سين وجيم حول حذف حوار السياسي أحمد الطنطاوي مع موقع المنصة من فيسبوك، بعد بلاغ من القناة الأولى المصرية

تاريخ النشر : الخميس, 7 يوليو, 2022
Facebook
Twitter

إصدارات وحدة الرصد والتوثيق

 

أعلن موقع المنصة في  11 يوليو الماضي تسلمه إشعارًا من إدارة فيسبوك يُفيد بتراجع القناة الأولى عن إدعائها بملكية حقوق بث مقطع الفيديو والذي تسبب في حجب فيسبوك لحوار أحمد الطنطاوي المنشور على حساب الموقع وهو ما يترتب عليه رفع الحجب عنه. وتثمن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تراجع القناة عن ملاحقة فيديو حوار المنصة تحت دعاوى مخالفة للقانون والعرف الصحفي في التعامل مع الخطابات الرئاسية، في سابقة كانت الأولى من نوعها.

 

ماذا حدث؟

في 10 يونيو 2022، نشر موقع المنصة الصحفي، وهو أحد المواقع الصحفية الخاصة القليلة التي ما زالت تمارس عملها من داخل مصر رغم قيود الحجب والملاحقة الأمنية، حوارًا صحفيًّا مصورًا مع البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة الحالي أحمد الطنطاوي، تناول عدة موضوعات، منها: دعوة رئيس الجمهورية إلى حوار وطني، السياسات الاقتصادية الحاكمة، بالإضافة إلى وعود الرئيس بالإصلاح السياسي.

بعد يومين من نشر الحوار وتحديدًا في 12 يونيو، نشر موقع المنصة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بيانًا[1] أعلن فيه عن تقدمه بثلاث شكاوى ضد القناة الأولى، إلى كلٍّ من الهيئة الوطنية للإعلام، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ورئاسة الجمهورية، بسبب حذف فيديو حوار الطنطاوي من قبل إدارة فيسبوك بعد بلاغ تقدمت به القناة الأولى يتهم المنصة فيه باستخدام محتوى مملوكًا للقناة  دون الحصول على إذنٍ بالنشر.

المحتوى المقصود عبارة عن مقطع مدته 24 ثانية من خطاب رئيس الجمهورية في حفل إفطار الأسرة المصرية في 26 إبريل الماضي، مأخوذًا عن القناة الرسمية لرئاسة الجمهورية على موقع يوتيوب.

وتعد شكوى القناة الأولى ضد حوار المنصة واقعة نادرة الحدوث إن لم تكن متفردة، إذً لم تسجل مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال السنوات الماضية من فترة حكم الرئيس الحالي أية وقائع تتشابه مع تلك الواقعة.

وإذ تعلن مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن تضامنها مع موقع المنصة فإنها تؤكد في الوقت نفسه على انتهاك ‏الإجراء الذي أقدم عليه ‏التليفزيون المصري بشكل صارخ الحقَّ في حرية الصحافة والإعلام. ‏فضلًا عن انتهاكه الدستور والقانون. وتحذر المؤسسة من أن يكون ذلك نمطًا جديدًا لملاحقة المواقع الصحفية المستقلة التي تعاني من حصار الحجب والترهيب الأمني والتعنت في حصولها على شهادات توفيق الأوضاع.

خلال هذه الورقة نحاول توضيح الانتهاك الذي أقدم عليه التليفزيون المصري ومدى مخالفة ذلك القانون والأعراف الصحفية المتبعة فيما يتعلق بخطابات الرئيس والمسؤولين الحكوميين بشكل عام.

 

أولًا: لماذا استجابت إدارة فيسبوك لشكوى القناة الأولى؟

 

‏تقول نورا يونس رئيس تحرير موقع المنصة الصحفي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “لا نعرف كيف قبل فيسبوك دعوى القناة الأولى رغم أن المادة مأخوذة من قناة الرئاسة على يوتيوب وعليها لوجو الرئاسة.”

“تقنيًّا قد تكون القناة الأولي رفعت خطاب الرئيس وادَّعت ملكيتها له، ولكن لا علم لنا بذلك”، تضيف يونس.

ووفقًا لاشتراطات حقوق النشر الخاصة بفيسبوك[2]: “يُفضَّل بصفة عامة الحصول على إذن كتابي من مؤلف العمل قبل نشر المحتوى على فيسبوك. ويجوز لك استخدام المحتوى الذي يملكه شخص آخر على فيسبوك إذا حصلت على تصريح أو إذن بذلك منه، عن طريق الحصول على ترخيص على سبيل المثال. ويمكنك أيضًا استخدام المحتوى الذي يملكه شخص آخر إذا كان متوفرًا على نطاق عام أو كان خاضعًا للاستخدام العادل أو في حالة وجود استثناء آخر لحقوق النشر”.

كما تتضمن اشتراطات الاستخدام العادل باعتباره مبدأ حاكمًا للحالات التي يجوز فيها استخدام محتوى مملوكًا للغير دون أن يمثل ذلك انتهاكًا: مقدار ومضمون الجزء المستخدم نسبة إلى العمل المحمي بحقوق النشر ككل:

يعتبر استخدام أجزاء صغيرة من أعمال محمية بحقوق النشر أقرب ما يكون إلى الاستخدام العادل بخلاف نسخ العمل بأكمله. ولكن حتى في حالة استخدام جزء صغير فقط، فإنه يصعُب اعتبار ذلك ضمن الاستخدام العادل إذا كان ذلك الجزء المستخدم هو الجزء الأهم على الإطلاق (قلب العمل).

وقد يتباين تطبيق استثناءات وقيود حقوق النشر من بلد إلى آخر. بوجه عام، في البلدان التي تعتمد على الاستثناءات والقيود، يجب ألا يضر استخدام الأعمال المحمية بحقوق نشر بشكل غير معقول بمصالح مالك الحقوق.

في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تضمن الدول الأعضاء أن بمقدور المستخدمين الاعتماد على الاستثناءات التالية عند توفير المحتوى: الاقتباس أو النقد أو المراجعة أو الكاريكاتير أو المحاكاة الساخرة أو المعارضة الأدبية.

 

ثانيًا: من يملك حقوق الخطب الرئاسية وفقًا للقانون؟

 

“مع عدم الإخلال بحقوق المؤلف الأدبية طبقًا لأحكام هذا القانون ليس للمؤلف أو خلفه أن يمنع الصحف أو الدوريات أو هيئات الإذاعة، في الحدود التي تبررها أغراضها مما يلي:

أولًا: نشر الخطب والمحاضرات والندوات والأحاديث التي تلقى في الجلسات العلنية للمجالس النيابية والهيئات التشريعية والإدارية والاجتماعات العلمية والأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والدينية ويشمل ذلك المرافعات القضائية في الجلسات العلنية. ومع ذلك يظل للمؤلف وحده أو خلفه الحق في جمع هذه المصنفات في مجموعات تنسب إليه.

ثانيًا: نشر مقتطفات من مؤلَّف سمعي أو بصري أو سمعي وبصري متاح للجمهور وذلك في سياق التغطية الإخبارية للأحداث الجارية.

نص قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 في المادة 172 على تناول قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 حدود الملكية الفكرية ونظَّم عملية اقتباس المحتوى الصادر عن الجهات الرسمية حيث أخرج نص القانون بعض المواد المنشورة من الحماية وأجاز إعادة نشرها أو نقل مقتطفات منها في سياق التغطية الإخبارية للأحداث الجارية، كذلك أتاح القانون نشر الخطب، المحاضرات، الندوات، والأحاديث التي تُلقى في الجلسات العلنية للمجالس النيابية والهيئات التشريعية والإدارية والاجتماعات العلمية والأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والدينية. وهو ما ينطبق بشكل كامل على المحتوى الذي نشره موقع المنصة في حواره مع طنطاوي، حيث تم استخدام مقطع فيديو من مؤتمر عام لرئيس الجمهورية وتم استخدامه في إطار الحوار نقلًا عن القناة الرسمية لمؤسسة الرئاسة حيث استخدم الموقع هذا المقطع والذي يظهر فيه وسم رئاسة الجمهورية وهو ما يعد إشارة إلى المصدر.

 

ثالثًا: كيف تتعامل المؤسسات الصحفية مع المواد الإعلامية المتعلقة بالخطب السياسية؟

 

جرى الخلط بشكل متعمد خلال الأيام الماضية بين ملكية التليفزيون الرسمي لبعض المواد الإعلامية المتعلقة بالخطب السياسية وتحديدًا خطابات ولقاءات رئيس الجمهورية، وبين حقوق إعادة نشر مقاطع من هذا المحتوى دون إذن مع الاكتفاء بالاشارة الى المصدر، ويكون وسم موقع رئاسة الجمهورية أو وسم التليفزيون الرسمي إشارة كافية.

‏يقول تامر عز الدين من قناة فرنسا 24 ‏لمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “بالنسبة إلى المواد الخاصة بالرئيس دائمًا من التليفزيون الرسمي ويتم الإشارة إلى أنه نقلًا عن التليفزيون الرسمي، وكذلك بالنسبة إلى الموقع الخاص بالرئاسة.

المعروف أن المواد المحمية هي المواد الخاصة بالقنوات ذات الاشتراك وهنا محظورة. أما القنوات الرسمية المفتوحة فعادة يتم استخدام المواد الخاصة بها مع الإشارة إلى المصدر. أيضًا المحمي مثلًا مباريات أو مواد فنية…إلخ، معروف أنها حصرية لجهة ما.

بالنسبة إلى الخطابات الرسمية هذا أمر معروف، والقنوات المصرية مثلًا تستخدم خطب رؤساء دول أخرى من مصدرها الأساسي باللوجو الخاص بها مع الإشارة إلى المصدر.”

‏اتفق مع ذلك مدير تحرير موقع القاهرة 24، الصحفي تامر إبراهيم، الذي أشار إلى أن إعادة نشر المواد الإعلامية المتاحة عبر الحسابات الرسمية المختلفة لرئاسة الجمهورية، مثل موقع يوتيوب، يتم التعامل معها بيسر وسهولة، ولم نتعرض لأية مشكلة تخص ذلك، باعتبارها مواد متاحة للجميع بدون حقوق ‏ ‏ملكية لأي طرف.

‏وأوضح أن الموقع يتعامل مع إعادة نشر المواد الإعلامية ‏المملوكة للغير بحذر شديد بسبب اشتراطات حقوق الملكية الخاصة بموقع فيسبوك. ‏وهذا ينطبق على حالة ‏استخدام مقاطع من مواد مملوكة للتليفزيون الرسمي.

الأمر ‏نفسه أكدته نورا يونس رئيس تحرير موقع المنصة حينما أكدت: “نحاول عادة تجنب خطابات الرئيس لأنه منذ عدة سنوات تم إغلاق حساب أدمن صفحة المنصة على فيسبوك بسبب استخدام فيديو قصير لخطاب الرئيس ولكن كان نقلًا عن قناة cbc. وبسبب هذه الواقعة كنا أكثر حرصًا هذه المرة على مصادرة الفيديو”.

بمراجعة الحوار المنشور تبين لمؤسسة حرية الفكر والتعبير أن المقطع محل الشكوى كان موسومًا بوسم رئاسة الجمهورية وليس القناة الأولي أو التليفزيون الرسمي، ووفقًا لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ ووفقًا كذلك للأعراف المهنية المتبعة فإن هذه المواد متاحة بشكل مفتوح للجميع دون حقوق.

 

رابعًا: والسؤال الأهم الآن: لماذا تتبعت القناة الأولى حوار المنصة وقامت بالإبلاغ عنه؟!

 

بالنظر إلى قانونية وسلامة استخدام موقع المنصة لمقطع الفيديو محل الشكوى وشهادات عدد من مسؤولي مواقع صحفية مختلفة، ظهر جليًّا سلاسة نقل المحتوى الصادر عن الجهات الرسمية، وعدم تعرضهم لأية مضايقات تتعلق بشكاوى من التليفزيون المصري بحجة نشر محتوى خطب سياسية عامة مملوكة لها، وهو ما يطرح التساؤل حول تحرك التليفزيون المصري لحذف هذا الحوار ومنع تداوله على موقع فيسبوك. وفي ذلك ترجح مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن المستهدف الحقيقي بالتتبع والملاحقة كان أولًا: مضمون الحوار، وثانيًا: اسم الضيف. ومن قبله المنصة الصحفية المستقلة التي قررت كسر حالة الجمود الصحفي بحوار سياسي جريء مع سياسي ومعارض يمكن وصفه بـ”غير مَرضيٍّ عنه”.

في البداية يجب التأكيد أولًا على أن القناة الأولى بالتليفزيون الرسمي قامت دون سند من القانون بتتبع وملاحقة محتوى صحفيًّا منشورًا عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي.

ثانيًا، لم يكن المقطع المستخدم في الحوار مأخوذًا من التليفزيون الرسمي أو موسومًا بوسم إحدى قنواته. وهو ما يؤكد الاستهداف المباشر والموجه.

يؤكد ذلك الاستهداف أيضًا عدم توصل الباحث إلى وقائع مماثلة اتخذ فيها التليفزيون الرسمي إجراءات ضد إحدى المنصات الصحفية والإعلامية لنفس السبب.

كما سبق حوار طنطاوي المحجوب مع المنصة حواره في مايو الماضي مع قناة بي بي سي عربي[3] والذي وجه من خلالها انتقادات كبيرة إلى الرئيس السيسي ونظام حكمه وسياسته، مؤكدًا خلال هذا الحوار الإجابة على سؤال حول ما يمكن أن تقوم به السلطة، بأن أهم ما يمكن أن تقوم به سلطة رئيس الجمهورية الحالية هي أن تكون سلطة سابقة، خاصة أن عام 2022 كان آخر فترة في حكم الرئيس السيسي دون قدرته على الترشح مرة أخرى في حالة لم يتم إجراء تعديلات على الدستور المصري في عام 2018، والذي أجاز ترشح السيسي حتى 2030.

وهو ما يرجح أن يكون شخص القيادي البارز في الحركة المدنية الديمقراطية هو المستهدف الحقيقي من تتبع وملاحقة الحوار. إلى جانب مضمون ما عبَّر عنه من انتقاد السياسات الحكومية القائمة وتحديدًا ملفات الأمن المائي والأمن الغذائي فضلًا عن رفض موازنة الدولة وتقسيم مخصصاتها ورفض رؤية الحكومة الاقتصادية التي أعلنها رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي في مايو الماضي…

ويبدو هنا بوضوح أن حقوق الملكية الفكرية لم تكن سوى تذرع شكلي يمثل غطاء قانونيًّا لملاحقة المحتوى، إلا أن الجهل بالقانون تسبب في ارتكاب التليفزيون الرسمي انتهاكًا مستحدثًا يضاف إلى قائمة انتهاكات الحق في حرية الصحافة والإعلام.

 

وأخيرًا تكرر مؤسسة حرية الفكر والتعبير تضامنها الكامل مع موقع المنصة ومطلبها بضرورة توقف التليفزيون المصري عن ملاحقة المواقع الصحفية المستقلة تحت دعاوى حماية المحتوى المملوك لها (على غير الحقيقة). كما تحذر المؤسسة من تكرار هذا النمط من الانتهاكات والذي يزيد من التضييقات والتعسفات التي تتعرض لها الصحافة المستقلة في مصر وهو ما يتنافى مع دعاوى السلطات المصرية المعلنة بإجراء تغيير في سياستها تجاه الحقوق والحريات.

[1] المنصة تتخذ إجراءات ضد القناة الأولى بسبب خطاب الرئيس، حساب الموقع على فيسبوك، 12 يونيو 2022، تاريخ آخر زيارة: 3 يوليو 2022، shorturl.at/jrGPU.

[2] حقوق النشر على موقع فيسبوك، https://bit.ly/2HbgMYb.

[3] بتوقيت مصر: لقاء أحمد طنطاوي رئيس حزب الكرامة حول الدعوة التي أطلقها الرئيس المصري إلى حوار سياسي، قناة بي بي سي عربي على يوتيوب، 12 مايو 2022، تاريخ آخر زيارة: 5 يوليو 2022، https://bit.ly/3uv1asl

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.