مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مذكرة بدفــــــــــــــــــــاع
السيد / عماد مبارك حسن عبد الرحيم مدعى
ضــــــــــــــــــــــــــــــد
1- السيد / الرئيس التنفيذى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بصفته
2- السيد / وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بصفته
مقدمة إلى محكمة القضاء الادارى
دائرة منازعات الاستثمار
في الدعوى رقم 1430 لسنة 65 ق
المحدد لنظرها جلسة 13 / 11 / 2010
محتويات المذكرة
أولاً : مقدمة حول القرار المطعون فيه ومدى مشروعيته .ص 2.
ثانياً : مخالفة القرار المطعون فيه لنصوص الدستور.من ص 2 وحتى ص 6.
ثالثاً : مخالفة القرار المطعون فيه لأحكام قانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 من ص 7 وحتى ص 12.
رابعاً : حرية تداول المعلومات فى القانون والفقه الدوليين وانتهاك القرار المطعون فيه لها من ص 12 وحتى ص 19.
خامساً : افتقاد القرار المطعون فيه للسبب القانونى الصحيح من ص 19 وحتى ص 20.
سادساً: القرار المطعون فيه مشوب بعيب اساءة استعمال السلطة من ص 20 وحتى ص 21.
سابعاً : عدم التناسب بين المنافع والاضرار المترتبة على القرار المطعون فيه ص 21 .
أولاً : مقدمة حول القرار المطعون فيه ومدى مشروعيته .
أصدر الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات القرار المطعون فيه ، والذى يقضى مضمونه بالزام الشركات الوسيطة بين شركات الاتصالات الكبرى وبين مستخدمى رسائل المحمول النصية القصيرة المجمعة بالحصول على ترخيص لتشغيل هذه الخدمة مقابل رسم مقداره نصف مليون جنيه ، فضلا عن نصف مليون جنيه أخرى يدفعها مشغل الخدمة كتأمين يتم الخصم منه فى حالة مخالفة شروط الترخيص ، مع الزام هذه الشركات الوسيطة بعدم تقديم هذه الخدمة الى اى مستخدم الا بعد حصوله على تصريح من الجهات المختصة ومن بينها المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام .
والهدف من القرار المطعون فيه هو السيطرة المسبقة على رسائل المحمول القصيرة المجمعة ، بوصفها احدى الوسائل التى انتشرت مؤخراً لنشر الاخبار والمعلومات ، كما أنها احد اهم الوسائل لحشد الناخبين للتصويت فى الانتخابات النيابية ، ويدعى مسئولى وزارة الاتصالات والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات أن الهدف من القرار هو الرقابة على صحة الاخبار التى يتم نشرها بواسطة هذه الوسيلة ، وعلى الرغم من أن القاعدة القانونية البديهية تماماً تقضى بأن المسئولية تترتب بعد وقوع الفعل غير القانونى وليس قبل وقوعه ، الا أن القرار المطعون فيه يعكس هذه القاعدة بأن يفرض رقابة مسبقة على هذه الرسائل بالزام مستخدميها بالحصول على تصريح من جهة ما أولا ، وذلك على الرغم أيضاً من أن كافة الجرائم التى قد تترتب على استخدام هذه الوسيلة من وسائل نشر المعلومات والتعبير منظمة بموجب قانون العقوبات وغيره من القوانين العقابية الخاصة سواء فيما يتعلق بنشر الاخبار الكاذبة أو السب والقذف أو غيرها من الجرائم ، وهذا هو الأمر الطبيعى ، الا تتدخل السلطة العامة الا فى حالة وقوع فعل مخالف للقانون ، خاصة فى ظل عدم وجود فراغ تشريعى لتنظيم هذه المسائل ، أما تدخلها قبل وقوع هذا الفعل باصدار قرار من شأنه تقييد حرية تداول المعلومات بهذا الشكل الفج فهو بمثابة رقابة على أفعال المواطنين خلال ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم التى يتمتعون بها بموجب الدستور المصرى والمواثيق الدولية النافذة قبل اتيانهم لهذه الافعال ، خاصة وأن وسيلة رسائل المحمول المجمعة استمرت فى مصر لعدد من السنوات دون أن تتسبب فى أية مستجدات من شأنها أن تبيح للمطعون ضده الأول اصدار القرار المطعون فيه .
ثانياً : مخالفة القرار المطعون فيه لنصوص الدستور المصرى .
– مخالفة القرار المطعون فيه لنصوص المواد 1 و 3 و 64 و 65 من الدستور( ديمقراطية الدولة ومبدأ سيادة القانون )
تنص المادة ( 1 ) من الدستور على أن \” جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة\”.
تنص المادة ( 3 ) من الدستور على أن \” السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين فى الدستور\”
تنص المادة (64) من الدستور على أن \” سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة \”
تنص المادة (65) من الدستور على أن \”تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.
وقد اجتمعت هذه النصوص فى الدستور المصرى لتؤكد على ديمقراطية الدولة ومبدأ سيادة القانون ، بما يعنيه ذلك أن كافة القرارات الادارية التى تصدر عن أحد اجهزة الدولة يجب تراعى الحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية فيما يتعلق بحقوق وحريات المواطنين ، وكما سنوضح لاحقاً فحرية تداول المعلومات لم تعد رفاهية ، بل هى ضرورة وهو ما دفع العديد من دول العالم الى تضمين دساتيرها نصوصاً تحمى هذه الحرية ، كما دفع ذلك المجتمع الدولى الى اصدار العديد من المواثيق الدولية لحمايتها على الوجه القادم بيانه .
كذلك فان مبدأ سيادة القانون يعنى أن يحال بين سلطة الحكم وبين أن تجعل من ارادتها ورغباتها القانون الأعلى ، وأن السلطة يجب أن تخضع لضوابط محددة سلفاً تعبيراً عن احترام حقوق وحريات المواطنين ، وهو ما استقر القضاء الأدارى والفقه على تسميته بمبدأ المشروعية التى يجب أن تكون الميزان الذى بموجبه يتم وزن كافة القرارات التى تصدر عن الجهات الادارية .
وفى ذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بأن
\”وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى
وحيث أن مؤدى هذه النصوص – مرتبطة بالمادة 65 من الدستور – أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فان مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة، وفى هذا الإطار، والتزاما بأبعاده، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤاده ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى تعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة 41 منه واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس .\”
بناء على ما تقدم نجد أن القرار المطعون فيه وقد وضع عوائق أمام منظمات المجتمع المدنى فى استخدام خدمة رسائل المحمول المجمعة فيما يتعلق بمجال عملها فى نشر اخبار انتهاكات حقوق الأنسان ، بأن استحدث قيداً على استخدام هذه الخدمة لم يكن موجوداً من قبل وهو وجوب الحصول على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ، ووزارة الأعلام ، وفرض رسوم باهظة على الشركات الوسيطةالتى تقدم هذه الخدمة ، وذلك على الرغم من أن هذه الوسيلة من وسائل التعبير ونشر المعلومات استمرت لسنوات دون هذه القيود الجديدة التى استحدثها القرار المطعون فيه وهو ما يعتبر اهداراً لمبدأ الحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية فى احترام حقوق وحريات المواطنين الذى استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا ، والذى كان يجب أن تراعيه الجهة الادارية المطعون ضدها وهى فى معرض اصدارها للقرار المطعون فيه ، بحيث تراعى الا تكون هناك أية عوائق أمام حرية تداول المعلومات ونقلها الى الأخرين عبر وسيلة رسائل المحمول المجمعة ، ولكن والحال كذلك ، جاء قرارها المطعون فيه ضارباً عرض الحائط بالغاية المشروعة والديمقراطية التى يجب أن يتحلى بها القرار الادارى ، مفتئتاً على حق منظمات المجتمع المدنى فى نقل اخبار انتهاكات حقوق الأنسان للمواطنين عبر وسيلة رسائل المحمول المجمعة ، وهو ما يجعل من القرار المطعون فيه خليقأ بوقف التنفيذ والالغاء .
– مخالفة القرار المطعون فيه لنص المادة 47 من الدستور .
تنص المادة 47 من الدستور على أن
\” حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى\” .
وكما هو مستقر عليه فى الفقه الدستورى والادارى فأن حرية الرأى والتعبير هى أصل الحريات جميعاً ، وبالتمعن فى نص المادة 47 من الدستور المصرى سالف البيان نجد أنه شمل بالحماية عدد من الحقوق والحريات هى
1- حرية الرأى
2- حرية التعبير
3- حرية النشر
4- حرية النقد الذاتى والنقد البناء .
5- الحق فى اختيار وسيلة التعبير .
وحرية الرأى والتعبير كما هو معروف من الحريات القابلة للتنظيم التشريعى ، ويستفاد هذا من عبارة \” فى حدود القانون \” التى تضمنها نص المادة 47 من الدستور ، وتدخل القانون يكون للتنظيم وليس للتقييد ، وبالطبع فان ما لا يملكه المشرع لا تملكه الجهة الادارية ، والمشرع القانونى لا يملك تقييد حرية الرأى والتعبير ، كما لا يملك اجبار من يمارس هذه الحرية على اختيار وسيلة معينة للتعبير ، أو يمنع عنه احدى هذه الوسائل ، وبطبيعة الحال ينطبق هذا على القرارات الادارية ، اذ لا تملك اى جهة ادارية قمع حرية التعبير والنشر والنقد ، كما لا تملك أن تمنع عن المواطنين أو منظمات المجتمع المدنى احدى وسائل التعبير ، أو أن تجبرهم على استخدام احدى هذه الوسائل دون سواها ، وهذا ينطبق على وقائع الدعوى الماثلة أمام عدالة المحكمة ، اذ أن القرار المطعون فيه يمنع عن الطاعن وسيلة رسائل المحمول المجمعة بوصفها احدى وسائل التعبير والنشر عن طريق الزامه بالحصول على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام ، فضلا عن رفض سالفى الذكر اعطاءه هذا التصريح بدعوى أنه يمنح فقط للصحف الصادرة بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة .
وفى هذا الصدد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن
\”إن حرية التعبير التى تؤمنها المادة 47 من الدستور أبلغ ما تكون أثراً فى مجال اتصالها بالشئون العامة وعرض أوضاعها ؛ وكان حق الفرد فى التعبير عن الآراء التى يريد إعلانها ، ليس معلقاً على صحتها ، ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها ، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها ؛ وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة فى أعماق منابتها بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام Public Mind فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها . وكذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التى يؤمنون بها بل كذلك اختيار الوسائل التى يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء فى مجال عرضها أو نشرها ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها .
ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الايمان بها شكلياً أو سلبياً بل يتعين أن يكون الاصرار عليها قبولاً بتبعاتها وألا يفرض أحد على غيره صمتاً ولو بقوة القانون Enforced Silence .
إن حرية التعبير التى كفلها الدستور على ما تقدم ، هى القاعدة فى كل تنظيم ديمقراطى ـ لا يقوم إلا بها ، ولا يعدو الإخلال بها أن يكون إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها وأن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها فلا يعطل مضمونها أحد ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها
بل إن القيم العليا لحرية التعبير ـ بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها ـ ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلاً ومفتوحاً بل مقصوراً على فئة بذاتها من المواطنين أو متعاظماً بمركزهم بناء على صفتهم الحزبية أو منحصراً فى مسائل بذواتها لا يتعداها\” .
ويقول الدكتور فاروق عبد البر أن \” حرية التعبير هى الحرية الأم بالنسبة لسائر الحريات الذهنية التى تتفرع كلها عن حرية الرأى التى تبيح للأنسان أن يكون رأياً خاصاً فى كل ما يجرى تحت ناظريه من أحداث ، ويستوى أن يكون الرأى مؤيداً للسلطة أو معارضاً لها منتقداً لتصرفاتها .
– مخالفة القرار المطعون فيه لنص المادة 48 من الدستور .
تنص المادة 48 من الدستور على أن \” حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور، ويجوز استثناءا فى حالة إعلان الطوارئ أو فى زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى، وذلك كله وفقا للقانون\”.
ويبين من هذا النص أنه شمل بالحماية عدد من الحريات هى
1- حرية الصحافة .
2- حرية الطباعة .
3- حرية النشر .
4- حرية الأعلام .
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن
\” كفل الدستور للصحافة حريتها ، ولم يجز إنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإدارى ، بما يحول كأصل عام دون التدخل فى شئونها ، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها ، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعها وتطويره ، متوخياً دوماً أن يكرس بها قيماً جوهرية ، يتصدرها أن يكون الحوار بديلاً عن القهر والتسلط ، ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التى لا يجوز حجبها عنهم ومدخلا لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها ، بل يكون تقييمها عملاً موضوعياً محدداً لكل سلطة مضمونها الحق وفقاً للدستور ، فلا تكون ممارستها إلا توكيداً لصفتها التمثيلية ، وطريقاً إلى حرية أبعد تتعدد مظاهرها وتتنوع توجهاتها . بل إن الصحافة تكفل للمواطن دوراً فاعلاً ، وعلى الأخص من خلال الفرص التى تتيحها معبراً بوساطتها عن تلك الآراء التى يؤمن بها ـ individual self expression ويحقق بها تكامل شخصيته self – realization ، فلا يكون سلبياً منكفئاً وراء جدران مغلقة ، أو مطارداً بالفزع من بأس السلطة وعدوانيتها ، بل واثقاً من قدرته على مواجهتها ، فلا تكون علاقتها به إنحرافاً ، بل إعتدالاً ، وإلا إرتد بطشها عليها ، وكان مؤذناً بأقوالها .
الدستور ــ وتوكيداً لحرية الصحافة التى كفل ممارستها بكل الوسائل ــ أطلق قدراتها فى مجال التعبير ، ليظل عطاؤها متدفقاً تتصل روافده دون إنقطاع ، فلا تكون القيود الجائزة عليها إلا عدواناً على رسالتها يرشح لانفراطها . ولئن كان الدستور قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها ، فذلك فى الأحوال الاستثنائية ، ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التى حددتها المادة 48 من الدستور ، ضماناً لأن تكون الرقابة عليها محددة تحديداً زمنياً وغائياً ، فلا تنفلت كوابحها .
ويبين من تلك المبادىء التى استقرت عليها المحكمة الدستورية العليا ، أن حرية النشر ليست فقط للصحف بمعناها القانونى بل هى حرية عامة سواء كان من يمارس الحرية مؤسسة صحفية أو منظمة مجتمع مدنى معنية بادفاع عن حقوق الانسان أو نقابة أو غيرها ، وبناء عليه فان ارساء القرار المطعون فيه لقيود مفادها ضرورة حصول من يريد استخدام خدمة رسائل المحمول المجمعة على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام وفرض رسوم باهظة على الشركات الوسيطة يعد عرقلة واضحة لهذه الوسيلة من وسائل النشر والتعبير وانتهاكاً صارخاً لحرية تداول المعلومات بدون مبرر حقيقى ومشروع .
ثالثاً : مخالفة القرار المطعون فيه لأحكام قانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 .
تنص المادة 1 من قانون تنظيم الأتصالات على أن
يقصد فى تطبيق احكام هذا القانون بالمصطلحات التالية المعانى المبينة قرين كل منها :
1 ـ الجهاز :الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات .
2 ـ الوزير المختص : الوزير المعنى بشئون الاتصالات
3 ـ الاتصالات : أية وسيلة لارسال او استقبال الرموز ، او الاشارات او الرسائل او الكتابات او الصور او الاصوات وذلك ايا كانت طبيعتها وسواء كان الاتصال سلكيا او لاسلكيا .
4 ـ خدمة الاتصالات : توفير او تشغيل الاتصالات ايا كانت الوسيلة المستعملة
5 ـ شبكة الاتصالات: النظام او مجموعة النظم المتكاملة للاتصالات شاملة ما يلزمها من البنية الاساسية
6 ـ المستخدم : اى شخص طبيعى او اعتبارى يستعمل خدمات الاتصالات او يستفيد منها .
7 ـ مقدم خدمة الاتصالات : اى شخص طبيعى او اعتبارى ، مرخص له من الجهاز بتقديم خدمة او اكثر من خدمات الاتصالات للغير
8 ـ المشغل : اى شخص طبيعى او اعتبارى مرخص له من الجهاز بانشاء او تشغيل شبكة للاتصالات .
9…………………………………
10 ……………………………………………………………………………………………………………..
تنص المادة 2 من ذات القانون على أن
تقوم خدمات الاتصالات على مراعاة القواعد الاتية :
1 ـ علانية المعلومات
2 ـ حماية المنافسة الحرة
3 ـ توفير الخدمة الشاملة
4 ـ حماية حقوق المستخدمين
وذلك كله على النحو المبين بهذا القانون
وتنص المادة 3 على أن
\” تنشأ هيئة قومية لإدارة مرفق الاتصالات تسمى ( الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ) ويكون للجهاز الشخصية الاعتبارية العامة وتتبع الوزير المختص ويكون مقره الرئيسى محافظة القاهرة او الجيزة .
وله انشاء فروع اخرى بجميع انحاء جمهورية مصر العربية\”.
وتنص المادة 4 على أن
يهدف الجهاز الى تنظيم مرفق الاتصالات وتطوير ونشر جميع خدماته على نحو يواكب احدث وسائل التكنولوجيا ويلبى جميع احتياجات المستخدمين بانسب الاسعار ويشجع الاستثمار الوطنى والدولى فى هذا المجال فى اطار من قواعد المنافسة الحرة وعلى الاخص ما يأتى :
1 ـ ضمان وصول خدمات الاتصالات الى جميع مناطق الجمهورية بما فيها مناطق التوسع الاقتصادى والعمرانى والمناطق الحضرية والريفية النائية .
2 ـ حماية الامن القومى والمصالح العليا للدولة .
3 ـ ضمان الاستخدام الامثل للطيف الترددى وتعظيم العائد منه طبقا لأحكام هذا القانون .
4 ـ ضمان الالتزام بأحكام الاتفاقيات الدولية النافذة والقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية والاقليمية المتعلقة بالاتصالات والتى تقرها الدولة .
5 ـ مراقبة تحقيق برامج الكفاءة الفنية والاقتصادية لمختلف خدمات الاتصالات .
وتنص المادة 5 على أن
\” للجهاز فى سبيل تحقيق اهدافه ان يباشر جميع التصرفات والاعمال اللازمة لذلك وله على الاخص ما يأتى :
1 ـ وضع الخطط والبرامج وقواعد واساليب الادارة التى تتفق ونشاطه طبقا لأحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذا له ودون التقيد باللوائح والنظم الحكومية .
2 ـ العمل على مواكبة التقدم العلمى والفنى والتكنولوجي فى مجال الاتصالات مع مراعاة المعايير الصحية والبيئية .
3 ـ اعداد ونشر بيان بخدمات الاتصالات واسماء المشغلين ومقدمى الخدمة والاسس العامة التى يتم منح التراخيص والتصاريح بناء عليها .
4 ـ تحديد الاسس العامة التى يلتزم بها مشغلوا ومقدموا خدمات الاتصالات .
5 ـ تحديد معايير وضوابط خدمات الاتصالات غير الاقتصادية التى يجب ان توافر لجيمع المناطق التى تعانى من نقص فيها ، وتحديد الالتزامات التى يتحمل بها مشغلوا ومقدموا خدمات الاتصالات غير الاقتصادية طبقا لأحكام هذا القانون .
6 ـ وضع القواعد التى تضمن حماية المستخدمين بما يكفل سرية الاتصالات وتوفير احدث خدماتها بانسب الاسعار مع ضمان جوده اداء هذه الخدمات ، وكذلك وضع نظام لتلقى شكوى المستخدمين والتحقيق فيها والعمل على متابعتها مع شركات مقدمى الخدمة .
7 ـ …………………………………..
8 ـ …………………………………..
9 ـ …………………………………..
وتنص المادة 21 \” خاصة بالتراخيص \”على أن
لا يجوز انشاء او تشغيل شبكات اتصالات او تقديم خدمات الاتصالات للغير او تمرير المكالمات التليفونية الدولية . او الاعلان عن شىء من ذلك دون الحصول على ترخيص من الجهاز وفقا لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذه له . ومع ذلك لا يلزم الحصول على ترخيص من الجهاز لانشاء او تشغيل شبكة اتصالات خاصة لا تستخدم انظمة اتصال لاسلكية .
ويلتزم المشغل المرخص له باخطار الجهاز بالشبكات الخاصة التى تنشأ على بنيته الاساسية .
وتنشر القرارات الصادرة من الجهاز بشأن التراخيص فى الوقائع المصرية واحدى الصحف اليومية واسعة الانتشار وذلك على نفقة المرخص له على ان يشمل النشر جميع شروط الترخيص .
تنص المادة 23 \” خاصة بالتراخيص \” على أن
\”يقوم الجهاز باصدار التراخيص المنصوص عليها فى المادة ( 21 ) من هذا القانون وفقا للقواعد والاجراءات المبينة فى المادة ( 22 ) من هذا القانون والقرارات المنفذة له . ويحدد مجلس إدارة الجهاز مقابل الترخيص وقواعد واجراءات اقتضائه\”
تنص المادة 25 \” خاصة بالتراخيص \” على أن
يحدد الترخيص الصادر التزامات المرخص له والتى تشمل على الاخص ما يأتى :
1 ـ نوع الخدمات والتقنية المستخدمة .
2 ـ مدة الترخيص
3 ـ الحدود الجغرافية لتقديم الخدمة وخطة التغطية السلكية واللاسلكية ومراحل تنفيذها
4 ـ مقاييس جودة وكفاءة الخدمة
5 ـ الالتزام باستمرار تقديم الخدمة والاجراءات الواجبة الاتباع فى حالة قطع الخدمة او ايقافها .
6 ـ تحديد سعر الخدمة وطرق التحصيل والالتزام بالاعلان عن ذلك
7 ـ اتاحة الخدمة لجمهور المستخدمي دون تمييز
8 ـ الالتزام بنظام الترقيم القومى الذى يضعه الجهاز
9 ـ مراعاة متطلبات الخدمة الشاملة
10 ـ تقديم خدمات اتصالات الاغاثة والطوارىء مجانا وتوفير خدمة الدليل ، وذلك كله طبقا لنوع الخدمة المرخص لها .
11 ـ الالتزمات الخاصة بعدم المساس بالامن القومى .
12 ـ الالتزامات الخاصة بالقواعد الفنية المتعلقة بالسلامة والصحية البيئية والتخطيطية والانشائية الواجبة الاتباع طبقا للمعايير التى يتم وضعها بالاتفاق مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة .
13 ـ الاسهام فى مجال البحث العلمى والتدريب .
14 ـ الالتزام بما يححده الجهاز مقابل الاعباء التى يتحملها فى سبيل التحقق من وفاء المرخص له بالتزاماته وكذلك التأمينات المالية وجميع المستحقات الدورية
15 ـ تقديم ما يطلبه الجهاز من المعلومات والبيانات المتصلة بموضوع الترخيص
16 ـ الوفاء بالجزاءات المالية والتعويضات .
17 ـ تقديم الخدمات فى ظل قواعد المنافسة الحرة .
18 ـ وضع نظام لتلقى الشكاوى والتحقيق فيها واصلاح الاعطال بكفاءة .
19 ـ ضمان سرية الاتصالات والمكالمات الخاصة بعملاء المرخص له ووضع القواعد اللازمة للتأكد من ذلك .
وتنص المادة 44 ( خاصة بالتصاريح ) على أن
يحظر استيراد او تصنيع او تجميع اى معدة من معدات الاتصالات الا بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهاز ، وطبقا للمعايير والمواصفات المعتمدة منه . ويجب على الجهاز الحصول على موافقة من القوات المسلحة وهيئة الامن القومى ووزارة الداخلية ، قبل قيامه بالاستيراد او التصنيع او التجميع او الحيازة او الاستخدام لحسابه وقبل منحه تصاريح بذلك لوحدات الجهاز الادارة للدولة من وزارت ومصالح واجهزة ووحدات الادارة المحلية والهيئات والشركات بكافة انواعها والافراد وغيرها ، وذلك بالنسبة لمعدات الاتصالات التى يصدر بتحديدها قرار من وزير الدفاع بالتنسيق مع اجهزة الامن القومى . ولا تسرى احكام الفقرة الاولى على المعدات المستخدمة فى البث الاذاعى والتليفزيونى الخاص باتحاد الاذاعة والتليفزيون ، وذلك مع مراعاة حصول الاتحاد على الموافقة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية وفق الاحكام المقرر بها .
يبين من نصوص قانون تنظيم الأتصالات رقم 10 لسنة 2003 سالفة الذكر أن هناك عدة أطراف فيما يتعلق بعمليات الاتصالات الخاضعة لهذا القانون فهناك الجهاز ويقصد به الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات المطعون ضده وهناك المستخدم ويقصد به الطاعن وهناك مقدم خدمة الاتصالات ويقصد به الشركات الكبرى التى تقدم خدمة الاتصالات كفودافون وموبينيل واتصالات وهناك المشغل ويقصد به الشركات الوسيطة التى صدر القرار المطعون فيه لالزامها بالحصول على ترخيص من أجل تقديم خدمة رسائل المحمول المجمعة الى المستخدمين من أمثال الطاعن بشرط حصول هؤلاء المستخدمين على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام والجهات المختصة ، وهذا كله على الوجه المبين فى نص المادة 1 سالفة البيان .
وتلزم المادة 2 المطعون ضده الأول بأن يراعى فى اطار تنظيمه لخدمات الاتصالات عدداً من المعايير أهمها علانية المعلومات وحماية المنافسة الحرة وحماية حقوق المستخدمين . وبالنظر الى القرار المطعون فيه بما يتضمنه من الزام المستخدمين بالحصول على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام وغيرها من الجهات المختصة لاستخدام خدمة رسائل المحمول المجمعة لنشر انتهاكات حقوق الأنسان ، فانه يعد افتئاتا على تلك الضمانات التى قررها القانون للمستخدمين ، اذ أن قواعد المنافسة الحرة تقتضى ازالة كافة العقبات البيروقراطية التى يمكن أن تعوق المستخدمين أو المشغلين أو مقدمى خدمة الأتصالات لا ان يتم تكبيلهم بقرار ادارى من شأنه اعاقة استخدام رسائل المحمول النصية القصيرة المجمعة ، بدعوى تنظيم أوضاع الشركات الوسيطة التى تقدم هذه الخدمة للمستخدمين .
ومن ناحية أخرى فان القرار المطعون فيه لم يراعى حقوق المستخدمين التى الزمت المادة 2 سالفة الذكر المطعون ضده الأول بحمايتها ، بل انه انتهك حق المستخدمين فى استخدام رسائل المحمول المجمعة باجبارهم على الحصول على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام والجهات المختصة الاخرى، وهو ما أعطى ذريعة للمجلس الأعلى للصحافة لرفض اعطاء تصريح للطاعن بدعوى أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير ليست صحيفة أو مؤسسة صحفية صادرة بترخيص منه ، وان المجلس يعطى هذا التصريح فقط للجرائد والمؤسسات الصحفية الصادرة بترخيص منه .
أيضأ الزمت المادة الثانية سالفة الذكر بأن يراعى المطعون ضده الأول \” علانية المعلومات \” فى اطار تنظيمه لخدمات الاتصالات ، ولكن الحال بالنسبة للقرار المطعون فيه ليس كذلك ، اذ أنه ألزم المستخدمين بالحصول على تصريح من الجهات المختصة ، وفيما يتعلق بالرسائل الاخبارية فان الجهة المختصة هى المجلس الأعلى للصحافة ، والمجلس الأعلى للصحافة يرفض منح تصريح للجهات غير الصادرة بتصريح منه كالمؤسسات الصحفية ، كذلك فان غاية القرار الحقيقية غير معلومة علناً وان كانت معلومة ضمناً وهى -تقييد حرية تداول المعلومات وحرية الرأى والتعبير قدر الأمكان- ، وهو ما يؤكد على أن هناك الكثير من جوانب القرار المطعون فيه لم يراعى المطعون ضده مبدأ علانية المعلومات المنصوص عليه فى المادة 2 وهو بصدد اصدار القرار ، وهو ما يجعل من هذا القرار مستوجباً لوقف التنفيذ والالغاء .
كذلك يلتزم المطعون ضده الأول بموجب نص المادة 4 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بأن يطور من خدماته بحيث تواكب أحدث وسائل التكنولوجيا وتلبى احتياجات المستخدمين بأنسب الأسعار فى اطار من الالتزام باحكام الاتفاقيات الدولية النافذة والقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية الاقليمية المتعلقة بالاتصالات والتى تقرها الدولة
ويبين من القرار المطعون فيه بفرض رسوم على مشغلى الخدمة تبلغ مليون جنيه منها نصف مليون جنيه كتأمين يتم الخصم منه فى حالة مخالفة شروط الترخيص أنه يهدد حقوق المستخدمين ، حيث أن مشغلى الخدمة سوف يضطرون الى رفع سعر الخدمة بالنسبة للمستخدم لتعويض هذا المبلغ الباهظ وهو ما يجعل من القرار المطعون فيه غير ملبياً لاحتياجات المستخدمين بأنسب الأسعار كما هو منصوص عليه فى المادة 4 سالفة الذكر ، كذلك فان نص هذه المادة الزم المطعون ضده بالالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالاتصالات ، وهو ما لم يلتزم به فى اطار اصداره للقرار المطعون فيه اذ ان هذا القرار مخالف لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية التى تحمى حرية تداول المعلومات ونقلها وتلقيها من والى الاخرين كما سوف نوضح فى الجزء المتعلق بالحماية الدولية لحرية تداول المعلومات .
أخيراً فأن كافة القيود والشروط التى وضعها قانون تنظيم الاتصالات بموجب الباب الثالث من القانون رقم 10 لسنة 2003 والمتعلقة بالتراخيص والتصاريح التى يمنحها المطعون ضده فانه لا يوجد من بينها ما يمكنه من تقييد حق المستخدمين فى استخدام رسائل المحمول المجمعة تحت أى مبرر تنظيمى ، اذ أن التراخيص تمنح لتشغيل خدمات الاتصالات اذ أن علاقته بمقدمى الخدمة ومشغليها فى حدود التنظيم فقط ، وهناك فارق شاسع بين التنظيم والتقييد ، اذ أن اى قرار يصدر عن المطعون ضده لتنظيم هذه الخدمة لا يجب أن يمس حقوق وحريات المستخدمين ، ولكن والحال ليس كذلك فان القرار المطعون فيه يمس حقوق المستخدمين عن طريق الزامهم الحصول على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ومن الجهات الأخرى فضلاً عن الرسوم المفروضة للحصول على التصريح .
رابعاً : حرية تداول المعلومات فى القانون والفقه الدوليين وانتهاك القرار المطعون فيه لها.
حرية تداول المعلومات من الحريات الأساسية التى لا يجوز تقييدها بأى قيد ، والباحث عن حرية تداول المعلومات فى مصر يجد أنها محاطة بالعديد من القيود ، ومن أمثلة هذه القيود القرار المطعون فيه الصادر من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات والذى يضع العديد من العقبات أمام استخدام منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدنى لخدمة رسائل المحمول المجمعة ، حيث قصر استخدام هذه الخدمة على الصحف والمؤسسات الصادرة بترخيص من المجلس الاعلى للصحافة ووزارة الاعلام ، وفرض رسوم باهظة على الشركات الوسيطة وبناء على هذا القرار فان المؤسسات والجهات التى لا تتبع المجلس الاعلى للصحافة أو وزارة الاعلام لا تستطيع الحصول على هذا التصريح الذى يشترطه القرار المطعون فيه ،وهذا هو الحال بالنسة للطاعن ، حيث تقدم بطلب للمجلس الأعلى للصحافة للحصول على هذا التصريح ، وجاء رد المجلس شفوياً بأنه يمنح هذا التصريح للمؤسسات الصحفية الصادرة بترخيص منه فقط ، كما رفض المجلس التأشير على طلب الطاعن بالرفض \” حافظة مستندات مقدمة بجلسة 13 / 11 / 2010 \” أيضاً ما جاء من تصريحات على لسان المهندس عمرو بدوى رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بأن الترخيص بتشغيل هذه الخدمة مقرر له رسم مقدراه مليون جنيه بموجب القرار المطعون فيه منها نصف مليون جنيه كتأمين يخصم منه فى حالة مخالفة الشركة الوسيطة لشروط الترخيص ، وأن مدة الترخيص أربعة شهور قابلة للتجديد \” حافظة مستندات مقدمة بجلسة 13/11/2010\”، وهو ما يحمل فى طياته خطر أن الشركات الوسيطة سوف تضطر لرفع سعر الخدمة لتعويض هذا المبلغ الباهظ المقرر كرسم للحصول الترخيص ، وهو ما سوف ينعكس على طالبى هذه الخدمة ، وبناء عليه سوف تتحول المعلومة الى سلعة تباع وتشترى، على الرغم من استقرار الفقه القانونى المصرى على ضرورتها وحيويتها للولوج نحو مستقبل أفضل ، أيضاً فأن حرية تداول المعلومات من الحريات القديمة قدم الدولة القانونية حيث تم تبنيها بموجب اغلب دساتير العالم فضلاً عن استقرار الفقه القانونى الدولى على أن حرية تداول المعلومات لم تعد رفاهية ، بل هى ضرورة لتقدم الشعوب ورقيها وهو ما سوف نتناوله بالتوضيح فى الفقرات القادمة .
رابعاً – 1 :- حرية تداول المعلومات ركيزة أساسية للديمقراطية .
حرية تداول المعلومات بما تتضمنه من حرية التماس وتلقى ونقل المعلومات للأخرين من الحريات الأساسية ، بل هى سمة أساسية من سمات الدول الديمقراطية ، والشعب الذى يتمتع بحرية فى تداول المعلومات هو الشعب الاكثر قدرة على مناقشة حاضره والتخطيط لمستقبله وتجاوز المخاطر التى يمكن أن تحيط بمسيرته ، ولا يمكن للشعب البلوغ الى هذا الهدف اذا كان هناك قيوداً على الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين فيما يتعلق بحرية تداول المعلومات واستقائها ونقلها للأخرين ، وبغياب هذه الحرية لن يكون هناك حوار خلاق ومبدع ومؤثر فى المجتمع ، حيث يعتمد التقدم المعرفى لأى مجتمع على وجود قاعدة غنية من المعلومات والبيانات من شتى المصادر وكافة الاتجاهات ، وبكافة الوسائل، وحرية للأفراد والمؤسسات فى تبادل هذه المعلومات .
والطاعن بصفته الممثل القانونى لاحدى منظمات حقوق الأنسان المصرية وهى \” مؤسسة حرية الفكر والتعبير \” التى تعمل على تقديم الدعم القانونى لضحايا العنف الأمنى ضد طلاب الجامعات وضحايا انتهاكات حرية الرأى والتعبير وحرية تداول المعلومات ، كما تقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الانسان فى هذه المجالات ، أراد أن يدخل الية رسائل المحمول المجمعة ضمن اليات مؤسسة حرية الفكر والتعبير لفضح انتهاكات حقوق الانسان التى بلغت حداً يؤشر بالخطورة على سيادة القانون وتحقق الأمن القانونى فى المجتمع ، فوجىء بالقرار المطعون فيه يضع أمامه عائق ضرورة حصوله على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الاعلام للحصول على هذه الوسيلة من وسائل نشر معلومات حقوق الانسان ، فى ذات الوقت الذى يمنح فيه المجلس الأعلى للصحافة هذا التصريح للمؤسسات الصحفية الصادرة بترخيص منه دون سواها ، وهو ما يقف حائلاً بين الطاعن وبين نشر انتهاكات حقوق الانسان ، وهذه هى الغاية الحقيقية للقرار المطعون فيه ، وهو أن يقوض قدرة منظمات المجتمع المدنى على نشر وقائع واخبار انتهاكات حقوق الانسان ، وهو ما يجعل منه قراراً فاقداً للمشروعية ، خليقأ بوقف التنفيذ والالغاء .
وحرية تداول المعلومات ونشرها وان كانت متاحة فى البلاد الديمقراطية ، التى تحترم فيها حريات وحقوق الانسان ، فانها مسألة محاطة بصعوبات شتى فى الدول غير الديمقراطية ، ان المعلومات فى الدول الديمقراطية حق للجميع ، حيث تتعدد مصادرها وتتنوع وسائل نشرها وابلاغها للناس ، دون أن يعترض تدفقها عائق ، أو يصادر حركتها حاكم . أما فى البلاد غير الديمقراطية فان القيود على تدفق المعلومات عديدة ، ينظمها عدد من القوانين والقرارات الادارية مثل القرار المطعون فيه ، وفى هذه الدول تحتكر الحكومات انتاج المعلومات وتوزيعها ، حيث تفرج عما تشاء وتحبس ما تشاء ، مطوعة حق المعرفة لخدمة النظام السياسى وليس لخدمة الوطن ، ودور المواطن فى هذه الحالة دور سلبى ، حيث يقف مكتوف الايدى عند مجرد تلقى ما تجود به الحكومة من معلومات وبيانات ، وهنا تكمن أهمية دور منظمات حقوق الانسان ، حيث أنها معنية بمقاومة هذه القيود ، وضمان وصول المعلومات الى المواطنين وفقاً لما هو مستقر عليه فى الدستور والمواثيق الدولية خاصة ما يتعلق من هذه المعلومات بحقوق الانسان وحرياته .
ويجد تقييد حرية تداول المعلومات مصدره فى طبيعة النظام السياسى ، فاذا كان ديمقراطياً تدفقت المعلومات من كل اتجاه ، واذا كان غير ديمقراطى كان منغلقاً على نفسه ، شاغله الوحيد هو اقامة الاستحكامات حول نفسه للبقاء الى أطول مدى ممكن ، فلا يشعر بأنه فى حاجة الى شعبه فيتقرب اليه ، ولا الشعب يشعر بأن النظام يمكن أن يستجيب لما يريده لأن النظام لا يبسط المعلومات أمامه ، كذلك فان نظام الحكم غير الديموقراطى الذى لا يخضع لاى رقابة يستشرى الفساد فى داخله ، وبالتالى فان مصلحته تحبذ التعتيم على المعلومات والبيانات ، فهو بطبيعته يكره ضوء الشمس الذى يمكن أن ينير أركانه وجنباته ، فيظهر عارياً أمام الناس ، ويصير هدفاً لنقدهم ، لذا فانه يؤثر السلامة عن طريق تقييد حرية تداول المعلومات .
رابعاً – 2 : حرية تداول المعلومات فى المواثيق الدولية الملزمة لمصر.
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،
احتضنت حرية الراى والتعبير المنصوص عليها فى المادة 19 من الاعلان العالمى لحقوق الانسان الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات ، وذلك فى ثلاثة نطاقات رئيسية . النطاق الاول لممارسة هذا الحق هو الحق فى التماس المعلومات سواء اخذت هذه المعلومات صيغة الانباء ، أم أخذت صيغة الأفكار، أما النطاق الثانى فهو الحق فى تلقى المعلومات ، أى استلامها من الغير، والثالث هو الحق فى نقل المعلومات . وقد جاء النص غير مقيد لممارسة هذا الحق بنطاق مكانى معين ، بل أنه أكد على عدم اعتبار الحدود ، كذلك لم يقصر النطاقات الثلاثة لممارسة الحق على العلاقة بين الافراد والجهات الحكومية ، بل جاء عاماً بحيث يشمل حق الافراد فى استقاء المعلومات والمعرفة سواء كانت لدى جهات حكومية ، أو غير حكومية ، أو أفراد .ويأتى القرار المطعون فيه مخالفاً لهذا النص ، حيث يفرض قيود سابقة على استخدام وسيلة رسائل المحمول النصية المجمعة ، مما يعوق ممارسة الحق فى نقل المعلومات
– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، .
أقرت المادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات ، بطريقة مشابهة لما جائت به المادة 19 من الاعلان العالمى لحقوق الانسان ، من حيث نطاقات ممارسة الحق ، وعدم اعتبار الحدود الجغرافية ، أو نوع الوسيلة المستخدمة فى النشر ، وهو أيضاً ما جاء القرار المطعون فيه مخالفاً له ، حيث أن رسائل المحمول المجمعة تعتبر احدى وسائل تداول المعلومات وتداولها وتلقيها من والى الاخرين والزام مستخدمى هذه الوسيلة بالحصول على تصريح سابق قبل استخدامها يعتبر تقييدا لها .
– العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ،
أكدت الفقرتين الاولى بند أ ، ب والثالثة من المادة 15 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحق فى المعرفة واستقاء المعلومات ، ولكن بصيغة مختلفة عن تلك التى وردت فى كل من الاعلان العالمى لحقوق الانسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، حيث جائت الصيغة هنا ملموسة ومحددة أكثر ، ويبين ذلك من تأكيد المادة 15 على حق كل فرد فى المشاركة فى الحياة الثقافية ، والتمتع بفوائد التقدم العلمى والتكنولوجى ، وهو ما يدخل فى نطاق طلب المعرفة والتماس المعلومات ، كذلك الزام الدول الاطراف فى هذا العهد بموجب الفقرة الثالثة منه ، باحترام الحرية التى لا غنى عنها للبحث العلمى والنشاط الابداعى ، ومن البديهى ان هذين المجالين لا يمكن الولوج اليهما دون أن يكون الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات مكفولتان من جانب الدول الاطراف فى هذا العهد والتى من بينها مصر ، وأيضاً فان القرار المطعون فيه يعوق مشاركة الطاعن فى الحياة الثقافية والسياسية بحرمانه من احدى وسائل تداول المعلومات وهى رسائل المحمول المجمعة .
رابعاً – 3 : حرية تداول المعلومات فى نظام الأمم المتحدة .
– الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة
اعترفت منظمة الامم المتحدة مبكراً بحرية تداول المعلومات كحق من حقوق الانسان ، وذلك بموجب القرار رقم 59 / 1 الذى تبنته الجمعية العامة عام 1946 فى دور انعقادها الاول ، والذى نص على أن \” حرية المعلومات حق اساسى من حقوق الانسان ، وأنها المحك لكل الحريات الاخرى التى تتبناها منظمة الامم المتحدة .
– المقرر الخاص لحرية الرأى والتعبير بمفوضية الامم المتحدة لحقوق الإنسان.
أنشأ مكتب المقرر الخاص لحرية الرأى والتعبير بقرار من مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان عام 1993 ، والذى تتلخص مهمته فى توضيح المحتوى الحقيقى لحرية الرأى والتعبير المنصوص عليها فى العديد من المواثيق الدولية ، وقد أكد المقرر الخاص لحرية والرأى والتعبير على حرية تداول المعلومات كحق أساسى من حقوق الانسان وجزء لا يتجزء من حرية والرأى والتعبير فى كل التقارير السنوية الصادرة عنه ، وقد أصدرت مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان القرار رقم 42 لسنة 1998 والذى أكدت بموجبه على المقرر الخاص أن يتوسع ويطور من تعليقاته وتوصياته على الحق فى التماس وتلقى ونقل المعلومات .
فى تقريره لعام 1998 أكد المقرر الخاص على أن حرية الرأى والتعبير تتضمن حرية الحصول على المعلومات ، وأن الحق فى التماس وتلقى ونقل المعلومات يفرض على الدول التزاماً ايجابياً خاصة اذا تعلق الامر بالمعلومات التى لدى الاجهزة الحكومية .وقد رحبت مفوضية حقوق الانسان بهذه التوصية أيما ترحيب . كذلك أكد المقرر الخاص فى هذا التقرير على عدة جوانب فيما يتعلق بالحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات أهمها …
أ – أن حرية الصحافة خطوة حيوية لضمان التدفق الحر للمعلومات ، وحرية الرأى والتعبير ، وأنه من الواجبات الأساسية على الدولة ان تكون هى الضامن لها ، وان كل حق يحمل فى طياته مسئولية ، وأن كل حرية تحمل فى طياتها التزام ، وأن الصحافة مؤثر قوى سواء تعلق الأمر بالخير أو بالشر ، وأنه يجب أن يترك للصحافة ذاتها تقرير ما هى مسئوليتها وما هى واجباتها ، حيث أنه اينما تكون حرية الصحافة مستهدفة أو مقلصة ، لا يستطيع الناس التعبير عن اختلافهم من خلال المناظرات المفتوحة ……
ب- أن المقرر الخاص لحرية الرأى والتعبير مستمر فى تلقى الشكاوى المتعلقة بالتحيز فى البث والاذاعة ، الذى يقيد بشدة ، او ينتهك حرية التماس وتلقى ونقل المعلومات .
ج- …………..د-……………….الخ
كذلك أكد المقرر الخاص فى تقريره لعام 2000 على حرية تداول المعلومات و المعرفة بوصفها ليست فقط دعامة أساسية من دعائم الديمقراطية ، ولكنها أيضاً أساس المشاركة والتنمية .
رابعاً – 4 : حرية تداول المعلومات فى الأنظمة الاقليمية والمقارنة .
– حرية تداول المعلومات فى نظام محكمة الدول الأمريكية لحقوق الأنسان .
تنص المادة 13 من الميثاق الأمريكى لحقوق الأنسان المسمى بميثاق \” سان جوزيه على أن \”
كل شخص يتمتع بالحق فى حرية الفكر والتعبير ، وهذا الحق يشمل الحق فى التماس وتلقى ونقل المعلومات والأفكار أياً كان نوعها ، ودونما اعتبار للحدود ، وسواء كانت شفوية ، أو مكتوبة أو مطبوعة ، او فى قالب فنى ، أو من خلال أى وسيلة أخرى يختارها الفرد .
الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة السابقة لا يجوز أن تخضع لرقابة سابقة ، ولكنها تخضع للمسئولية اللاحقة التى يجب أن ينص عليها صراحة بموجب القانون ، وبالقدر اللازم لضمان
أ- احترام سمعة الاخرين
ب- حماية الأمن القومى والنظام العام والصحة العامة والأخلاق ………
ويبين من نص المادة 13 سالفة الذكر أنها وضعت تنظيماً لممارسة الحق بمنع فرض رقابة مسبقة على اتيان الفعل ، وبترتيب المسئولية القانونية اللاحقة على اتيان الفعل فى حق الفاعل اذا أتى أمراً من شأنه الأخلال بسمعة الاخرين أو بالأمن القومى أو النظام العام …..وذلك على عكس القرار المطعون فيه الذى يفرض رقابة مسبقة ، ويضع قواعد تحد من حرية تداول المعلومات ونقلها للاخرين قبل اتيان الفعل وهو أمر أشبه بمعاقبة أحد الأفراد على جريمة قبل ارتكابه لها .
وقد فسرت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الأنسان نص المادة 13 من الميثاق الأمريكى لحقوق الأنسان عام 1985 بموجب الية الرأى الأستشارى الذى تتمتع به بأن هؤلاء المخاطبين بنص المادة 13 من الميثاق الأمريكى لحقوق الأنسان لا يتمتعون فقط بحرية التعبير عن ارائهم الخاصة ، بل ايضاً يتمتعون بحرية التماس وتلقى ونقل المعلومات والافكار اياً كان نوعها ، وأن حرية الرأى والتعبير تتطلب من ناحية أولى الا يمنع أحد من التعبير عن رايه الخاص بشكل تعسفى ، ومن ناحية أخرى فهى تعنى حق الافراد فى تلقى المعلومات أياً كانت ……
كما قررت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الأنسان انه \” من المهم بالنسبة للمواطن العادى أن يعرف اراء الاخرين ، وان يتمتع بالحق فى اتاحة المعلومات بشكل عام ، وخصوصاً الحق فى نقل اراءه للاخرين ….وقد انتهت المحكمة الى أن المجتمع غير المطلع ليس مجتمع حر .
– حرية تداول المعلومات فى نظام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان .
انشأت المحكمة الأوروبية لحقوق الأنسان ضمن الاليات التى وضعها \” مجلس أوروبا \” لحماية حقوق الأنسان ، ومجلس أوروبا هو منظمة حكومية تحتضن 43 دولة أوروبية تهدف الى الترويج لمبادىء حقوق الأنسان والتعليم والثقافة ، وتعتبر من احدى أهم الوثائق القانونية التى أصدرها مجلس أوروبا \” الميثاق الأوروبى لحماية حقوق الانسان وحرياته الأساسية والذى نص فى المادة العاشرة منه على أن \”
لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية………..
وقد فسرت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان حرية تداول المعلومات فى العديد من أحكامها وعلى سبيل المثل الحكم الصادر فى الدعوى المقامة من احدى منظمات حقوق الانسان ضد دولة هنجاريا الصادر فى 14 أبريل 2009 ، وتتلخص وقائع هذه الدعوى فى قيام أحد أعضاء البرلمان بدولة هنجاريا بتقديم شكوى الى المحكمة الدستورية تتعلق بقانون المخدرات المطروح أمامها قبل دخوله حيز التنفيذ ، وقد علمت احدى منظمات حقوق الانسان الهنجارية بهذه الشكوى ، فتقدمت الى المحكمة الدستورية للحصول على نسخة من مشروع القانون سالف الذكر ، وقد رفضت المحكمة هذا الطلب ، وقد أسست رفضها على أساس أن الافصاح عن أى معلومات يتطلب اذن مسبق من مقدم هذه المعلومات والوثائق ،وهو ما دفع هذه المنظمة الى اللجوء للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التى قضت \” بأن هذا القرار يعتبر عائق أمام منظمات حقوق الأنسان فيما يتعلق بحقها فى اتاحة المعلومات المنصوص عليه فى المادة 10 من الميثاق الأوروبى لحقوق الأنسان وحرياته الأساسية اللازم لتمكينها من القيام بدورها كمراقب لحالة حقوق الأنسان .
– حرية تداول المعلومات فى النظام الأفريقى لحماية حقوق الأنسان .
تبنت المفوضية الأفريقية لحقوق الأنسان والشعوب اعلان مبادى حرية التعبير فى دورة انعقادها الثانية والثلاثين عام 2002 ، وقد أيد هذا الاعلان بوضوح الحق فى اتاحة المعلومات مقرراً \” أن الجهات العامة لا تحتفظ بالمعلومات لنفسها بل كوصى على الصالح العام ، وكل فرد يتمتع بالحق فى اتاحة المعلومات
كما تنص المادة 9 من الميثاق الأفريقى لحقوق الأنسان والشعوب على أن \”
1. من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات.
2. يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها فى إطار القوانين واللوائح.
والفقرة الاولى من المادة التاسعة من الميثاق الافريقى لحقوق الانسان والشعوب التى تكفل حق الافراد فى تلقى المعلومات دون احالة تنظيم ممارسة هذا الحق الى القوانين المحلية . تعتبر من الدروع الرئيسية فيما يتعلق بحماية الحق فى تداول المعلومات ، وايضاً جاء القرار المطعون فيه مخالفاً لها ، أما الفقرة الثانية التى تكفل حرية الرأى والتعبير فى اطار القوانين واللوائح بمطابقتها بالقوانين المحلية المتعلقة بالقرار المطعون فيه نجد أنه لا يوجد قانون يعطى الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات سلطة فرض قيود جديدة على حرية استخدام رسائل المحمول المجمعة .
خامساً : افتقاد القرار المطعون فيه للسبب القانونى الصحيح.
يعتبر السبب عصب القرار الادارى وركنه الركين ، فاذا قام القرار على سبب صحيح جاء متفقاً والمشروعية القانونية ، اما اذا تخلف السبب عن القرار الادارى انهدم القرار برمته ، ورقابة القضاء الادارى على سبب القرار الادارى هى من اهم الضمانات الاساسية لاحترام الادارة لمبدأ المشروعية فى قراراتها الادارية ، لان القرارات الصادرة من الادارة ، يجب الا تصدر عن الهوى والتحكم ، وانما يجب ان تستند الى اسباب صحية ووافية تبرر اتخاذها .
ويقصد بالسبب فى القرار الادارى هو الحالة الواقعية او القانونية التى تدفع الى اصدار القرار ، فهو حالة موضوعية تحدث قبل اصدار القرار ، فتحمل الادارة على اصداره ، وهو بهذا التحديد ركن من اركان القرار الادارى . وعيب السبب هو عدم المشروعية الذى يصيب القرار الادارى فى سببه بان تكون الواقعة التى يقوم عليها القرار غير موجودة او غير صحيحة من حيث تكييفها القانونى ، وهذا ما يبين من القرار المطعون فيه ، اذ لم تبرر الجهة الادارية المطعون ضدها سبب اصدارها لهذا القرار سوى ما جاء على تصريحات بعض مسئوليها لوسائل الاعلام ، والتذرع بتنظيم خدمة رسائل المحمول المجمعة على الرغم من وضوح الهدف الحقيقى للقرار وهو تقييد هذه الوسيلة من وسائل تداول المعلومات والتعبير وهو ما يضحى معه القرار المطعون فيه ناطقاً عن هوى أصحاب المصلحة فى حجب المعلومات وتقييد مصادر وطرق وصولها الى جموع المواطنين ، وقمع حرية التعبير عن الرأى ، وهو ما يستوجب وقف تنفيذ والغاء قرار الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بضرورة حصول مستخدمى هذه الخدمة على تصريح من الجهات المختصة بما يتضمنه ذلك من فرض رسوم جديدة على الشركات الوسيطة للحصول على هذا الترخيص بتقديم هذه الخدمة.
سادساً : القرار المطعون فيه مشوب بعيب اساءة استعمال السلطة .
استقرت محكمة القضاء الادارى على أن سوء استعمال السلطة نوع من سوء استعمال الحق ، والموظف يسىء استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على اغراض القانون وأهدافه فهو استعمال للقانون بقصد الخروج عليه ولهذه الغاية تكون اساءة استعمال السلطة ضرباً من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه فهى لا تخرج عن كونها مخالفة متعمدة لاهداف القانون ، بل وللقانون ذاته اذ يتعذر التفرقة بين نصوص القانون وأهدافه …..، واطرد قضاء المحكمة الادارية العليا على ذات التعريف الذى اخذت به محكمة القضاء الادارى من أن اساءة استعمال السلطة من العيوب القصدية فى السلوك الادارى قوامه ان يكون لدى الادارة قصد اساءة استعمال السلطة والانحراف بها ، وقضت المحكمة بالغاء القرارات التى تبتغى اغراضاً أخرى غير الصالح العام .
كذلك فان القرار الادارى متى شف عن بواعث تخرج به عن استهداف الصالح العام المجرد الى شفاء غلة او ارضاء هوى فى النفس فانه يكون منحرفا عن الجادة مشوبا باساءة استعمال السلطة ، وهذا العيب لصيق بالقرار المطعون فيه واضح وضوح الحقيقة ذاتها ، اذا يرمى الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات من خلال السلطات التى خولها له القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات الى وضع المزيد من القيود على حرية تداول المعلومات وحرية الرأى والتعبير ، خاصة وان نظام ارسال رسائل المحمول الجماعية سارى منذ عدة سنوات ، وقد ساعد خلال تلك السنوات على سرعة انتشار المعلومات بين المواطنين ، بل أنه عزز سبل الارتقاء بالرأى العام فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية المختلفة ، ولكن يتضح من القرار المطعون فيه ان الجهة الادارية المطعون ضدها لا ترضى بغير التعتيم والقمع وتغييب الرأى العام عن الحقائق والمعلومات الحقيقية التى تتعلق بحياته اليومية ومصيره ومستقبله ، ولا ترضى بغير التدخل ووضع المزيد من العقبات ليكون الوصول الى المعلومة أكثر صعوبة مما هو عليه ، وذلك خلف ستار تنظيم عملية استخدام رسائل المحمول الجماعية .وذلك بوضع عقبة امام منظمات المجتمع المدنى بضرورة حصولها على تصريح من المجلس الأعلى للصحافة لاستخدام هذه الخدمة وهو ما لن تناله منظمات المجتمع المدنى حيث أن المجلس الاعلى للصحافة مختص فقط بالتصريح للجهات الصادرة بترخيص منه كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الصحفية ، وهو ما يجعل القرار المطعون فيه مستوجباً وقف التنفيذ والالغاء.
سابعاً : عدم التناسب بين المنافع والأضرار المترتبة على القرار المطعون فيه .
ذهبت محكمة القضاء الادارى الى أن
\” الأصل فى نشاط الادارة أنها تستهدف فى كل أعمالها الصالح العام ، ووظيفتها فى الأساس هى اشباع الحاجات العامة تحقيقاً لهذا الهدف ، على أنه اذا كان الصالح العام يتفاوت فى مدارجه ويتباين فى أولوياته فيجب عندئذ أن تصدر فى تصرفاتها بما يراعى ذلك ويناسبه ، بحيث تعطى لكل وجه من أوجه الصالح العام أهميته ، ولا تضحى بوجه منه لتنشد وجهاً دونه ، مع ظهور التفاوت بينهما بصورة صارخة أو كبيرة ، اذ فى هذه الحالة تختلط مناسبة عمل الادارة بمشروعيته ، ويلزم ليكون مشروعاً أن يكون مناسباً ، وهو ما تنبسط عليه رقابة القضاء الادارى للتحقق منه \”
يبين من الحكم السابق لمحكمة القضاء الادارى أن التناسب بين المصالح التى يخاطبها القرار الادارى من الأركان الجوهرية لكى يكون القرار مشروعاً ، وبتطبيق المبادىء القانونية التى استخلصها هذا الحكم على وقائع الدعوى الماثلة والقرار المطعون فيه ، فقد برر مصدر القرار فى وسائل الاعلام أن غاية القرار المطعون فيه هو تنظيم أوضاع الشركات الوسيطة التى تعمل فى مجال رسائل المحمول المجمعة ، وذلك على الرغم من أن هذه الشركات تعمل منذ سنوات ولم تظهر أية مشكلة من شأنها الاخلال بقواعد النظام العام ، بل على العكس من ذلك استطاع مستخدمى هذه الوسيلة من المؤسسات الصحفية ومنظمات المجتمع المدنى أن يساهموا بشكل كبير فى نشر المعلومات المتعلقة بالشئون العامة على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، ذلك الدور الذى لا تلعبه الحكومة بسبب غياب قانون لحرية تداول المعلومات ، كما أن الموازنة بين حق المجتمع فى المعرفة وتداول المعلومات ، وحق منظمات حقوق الانسان فى نشر المعلومات المتعلقة بقضايا حقوق الانسان وبين أهمية وضع قيود تنظيمية على الشركات الوسيطة التى تقدم هذه الرسائل ، فان الراجح فى هذه الموازنة هو حق المجتمع فى تداول المعلومات وحق منظمات حقوق الانسان ، خاصة اذا كانت القيود التى يفرضها القرار المطعون فيه من شأنها اعاقة حرية تداول المعلومات وحرية الرأى والتعبير عبر رسائل المحمول المجمعة ، وهو ما يجعل القرار المطعون فيه قد أعطى الاولوية لصالح تنظيم الخدمة على حساب حريات وحقوق المواطنين التى تنصب عليها رقابة القضاء الادارى فيما يتعلق بمراعاة القرار الادارى لها ، وهو ما يستوجب وقف تنفيذ والغاء هذا القرار .
أحمد عزت
محام