دليل المشرع في إعداد قانون تداول المعلومات

تاريخ النشر : الجمعة, 31 ديسمبر, 2021
Facebook
Twitter

 

المحتوى

مقدمة

أولًا: أهمية قانون تداول المعلومات

ثانيًا: خط زمني لمحاولات إصدار قانون تداول المعلومات في مصر 

ثالثًا: المبادئ الأساسية في التشريعات المتعلقة بتداول المعلومات

خاتمة

 

مقدمة

 

تقدم مؤسسة حرية الفكر والتعبير هذا الدليل حول قانون تداول المعلومات إلى المشرعين في مجلسي النواب والشيوخ، وتأمل المؤسسة أن يساعد هذا الدليل على زيادة معرفة المشرع بالموضوعات المرتبطة بإعداد قانون تداول المعلومات. ويعد هذا القانون استحقاق دستوري، حيث أقرت تعديلات الدستور في عام 2014 إصدار قانون لتداول المعلومات وفق المادة (68). ومن جانب آخر، تبنت الحكومة المصرية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) إصدار قانون لتداول المعلومات.

وعلى مدار عقود، لم تكن التوجهات التشريعية داعمة لحرية التعبير وحرية تداول المعلومات. ورغم ذلك، تواصل مؤسسة حرية الفكر والتعبير العمل مع أطراف متنوعة ومنهم المشرعين، لمحاولة إجراء إصلاحات تشريعية مناسبة لحماية حرية التعبير وحرية تداول المعلومات.

في هذا الدليل، نقدم للمشرع عرضًا موجزًا حول أهمية قانون تداول المعلومات، فقد جرت العادة على النظر إلى هذا القانون باعتباره مقترنًا بحرية الصحافة فقط، ولكن في الواقع يمتد أثر قانون تداول المعلومات إلى كافة المجالات، ويؤثر بشكل كبير على تفعيل المشاركة السياسية وتحقيق التنمية.

ويستعرض الدليل خطًا زمنيًا للمحاولات التي حدثت على مدار 10 سنوات لإصدار قانون تداول المعلومات، تُظهر هذه المحاولات عمل وزارات وجهات حكومية على إعداد مسودات للقانون، ثم ينتهى بها المطاف إلى أدراج الحكومة. كما قدم المجتمع المدني مسودة قانون لتداول المعلومات منذ عام 2012، وهي ما بنت عليها اللجنة المشكلة من الأعلى للإعلام مشروعها لقانون تداول المعلومات في 2017.

وينتهي الدليل باستعراض المبادئ الأساسية اللازم توافرها في التشريعات المتعلقة بتداول المعلومات، وهي مبادئ أعدتها منظمة المادة 19، وهي منظمة دولية رائدة في العمل على حرية تداول المعلومات. وقد تم إصدار هذه المبادئ للمرة الأولى في عام 1999، وتم تحديثها في عام 2015. وتجدر الإشارة إلى تبني هذه المبادئ من قبل المقرر الخاص لحرية الرأي والتعبير في تقريره المرفوع إلى الجلسة رقم 2000 للجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان.

 

أولًا: أهمية قانون تداول المعلومات

 

يرتبط الحق في المعرفة وتداول المعلومات بالنظم الديمقراطية، حيث أن المؤسسات العامة تعمل على خدمة المواطنين، وبالتالي يكون من حق هؤلاء معرفة المعلومات التي تساعدهم على المشاركة في الشأن العام ومساءلة هذه المؤسسات ومحاسبة المسؤولين عن إدارتها. وهنا، المعلومات ليست ملكًا للحكومة طالما أنه لا توجد مصلحة عامة في فرض السرية عليها. ومن جانب آخر، ينظر إلى الحق في تداول المعلومات باعتباره مقوم أساسي من مقومات تحقيق التنمية، إذ أن تهيئة مناخ ملائم للاستثمار والارتقاء بالموارد البشرية ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية هي أمور لا يمكن أن تتم إلا في إطار مفتوح من الوصول إلى المعلومات وتداولها وإلا ستغرق المؤسسات العامة في الفساد والإدارة غير الكفؤة.

وفي مصر، تبذل الحكومة مجهودات كبيرة لنفي الشائعات التي تتعلق بعملها، بينما تحيل أجهزة الأمن مئات من المواطنين إلى النيابة العامة بتهمة نشر الأخبار الكاذبة. وكل ذلك يثير التساؤل حول كيف يميز المواطن بين المعلومة الصحيحة والشائعة أو الخبر الكاذب إذا كانت السلطات المختصة لا تلتزم بالشفافية والإفصاح عن المعلومات. وهكذا، يتبين أن لقانون تداول المعلومات أهمية كبيرة في الحفاظ على الاستقرار السياسي.

ومن شأن قانون تداول المعلومات أن يساعد على فهم التطورات المتعلقة بمشروعات تأسيس المدن الجديدة والمشروعات التنموية، وما يرتبط بها من اتفاقات مع حكومات وشركات كبرى، حيث أن الواقع الذي نعيشه ونظرًا لغياب المعلومات، يزيد من المخاوف حول جدوى هذه المشروعات والاتفاقيات، والأعباء التي تتركها في مقابل الأهداف المنشودة منها. وفي مثل هذه القضايا، لا يمكن أن يعتمد الرأي العام على تقديرات حكومية عامة، وإنما معلومات رسمية، تخضع للنقاش والتحليل.

وتزداد المخاوف، بالنظر إلى امتناع مجلسي النواب والشيوخ عن بث جلساتهما. وإذ نتوجه بهذا الدليل إلى المشرعين في كلا المجلسين، نؤكد أن المجالس النيابية هي جهات عامة، يجب أن تتاح أعمالها للجمهور، سواء من حيث التشريعات التي تناقشها أو مساءلة الحكومة.

 

ثانيًا: خط زمني لمحاولات إصدار قانون تداول المعلومات في مصر

في أعقاب ثورة 25 يناير شهدت مصر محاولات عدة لإعداد قانون تداول المعلومات، كما يلي:

 

  • 2011: أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء مسودة قانون تداول المعلومات، بعد اجتماعات مع مجموعة من منظمات المجتمع المدني والأكاديميين والصحفيين. ونظرًا لبعض النقاط الخلافية، لم يتبنى أي طرف هذه المسودة.
  • 2012: أعلنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبراء عن الانتهاء من مسودة قانون لتداول المعلومات. وفي نفس العام، أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن انتهائها من العمل على مسودة قانون تداول المعلومات. وقبل أن يناقش مجلس الشعب هذه المشروعات، تم حله في يونيو 2012.
  • 2013: أصدرت وزارة العدل مسودة لقانون تداول المعلومات في مايو 2013، دون الأخذ بملاحظات المجتمع المدني، رغم دعوة الوزارة لممثلي المنظمات وخبراء إلى حوار بهدف تطوير مسودة القانون التي تعمل عليها.
  • 2015: أعلنت لجنة الإصلاح التشريعي التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي أنها تعمل على إعداد مسودة قانون لتداول المعلومات، ولكن لم ينتج عن ذلك الجهد الوصول إلى مسودة.
  • 2016: قدم النائب السابق أنور السادات مشروع قانون لتداول المعلومات إلى مجلس النواب. ولكن لم يناقش المجلس هذا المشروع حتى انتهاء ولايته.
  • 2017: انتهت اللجنة المشكلة من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من إعداد مشروع قانون تداول المعلومات، وأرسل رئيس المجلس المشروع إلى رئيس مجلس الوزراء ومجلس النواب. ولم يناقش المشروع في أي منهما.

في سبتمبر 2021، أطلق الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، حيث تطرقت الاستراتيجية في المحور الأول، النقطة الخامسة “حرية التعبير”، إلى إصدار قانون لتنظيم حق الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها.

 

ثالثًا: المبادئ الأساسية في التشريعات المتعلقة بتداول المعلومات

 

 

1- الحد الأقصى من الإفصاح: ينطلق هذا المبدأ من أن الجهات والمؤسسات العامة يجب أن تفصح عن جميع المعلومات التي لديها، إلا في حالات استثنائية كما يوضح المبدأ الرابع. ولجميع الأفراد والمنظمات الحق في الحصول على المعلومات، دون التقيد بالجنسية أو محل الإقامة، ولا يجب تقييد الحق باشتراط بيان الأسباب التي تدفع الأفراد أو المنظمات إلى طلب المعلومات.

والمقصود بالمعلومات هي كافة المعلومات التي تحتفظ بها الجهة العامة أيًا ما كانت طريقة تخزينها أو مصدرها أو تاريخ إنتاجها، ويجب أن يشمل الحق في الحصول على المعلومات السجلات التي تدون بها، لتمكين المواطنين من معرفة السياق المرتبط بها.

ويقصد بالجهة العامة كل أفرع ومستويات الحكومة ومنها المجالس المنتخبة كالبرلمان والمحليات والجهات التي تعمل في ظل تفويضات رسمية والصناعات المملوكة للدولة والهيئات القضائية والجهات الخاصة التي تتولى مسؤوليات عامة، ولا ينبغي إعفاء الأجهزة والجهات الأمنية والسيادية من الخضوع لسلطة قانون تداول المعلومات. ويجب على الجهات العامة أن تلتزم بصيانة المعلومات والحفاظ عليها وحمايتها من التلف أو الإضرار.

 

2- الالتزام بالنشر: لا يتوقف الحق في المعلومات على تقديم طلبات الاطلاع إلى الجهات العامة ولكن على هذه الجهات القيام بنشر المعلومات التي تهم الشأن العام بشكل استباقي ووفق مواردها المتاحة. وفي الحد الأدنى، على الجهات العامة أن تفصح عن المعلومات التشغيلية الخاصة بها بما في ذلك أهدافها وهيكلها وسياساتها العامة، والمعلومات المتعلقة بالشكاوى والطلبات، والإرشادات التي تمكن الجمهور من تقديم اقتراحات.

كما تلتزم الجهات العامة ببيان أنواع المعلومات التي تحتفظ بها وطريقة حفظها، وتوضيح المواد المرجعية للسياسة أو الإجراء المتخذ، خاصة في حالة وجود تقييمات للآثار البيئية والاجتماعية والتأثيرات على حقوق الإنسان. ويتم استخدام هذه المعلومات دون قيود.

 

3- الترويج للحكومات المفتوحة: يجب أن يتم إعلام الجمهور بحقوقهم والترويج لثقافة الانفتاح في الحكومة، وذلك لأن عدم وجو التزام من العاملين بالجهات العامة يضعف من أثر قانون تداول المعلومات. وفي ذلك، يجب أن يتضمن القانون نص على تخصيص موارد كافية للترويج له. ويعتبر استخدام الأدوات الصوتية والمرئية في الدول التي تنخفض فيها معدلات القدرة على القراءة والكتابة أمرًا أساسيًأ. ويجب أن تلتزم الحكومة وكافة الجهات العامة بمجابهة ثقافة السرية والقيام بالتدريبات اللازمة للعاملين بها لكي يساهموا في تطبيق القانون.

 

4- محدودية نطاق الاستثناءات: يمكن للجهات العامة أن ترفض طلبات الاطلاع شريطة أن تقع في نطاق الاستثناءات، وذلك من خلال أن تثبت الجهة العامة أن المعلومات تفي بمتطلبات الاختبار الثلاثي الصارم، من حيث:

  • أن تكون مرتبطة بغاية مشروعة.
  • أن يكون الكشف عن المعلومات يهدد بضرر جسيم بهذه الغاية.
  • أن يكون هذا الضرر الجسيم أكبر من المصلحة العامة في الكشف عن المعلومات.

ويجب أن تكون الغاية المشروعة محددة في القانون ومقصورة على المسائل التي اعترف بها القانون الدولي مثل مسائل إنفاذ القانون والخصوصية والأمن القومي والأسرار التجارية والسلامة العامة والفردية وسلامة عمليات اتخاذ القرار الحكومية. وفي حال إثبات أن الإفصاح عن المعلومات يلحق ضرر بغاية مشروعة، يجب التحري فيما إذا كان الإفصاح عن المعلومات يؤدي إلى مصلحة أكبر من هذا الضرر.

 

5- تسهيل الحصول على المعلومات: كافة الجهات العامة تلتزم أن تنشئ أنظمة داخلية مفتوحة ويمكن الوصول إليها وتكلف مسؤولا للبت في الطلبات المقدمة لها، وينبغي تخصيص موارد مالية كافية لضمان ملائمة طريقة الإتاحة مثل الفئات التي لا تجيد القراءة والكتابة أو لا تعرف اللغة المدون بها المعلومة أو ذوي الإعاقة. ويجب أن تشمل إجراءات الحصول على المعلومة عدة مستويات، أولها في الجهة العامة نفسها، وفي حال رفض الطلب يتم اللجوء إلى جهة إدارية مستقلة، وإذا تكرر الرفض يتم اللجوء إلى القضاء.

وينبغي أن تكون كل هذه الإجراءات سريعة وتكلفتها أقل ما يمكن، حتى لا تعيق الأفراد عن الحصول على حقهم في المعرفة.

 

6- التكلفة المناسبة لطلبات الاطلاع على المعلومات: ينبغي أن تعمل الجهات العامة على توفير المعلومات بدون تكلفة، وفي حال لم تتمكن من ذلك فعليها أن تضمن وجود تكلفة منخفضة. وفي حال كانت الطلبات شخصية أو تخدم المصلحة العامة مثل أن يرتبط الطلب بإعادة النشر، يجب على الجهات العامة أن تلغي التكاليف أو تخفضها.

 

7- الاجتماعات المفتوحة: يمتد حق الجمهور في المعلومات إلى حضور اجتماعات الجهات العامة، للمشاركة في صنع القرار، ويقصد بالاجتماع في هذا الإطار الانعقاد الرسمي للجهة العامة لغرض تنفيذ الأعمال العامة، ومن العوامل التي تشير إلى أن الاجتماع هو اجتماع رسمي هي اشتراطات حضور النصاب وتطبيق القواعد الإجرائية الرسمية للاجتماع.

 

8- الأسبقية للإفصاح عن المعلومات: يجب أن يشترط قانون تداول المعلومات أن يتم تفسير التشريعات الأخرى، بطريقة تتفق ونصوصه، وأن يتم تعديل تلك التشريعات أو إلغائها، إذا ما تعارضت مع أحكام قانون تداول المعلومات.

ويجب حماية الموظفين من العقوبات، في حال أفصحوا عن معلومات مقيدة بالاستثناء، وكان ذلك بنوايا حسنة.

 

9- حماية المبلغين: يجب أن يكفل القانون حماية الأفراد من أي عقوبات قانونية أو إدارية أو أضرار ناتجة عن الإفصاح عن المخالفات سواء كانت في جهات عامة أو خاصة، ويجب أن تتسق القوانين الجنائية والمدنية والإدارية والعمالية مع ذلك.

ويقصد بالمخالفات ارتكاب أي جرائم جنائية أو عدم الامتثال للقانون أو الفساد أو سوء الإدارة، فيما يتعلق بأي جهة عامة. وكذلك الأمر في حال التهديدات الجسيمة للصحة أو السلامة أو البيئة.

 

خاتمة

تتوقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن يسهم هذا الدليل في توعية السادة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بأبرز المعايير اللازم توافرها في قانون تداول المعلومات، وتأمل أن يشهد عام 2022 إقرار قانون لتداول المعلومات في مصر.

 

للاطلاع على ال PDF 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.