الجائحة لا توقف القمع.. كيف تعاملت الدولة مع الإنترنت في ظل كوفيد 19؟

تاريخ النشر : الثلاثاء, 30 يونيو, 2020
Facebook
Twitter

 

المحتوى

 منهجية

 مقدمة

 أولًا: التعبير الرقمي: اتهامات بالنشر حول أزمة كوفيد-19

  •  قضايا النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي
  • استهداف الأطباء في مواجهة نقد سياسات وزارة الصحة

 ثانيًا: الرقابة على الإنترنت: الصحافة الرقمية في دائرة الحجب

 خاتمة وتوصيات

منهجية

اعتمدت الورقة على الانتهاكات التي وثقتها وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة منذ نهاية مارس 2020، فيما يتعلق بالنشر بشأن أزمة كوفيد-19 في مصر. كما اعتمدت الورقة على البيانات التي وفرتها وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة حول الاتهامات التي وجهتها نيابة أمن الدولة العليا إلى عدد من النشطاء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأطباء، منذ نهاية مارس 2019.

مقدمة

قبل ثلاثة أشهر، شهدت مصر اهتمامًا متزايدًا بأزمة كوفيد-19، وبدأت السلطات المصرية في اتخاذ إجراءات وقائية للحماية من مخاطر انتشار عدوى كوفيد-19. تبنت الحكومة المصرية خطابًا موضوعيًّا والتزمت بقدر كبير من الشفافية في الإعلان عن إجراءاتها. وباتت أصوات عديدة في السياسة والإعلام تطالب بتخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير وتداول المعلومات، إذ أن دولة بحجم مصر يزيد عدد سكانها على 100 مليون فرد، لا تملك خيارًا سوى حشد جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية من أجل التعاون في مواجهة الجائحة.

ولكن لم تلتفت السلطات المصرية إلى مثل هذه التوصيات، وسرعان ما انتشرت تحذيرات رسمية من تناول أخبار فيروس كورونا المستجد، ثم بدأت الأجهزة الأمنية في القبض على بعض المواطنين، فيما عرف حينها إعلاميًّا بقضية كورونا. وفي الوقت الذي طالبت فيه منظمات حقوقية بالنظر في الإفراج عن المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا سياسية ومرتبطة بحرية التعبير، كانت نيابة أمن الدولة العليا تجري تحقيقاتها مع عشرات من المقبوض عليهم، بسبب نشر تدوينات، تتناول جائحة كوفيد-19 في مصر.

ليس ذلك فقط، بل للمرة الأولى، تركز الأجهزة الأمنية على استهداف الأطباء في القضايا المتعلقة بالتعبير الرقمي، حيث بدا أن هناك تخوفًا من مشاركة الأطباء في انتقاد سياسات وزارة الصحة وتداول المعلومات عن الاستعدادات الطبية لانتشار عدوى كوفيد-19.

من جانب آخر، ورغم أنه لم ترصد المؤسسة قيام السلطات المصرية بحجب مواقع وِب جديدة حتى نهاية مارس، فإنه ومنذ إبريل الماضي، عادت السلطات المصرية إلى حجب المواقع والنطاقات البديلة التي تستخدمها بعض المواقع المحجوبة، مستهدفة مواقع صحفية حزبية ومستقلة وهي درب والمنصة ومدى مصر.

وعلى الأرجح، فإن السلطات المصرية نظرت إلى الإنترنت باعتبار أنه أكثر خطرًا على استقرار النظام السياسي من جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى تركيز جهود الأجهزة الأمنية والنيابة العامة في حبس عشرات الأفراد، وتوجيه اتهامات إليهم بالنشر حول أزمة كوفيد-19. وهذا ما تتطرق إليه هذه الورقة، التي تحاول كذلك أن تسلط الضوء على أبرز هذه القضايا والاتهامات الواردة بها.

أولًا: التعبير الرقمي: اتهامات بالنشر حول أزمة كوفيد-19

 شرع مجلس الوزراء في إدارة أزمة كوفيد-19، منذ مارس الماضي، وكانت البداية بالكشف عن وجود عدة حالات للإصابة بالعدوى، والعمل على تقصي ورصد بؤر انتشار فيروس كورونا المستجد، بينما كانت المنظمات الحقوقية تتخوف من امتداد العدوى إلى السجون، وتطالب بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًّا والفئات الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى.

في تلك الفترة، بدا أن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي يتبنى نهجًا مختلفًا في التعامل مع جائحة كوفيد-19، حيث يتم عقد مؤتمرات صحفية دوريًّا وشرح الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية، ومدى انتشار فيروس كورونا المستجد، وفق ما ترصده وزارة الصحة والسكان. مثَّل هذا النهج خروجًا على ما اعتادته الجهات الرسمية في مصر من حجب للمعلومات، وعدم اكتراث بإحاطة الرأي العام بتطورات الأزمات التي تواجه مؤسسات الدولة.

ازداد الاهتمام الإعلامي بأزمة كوفيد-19 وخاصة الجوانب المتعلقة بسياسات وإجراءات وزارة الصحة لمجابهة الأزمة، وامتد ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأ عديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والنشطاء السياسيين في التفاعل مع تطورات الأزمة، وبدأ البعض ينشر ما يصل إليه من معلومات أو شكاوى بشأن المنظومة الصحية، بينما علق البعض الآخر على مدى استعداد مؤسسات الدولة لمجابهة الجائحة.

ولكن بدلًا من الإفراج عن المحبوسين احتياطيًّا، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في القبض على أفراد آخرين، وجرت الإشارة إلى ذلك في وسائل الإعلام باعتبارها قضية “كورونا”. وأمام نيابة أمن الدولة العليا، نما إلى علم المحامين الحقوقيين أن النيابة تعمل على التحقيق مع عدد من الأفراد المقبوض عليهم بسبب كتابة تدوينات عن أزمة كوفيد-19. ولم يكن ذلك سوى البداية، إذ توسعت الأجهزة الأمنية في القبض على نشطاء سياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وأطباء، فيما يبدو تحركًا ممنهجًا ومقصودًا لحصار النقاش العام حول سياسات الصحة العامة، ومدى مصداقية المعلومات التي تعلنها الجهات الرسمية.

  • قضايا النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي

 نشرت جريدة الشروق خبرًا عن إلقاء القبض على شابين بالإسكندرية، في 24 مارس 2020، بسبب نشرهما أخبارًا مغلوطة عن انتشار فيروس كورونا، وذلك نقلًا عن مصدر أمني.[1] لم تكن تصريحات المصدر الأمني آنذاك كافية لمعرفة ما يحدث، ولكن في الأسبوع الأول من إبريل، نما إلى علم المحامين الحقوقيين أن نيابة أمن الدولة العليا بدأت التحقيق مع متهمين جرى القبض عليهم في شهر مارس أو حققت مع بعضهم بالفعل في إحدى القضايا الجديدة التي عُرفت في النيابة بقضية “كورونا”.

على الأرجح، جاء تحرك الأجهزة الأمنية في إطار خطة أو توجه أشمل لكي يتم منع المواطنين من التعبير عن آرائهم تجاه سياسات مؤسسات الدولة في مجابهة جائحة كوفيد-19، إذ أن قضية كورونا _ويقصد بها القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا_ باتت مفتوحة تضم المزيد من النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بعض حالات المقبوض عليهم على ذمة هذه القضية إلى جانب حالات القضية 535 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، ويمكن القول إجمالا إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى القبض على غالبية هؤلاء النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أولها: توجيه انتقادات لسياسات وزارة الصحة في التعامل مع جائحة كوفيد-19، ثانيها: تناول معلومات حول وجود إصابات بكوفيد-19 غير معلن عنها، وثالثها: المطالبة بالإفراج عن السجناء خوفًا من تفشي العدوى في السجون.

كل هذه المنطلقات باتت في نظر السلطات المصرية محاولات لنشر الأخبار الكاذبة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وكالعادة في قضايا حرية التعبير الرقمي يضاف الاتهام بالانضمام إلى جماعة إرهابية كذلك، ويتم إصدار قرارات بالحبس الاحتياطي للمتهمين وتجدد النيابة الحبس حتى وإن تعذر حضور المتهم من محبسه، في استمرار لانتهاك القانون.

في 4 إبريل 2020، ألقت قوات الشرطة القبض على الناشط والصيدلي محمد السايس، في الإسكندرية، وتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا في 9 إبريل 2020. تطرق التحقيق مع السايس إلى بعض الآراء التي كتبها عبر حسابه على موقع فيسبوك بشأن سياسة وزارة الصحة وما يعتقد أنه سيفيد في مواجهة جائحة كوفيد-19، حتى أن شقيقه كتب لاحقًا أنه كان يستعد للتطوع ضمن مبادرة لوزارة الصحة لينضم إلى الأطقم الطبية التي تتعامل مع حالات الإصابة بكوفيد-19.

كانت آراء السايس سببًا في قرار النيابة بحبسه على ذمة التحقيقات، وتوجيه اتهامات إليه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر الأخبار الكاذبة واستخدام حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، ولا يزال السايس محبوسًا احتياطيًّا على ذمة القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.

بعيدًا عن الإسكندرية، ألقت قوات الشرطة القبض على هدير سالم، في 26 مارس 2020، في محافظة دمياط الساحلية. حققت نيابة أمن الدولة العليا مع هدير سالم، في 28 مارس 2020، ووجهت إليها اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها ونشر أخبار كاذبة واستخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض. قررت النيابة حبس هدير سالم على ذمة التحقيق في القضية رقم 535 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.

تطرق التحقيق مع هدير سالم إلى نشرها معلومات حول وجود إصابات بكوفيد-19 في مستشفى دمياط العام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البيان اليومي الذي تصدره وزارة الصحة والسكان لا يتضمن معلومات حول الانتشار الجغرافي لحالات الإصابة بكوفيد-19.

أما عاطف حسب الله الذي تم القبض عليه في منتصف مارس الماضي، فقد وجهت إليه نيابة أمن الدولة العليا اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة واستخدام موقع إلكتروني بغرض ارتكاب جريمة. وتم حبس حسب الله على ذمة التحقيقات في القضية 558 حصر أمن دولة عليا. وتطرقت التحقيقات مع عاطف حسب الله إلى بعض الآراء الناقدة التي نشرها من خلال حسابه بموقع فيسبوك حول العدد المعلن للإصابات بكوفيد-19. بينما تم التحقيق مع المحامي محسن بهنسي وتم حبسه على ذمة نفس القضية، نظرًا إلى كتابته عن ضرورة الإفراج عن بعض السجناء للوقاية من الإصابة بكوفيد-19.

وأخيرًا، تم التحقيق مع الناشطة الحقوقية سناء سيف في 23 يونيو 2020، ووجهت إليها نيابة أمن الدولة العليا اتهامات بنشر أخبار كاذبة، والتحريض على ارتكاب جرائم إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وقررت حبسها لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق في القضية رقم 659 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا. وشمل التحقيق مع سناء سيف ما نشرته عن انقطاع تواصلهم مع شقيقها الناشط المحبوس احتياطيًّا بسجن طرة، علاء عبد الفتاح، في ظل خوف الأسرة على حياته بسبب تفشي جائحة كوفيد-19.

تظهر هذه الحالات أن السلطات المصرية تسعى من خلال القبض على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والنشطاء إلى تقييد النقاش العام حول أزمة كوفيد-19، وحرمان المواطنين المصريين من الوسيلة الوحيدة المتبقية للتفاعل مع الشأن العام، وهي استخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية في تداول المعلومات والتعبير عن الرأي بشأن السياسات العامة. وفي ذلك تستخدم السلطات المصرية أجهزتها الأمنية والتي تقوم بمراقبة حسابات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم تقوم بالقبض على بعضهم، ثم يأتي دور نيابة أمن الدولة العليا، والتي توجه إليهم اتهامات لا أدلة عليها، وتصدر قرارات بالحبس الاحتياطي.

  •  استهداف الأطباء.. في مواجهة نقد سياسات وزارة الصحة

 أعلنت نقابة الأطباء تأجيل مؤتمر صحفي بشأن إجراءات مجابهة فيروس كورونا المستجد، في 27 يونيو 2020، وأرجعت ذلك إلى “أسباب تقنية”، بحسب ما جاء في الصفحة الرسمية للنقابة بموقع فيسبوك.[2] بينما قال أمين صندوق نقابة الأطباء في تصريحات للمصري اليوم أن “أعضاء المجلس، وموظفو النقابة، فوجئوا بتواجد كثيف لرجال الأمن ومحاولات لمنع دخول النقابة، استمرت لما يزيد عن الساعة، إلا إنهم تمكنوا من الدخول عقب الحديث مع قيادات الأمن المتواجدين أمام المقر”.[3]

لم يكن منع نقابة الأطباء من تنظيم مؤتمرها الصحفي سوى آخر التحركات الأمنية التي تهدف إلى منع الأطباء من توجيه انتقادات إلى سياسات وزارة الصحة والحكومة المصرية في التعاطي مع أزمة كوفيد-19، وسبق ذلك حملة مكثفة سواء على مستوى المسؤولين الرسميين وعلى رأسهم رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، الذين انتقدوا الأطباء وحملوهم مسؤولية تدهور الخدمات الصحية، أو من جانب الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض على عدد من الأطباء.

ففي 14 يونيو 2020، أرسلت نقابة الأطباء خطابًا إلى النائب العام بخصوص الأطباء الذين تم القبض عليهم،[4] عقب نشر آراء لهم متعلقة بجائحة كورونا. وقالت النقابة في خطابها أن هناك شكاوى متعلقه بهذا الشأن وردت إليها، وطالبت النقابة النائب العام بسرعة الإفراج عنهم إلى حين انتهاء التحقيقات معهم، وحضور ممثل عن النقابة، أثناء التحقيقات باعتباره حقًّا أصيلًا لها. أشار البيان إلى خمس حالات محددة:

  • محمد حامد محمود، طبيب بمستشفى جمال عبد الناصر بالإسكندرية، ومتهم على ذمة القضية 535 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا.
  • آلاء شعبان حميدة، طبيبة بمستشفى الشاطبي بالإسكندرية، ومتهمة على ذمة القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا.
  • إبراهيم عبد الحميد بدوي، طبيب بمستشفى المطرية بالقاهرة، ومتهم على ذمة القضية 535 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا.
  • هاني بكر علي، اختصاصي رمد ويمتلك عيادة خاصة، ومتهم على ذمة القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا.
  • أحمد صبرة أحمد إبراهيم، أستاذ النساء بجامعة بنها بالقليوبية، ومتهم على ذمة القضية 558 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا.

واختتمت نقابة الأطباء بيانها بالتأكيد على أن “هذه الوقائع المتكررة تنشر حالة من الإحباط والخوف المتزايد وسط صفوف الأطباء في وقت صعب من تاريخ الوطن”.

تم القبض على الطبيبة آلاء شعبان حميدة، في 28 مارس 2020، بسبب سماحها لممرضة باستخدام هاتفها لإبلاغ وزارة الصحة بوجود حالة يشتبه في إصابتها بكورونا بمستشفى الشاطبي، ما اعتبره مدير المستشفى التي تعمل بها تعديًا على اختصاصاته، وتواصل مع جهاز الأمن الوطني الذي ألقى القبض عليها من مكتبه. وباستثناء هذه الحالة، فإن الأطباء الأربعة الآخرين تم القبض عليهم بسبب آراء كتبوها عبر منصات التواصل الاجتماعي تناولت انتقادات لسياسات الحكومة المصرية في مجابهة كوفيد-19، ومنهم الطبيب هاني بكر علي، الذي انتقد نقص المستلزمات الطبية لمواجهة الجائحة في مصر.

إضافة إلى ذلك، قال وكيل وزارة الصحة بالشرقية هشام شوقي مسعود، في 8 إبريل 2020، إنه قرر إحالة طبيب إلى التحقيق ونقله من مستشفى ديرب نجم، بسبب قيامه بنشر فيديو بأحد مواقع التواصل الاجتماعي “يدعي فيه عدم توافر مستلزمات طبية وقائية بالمستشفى، مخالفًا للواقع، مما أثار بعض البلبلة، والقلق داخل الوسط الطبي ولدى المواطنين بالمحافظة”، بحسب تصريحات وكيل وزارة الصحة بالشرقية لصحيفة المصري اليوم.[5]

تبين هذه الحالات التي رصدتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن السلطات المصرية استهدفت الأطباء الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها فيسبوك لكتابة ونشر آرائهم وبعض المعلومات حول ما تواجهه الأطقم الطبية في ظل جائحة كوفيد-19، في الوقت الذي لم يكن الأطباء أو نقابتهم جزءًا من الفاعلين في وضع السياسات العامة المرتبطة بمجابهة جائحة فيروس كورونا المستجد.

وحتى صدور هذه الورقة لم تخلِ نيابة أمن الدولة العليا سبيل أيٍّ من الأطباء المحبوسين احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، وذلك على الرغم من مرور أسبوعين على مخاطبة نقابة الأطباء النائب العام لإخلاء سبيل هؤلاء الأطباء، الذين حاولوا المساهمة في النقاش العام حول مجابهة كوفيد-19.

  ثانيًا: الرقابة على الإنترنت: الصحافة الرقمية في دائرة الحجب

 بعد أن مرت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 دون رصد قيام السلطات المصرية بحجب مواقع جديدة، واجه مستخدمو الإنترنت صعوبة في الوصول إلى موقع درب، في 9 إبريل 2020. ووفقًا للاختبارات التي أجرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير، تبين تعرض موقع درب للحجب، بعد شهر من إطلاقه.[6] ويصدر موقع درب عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، برئاسة تحرير عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق خالد البلشي، وتم إطلاق الموقع في 8 مارس 2020.

وفي 9 إبريل 2020، أعلن كذلك موقع “مدى مصر” عن تعطل موقع تخطي الحجب الخاص به،[7] وبعمل اختبار تبين أن الموقع البديل قد تعرض للحجب. تعرض مدى مصر للحجب في مايو 2017، مع بداية حجب السلطات المصرية لمواقع الوِب على نطاق واسع. وحاول فريق مدى مصر إيجاد بدائل للوصول إلى القراء، بعد حجب الموقع، كان من بينها استخدام خدمة صفحات الهواتف المحمولة المُسرَّعة (AMP)، والتي تقدمها google. لاحقًا، تعرضت خدمة (AMP ) بدورها إلى الحجب في مصر في فبراير 2018.[8]

كما تعرض نطاق بديل للموقع الصحفي “المنصة” إلى الحجب في مصر، في 9 إبريل 2020، وفقًا لمنشور على صفحتهم على موقع فيسبوك.[9] أجرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير اختبارًا أكد تعرض النطاق البديل للحجب. وذكر موقع “المنصة” في المنشور أن الموقع تعرض لمحاولات تعطيل على مدار خمسة أيام “تعرض الموقع  بتحميله بعدد كبير من الزيارات، اتضح أن هذه الزيارات عبارة عن روبوتات، يوم الخميس 9 إبريل؛ تعرض الموقع لحجب تام لكل أسماء النطاقات المستخدمة في النشر”.

يأتي استهداف هذه المواقع الصحفية الثلاثة نظرًا إلى ما تقدمه من محتوى يخرج عن سيطرة الأجهزة الأمنية في الدولة، وقد نشرت هذه المواقع أخبارًا وتغطيات متنوعة حول جائحة كوفيد-19 في مصر، وربما ساهم ذلك في تحرك السلطات المصرية تجاه حجب هذه المواقع، ضمن سعي السلطات إلى تقييد النقاش العام حول جائحة كوفيد-19.

 خاتمة وتوصيات

تهدف مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال إصدار هذه الورقة إلى تسليط الضوء على ممارسات السلطات المصرية تجاه الحقوق الرقمية فيما يتعلق بأزمة كوفيد-19، وتقديم مادة موثقة عن هذه الانتهاكات.

وتحث مؤسسة حرية الفكر والتعبير الجهات والمجموعات المعنية بحقوق الإنسان على مطالبة السلطات المصرية بوقف الاتهامات المرتبطة بانتقاد سياسات وزارة الصحة حول أزمة كوفيد-19، والدعوة إلى اﻹفراج عن النشطاء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأطباء المحبوسين احتياطيًّا على ذمة هذه القضايا.

وتوجه مؤسسة حرية الفكر والتعبير هذه التوصيات إلى الجهات الرسمية، كما يلي:

  • على النيابة العامة حفظ التحقيقات في القضايا أرقام: 558 لسنة 2020، 535 لسنة 2020، و563 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، والإفراج عن المتهمين المحبوسين احتياطيًّا على ذمة هذه القضايا.
  • على الحكومة المصرية أن تضمن للأطباء والعاملين بالأطقم الطبية حقهم في التعبير الحر عن آرائهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعزز المساءلة والشفافية في مواجهة جائحة كوفيد-19.
  • يجب أن توقف السلطات المصرية ممارساتها في الرقابة على الإنترنت، وتمكن مستخدمي الإنترنت من الوصول إلى المواقع الصحفية المحجوبة، والتي يبلغ عددها 127 موقعًا على الأقل، وفقًا لحصر مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

 ملحق رقم (1)

[1] عصام عامر، ضبط شخصين لاتهامهما ببث الشائعات حول كورونا في الإسكندرية، الشروق، 24 مارس 2020، تاريخ آخر زيارة: 20 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/3drZR1Z
[2] محمد فتحي، الأطباء تعلن تأجيل مؤتمرها الصحفي عن إجراءات مواجهة كورونا، الشروق، 27 يونيو 2020، تاريخ آخر زيارة: 27 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/31mbpS1
[3] عاطف بدر، "الأطباء" تؤجل مؤتمرها الصحفي لـ"أسباب تقنية".. وأمين النقابة: الأمن منع دخولنا، المصري اليوم، 27 يونيو 2020، تاريخ آخر زيارة: 27 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2YF9eXS
[4] اقرأ ملحق رقم (1)، خطاب نقابة أطباء مصر إلى السيد المستشار حمادة الصاوي - النائب العام. 
[5] وليد صالح، نقل طبيب وإحالته للتحقيق بعد نشره فيديو عن عدم توافر مستلزمات طبية بمستشفى بالشرقية، المصري اليوم، 8 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 27 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2ZdB6l3
[6] مؤسسة حرية الفكر والتعبير، حجب موقع "درب" لخالد البلشي بعد شهر واحد من إطلاقه، 9 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 20 يونيو 2020، رابط:  https://bit.ly/2But1jY
[7] صفحة مدى مصر بفيسبوك، مشاغب.. من "التالتة يمين" إلى "العقرب"، 9 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 20 يونيو 2020، رابط: https://www.facebook.com/mada.masr/photos/a.564476860276121/3133159743407807/?type=3
[8] محمد الطاهر، غلق النوافذ.. الرقابة على الإنترنت في مصر، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 19 فبراير 2018، تاريخ آخر زيارة: 20 يونيو 2020، رابط: https://bit.ly/2AV62i6
[9] صفحة المنصة بموقع فيسبوك، لماذا تعذر الوصول إلي موقع المنصة الأيام الماضية؟ 11 إبريل 2020، تاريخ آخر زيارة: 20 يونيو 2020، رابط: https://www.facebook.com/almanassanews/photos/a.972036149502176/2968606739845097/?type=3&theater

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.