دليل المشرِّع في حوكمة الإنترنت

تاريخ النشر : الخميس, 30 يونيو, 2022
Facebook
Twitter

المحتوى

مقدمة

أولًا: الإنترنت وتشريعاته في مصر

ثانيًا: قصور حوكمة الإنترنت في مصر

ثالثًا: حوكمة وتنظيم الإنترنت عالميًّا

رابعًا: أجندة للمشرع المصري

خاتمة

 

مقدمة

تقدم مؤسسة حرية الفكر والتعبير هذا الدليل حول مسألة حوكمة اﻹنترنت إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، بهدف أن يضيف إلى معرفة المشرعين، ويزيد من الوعي بأهمية حماية الحقوق الرقمية. ويستعرض الدليل أبرز المبادئ والمعايير التي تنظم الحقوق الرقمية.

تكرس التشريعات المرتبطة بالإنترنت في مصر من انتهاك حقوق الإنسان وعلى رأسها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المعروف بقانون الجريمة الإلكترونية، والذي يقنن الرقابة على الإنترنت ومراقبة مستخدمي الإنترنت.

وبسبب هذه التوجهات التشريعية المعادية للحقوق الرقمية، على المشرِّع أن يدرك التباين الكبير بين الواقع الذي يحكم تنظيم الإنترنت في مصر والمعايير الدولية ذات الصلة. ويركز هذا الدليل كخطوة أولى على فتح النقاش مع المشرعين من مجلسي النواب والشيوخ حول التشريعات المنظمة للإنترنت في مصر.

 

أولًا: الإنترنت وتشريعاته في مصر

 

تفرض تقنية الإنترنت حضورها في كافة نواحي الحياة على نحوٍ يتجاوز الحاجة إلى بيان ذلك والتأكيد عليه، إلا أن تنظيم تقنية الإنترنت يعد مسألة بحاجة إلى تأطير منظم وواعٍ. وتكتسب أهمية تنظيم الإنترنت وحوكمته في مصر خصوصية في ظل الالتزامات التي تحيط بالمشرع، وتتنوع بين مواد الدستور والخطط التنموية والمواثيق الدولية الملزمة لمصر.

وقد التفت الدستور إلى أهمية تنظيم التقنية بنص المادتين (25) و(28)، حيث أصبح على الدولة الالتزام بالقضاء على الأمية الرقمية، ومحورية الأنشطة المعلوماتية كمقوم أساسي للاقتصاد الوطني إلى جانب القطاعات الاقتصادية الأخرى. وقد تأكد هذا التوجه في الأطر الراهنة للتنمية في مصر، كما في الإستراتجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي تعهدت بالتوسع في الاعتماد على التقنية في مهام وخدمات الدولة الرئيسية في مجالات التقاضي وما يُعرف بمشروع عدالة مصر الرقمية.

وقد تضمنت كذلك خطة التنمية المستدامة مصر 2030 إعلانًا عن أهداف مرتبطة بتمكين المواطن، من خلال الاعتماد على التقنية وخدمات الإنترنت، والاعتماد على المصادر المفتوحة للإنترنت، مع الالتزام بتقليل الفجوة الرقمية بين السكان بما يقترب من المعدلات العالمية. يتسق ذلك مع أجندة إفريقيا 2063 التنموية والتي تطمح إلى توسع شبكات الإنترنت باختلاف أنواعها، وكذلك الاعتماد على التقنية الإلكترونية في تقديم الخدمات إلى السكان. ولا تنفصل هذه الالتزامات عن وعي المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والأطر النوعية المنبثقة منها بالدور الذي تلعبه التقنية.

ويتطلب ذلك أن يكون هناك تطوير للأطر المنظمة للتقنية على مستوى السياسات والتشريعات على مستوى العالم، خاصة بسبب الدور الذي تلعبه في مستقبل التعاون الدولي والتجاري بين الدول، وكذلك في توصيل الخدمات الأساسية إلى السكان في أوقات الأزمات، مثلما حدث في أزمة كوفيد-19.

وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أخيرًا توجهًا من شركات التكنولوجيا العالمية إلى التواجد في المنطقة والعمل فيها، وهي اعتبارات تجعل من الأهمية الوصول إلى توازن في أي تنظيم للتقنية وخدماتها يحافظ على الفرص الاقتصادية ويحمي حقوق المستخدمين.

 

ثانيًا: قصور حوكمة الإنترنت في مصر

 

منذ دخول تقنية الإنترنت مصر في التسعينيات من القرن الماضي، ويخضع تنظيم الإنترنت في مصر لقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، والذي يهتم بتنظيم كل ما يقع تحت فئة الاتصالات والمعلومات على حد سواء. وقد لحق به أخيرًا في عام 2018 قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 والذي يهتم بتعقب الجرائم الإلكترونية.

ويعكس ذلك التأخر النسبي في تنظيم الإنترنت ومحدوديته، والذي ينعكس على عدة مستويات، حيث يركز قانون الاتصالات على فاعل واحد في سوق الإنترنت ويتمثل في شركات تقديم خدمة الإنترنت، دون التفات كافٍ إلى أصحاب المصلحة الآخرين في السوق. ومن جهة أخرى، لا يستوعب التشريع الكثير من الخدمات العامة كالتقاضي وكذلك الأنشطة الاقتصادية. بينما تخضع كثير من القواعد المنظمة للخدمة لقرارات إدارية على نحو يعني أنها لا تحظى بالعلم الكافي من جانب المستخدمين والمهتمين بالتقنية وتنظيمها.

كذلك لا يُمكن إنكار التطورات التقنية التي يشهدها سوق الإنترنت وخدماته في مصر، خاصة مع ميل الأجهزة الرسمية للدولة إلى التوسع في الاعتماد على التقنية، مثل: مشروع التحول الرقمي، وعدالة مصر الرقمية، وتنظيم التقاضي عن بعدٍ أو باستخدام التقنية، إلا أن الإشكالية تبدو في أن هذه التطورات التقنية تتم على أرض الواقع دون تأطير تشريعي يكافئ هذه التطورات ويُعبر عنها في شكل نصوص قانونية يُمكن الرجوع إليها، ويوضح للمستخدمين حقوقهم والتزاماتهم تجاه هذه المنصات.

يُضاف إلى إشكالية التشريع المحدودة على النحو السابق غياب كثير من المعلومات والبيانات الكافية لعقد نقاشات جادة ومثمرة حول أنسب الطرق لتنظيم الإنترنت في مصر وترتيب المسؤوليات والحقوق والواجبات تجاه كافة الأطراف المستخدمين للإنترنت وخدماته.

ويُمكن إرجاع هذا الغياب للشفافية إلى طبيعة التعامل مع قطاع الاتصالات والمعلومات في مصر باعتباره أمنًا قوميًّا، وذلك لا يتسق مع طبيعة الإنترنت باعتباره وسيلة أساسية للتواصل البشري والنشاط الاقتصادي.

وتتشارك كلٌّ من شركات الاتصالات المسؤولة عن تقديم الإنترنت والأجهزة التنظيمية الرسمية لقطاع الاتصالات – وإن كانت الأخيرة بدرجة أقل – في عدم الإفصاح بشكل دقيق وتفصيلي عن كيفية إدارة خدمات الإنترنت والمعلومات اللازمة للمستخدمين حول الخدمة والتزاماتهم وشروط الاستخدام والبنود التعاقدية، بما يخل بالنقاش العام حول مطالب مستخدمي الخدمة وكيفية معالجتها تشريعيًّا وقانونيًّا.

 

 ثالثًا: حوكمة وتنظيم الإنترنت عالميًّا

 

تدعو الأطر الاسترشادية المختلفة المنبثقة من الأمم المتحدة إلى حوكمة الإنترنت وإقرار تشريعات وسياسات عامة تضمن أن تأتي التقنية دامجة لكافة القطاعات الاجتماعية، وبما يضمن حقوق المستخدمين. كانت البداية مع إعلان المبادئ الخاص بالمؤتمر الدولي لمجتمع المعرفة في عام 2003، والذي وفر عددًا من المبادئ التي يجب مراعاتها عند تنظيم خدمة الإنترنت.

وبرغم أن المبادئ العامة جاءت إجمالية، فإنها دارت أساسًا حول اعتبارين أساسيين بهدف دفع النقاش حول السياسات العامة للإنترنت والتنظيم التشريعي لها، وهي أن يكون هناك دور للحكومات وكذلك لكل أصحاب المصلحة في تطوير سياسات مجتمع المعلومات من قطاع خاص، وتطوير بنية تحتية للاتصالات والمعلومات كمكون أساسي لمجتمع معلوماتي إدماجي.

وتبلورت مبادئ هذا الإعلان العامة على نحوٍ أكبر مع توصيات مجموعة الـ WGIG اللاحقة لهذا المؤتمر في عام 2005، والتي انتظمت حول أربع مجالات أساسية تدور حولها قضايا حوكمة الإنترنت:

  • القضايا المرتبطة بالبنية التحتية وإدارة موارد الإنترنت الحرجة، مثل: إدارة أسماء الدومين، وعناوين بروتوكول الإنترنت، والمعايير التقنية، وبنية الاتصالات، والتكنولوجيا المسموح بها.
  • القضايا الخاصة باستخدام الإنترنت مثل أمن الشبكات والبرمجيات الضارة والجرائم الإلكترونية.
  • قضايا لا تتصل بالإنترنت بشكل مباشر، لكنها تؤثر بشكل أو بآخر على الإنترنت، مثل: قضايا حقوق الملكية والتجارة الدولية.
  • قضايا لها علاقة بتنمية الإنترنت من خلال تطوير قدرات الشبكات في البلدان النامية.

 

رابعًا: أجندة للمشرع المصري

 

تعتقد مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن أمام المشرع المصري فرصة لتفعيل التشريعات في صالح حوكمة الإنترنت وضمان الحقوق الرقمية، ويمكن أن تسهم الخطوات التالية في الوصول إلى تلك الأهداف، كما يلي:

 

  • الشفافية: والمقصود بها أن يتم إعادة النظر إلى تشريعات تنظيم الاتصالات سواء القائم منها أو المستقبلي، بحيث تتضمن نصوصًا واضحة حول أهمية الشفافية والإفصاح عن المعلومات، التي من شأنها التأثير على أصحاب المصلحة الرئيسيين في ملف خدمات الإنترنت من مستخدمين نهائيين أو من جانب قطاع خاص. وعلى نحو أكثر عملية، لا بد أن تتضمن التشريعات إفصاحًا عن التكنولوجيات المستخدمة في شبكات الإنترنت، والخدمات المسموح بها في السوق المصرية، وطبيعة الاستهلاك والحساب للخدمات، وضمان توفر المعلومات حول الشركات العاملة في سوق الإنترنت في مصر. ويجب النص على إيصال هذه المعلومات بشكل مبسط للمستخدمين.

 

  • دمج أصحاب المصالح: يعني ذلك أهمية أن يتم دمج أكبر قدر ممكن من أصحاب المصالح الرئيسيين في سوق الإنترنت في عملية صناعة أي تشريع أو إقرار أي سياسات عامة حول الإنترنت. يتضمن أصحاب المصالح أولئك كل من الأجهزة الرسمية التنظيمية لقطاع الاتصالات والإنترنت وكذلك القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والتقنيين، وجمعيات المستهلكين والمستخدمين النهائيين، وأصحاب الأنشطة الاقتصادية والتجارية المرتبطة بخدمات الإنترنت، بما يكفل أن تتمثل مصالحهم وتخوفاتهم في أي تعديلات تشريعية مستقبلًا.

 

أما على صعيد المضمون، فتعتقد المؤسسة أن هناك ضرورة ملحة لتدخل المشرع المصري في التنظيم التشريعي لموضوعات عدة في السوق المصرية للإنترنت وخدماته، تواكبًا مع الممارسات الفعلية، والاتجاهات العالمية في هذا الصدد. ويُمكن تحقيق مثل هذا التدخل بالبدء في تطوير قانون الاتصالات المصري الحالي رقم 10 لسنة 2003. ويجب أن تتضمن التشريعات المنظمة للإنترنت هذه النقاط:

  • الالتزام بمبدأ حيادية الإنترنت، بما يضمن ضمان الابتكار والمنافسة الاقتصادية في سوق التطبيقات والمحتوى، وكذلك حماية حقوق المستخدم النهائي في الحصول على خدمة جيدة بمستوى معقول.

 

  • معالجة التقنيات الحديثة المتطورة كالذكاء الاصطناعي وتنظيم وجوده في سوق الإنترنت المصري ومستقبل تطوره في هذه السوق، والمجالات المسموح بوجوده فيها.

 

  • إلزام كافة المؤسسات والأجهزة الرسمية وخاصة الأمنية بحماية البيانات الشخصية، ورفع الاستثناءات في هذا الصدد.

 

  • تنظيم المعاملات المالية الرقمية.

 

على صعيد آخر، تقترح المؤسسة أن يكون هناك مراجعة للتوسع التقني من جانب جهاز الدولة أخيرًا بحيث تخضع هذه التوسعات التقنية للتنظيم التشريعي دون أن تكون قاصرة فقط على السياسات التنفيذية، ويصدق ذلك على مشروعاتٍ، مثل: التحول الرقمي، ومشروع عدالة مصر الرقمية، والتقاضي الإلكتروني، وخدمات النيابة الإلكترونية لضمان انضباط السياسات وتوافقها مع الاتجاهات العالمية.

 

خاتمة

 

تأمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير في أن يساهم هذا الدليل في زيادة فرص التناول التشريعي للحقوق الرقمية، وبيان مدى ارتباطها بمصالح ومجالات شتى. وتدعو المؤسسة كافة المهتمين من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ إلى الاطلاع على الأبحاث والدراسات التي نشرتها سابقًا، حيث يمكن أن يساعد ذلك في تحقيق إصلاحات تشريعية فارقة في صالح حوكمة الإنترنت وضمان الحقوق الرقمية.

للاطلاع بصيغة PDF

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.