إعداد: محمود عثمان، محامٍ بمؤسسة حرية الفكر والتعبير
تحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة
مقدمة
نشرت الجريدة الرسمية، بتاريخ 11 يوليو 2018، قرارًا لرئيس مجلس الوزراء بشأن تنظيم المهرجانات أو الاحتفالات. احتوى القرار المشار إليه على قيود جديدة على حرية المبدعين في إقامة المهرجانات والاحتفالات. وعلى مدار الأيام التالية لنشر القرار، ازدادت التساؤلات في أوساط المبدعين والمهتمين بحرية الإبداع حول عملية تنظيم المهرجانات، وسبل مواجهة القيود الجديدة التي أنشأها القرار.
تحاول مؤسسة حرية الفكر والتعبير، من خلال هذا التعليق القانوني على قرار رئيس مجلس الوزراء، أن توضح كيفية انتهاك القرار حريةَ الإبداع، وأن تشرح الإجراءات الجديدة المترتبة عليه. ولا يمكن أن نفهم هذا القرار بمعزل عن الهجمة المتواصلة على المبدعين، والتي رصدها التقرير ربع السنوي الثاني لحالة حرية التعبير الصادر عن المؤسسة، إضافة إلى القرار المتعلق بإنشاء أفرع جديدة للرقابة على المصنفات الفنية في سبع محافظات. ويبدو أن السلطة الحالية تعمل بقوة على حصار الإبداع، ووضع كَمٍّ كبير من العراقيل الإدارية أمام المبدعين.
يمنع قرار رئيس مجلس الوزراء تنظيم أو إقامة أية مهرجانات أو احتفالات، إلا بعد حصول منظميها على ترخيص من لجنة يرأسها وزير الثقافة وتضم ممثلين عن وزارات الخارجية، الداخلية، المالية، السياحة، الآثار، الطيران المدني، الشباب والرياضة، والتنمية المحلية. ويضع القرار شروطًا تتعلق بالمحتوى المقدم في الاحتفال أو المهرجان، فضلًا عن شروط متعلقة بالإجراءات القانونية المنظِّمة لطلب الترخيص.
لجنة عليا للمهرجانات تضم “الداخلية”
ينشىء قرار رئيس مجلس الوزراء لجنة عليا دائمة لتنظيم المهرجانات أو الاحتفالات. وتكشف اختصاصات اللجنة عن دورها في الرقابة على الإبداع، فهي ليست لجنة إدارية تقوم على تنسيق اﻹجراءات فقط. توضح المادة الرابعة من قرار رئيس مجلس الوزراء اختصاصات اللجنة العليا، ومن ضمنها دراسة طلبات تنظيم الحفلات والمهرجانات، ثم متابعة تنفيذها وتقييمها، وتقديم تقارير دورية عن كل مهرجان أو احتفال تتضمن توصيات اللجنة بهذا الشأن إلى وزير الثقافة.
وفي حال ارتأت اللجنة العليا للمهرجانات وجود مخالفة للمعايير الموضوعة بشأن تنظيم المهرجانات أو الاحتفالات، يحق لها رفض طلب الترخيص لتنظيم الحفل أو المهرجان. وتتابع اللجنة هذه الإجراءات بالتنسيق مع المحافظين. كما يحق للجنة العليا للمهرجانات، وفق البند الخامس من المادة الثامنة من القرار، أن تدخل إلى أماكن إدارة المهرجانات أو الاحتفالات، وتطلع على سجلاتها وحساباتها أثناء الحفل.
تضم اللجنة العليا وفقًا للقرار ما لا يقل عن 15 عضوًا برئاسة وزير الثقافة، وتضم ممثلي وزارات وجهات متعددة، وهي الخارجية، الداخلية، المالية، السياحة والآثار، الطيران المدني، الشباب والرياضة، التنمية المحلية، وممثلًا عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بالإضافة إلى رؤساء النقابات الفنية الثلاث (نقابة المهن الموسيقية – نقابة المهن السينمائية – نقابة المهن التمثيلية) ورؤساء النقابات الأدبية، ولم يحدد القرار عددهم. وبحسب القرار، سيكون هناك ضمن أعضاء اللجنة العليا “عدد مناسب” من الخبراء في المجال الفني من غير العاملين في إدارة المهرجانات، يختارهم وزير الثقافة.
تضع اللجنة العليا للمهرجانات أجندة سنوية تحدد من خلالها مواعيد إقامة المهرجانات أو الاحتفالات على مدار العام. ينص القرار، في البند رقم 2 من المادة الرابعة، على: “وضع أجندة سنوية تحدد مواعيد وأماكن إقامة المهرجانات والاحتفالات على مدار العام وفق برنامج زمني يكفل عدم تعارضها مع بعضها البعض مع مراعاة العدالة الثقافية في توزيع المهرجانات والاحتفالات على محافظات الجمهورية، وعدم تكرار إقامة أكثر من مهرجان أو احتفال متخصص في مجال ثقافي أو فني واحد في نفس المحافظة”.
ويعني ذلك أن اللجنة لن ترخص سوى لمهرجان أو احتفال واحد في نفس التخصص الفني لكل محافظة. وبالتالي، لا يمكن تنظيم مهرجان للجاز في محافظة القاهرة سوى مرة واحدة على مدار العام، وبالمثل في مجال الإنشاد الصوفي. فنص المادة يُمكِّن الجهات المعنية من استخدامها على هذا النحو.
الإجراءات الجديدة لتنظيم مهرجان أو احتفال
اتسمت إجراءات تنظيم الاحتفالات، قبل صدور القرار المشار إليه، بالبيروقراطية الشديدة، حيث كانت الإجراءات تتطلب موافقة ثلاث جهات: النقابة الفنية المختصة (نقابة المهن الموسيقية)، الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والسمعية بصرية (المصنفات الفنية) _وهي الجهة التي تقوم بالرقابة على كلمات الاغاني_ ووزارة الداخلية، المسئولة عن تأمين الاحتفال. واللافت هنا أن هذه الإجراءات _رغم تعقيدها_ تبقى أكثر سلاسة مقارنة باشتراط الحصول على ترخيص من اللجنة العليا للمهرجانات، الذي يفرضه قرار رئيس مجلس الوزراء. إذ أن اللجنة تضم في عضويتها ممثلي عدة وزارات وجهات، ويحكم عملها شروط معقدة، كما يلي:
- الاشتراطات الخاصة بتقديم طلب الترخيص ﻹقامة المهرجان أو الاحتفال:
يضع القرار مجموعة من الضوابط المتعلقة بالجهات المتقدمة للحصول على الترخيص، حيث يحتوي القرار على ضابط عام وهو أن تكون الجهة المتقدمة للحصول على الترخيص هي جهة منشأة وفقًا للقوانين المصرية وحاصلة على التراخيص اللازمة لمزاولة نشاطها. وذلك يعني أنه لا يحق للأفراد غير الممثلين من خلال كيانات قانونية التقدم بطلب للحصول على ترخيص ﻹقامة المهرجانات أو الاحتفالات. ويفهم من القرار أن الضابط المتعلق بالحصول على الترخيص يعني شمول القرار كلَّ أشكال الكيانات القانونية، مثل: الأندية والمراكز الثقافية وغيرها من الكيانات التي لا يمكن حصرها.
وباﻹضافة إلى هذا الضابط العام، تطرق القرار إلى ضابطين آخرين، يتعلق الأول منهما بالجمعيات الأهلية، حيث اشترط أن يكون للجمعية الأهلية نشاط ملموس لخدمة المجتمع في مجال تخصص المهرجان المراد ترخيصه. ويتيح هذا النص للجنة العليا للمهرجانات أن ترفض منح الترخيص للجميعات التي لا تمارس نشاطًا مستمرًّا في مجال المهرجان الذي تنوي تنظيمه.
ولم يوضح القرار وضع الاحتفالات التي تقيمها الجمعيات الأهلية بغرض جمع التبرعات لتمويل أنشطتها. كما يغفل القرار حالة الجمعيات المؤسسة حديثًا والتي تمارس نشاطها للمرة الأولى، إذ أنه لا يمكن تطبيق الشرط المتعلق بوجود نشاط ملموس لخدمة المجتمع. كما يمنح القرار جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في تحديد انطباق شرط خدمة المجتمع بشكل ملموس.
بينما تواجه الجمعيات والمؤسسات الأجنبية المسجلة في مصر قيدًا إضافيًّا، وفق قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة 2017، والذي يُلزم الجمعيات الأجنبية بالحصول على تصريح خاص لكل فعالية تقوم بها من “الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية”.
أما الضابط الثاني، فيتعلق بالشركات، والتي نص القرار ألا يقل رأس مال الشركة المنظمة للمهرجان أو الاحتفال عن 500 ألف جنيه مصري. وقد أغفل القرار التباين الشديد في نوعية وتكاليف تنظيم المهرجانات، حيث ساوى القرار بين الأشكال المختلفة للفنون والأنشطة الثقافية، دون النظر إلى التكلفة الفعلية لمهرجانات تستهدف عددًا قليلًا من الحضور أو تقوم على أنشطة بسيطة التكلفة.
- اشتراط تقديم بيانات مفصلة عن المهرجان أو الاحتفال:
1- اسم الجهة.
2- اسم الاحتفال وأهدافه ومكان إقامته.
3- أسماء مجلس إدارة الاحتفال.
4- مصادر تمويل الاحتفال.
5- ميزانية تفصيلية للاحتفال.
6- التعليمات الداخلية لتنظيم الاحتفال.
7- بيانات المدعوين إلى حضور الاحتفال سواء كانوا مصريين أو أجانب.
وباﻹضافة إلى هذه البيانات، تلتزم الجهة المنظمة للمهرجان أو الاحتفال بتقديم ما يثبت حصول المكان، الذي يقام فيه الاحتفال على ترخيص من قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة. ويُمنح هذا الترخيص بشكل سنوي للأماكن التي تنوي استضافة الاحتفالات.
صلاحيات واسعة لوزير الثقافة
يمنح قرار رئيس مجلس الوزراء وزير الثقافة اختصاصات أكثر اتساعًا، بعد أن كان دور وزارة الثقافة يقتصر على قيام جهاز الرقابة على المصنفات بالرقابة على المحتوى الفني للاحتفالات.
وينص القرار على منح وزير الثقافة صلاحية رفض طلب الترخيص بإقامة الاحتفال، إذا ارتأى أنه لا يحقق أهداف تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية المصرية وتعزيز التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتفعيل التبادل الثقافي بين مصر ودول العالم. كما يحق لوزير الثقافة وقف المهرجان أو إلغاء ترخيصه بعد منحه، دون أية ضوابط.
يتيح القرار كذلك لوزير الثقافة أن ينقل إلى وزارة الثقافة إدارة وتنظيم المهرجان أو الاحتفال، إذا ارتأى الوزير وجود مخالفة ترقى إلى كونها “إساءة لسمعة مصر” وذلك بشرط أن تتسق أهداف المهرجان مع رؤية وزارة الثقافة، إذ تنص المادة التاسعة من القرار على: “يجوز لوزير الثقافة إصدار قرار بتولي وزارة الثقافة تنظيم الحفل أو المهرجان في دوراته القادمة”. ويعني ذلك أن منظمي المهرجانات أو الاحتفالات سيخضعون لتهديد دائم من قِبَل وزارة الثقافة، إذ أن القرار لم يحدد ما هو المقصود بـ”اﻹساءة لسمعة مصر”، تاركًا ذلك لتفسير وزير الثقافة.
وهنا لم يوضح القرار الأساس القانوني للصلاحيات الممنوحة لوزير الثقافة، وإمكانية تفويض الغير فيها، ﻷن القرار لم يوضح طبيعة الصفة التي يصدر بها وزير الثقافة قراراته بشأن المهرجانات، فهل ذلك يرتبط بصفته كرئيس للجنة العليا للمهرجانات أم بصفته كوزير للثقافة. كما يمنع القرار منظمي المهرجانات أو الاحتفالات من تغيير مواعيدها، إلا بعد الحصول على موافقة من وزير الثقافة.
المخالفات الدستورية والقانونية في القرار
ينتهك القرار المشار إليه نصوص الدستور، ومنها المادة 67 من الدستور، وتنص على: “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك”، والمادة (65) من الدستور وتنص على: “ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.
ومن ناحية أخرى، يحمل القرار عدة مخالفات قانونية، كالتالي:
- مخالفة القرار قانونَ المصنفات الفنية ولائحته التنفيذية:
يوضح قانون المصنفات الفنية رقم 430 لسنة 1955 أن وزارة الثقافة[1] هي الجهة الوحيدة المخول لها الرقابة على المنتجات الفنية. وتبين اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه أنه يحق للإدارة العامة للرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة[2] الرقابة على الأعمال المتعلقة بالمصنفات السمعية، وتختص الإدارة بمنح تراخيص تسجيل المصنفات الفنية أو أدائها أو عرضها أو إذاعتها في مكان عام.
- تقديم بيانات المدعوين للاحتفال سواء كانوا مصريين أو أجانب:
يعد ذلك مخالفة صريحة للمادة رقم 15 من قرار مجلس الوزراء، رقم 162، لسنة 1993 بشأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية، حيث تعًرف المادة العروض العامة بأنها تلك العروض التي يمكن حضورها دون تمييز أفرادها. بينما تنص المادة السادسة من القرار المشار إليه على إلزام الجهة المتقدمة إلى الترخيص بتقديم بيانات المدعوين كاملة.
- اشتراط شهر يونيو لتقديم طلبات الترخيص:
من المفترض أن يكون تقديم طلبات الترخيص في أي وقت خلال العام، وهو ما يتسق مع متطلبات المواطنين في حضور الاحتفالات المختلفة، وأي قيد على هذه الحرية هو مخالفة لقانون الرقابة نفسه.
- عدم تحديد مدة البت في الترخيص:
لم يحدد القرار مدة للبت في طلب الترخيص، ولم يحدد مصير الطلب إذا مرَّ عليه وقت دون رد، فهل سيعد ذلك قبولًا أم رفضًا لطلب الترخيص. كذلك لم يحدد القرار كيفية التظلم من رفض طلب الترخيص، وجهة الطعن على قرار الرفض، كما لم يُلزم القرار اللجنة العليا بذكر أسباب تفصيلية لقرارات رفض طلب الترخيص، وذلك حتى يكون هناك ضمانات لعدم تعسف اللجنة العليا في إصدار قرارات الرفض.
خاتمة
تطرق التعليق إلى عدة محاور مرتبطة بقرار رئيس مجلس الوزراء بشأن تنظيم المهرجانات أو الاحتفالات، الذي لم يُجرِ حوله أي نقاش مع الفئات، التي تمثل هذه الفعاليات جزءًا من عملها، مثل: الموسيقيين. وجاء القرار غير منضبط في ألفاظه وأحكامه، بما يمكِّن اللجنة العليا للمهرجانات من التضييق على فعاليات ثقافية وفنية، بإدراجها ضمن المهرجانات أو الاحتفالات، كما منح القرار وزير الثقافة صلاحيات غير مسبوقة، أبرزها إسناد إدارة المهرجانات أو الاحتفالات إلى وزارة الثقافة، إذا ارتأى أن بها “إساءة لسمعة مصر”. كما أن القرار وهو قرار إداري صادر عن رئيس مجلس الوزراء قد تطرق إلى تنظيم أمور لم ينص عليها القانون، وبالتالي يكون رئيس مجلس الوزراء قد تغول على دور السلطة التشريعية.
وتدين مؤسسة حرية الفكر والتعبير قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن تنظيم المهرجانات أو الاحتفالات، وتحذر المؤسسة من خطورة هذا القرار على عملية الإنتاج الثقافي عامة والموسيقي خاصة، لذا تطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير السلطات المصرية بسحب القرار فورًا ودون أدنى شروط، كما تدعو المهتمين بالأعمال الإبداعية إلى التحرك القانوني للطعن على القرار.
[1] المادة رقم 2 من قانون المصنفات الفنية رقم 430 لسنة 1955. [2] المادة رقم 2 من اللائحة التنفيذية لقانون المصنفات الفنية بقرار مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993 بشأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية.