أوراق بحثية إلى جهات أجنبية.

بينما وضعت جامعة القاهرة[4] عائقًا ماليًّا غير قانوني أمام أعضاء هيئة التدريس الراغبين في السفر إلى الخارج، حيث أصدرت جامعة القاهرة قرارًا ، في 29 يوليو 2015، يُلزم أعضاء هيئة التدريس الراغبين في السفر إلى الخارج بدفع مبالغ مالية كتبرعات للجامعة، ويقضي القرار بتحصيل مبلغ عشرة آلاف جنيه كتبرع من كل عضو هيئة تدريس أو أستاذ متفرغ أو عضو هيئة معاونة، يرغب في السفر إلى الخارج تحت أي مسمى، سواء الندب أو الإجازة أو الإعارة من السنة الأولى حتى السنة العاشرة، وتحصيل مبلغ عشرين ألف جنيه لنفس السبب من السنة الحادية عشرة فأكثر.

وفي نهاية مايو 2016، نشر أساتذة من كلية الطب بجامعة عين شمس[5] خطابًا موجهًا إلى أمين كلية الطب من إدارة العلاقات الثقافية بجامعة عين شمس، حيث يشير الخطاب إلى “أنه ورد للجامعة كتاب وزارة التعليم العالي ــ الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات ــ رقم 4416 بتاريخ 19 إبريل 2016، بشأن إرسال عدد 4 استمارات استطلاع رأي لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس المسافرين للخارج مستوفي البيانات، ومرفق صور فوتوغرافية حديثة ومختومة بشعار الجمهورية حتى يتسنى لهم إبداء الرأي”.

عملت هذه القرارات على تقييد حرية أعضاء هيئة التدريس في البحث والمشاركة في المؤتمرات العلمية، وأضفت صبغة قانونية على ممارسات تخالف نصوص قانون تنظيم الجامعات، الذي يعطي لإدارات الجامعات والكليات الحق في تنظيم شئونها الداخلية، ويعطي لمجالس الأقسام العلمية مهمة التنسيق مع أعضاء هيئة التدريس قبل سفرهم في المؤتمرات الدولية وورش العمل والندوات خارج مصر، كما ستبين الورقة تفصيليًّا في قسمها الثالث.

  • حالات منع أو رفض سفر أعضاء هيئة التدريس:

عملت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على ثلاث حالات، طلب فيها أعضاء هيئة تدريس تقديم الدعم إليهم، سواء عن طريق التدخل القانوني أو المناصرة. ويواجه رصد حالات منع أو رفض سفر أعضاء هيئة التدريس إشكالية تخوف كثير من أعضاء هيئة التدريس من الإعلان عن الانتهاكات التي تعرضوا لها. وعلى مدار سنوات، كانت هناك معلومات عن حالات أخرى، اشترط أصحابها عدم التطرق إليها بشكل معلن.

منذ عام 2014، بدأت إدارات الجامعات في مطالبة أعضاء هيئة التدريس بالحصول على موافقة أجهزة الأمن[6] قبل السفر. وفي عام 2015، قرر الدكتور نبيل لبيب يوسف _أستاذ متفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة_ كشف هذا الإجراء، ووافق على إجراء مقابلة مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ليتم نشرها في بيانات المؤسسة. خلال هذه المقابلة، قال يوسف إنه “توجه خلال استكماله ﻷوراق سفره إلى المجر والمقرر له في الفترة من 6 إلى 30 يونيو 2015، إلى إدارة الإشراف المشترك التابعة لوزارة التعليم العالي، لتسليم موافقة جامعة القاهرة على سفره في مهمة علمية لمتابعة اﻹشراف على رسالة دكتوراه لطالب مصري في المجر ممولة من قِبَل وزارة التعليم العالي. وهناك فوجىء الدكتور يوسف بالمسئولين عن متابعة إجراءات السفر في وزارة التعليم العالي، يخبرونه باشتراط الحصول على موافقة الجهات الأمنية قبل السفر”.

لاحقًا أبلغ المسئولون بوزارة التعليم العالي الدكتور نبيل يوسف، في 14 مايو 2015، بأنه بدون الموافقة اﻷمنية لا تستطيع وزارة التعليم العالي الموافقة على السفر أو دفع تكلفته، وذلك بناءً على تعليمات شفهية من السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي آنذاك.

أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الدعوى القضائية رقم ٦٤٦٠٨ لسنة ٦٩، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، في 4 يوليو 2015، لصالح الدكتور نبيل يوسف، للطعن على إجراء الحصول على موافقة الجهات الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس، ولا تزال المؤسسة في انتظار صدور الحكم فيها حتى صدور الورقة.

كانت الحالة الثانية التي عملت عليها مؤسسة حرية الفكر والتعبير للمدرس بكلية الهندسة جامعة عين شمس، محمد حسن سليمان[7]، الذي لم يتسلم الموافقة النهائية على سفره في منحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم استيفاء كافة المتطلبات. تقدم سليمان إلى منحة للتدريب في الولايات المتحدة، في نوفمبر 2015، ووافق مجلس قسم هندسة القوى والآلات الكهربية، في 30 مارس 2016، على منحه إجازة للاشتراك في المنحة المقدمة من هيئة فولبرايت مصر.

حصل سليمان على موافقة مجلس كلية الهندسة، في 11 إبريل 2016، على منحه إجازة براتب، ثم وافق القائم بأعمال رئيس الجامعة على السفر في المنحة بشرط “ألا تتخذ إجراءات السفر إلا بعد ورود الموافقة اﻷمنية”، بحسب خطاب الموافقة الرسمي الذي تسلمه سليمان.[8]

ولم ترد الموافقة اﻷمنية حتى موعد السفر في 6 يوليو 2016، لذلك امتنعت جامعة عين شمس عن إصدار موافقتها النهائية على السفر، التي تشترط هيئة فولبرايت حصول أعضاء هيئة التدريس عليها قبل سفرهم في برامجها التدريبية، ما دفع الهيئة إلى إلغاء المنحة المقدمة إلى المدرس محمد حسن سليمان، رغم أنه قطع شوطًا كبيرًا في إنهاء إجراءات السفر والحصول على التأشيرة.

وفي مقابلة أجرتها معه مؤسسة حرية الفكر والتعبير حينها، قال محمد حسن سليمان: “أدى ذلك لضياع فرصة عظيمة لي لحضور أكبر مؤتمر في مجال القوى الكهربية بأمريكا الشمالية (IEEE General meeting) وزيارة أكبر معامل الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة (مدينة دنفر)، الأمر الذي يستحيل عليَّ ترتيبه بإمكانياتي الشخصية”.

وفي الحالة الثالثة[9] التي عملت عليها حرية الفكر والتعبير، حصلت خلود صابر المدرس المساعد بقسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، على إجازة دراسية بمرتب للعام الأول من دراسة الدكتوراه في جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا. على أن تكون مدة الإجازة من أكتوبر 2015 حتى 30 سبتمبر  2016، مع مساهمة الجامعة في نفقات السفر. وافق مجلس قسم علم النفس بكلية الآداب على إجازة خلود صابر، في 2 أغسطس 2015، ثم وافق نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العلیا على الإجازة، في 12 أغسطس 2015، وحصلت الباحثة على موافقة الإدارة العامة للعلاقات الثقافية بالجامعة على إجازتها في 16 أغسطس 2015.

بعد أن بدأت خلود صابر في الدراسة في جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا فوجئت بخطاب مرسل من جامعة القاهرة عبر البريد الإليكتروني لإنهاء منحتها الدراسية للحصول على الدكتوراه والعودة إلى مصر، في 11 ديسمبر 2015. وكانت خلود صابر قد بدأت إجازة مدتها عام منذ أكتوبر 2015. جاء خطاب جامعة القاهرة كاستجابة من الجامعة لإفادة الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، التي خاطبت الجامعة في نوفمبر 2015، لإبلاغها عدم الموافقة على منح الأستاذة خلود صابر إجازة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة لوفان الكاثوليكية.

أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير طعنًا على القرار أمام القضاء الإداري، في 4 فبراير 2016، وحملت الدعوى رقم 3163 لسنة 63 قضائية. وحينها، تراجعت جامعة القاهرة بعد ضغوط من المجتمع الأكاديمي عن قرارها وسمحت للباحثة خلود صابر في الاستمرار في منحتها لدراسة الدكتوراه، ولكن استمرت الدعوى أمام القرار تحسبًا لأي انتهاك جديد قد تمارسه الجامعة بشأن إجازة خلود صابر الدراسية.

وبالفعل كررت جامعة القاهرة الأمر نفسه، في نهاية أغسطس 2017، عندما قدمت خلود صابر طلب تجديد إجازتها للعام الثالث في دراسة الدكتوراه، حيث أن إجازتها الدراسية للسنة الثانية في الدكتوراه تنتهي في سبتمبر 2017. قامت الباحثة بالاستفسار عن طلب تجديد إجازتها، وعلمت من موظفي الكلية أن إدارة كلية الآداب قد وافقت على تجديد الإجازة، وأن الورق الخاص بها ينتظر موافقة الجامعة. وفي هذه اﻷثناء، علمت الباحثة خلود صابر بشكل غير رسمي أن طلب تجديد إجازتها في انتظار موافقة أجهزة الأمن. كما وقفت راتب الباحثة خلود صابر منذ شهر سبتمبر 2017. وفي 22 نوفمبر 2017، حاولت الباحثة خلود صابر الاستفسار عن موقف الجامعة من طلبها، وقدمت طلبًا إلى نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا، تخبره فيه بضرورة البت في طلبها، الذي علمت أنه بانتظار موافقته، ولكنها لم تتلقَ ردًّا.

قام محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في جلسة 19 ديسمبر 2017، بتعديل طلبات الدعوى التي أقامتها خلود صابر في السنة الأولى من إجازتها الدراسية، بناءً على الإجراءات التعسفية التي اتخذتها جامعة القاهرة في تجديد إجازة الباحثة للعام 2017/2018. وفي 26 مايو 2019، قضت محكمة القضاء الإداري بانتهاء الخصومة في الدعوى وإلزام الجامعة بالمصروفات. ما يعني أن استمرار الباحثة في إجازتها الدراسية للدكتوراه أمر متوافق مع القانون، ولا يحق للجامعة مساءلتها عن الاستمرار في الإجازة.

وكشف الدكتور مصطفى كامل السيد[10]، في مقاله المنشور بجريدة الشروق، في 27 مايو 2018، أن الموافقة الأمنية على السفر لم تكن مطلوبة قبل السنوات الأخيرة، حيث جاء بمقاله:

“كنا في حالة السفر للخارج لحضور مؤتمرات علمية نطلب موافقة الجامعة على السفر، وكانت الجامعة لا توافق فقط على السفر، ولكنها كانت مستعدة لتمويل جانب من نفقات السفر إذا كان بهدف تقديم بحث علمي، وهو إجراء معروف في كل جامعات العالم. وفي حالتي تحديدًا كنت أشفع طلبي للسفر دائمًا بأنه لن يترتب عليه إخلال بواجباتي التدريسية، وأني لا أطلب من الجامعة المساهمة في نفقات سفري، كانت هذه الموافقات تتم بيسر، ولم تكن تثير أي مشكلة. الجديد في الشهور الأخيرة أنه أصبح من المطلوب من كل أستاذ جامعي يريد السفر أن يقوم بملء استمارة أمن من خمس نسخ مصحوبة بخمسة صور شخصية، وأن ينتظر الموافقة الأمنية على سفره. أزعم أني كثير السفر لحضور أنشطة علمية في الخارج وذلك منذ عودتي بعد انتهاء دراسة الدكتوراه في العام الأخير للرئيس السادات، ولم يسبق إطلاقًا طلب تقديم مثل هذه الاستمارة الأمنية”.

وكانت قضية الدكتور نبيل يوسف في عام 2015، هي القضية الأولى التي تتصدى لاشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ولكن لا يمكن أن نعتبر تاريخ هذه القضية بداية تطبيق إجراءات الموافقة الأمنية. وطبقًا لمقابلة الباحث مع الدكتورة رشا[11] _اسم مستعار_  كان طلب الموافقة الأمنية مفعَّلًا سابقًا، ولكن لم تربط إدارات الجامعات موافقتها على سفر أعضاء هيئة التدريس بالحصول على موافقة الأجهزة الأمنية.

وتقول الدكتورة رشا إن “الموافقة الأمنية كانت مطلوبة منذ عام 2007 حين اطلعت على نسخة من خطابٍ لنواب رؤساء الجامعات لشئون البعثات والدراسات العليا، يفيد الخطاب بعدم موافقة نائب رئيس الجامعة على إجازة سفر أعضاء هيئة التدريس إلا بعد موافقة الأمن عليها، وكان هذا الإجراء آنذاك لا يسمى بالموافقة الأمنية صراحة، بل استعلامات الأمن، واستمر هذا الإجراء قائمًا حتى عام 2011 وبعد ذلك أصبح غير ضروري نظرًا لعدم قانونيته”. وبحسب رشا، عادت الجامعات في تطبيق الموافقة الأمنية على السفر، في عام 2014، سواء كانت إجازات طويلة بغرض علمي، مثل الحصول على منح دكتوراه، أو إجازات لسفريات خاصة قصيرة.

القسم الثاني: الآثار المترتبة على منع سفر أعضاء هيئة التدريس:

بعد أن استعرضت الورقة القرارات الإدارية المقيِّدة لسفر أعضاء هيئة التدريس والحالات التي استطاعت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقديم الدعم إليها، تنتقل الورقة في قسمها الثاني إلى تناول الآثار المترتبة على هذه القرارات المقيِّدة لسفر أعضاء هيئة التدريس، اعتمادًا على المقابلات التي أجراها الباحث مع ثلاثة من أعضاء هيئة تدريس يعملون في جامعات حكومية.

  • أثر المنع من السفر على المستوى الأكاديمي للجامعات:

يقيِّد اشتراط الموافقة الأمنية لسفر أعضاء هيئة التدريس الحرية الأكاديمية، إذ يعيق التدخل الأمني قيام أعضاء هيئة التدريس بالبحث والتدريس في جامعات خارج مصر، وتواصلهم مع أقرانهم لتبادل المعرفة والنقاش العلمي، وفي كثير من الأحيان ترفض أجهزة الأمن سفر أعضاء هيئة التدريس، دون إبداء أسباب، وفي أحيان أخرى لا ترسل ردًّا إلى الجامعة، ما يعني عمليًّا أيضًا عدم سفر عضو هيئة التدريس.

“إحنا عيشتنا على التعاون الدولي لأن الدولة لا تنفق على البحث العلمي، الناس إذا ما كانت عندها علاقات تعاون دولي الشغل يُقف، لا فيه بحوث علمية ولا حاجة، من غير التعاون الدولي وعمليات التبادل العلمي بين الجامعات المصرية والجامعات الأجنبية والسفر إلى الجامعات الأجنبية الدنيا تُقف خالص محناش مكتفين ذاتيًّا عشان نعرف نشتغل”.

 من شهادة دكتورة ليلى سويف[12]

 تعيق هذه القيود تواصل أعضاء هيئة التدريس مع الجامعات ومراكز الأبحاث الأجنبية، ما يلقي بظلال سلبية على تطور العمل الأكاديمي في الجامعات المصرية، وقدرة أعضاء هيئة التدريس والطلاب على البحث والإبداع والتعلم.

وفي شهادة أخرى لمؤسسة حرية الفكر والتعبير قالت الدكتورة رشا _ اسم مستعار _ إنه بالإضافة إلى تأثير اشتراط الموافقة الأمنية على تطور مستوى أعضاء هيئات التدريس _بالجامعات_ الأكاديمي والبحث العلمي الذي ينعكس على  طلاب الجامعة بالضرورة، هناك تضييق آخر يتمثل في اشتراط الموافقة الأمنية قبل استضافة ضيوف أجانب في ندوات أو مؤتمرات أو ورش عمل داخل الجامعات المصرية. وتضيف رشا أنه لم تتمكن مجموعة بحثية من جامعة أمريكية من حضور تدريب مدته أسبوع مع طلاب بالكلية التي تعمل بها، نتيجة التأخر في إصدار الموافقة الأمنية على حضورهم التدريب، ما أدى إلى إلغائه في نهاية الأمر. وتقول رشا إن التدريب كان حول الكتابة الإبداعية وهذا ليس بموضوع شائك بالنسبة إلى إدارات الجامعات.

بينما يمتنع أساتذة أجانب في أحيان أخرى عن حضور فعاليات علمية بالجامعة، لأنهم يرفضون الخضوع للإجراءات الخاصة بالموافقة الأمنية، والتي تتطلب إرسال صورة من جواز السفر الخاص بالضيف قبل الموعد المقرر لحضوره بمدة لا تقل عن شهرين، بحسب المقابلة التي أجراها الباحث مع الدكتورة رشا. وفي واقعة أخرى، تقول رشا: “لم نتمكن من تنظيم ندوة حول الحفاظ على البيئة لأن الزيارة بدأ تنظيمها قبل موعد الندوة بشهر وهو ما يتعارض مع المدة التي تفرضها الأجهزة الأمنية للتقديم على الموافقة الأمنية حيث يجب ألا تقل عن شهرين”.

وتقول الدكتورة ليلى سويف إن مجموعة من الأساتذة بجامعة القاهرة كانوا قد سافروا لحضور مؤتمر علمي في ألمانيا، بعد أن حصلوا على موافقة الجامعة على السفر، ولكنهم فوجئوا بعد ذلك بإدارة الكلية تطلب منهم العودة من ألمانيا، لأنها تلقت خطابًا من إدارة الجامعة يفيد بعدم موافقة الأجهزة الأمنية على سفرهم. وبالفعل قطع هؤلاء الأساتذة سفرهم وعادوا إلى مصر.

وترى سويف أن هذا النوع من الممارسات يؤثر بشكل كبير على سمعة الجامعات في مصر، ففي تلك الواقعة كان مُرتبًا للأساتذة الذين عادوا إلى مصر برنامج عمل معين لمدة ثلاث شهور. وتعتقد سويف أن مثل هذه الممارسات، والتي ينتج عنها عدم الالتزام بهذه البرامج في الخارج، قد ينتج عنها توقف الجامعات الأجنبية عن توجيه الدعوة إلى أساتذة من الجامعات المصرية مجددًا.

ويتساءل الدكتور مصطفى كامل السيد[13]، في مقاله المنشور بجريدة الشروق، في 27 مايو 2018:

” كيف في ظل كل هذه القيود على السفر لحضور مؤتمرات وأنشطة علمية والدخول في علاقات تعاونية مع جامعات أجنبية ولقاء أجانب في جامعة القاهرة يمكن أن نتوقع تحسن ترتيب الجامعات المصرية في التصنيفات العالمية وبعض هذه الأنشطة هي من معايير هذه التصنيفات؟ وكيف يمكن أن تتحقق دعوة الرئيس لاستقدام فروع للجامعات الأجنبية الشهيرة في مصر”؟

وتثير هذه التساؤلات وغيرها المخاوف من استمرار تراجع المستوى الأكاديمي للجامعات المصرية، إذ أن الجامعات تعاني من قصور كبير في التواصل والانفتاح على نظيراتها الأجنبية، بسبب التدخلات الأمنية المستمرة في العمل الأكاديمي.

  • الموافقة الأمنية كأداة للمراقبة والسيطرة:

 لا يمكن رؤية تلك القرارات الصادرة باشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية إلى الخارج أو لزيارة أساتذة أجانب إلى الجامعات المصرية، إلا في إطار السيطرة على أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات، بحيث تملك الأجهزة الأمنية اليد العليا في قرارات سفر أعضاء هيئة التدريس، من خلال معايير لا تمت إلى العمل الأكاديمي بصلة. ومن جانب آخر، يتم استخدام الموافقة الأمنية كأداة للمراقبة.

فالموافقة الأمنية هي إجراء غير قانوني، يتم العمل به في الجامعات الحكومية، بهدف أن تكون أجهزة الأمن على علم بكل تحركات أعضاء هيئة التدريس. ويتطلب الحصول على الموافقة الأمنية أن يقوم عضو هيئة التدريس بذكر معلومات تفصيلية عن مدة السفر والجهة المستضيفة والموضوع الذي سيتم مناقشته في المؤتمر أو الدراسة. ويعد ذلك مراقبة للنشاط البحثي في الجامعات.

وترى رشا أنه ربما تكون بداية اشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس كانت مرتبطة بتخوفات لدى أجهزة الأمن من سفر أساتذة منتمين إلى الإخوان المسلمين إلى الخارج، لكنها تضيف أن هذه الحجة ليست وجيهة، لأن إدارات الجامعات هي الجهة المسئولة عن محاسبة أعضاء هيئة التدريس، إذا قاموا بمخالفات أثناء أداء مهمات علمية. وتقول رشا إن أجهزة الأمن ربما ترى في وجود أعضاء هيئة التدريس بالخارج فرصة لبعضهم لإجراء حوار حول الأوضاع الداخلية وهو ما لا ترغب فيه هذه الأجهزة.

 القسم الثالث: ضمانات الحق في حرية التنقل لأعضاء هيئة التدريس:

تركز الورقة في قسمها الثالث على الجوانب المتعلقة بحماية حق أعضاء هيئة التدريس في حرية التنقل وارتباطه بالحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، وذلك من خلال استعراض المواثيق والإعلانات الدولية والدستور المصري وقانون تنظيم الجامعات، كما يلي:

  • سفر أعضاء هيئة التدريس في الدستور والمواثيق الدولية:

وسيتم تناول هذا العنوان على ثلاثة مستويات: حرية التنقل، استقلال الجامعة، والحرية الأكاديمية، وهي محمية بموجب مواد ونصوص متنوعة سواء في الدستور المصري أو المواثيق الدولية، كالتالي:

   – على مستوى حرية التنقل: 

“حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون”.

مادة (62) من الدستور المصري

ضَمَن الدستور الحالي في المادة (62) الحق في حرية التنقل، كما اشترطت المادة أنه لا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليها، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، إلا بصدور أمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقًا لما يحدده القانون. وترك الدستور للقانون مهمة بيان الأحوال، التي يجوز فيها تقييد هذا الحق المكفول دستوريًّا، ولكنه اشترط أن يكون ذلك بأمر قضائي ولمدة محددة، وهو ما لا يحدث في الواقع، في حالة أعضاء هيئة التدريس.

أما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد أولى أهمية كبيرة لضمان حرية التنقل، وجاء ذلك في مواد العهد والتعليقات المفسرة لمواد حرية التنقل من قِبَل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، والتي ترصد تنفيذ دولها الأطراف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ونص العهد في المادة (12) على: “يكون كل إنسان حرًّا في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده”، وأضافت المادة أنه “لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد”[14].

وترك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مهمة تحديد القيود المفروضة على الحق في التنقل والسفر للقانون المحلي في كل بلد، على ألا تتعارض هذه القيود مع الحقوق الأخرى الواردة في العهد، وفسرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان[15] المادة (12) من العهد المتعلقة بحرية التنقل في التعليق العام رقم (27) وجاء في نص التعليق:

 “لا يجوز اشتراط أن تكون حرية الشخص في مغادرة أي إقليم في دولة ما خاضعة لأي غرض محدد أو متوقفة على المدة التي يختار الشخص أن يبقى خلالها خارج البلد. وبالتالي، فإن السفر إلى الخارج مكفول بالمادة بالإضافة إلى المغادرة بغرض الهجرة بصورة دائمة”.

 

كما أشارت اللجنة في تعليقها إلى العقبات التي تفرضها الدول على مغادرة البلاد واصفة إياها بـ”الحواجز البيروقراطية المتنوعة التي تؤثر على التمتع بشكل كامل بالحق في حرية التنقل”، ومن ضمن هذه الممارسات: التأخيرات غير المعقولة في إصدار جوازات السفر، بزعم أن مقدم الطلب سيلحق الضرر بسمعة البلد، أو اشتراط إعطاء وصف دقيق لطريق السفر وغيرها من الإجراءات المماثلة.

  • على مستوى استقلال الجامعة:

يعد اشتراط موافقة الأجهزة الأمنية على سفر أعضاء هيئات التدريس لمتابعة عملهم الأكاديمي بالخارج وحضور المؤتمرات العلمية انتهاكًا للدستور والقوانين المصرية والمواثيق الدولية ذات الصلة باستقلال الجامعة، حيث نص الدستور المصري في المادة (21) على: “تكفل الدولة استقلال الجامعات”، وهو ما يضمن للجامعة استقلالها كمؤسسة تعليمية مستقلة في إدارة شئونها الداخلية، دون تدخل أو ضغوط من الدولة أو الأجهزة الأمنية، وضمان انفراد إدارات الجامعات بالقرارات التي تنظم العمل الأكاديمي داخلها. لذا، فإن إرسال الجامعة مستندات خاصة بأعضاء هيئة التدريس إلى اﻷجهزة الأمنية وانتظار موافقتها من عدمها على سفرهم هي ممارسة تنتهك استقلال الجامعة.

وأكدت المادة (23) من الدستور المصري على “توفير حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته”، وهو ما يستوجب عدم التدخل في العمل الأكاديمي لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية، سواء داخل مصر أو في مهمات علمية خارجها.

  • على مستوى الحرية الأكاديمية:

تُولِي المواثيق الدولية اهتمامًا كبيرًا للتأكيد على ضرورة الالتزام بحماية الحرية الأكاديمية وتوفير كافة سبل التعاون بين أفراد المجتمع الأكاديمي عالميًّا، ويؤدي هذا التعاون بين الأكاديميين إلى تطور البحوث العلمية وتبادل المعرفة. ويكون الحق في حرية التنقل والسفر لأعضاء هيئة التدريس في جامعات العالم ضرورة قصوى لمتابعة عملهم الأكاديمي وتطويره ومواكبة التطورات العلمية في مجالاتهم، ويتيح تبادل البعثات العلمية بين الجامعات إمكانيات علمية وتكنولوجية قد لا تتوافر في الجامعات المصرية نظرًا إلى ضعف الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما يثقل خبرات أعضاء هيئات التدريس المصرية، ويعود بالنفع على تطور البحث العلمي والتدريس في الجامعات المصرية.

وتجدر الإشارة إلى التزام مصر بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص في المادة (13)على الحق في التعليم، حيث أن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أكدت في التعليق العام رقم (13) لتفسير الحق في التعليم على أن “الحق في التعليم لا يمكن التمتع به إلا إذا صحبته الحرية الأكاديمية للعاملين وللطلاب”، وأن “أفراد المجتمع الأكاديمي، سواء بصورة فردية أو جماعية، أحرار في متابعة وتطوير ونقل المعارف والأفكار عن طريق الأبحاث أو التعليم أو الدراسة أو المناقشة أو التوثيق أو الإنتاج أو الخلق أو الكتابة[16]“.

كما تنص توصية المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو المنعقد في عام 1997 بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي في المادة (13) منها على:

“إن تفاعل الأفكار والمعلومات بين هيئات التدريس في التعليم العالي في جميع أنحاء العالم أمر أساسي لتحقيق التنمية السليمة للتعليم العالي والبحوث وينبغي تعزيزه بنشاط. ولهذه الغاية ينبغي تمكين أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي من المشاركة، طوال حياتهم المهنية، في الاجتماعات الدولية المتعلقة بالتعليم العالي أو البحوث، ومن السفر إلى الخارج دون أي قيود سياسية، أو من استخدام شبكة الإنترنت أو عقد المؤتمرات بواسطة الفيديو لهذه الأغراض”[17].

وتقر الوثيقة بأنه ينبغي للدول الأعضاء في منظمة اليونسكو أن تتخذ جميع الخطوات الممكنة لتطبيق الأحكام المبينة بالوثيقة ووضع المبادئ المنصوص عليها في هذه التوصية موضع التنفيذ على أراضيها.

  • قراءة في مواد قانون تنظيم الجامعات ذات الصلة:

ينطوي اشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس على مخالفات واضحة لقانون تنظيم الجامعات، الذي يعطي لإدارات الجامعات والكليات الحق في تنظيم شئونها الداخلية، ويمنح مجالس الأقسام العلمية مهمة التنسيق مع أعضاء هيئة التدريس قبل سفرهم في المؤتمرات الدولية وورش العمل والندوات خارج مصر.

ويحدد قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1973 الإجراءات اللازمة لسفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، حيث نصت المادة (146) من القانون أنه “يجوز إيفاد المعيدين والمدرسين المساعدين في بعثات إلى الخارج أو على منح أجنبية أو الترخيص لهم في إجازات دراسية بمرتب أو بدون مرتب، ويكون ذلك بقرار من رئيس الجامعة بناءً على اقتراح مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، وموافقة مجلس الدراسات العليا، والبحوث في الجامعة[18]…”.

وتستند إدارات الجامعات في رفضها إصدار الموافقة النهائية على سفر أعضاء هيئة  التدريس إلى عدم ورود الموافقة الأمنية من “الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات” بوزارة التعليم العالي، ما يعتبر مخالفة لقانون تنظيم الجامعات الذي نص بالمادة (35) على اختصاص مجلس الدراسات العليا والبحوث بالجامعة بشئون البعثات والإجازات الدراسية، حيث أوكل له القانون بالمادة السابقة في البند رقم (3) في مسائل التخطيط والمتابعة: “إعداد خطة عامة لبعثات الجامعة وإجازاتها الدراسية والإيفاد في بعثات الجامعة وعلى المنح الأجنبية، وتقرير الإجازات الدراسية”. ما يعني أن القانون منح اختصاص الموافقة على تقرير الإجازات الدراسية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم لمجلس البحوث والدراسات العليا في كل جامعة.

ويتبين أن ما يسمى بالإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي هي جهة غير مختصة قانونيًّا بمنح أي موافقات على سفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، بالإضافة إلى أنها غير مذكورة بقانون تنظيم الجامعات. وعلى النقيض ذكر القانون مجلس البحوث والدراسات العليا في كل جامعة. كما أن إدارة الاستطلاع والمعلومات تابعة لوزارة التعليم العالي، ما يعني أن لا اختصاص لها في منح الموافقات أو تقديم الرأي عن الإجازات الدراسية لأعضاء هيئة التدريس.

وعلى مستوى القرار الصادر عن جامعة القاهرة بتحصيل تبرعات غير قانونية من أعضاء هيئة التدريس الراغبين في السفر، فإنه قد جاء مخالفًا لنص المادة (38) من الدستور المصري والتي جاء بها أن “لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون”، فلا يجوز تكليف المواطنين بدفع مبالغ إلى الجامعات، خارج إطار القوانين. وبما أن القوانين المنظمة للنقل والندب والإعارات والسفر الخاص بأعضاء هيئة التدريس والهيئات المعاونة، لم تنص على دفع مثل هذه الرسوم، لذلك فإن القرار الإداري لجامعة القاهرة يخالف صريح نص الدستور.

كما أن القرار الإداري لجامعة القاهرة يخالف نص المادة (40) من الدستور والتي تنص على أنه “لا تجوز المصادرة الخاصة، إلا بحكم قضائي”. وفي هذه الحالة لم يصدر حكمٌ قضائيٌّ بوجوب دفع مثل هذه المبالغ، بل أن جامعة القاهرة هي الجامعة الوحيدة التي أصدرت مثل هذا القرار.

ينص القرار على أن الأموال تقدم في شكل تبرع إلى الجامعة، وقد تصدى قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 في المادة (7) لمسألة التبرعات، حيث نصت المادة على: “الجامعات هيئات عامة ذات طابع علمي وثقافي، ولكل منها شخصية اعتبارية، ولها أن تقبل ما يوجه إليها من تبرعات لا تتعارض مع الغرض الأصلي الذي أنشئت له الجامعة”. والحالة الوحيدة التي تسمح بأن يكون التبرع مشروطًا، هي أن يكون المشترط هو الواهب (دافع التبرع)، وليس الموهوب له، كما توضح المادة 486 بالقانون المدني: “ويجوز للواهب، دون أن يتجرد عن نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين”. وهو ما يمثل نقيض حالة القرار الإداري لجامعة القاهرة، الجهة الموهوب لها، والتي تشترط على أعضاء هيئة التدريس دفع هذه الأموال.

ومن ناحية أخرى، الهبة عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في مالٍ له دون عوض. فلا يجوز تسمية دفع الأموال في مقابل تسهيل إجراءات السفر “بالتبرعات”. ومما سبق، يتضح أن اشتراط دفع هذه المبالغ مقابل السفر، يجعلها في عداد الرسوم وليست تبرعًا.

 خاتمة وتوصيات:

تسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال إصدار هذه الورقة إلى دعم أعضاء هيئة التدريس الذين تُلزِمهم إدارات الجامعات بتقديم استمارات الموافقة الأمنية أو دفع تبرعات، حتى يتسنى لهم السفر. وتكشف الورقة عن حالات قليلة جدًّا مقارنة بتطبيق إجراء الموافقة الأمنية منذ سنوات في الجامعات الحكومية. وهناك حاجة ماسة إلى مجابهة اشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس قانونيًّا، وتشجيع من يتعرضون لهذا التعنت الممنهج من قِبَل إدارات الجامعات، والذي يشرعن تدخل الأجهزة الأمنية في العمل الأكاديمي، على اتخاذ موقف علني من هذه القيود المفروضة على سفرهم، وعدم التماهي مع الإجراءات المقيِّدة للحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، حتى لا تصبح هي القاعدة المعمول بها في الجامعات.

وتطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير بتنفيذ التوصيات التالية:

1- على إدارات الجامعات الحكومية التوقف عن إلزام أعضاء هيئة التدريس بتقديم استمارات الموافقة الأمنية على السفر.

2- على إدارة جامعة القاهرة وقف تحصيل رسوم غير قانونية من أعضاء هيئة التدريس الراغبين في السفر.

3- على وزارة التعليم العالي وقف إرسال المعلومات الخاصة بالمهام العلمية ﻷعضاء هيئة التدريس إلى الأجهزة الأمنية.

مرفق (1)

 

[1]محمد عبد السلام،مفهوم الحرية الأكاديمية،مؤسسة حرية الفكر والتعبير،نشر في 16 يونيو 2015،تاريخ أخر زيارة 15 مايو 2019،رابط:https://afteegypt.org/academic_freedom/2015/06/16/10406-afteegypt.html[2] محمد عبد السلام،نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة-عدد تجريبي،مؤسسة حرية الفكر والتعبير،نشر في 10 سبتمبر 2015،تاريخ أخر زيارة 12 مايو 2019،رابط: https://afteegypt.org/academic_freedom/2015/09/10/10869-afteegypt.html[3] محمد عبد السلام، نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة-عدد تجريبي، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 10 سبتمبر 2015، تاريخ أخر زيارة 12 مايو 2015، رابط: https://afteegypt.org/academic_freedom/2015/09/10/10869-afteegypt.html[4] محمد عبد السلام، نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة-عدد تجريبي، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 10 سبتمبر 2015، تاريخ أخر زيارة 12 مايو 2019،رابط: https://afteegypt.org/academic_freedom/2015/09/10/10869-afteegypt.html[5] نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة-عدد 5، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 28 يوليو 2016، تاريخ أخر زيارة 17 مايو 2019، رابط: https://afteegypt.org/academic_freedom/2016/07/28/12377-afteegypt.html[6] اشتراط الموافقة الأمنية على سفر أساتذة الجامعات انتهاك جديد للحرية الأكاديمية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 21 مايو 2015، تاريخ أخر زيارة 17 مايو 2019، رابط:  https://afteegypt.org/academic_freedom/2015/05/21/10255-afteegypt.html[7] محمد عبد السلام، نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة-عدد 6، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 19 يناير 2017، تاريخ أخر زيارة 18 مايو 2019، رابط : https://afteegypt.org/academic_freedom/2017/01/19/12753-afteegypt.html[8] راجع صورة ضوئية من خطاب القائم بأعمال رئيس جامعة عين شمس في مرفق (1).
[9] مخاطبة جامعة القاهرة للأكاديمية خلود صابر لإنهاء منحتها الدراسية ببلجيكا والعودة إلى مصر انتهاك فاضح للحرية الأكاديمية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نشر في 25 مايو 2018، تاريخ أخر زيارة 19 مايو 2019، رابط: https://afteegypt.org/academic_freedom/2016/02/10/11749-afteegypt.html[10] مصطفى كامل السيد، مصالحة لن تغضب أحدا، جريدة الشروق، نشر في 27 مايو 2018، تاريخ أخر زيارة 20 مايو 2019، رابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27052018&id=7f979bde-d9b4-4b07-b478-de505d4c62ae[11] مقابلة مع عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات الحكومية، القاهرة، 1 أبريل  2019.
[12] مقابلة مع ليلى سويف، دكتورة بكلية العلوم بجامعة القاهرة، القاهرة، 25 مارس 2019.
[13] مصطفى كامل السيد، مصالحة لن تغضب أحدا، جريدة الشروق، نشر في 27 مايو 2018، تاريخ أخر زيارة 20 مايو 2019، رابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27052018&id=7f979bde-d9b4-4b07-b478-de505d4c62ae[14] راجع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،http://www.nhrc-qa.org/wp-content/uploads/2014/01/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9.pdf[15] اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية،الدورة السابعة والستون، التعليق العام رقم (27) بشأن المادة (12) حرية التنقل عام 1999، رابط: http://hrlibrary.umn.edu/arabic/hrc-gc27.html[16] راجع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،رابط: http://hrlibrary.umn.edu/arab/b002.html[17]  توصية المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو المنعقد في عام 1997 بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي، رابط: https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000110220_ara.page=33[18] قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، رابط: http://www.du.edu.eg/files/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9.pdf

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.