للاطلاع على الورقة بصيغة PDF من هنا
إعداد: سارة رمضان، باحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير
تحرير: محمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بالمؤسسة
ملخص:
- في يناير 2018، تولت الدكتورة إيناس عبد الدايم، في تعديل وزاري محدود، مهام منصبها الجديد كوزيرة للثقافة.
- تزامن التعديل الوزراي مع هجمة جديدة قادها إعلاميون وصحفيون ضد مبدعين بسبب تناول أعمالهم لأداء أجهزة الدولة. طالت الهجمة أداء وزارة الثقافة وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية لعدم قدرته على السيطرة على ما يخرج من المشهد الثقافي.
- موجة الهجوم جاءت بعد مطالبة السيسي للمثقفين والإعلاميين بالتصدي لأي محاولة للإساءة للقوات المسلحة، واعتبارها “خيانة عظمى”.
- كرد فعل على الهجوم، انتقدت وزيرة الثقافة الأعمال التي أثارت الأزمة، واصدرت قرارًا بإنشاء أفراع للرقابة على المصنفات الفنية في قصور الثقافة بـ7 محافظات “تطبيقًا لمبدأ اللامركزية”.
- بعد أكثر من 3 أشهر من صدور القرار، لم تتح وزارة الثقافة أي معلومات تفصيلية عن آليات العمل داخل أفرع الرقابة الجديدة، ولم تحدد اختصاصاتها.
- يأتي القرار في محاولة وزارة الثقافة وجهاز الرقابة لتغطية “التفتيش” على محافظات مصر، تفاديا لبعض الأخطاء التي تسببت في إثارة النظام ومؤيديه، وفي محاولة لإثبات فاعليتها وقدرتها على السيطرة على ما يخرج من المشهد الثقافي للحيز العام.
- تستغل وزارة الثقافة بقرارها قصور الثقافة كمقرات للرقابة على المصنفات الفنية، عوضًا عن تطويرها وتفعيل دورها في نشر وتطوير الثقافة الشعبية في محافظات مصر
مقدمة:
أصدرت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، قرارًا بإنشاء مقرات للإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية بسبع محافظات. حيث أعلن الإعلامي أحمد موسى في حلقة برنامجه المذاع على قناة صدى البلد، في 11 مارس 2018، عن إنشاء مقرات جديدة للرقابة داخل قصور الثقافة بالجيزة، السادس من أكتوبر، جنوب سيناء، أسيوط، أسوان، الأقصر، مرسى مطروح، والبحر الأحمر.
في اليوم التالي نشر الموقع الرسمي لوزارة الثقافة وكذا الصفحة الرسمية للوزارة على موقع فيسبوك أن الوزارة ستبدأ تنفيذ القرار مطلع أبريل 2018، بغرض التيسير والتبسيط على المبدعين والمواطنين، وكذا تطبيقًا لمبدأ “اللامركزية”.
ومنذ صدور القرار في مارس الماضي، لم تعلن الوزارة حتى الآن عن أي تفاصيل أو آليات لتنفيذ القرار، واكتفت فقط بالإعلان عن أسماء المحافظات المزمع إنشاء المقرات بها، لتتوسع بذلك الرقابة على المصنفات الفنية وتمتد أفرعها لتغطي 9 محافظات بما في ذلك فرعي القاهرة والإسكندرية.
تحاول مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال الورقة الوقوف على ملابسات القرار، خاصة أن توقيت صدوره كان شديد الحساسية؛ إذ جاء بعد هجمة جديدة على المبدعين، كما تحاول الورقة مناقشة السياق الذي أفرز القرار، وإلى أي مدى يعبر عن توغل أكثر للرقابة، بغرض بسط نطاق سيطرتها على الأعمال الإبداعية البعيدة عن بؤرة المركز.
هجمة جديدة على الإبداع
سبق صدور القرار بإنشاء مقرات جديدة للرقابة على المصنفات الفنية حدوث هجمة جديدة على الإبداع والمبدعين في مصر. ففي فترة زمنية لا تتعدى أسبوعين، هاجم إعلاميون وصحفيون ومثقفون من المحسوبين على السلطة الحالية العرض المسرحي “سليمان خاطر”، وديوان شعر “خير نسوان الأرض”،والمسؤولين عن العملين، بدعوى ما اعتبروه إساءة للجيش ودعم للإرهاب احتوى عليها العملين. كما قُدمت بلاغات ضد المبدعين، أفضت إلى حبس أفراد من طاقم عمل مسرحية سليمان خاطر، ومصادرة ديوان الشعر وحبس مؤلفه. باﻹضافة إلى حبس ومطاردة صناع فيلم “سالب 1095 يوم”، وكذلك حبس الراقصة “جوهرة” لاتهامها بإثارة الفجور، كما منعت الرقابة على المصنفات الفنية العرض المسرحي “قبل الثورة”.
تزامنت موجة الهجوم على المبدعين مع كلمة السيسي خلال افتتاح مدينة العلمين، في الأول من مارس 2018، والتي أعلن خلالها أن الإساءة للجيش والشرطة إساءة لكل المصريين، وتساوي في وقت “الحرب” خيانة عظمى، كما دعا جهات الدولة الإعلامية والثقافية والتعليمية لمراجعة أنفسهم والتصدي دون طلب لمحاولات الإساءة لمؤسستي الجيش والشرطة.
وكانت أزمة مسرحية “سليمان خاطر”، والتي فجرها مقال[3] الصحفي أيمن بدرة فى جريدة أخبار الرياضة، عدد 27 فبراير 2018، قد مثلت أولى تحديات الوزيرة الجديدة آنذاك ايناس عبد الدايم على مستوى حرية الإبداع، حيث تسبب مقال “بدرة” التحريضي ضد صناع مسرحية سليمان خاطر، والتي عرضتها فرقة مسرح نادي الصيد، في شن حملات صحفية وإعلامية ضد صناع العمل. أدى ذلك إلى تقديم بلاغات ضدهم وحبسهم على ذمة التحقيقات بإتهامات من بينها إهانة مؤسسة الجيش.
وفي مقاله المعنون “جريمة ضد الجيش فى نادى الصيد”، وصف بدرة المسرحية بأنها عملية تخريبية للشباب المصري في زمن الحرب، وأنها جريمة تهدف لهدم مكانة الجيش، بعد ما تضمنته من إهانات بالغة وسخرية من تضحيات رجال الجيش ودعم للإرهاب وتفكيك لروابط الوطن، وطالب في مقاله بمحاسبة سريعة للقائمين على العمل، ومن أجازوا عرضه، مضيفًا “لا أعتقد أن قانون الرياضة الجديد ولائحته الاسترشادية وأي لوائح خاصة بالأندية التي تعطي الحرية للجمعيات العمومية قد تسمح أن يتم العبث بمقدرات الدولة والتطاول على جيشها”.
في اليوم التالي لمقال بدرة، أفرد الإعلامي أحمد موسى حلقة برنامجه[4] على مسئوليتي للهجوم ضد المبدعين الذين تناولوا أي من مؤسسات الدولة بالنقد في أعمالهم، وخاصة مؤسستي الجيش والشرطة، وشن هجومًا على وزارة الثقافة، كما انتقد مؤسسات الدولة لتقاعسها في اتخاذ إجراءات ضد “المتطاولين”. تضمنت الحلقة خطابًا تحريضيًا ضد القائمين على مسرحية “سليمان خاطر” وبصفة خاصة مخرجها أحمد الجارحي، وضد مؤلف ديوان “خير نسوان الأرض” الكاتب والشاعر جلال البحيري.
وقد أثار أيضًا ديوان “خير نسوان الأرض” والذي كان مقرراً له أن يُطرح في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، غضب الإعلاميين الموالين للنظام فور الإعلان عن صدوره. جاء الهجوم على الديوان بسبب عنوانه الذي اعتبر سخرية دينية وسياسية، لتحريفه نصًا دينيًا مقدسًا بهدف السخرية من جنود القوات المسلحة، وقد وصفه موسى في ذات الحلقة بأنه “سفه وعار”، وأكد على أنه يجب أن يموت أولاً قبل السماح لـ”هذا الهراء” بالنشر في مصر.
على إثر حلقة موسى الغاضبة، فسخت دار ضاد للنشر تعاقدها مع البحيري، وتبرأت من محتوى الديوان، وأعلنت الدار[5]، في بيان صحفي “تضامنها الكامل مع معركة مصر في التنمية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي”، وأضافت “فور علمنا لما بدر من الشاعر تم فسخ التعاقد وإلغاء التعامل معه، وأنه لا صوت فوق صوت المعركة التي يخوضها أبطالنا في سيناء”، كما قدمت بلاغات عدة من مسئولين وإعلاميين ومحامين ضد صناع الأعمال محل الأزمة.
حيث تقدم المحامي طارق محمود، ببلاغ[6] ضد الكاتب والشاعر جلال البحيري، اتهمه فيه بالإساءة للقوات المسلحة المصرية، والتطاول على الدين، وتشويه صورة رئيس الدولة. كما تقدم المحامي سمير صبري بثلاث بلاغات[7] إلى النائب العام، ونيابة أمن الدولة العليا، والمدعي العام العسكري، ضد كل من المطرب رامي عصام، لإطلاقه مؤخراً أغنية “بلحة”، ومؤلف ديوان “خير نسوان الأرض”، ومخرج ومؤلف مسرحية “سليمان خاطر” لما تضمنه العرض من سخرية من تضحيات القوات المسلحة. وعلى إثر البلاغات التي أحيلت للقضاء العسكري تجري الآن محاكمات لجلال البحيري، وأحمد الجارحي مخرج العرض المسرحي ومؤلف العرض وليد عاطف ومن ساعدهم بإحضار ملابس عسكرية للعرض. كما أمرت نيابة أمن الدولة، بحبس المونتير طارق زيادة ١٥ يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات بتهمة بث أخبار كاذبة في فيلم بعنوان “سالب 1095 يوم”[8]، وضبط وإحضار سلمى علاء الدين، منتجة الفيلم، وعدد من المشاركين في العمل.
أما فيما يتعلق بأزمة الراقصة “جوهرة”[9]، فقد أخلت النيابة العامة سبيلها بكفالة مالية 5 آلاف جنية على ذمة التحقيقات في القضية المتهمة فيها بالتحريض على الفسق والفجور، وإثارة الغرائز عبر إيحاءات جنسية، والعمل بدون ترخيص. كانت شرطة السياحة قد حررت محضرًا ضد الراقصة روسية الأصل “إيكاترينا اندريفا” بعد انتشار فيديو على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” تؤدي خلاله رقصة، وقالت التحريات أن الراقصة ارتدت في المقطع المصور بدلة رقص شبه عارية -بدون شورت-، وغير مطابقة للمواصفات، وتظهر فيها مفاتن جسدها، علاوة على استخدام يدها فى الإشارة على أجزاء حساسة من جسدها، لإثارة غرائز الشباب.
وضعت هذه الهجمة وزارة الثقافة في أزمة مع النظام، وصف فيه أداء الوزارة وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية بالمتراخي، لعدم قدرته على الإلمام بما يخرج من المشهد الثقافي بما يسمح بمراقبته لإجازة أو منع الأعمال، واتخاذ ما يلزم ضدها من إجراءات قبل خروجها للعرض العام. كما وضعتها في أزمة مع المبدعين لتقاعسها في أداء دورها في دعم الثقافة والمثقفين، وفي تشكل ذراعًا قوية تحمل عبء الحركة الثقافية المصرية، بما يسمح بخلق أرضية عمل خصبة ومحفزة للمبدعين تخولهم لخلق وعرض منجزهم الإبداعي.