لماذا نرفض قانون الجمعيات الجديد؟ قانونية تقييد الحق في التنظيم

لماذا نرفض قانون الجمعيات الجديد؟ قانونية تقييد الحق في التنظيم

تاريخ النشر : الثلاثاء, 22 نوفمبر, 2016
Facebook
Twitter

مها الأسود
نوفمبر ٢٠١٦

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF

ملخص تنفيذي

يساور المجتمع المدني المصري والمهتمين بالشأن العام في مصر قلق بالغ إزاء جوانب من مشروع قانون الجمعيات الذي سيحل محل القانون الحالي ٨٤\٢٠٠٢. وكانت الوزارة المختصة في مصر قد قامت في خطوة محمودة بطرح مسودة مختلفة للقانون مع منظمات المجتمع المدني في يونيو ٢٠١٤، وتم التشاور وأخذ اقتراحات وملاحظات المجتمع المدني عليها، ولكن في نهاية الأمر قدمت الحكومة مسودة مختلفة لمجلس النواب لم تدرج تعليقات المنظمات المتفق عليها. ثم فوجئ الجميع في منتصف نوفمبر ٢٠١٦ بوجود مسودة جديدة لقانون الجمعيات تقدم بها أحد النواب وتمت مناقشتها بشكل سري في اللجنة التشريعية بالمجلس، إلى أن ناقشها مجلس النواب في جلسته العامة على مدى يومين فقط، وأقرها قبل أن ترسل إلى مجلس الدولة لبيان رأيه فيها. ومن المفترض أن تعود بعدها للموافقة النهائية في مجلس النواب، قبل أن يصادق عليها رئيس الجمهورية ليدخل القانون حيز التنفيذ.

وإذا صدر قانون الجمعيات بشكله الحالي، الذي تم تسريبه لوسائل إعلام، فمن شأنه أن يقوض مضمون الحق في التنظيم الوارد في الدستور المصري، والتزامات مصر أمام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. يتضمن مشروع القانون قيودا على حق من حقوق الإنسان الأساسية وهو الحق في التنظيم، حيث أنه يلزم منظمات المجتمع المدني بالحصول على ترخيص من الحكومة عن طريق عملية بيروقراطية مرهقة، تسمح بالتدخل من الأجهزة الأمنية، قبل ممارسة أنشطتها بشكل قانوني في مصر. كما يورد القانون قيودا على الحق في التنظيم، لا يُسمح في حقيقة الأمر باستخدامها لتقييد الحق، إلا في حالات معينة استثنائية مشروحة بعناية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل دواعي الأمن القومي وحماية النظام العام، ولكنها مذكورة بطريقة فضفاضة تسمح بإساءة استخدامها من قبل السلطات في مشروع القانون بصيغته الحالية. وفي حالة نجاح المنظمات في التسجيل طبقا لشروط القانون، فهي تخضع لرقابة تامة من السلطة التنفيذية في كل نواحي أنشطتها وقراراتها الداخلية وتمويلها بل وتشكيل مجالس إداراتها، ونوعية الأبحاث التي تقوم بها، والرقابة على مصروفاتها وسجلاتها المالية، وهذا يعني اعتبار أموال المنظمات من قبيل الأموال العامة. كل ما سبق يجعلها تابعة للحكومة وليست مستقلة عنها. وفي حالة عدم امتثال المنظمات فإنها تكون عرضة للإيقاف بقرار إداري لمدة تصل إلى سنة، أو الحل والمصادرة بقرار قضائي. كما يتعرض العاملون فيها وأعضائها إلى عقوبات جنائية مغلظة تصل إلى الحبس لمدة خمس سنوات والغرامة التي تصل لمليون جنيه. وفي حالة تلقي تمويلات غير مصرح بها، يحكم عليهم بدفع غرامة مقدارها ضعف التمويل أو التبرع الذي حصلت عليه المنظمة.

مشروع القانون يجعل من المستحيل على منظمات المجتمع المدني الوجود والعمل بحرية، ويعبر عن سوء فهم واضح لماهية الحق في التنظيم، وأهمية منظمات المجتمع المدني في مجتمع ديمقراطي. وهو أكثر تقييدا من قانون الجمعيات الحالي، حيث يقضي بإنشاء جهاز قومي حكومي، يكون ضمن عضويته ممثلين عن المؤسسات الأمنية في مصر، وهو المسئول عن التصريح بتلقي تمويلات والموافقة على أي تعاون بين المنظمات المصرية وغيرها من المنظمات الأجنبية، والتصريح للمنظمات الأجنبية نفسها بالتواجد والعمل في مصر.

هذه الورقة بشكل أساسي هي تأطير للحق في التنظيم، وتعليق على مشروع قانون الجمعيات المطروح حاليا، ومقارنة لمواده بالقانون الدولي لحقوق الإنسان وأفضل الممارسات الدولية المتعلقة بالحق في التنظيم. الورقة أيضا تتناول بالشرح والتفسير بعض القيود الممكن في حالات خاصة وضعها لتقييد الحق في التنظيم، كما وردت في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي أوردها القانون بشكل يوحي بسوء استخدامها. وبالتالي فهذه الورقة موجهة بشكل أساسي لأعضاء مجلس النواب، لبيان الاعتراضات المشروعة على القانون المطروح، و موجهة في نفس الوقت للحكومة ووسائل الإعلام، لترسيخ فهم ماهية الحق في التنظيم، وتأكيد أن تقييده مشروط بتوافر معايير معينة أوردها القانون الدولي، وأنه لا يمكن الاكتفاء بذكر هذه القيود دون الإلمام بتفسيراتها وشروط استخدامها لتقييد الحقوق.

تتضمن الورقة شرحا للحق في التنظيم، وبيان المواثيق الدولية ومواد الدستور المصري التي تؤطره، ثم بيانا لإشكاليات مواد القانون، ثم قسما منفصلا لبيان القيود التي يمكن أن تستخدم في حالات خاصة واستثنائية لتقييد الحق في التنظيم طبقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، متبوعة بتوصيات موجهة لكل من مجلس النواب، الحكومة، القضاء والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.

مقدمة

يساور المجتمع المدني المصري والمهتمين بالشأن العام في مصر قلق بالغ إزاء جوانب من مشروع قانون الجمعيات الذي سيحل محل القانون الحالي (٨٤/٢٠٠٢). وكانت الوزارة المختصة في مصر قد قامت، في خطوة محمودة، بطرح مسودة مختلفة للقانون مع منظمات المجتمع المدني في يونيو ٢٠١٤. وتم التشاور وأخذ اقتراحات وملاحظات المجتمع المدني عليها. ولكن في نهاية الأمر قدمت الحكومة مسودة مختلفة لمجلس النواب، لم تدرج تعليقات المنظمات المتفق عليها. ثم فوجئ الجميع في منتصف نوفمبر ٢٠١٦ بوجود مسودة جديدة لقانون الجمعيات، تقدم بها أحد النواب، وتمت مناقشتها بشكل سري في لجنة مشتركة من لجنة التضامن الاجتماعى و لجنة الشئون الدستورية والتشريعية. إلى أن ناقشها مجلس النواب في جلسته العامة، على مدى يومين فقط وأقرها، قبل أن ترسل إلى مجلس الدولة لبيان رأيه فيها. ومن المفترض أن تعود بعدها للموافقة النهائية في مجلس النواب، قبل أن يصادق عليها رئيس الجمهورية، ليدخل القانون حيز التنفيذ.

ويصدر القانون في ظل أجواء من التضييق على منظمات المجتمع المدني، خاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان، وملاحقة العاملين فيها بالدعاوي القضائية، والتحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر، وغلق أو محاولة غلق المنظمات نفسها ومصادرة أموالها. فقد أدانت محكمة جنايات القاهرة ٤٣ من العاملين بمنظمات مجتمع مدني تعمل في مصر”بدون ترخيص،” بتهمة تلقي معونات من دول أجنبية،  في القضية  (١٧٣/٢٠١١) والمعروفة إعلاميا بقضية “التمويل الأجنبي.” من أحيلوا للمحاكمة تضمنوا ١٩ أمريكيا و١٦ مصريًا، فضلاً عن جنسيات أخرى منها الألمانية والفلسطينية والأردنية. صدر الحكم في يونيو ٢٠١٣، وكان قد سبق ذلك واقعة اقتحام  قوات الشرطة والجيش لسبعة عشر مقر تابع لعشر منظمات من بينها منظمات مصرية، في نهاية عام ٢٠١١.[1] وكان مجلس الوزراء قد أمر وزير العدل، في يوليو ٢٠١١، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني، وتحديد ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب قانون الجمعيات الحالي ٨٤/٢٠٠٢. ساهم في هذا التقرير قطاع الأمن الوطني، والمخابرات العامة، واستعانت به النيابة كدليل إدعاء. وضم التقرير قائمة بالمنظمات العاملة في الشأن العام في مصر. ورغم ذلك لم يتم استدعاء كل من بالقائمة للتحقيق حينها. في أبريل ٢٠١٥ حدث هجوم آخر من الشرطة على منظمة حقوقية. وصاحب ذلك الهجوم على مقراتها، وطلب تفتيشها، ومصادرة أوراقها، واستجواب العاملين فيها، عن ممارستهم لعملهم، وعن انتمائاتهم السياسية.[2] وبعد ذلك بحوالي عام، في مارس ٢٠١٦، تم فتح أوراق قضية  المنظمات من جديد، وتم استدعاء منظمات جديدة للمثول للتحقيق، ومنع العاملين فيها من السفر خارج البلاد، وفي بعض الأحيان، التحفظ على أموالهم الخاصة وأموال أسرهم.[3]

كما أن المناخ القانوني الحالي يسمح بتقييد الحقوق والحريات العامة، بدعوى حماية مفاهيم غامضة، مثل المصلحة القومية والأمن القومي. فالمواد القانونية، التي تمت إثارتها فيما يتعلق بهذه القضية والتي سبقتها، تنقسم إلى مواد من قانونيّ العقوبات والجمعيات الحالي. ورغم أن الدستور المصري الجديد، الذي صدر في ٢٠١٤، يذكر الحق في التنظيم ضمن مواده، إلا أن القوانين الحالية لم يتم تعديلها لتتماشى مع المعايير الواردة فيه، ومع التزامات مصر أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومن المفترض أن يقوم مجلس النواب بدوره في إصدار القوانين المكملة للدستور ومن ضمنها قانون الجمعيات، ولكن ظهرت مسودته الأولية في صورة أسوأ من قانون الجمعيات الحالي كما سيتبين لاحقا.

من ضمن المواد الحالية التي تقيد العمل المدني، المادة ٧٨ من قانون العقوبات، التي عدلها الرئيس الحالي بقرار منه في سبتمبر ٢٠١٤، ثم وافق عليه مجلس النواب بعد انعقاده، والتي غلظت العقوبة لتصل إلى السجن المؤبد في تهم غير واضحة، تشمل تلقي الأموال من الخارج بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد ووحدتها. كذلك المادة ٩٨ من ذات القانون، التي تنص على أن “كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، في الجمهورية المصرية من غير ترخيص من الحكومة، جمعيات أو هيئات أو أنظمة، من أي نوع كان، ذات صفة دولية، أو فروعا لها؛ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه. ويضاعف الحد الأقصى للعقوبة إذا كان الترخيص بناء على بيانات كاذبة…” وأنه “يعاقب بالسجن، مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، كل من تسلم أو قبل، مباشرة أو بالواسطة بأية طريقة، أموالا أو منافع، من أي نوع كانت، من شخص أو هيئة في خارج الجمهورية أو في داخلها، متى كان ذلك في سبيل ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها …”

ومن ضمن المواد العديدة التي تقيد العمل المدني في قانون الجمعيات الحالي ٨٤/٢٠٠٢،  المادة ٧٦، حيث تورد أن الإخفاق في التسجيل يعد جنحة تستوجب الحبس لمدة أقصاها ٦ أشهر. والجدير بالذكر أن مشروع القانون المطروح غلظ هذه العقوبة لتصل لخمس سنوات، إلى جانب غرامة قد تصل إلى مليون جنيه.

وتأتي توجهات المسئولين المصريين ضد منظمات المجتمع المدني لتشكل عائقا جديدا يساهم في التضييق على عملها. فالمتابع لتصريحات مسئولين في الحكومة المصرية، وأحيانا من الجهات القضائية، المفترض بها الحياد، وبعض وسائل الإعلام الحكومية، أو التي تعبر عن وجهة نظرها الرسمية، يجد تحاملا كبيرا على المنظمات؛ خاصة على الحقوقية منها، حيث يتم تنصيبها كالعدو الأول للبلاد. فعلى سبيل المثال، عقد وزير العدل، يوم ٢١ ديسمبر ٢٠١١، مؤتمرًا صحفيًا، في أعقاب أحداث تظاهرات “مجلس الوزراء،” كان مثالا على توجيه الرأي العام، والتأثير على سير قضية كانت لا تزال منظورة أمام القضاء. صرح الوزير أن خيوطًا أولية كشفت عن “تلقي مجموعة من الأشخاص مبالغًا ماليةً من جهات أجنبية، وخصوصًا منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والاجتماعية، الذين قاموا بتوزيع هذه الأموال، التي تلقوها، على بعض الأفراد.”[4] كما عقد قاضيا التحقيق في قضية التمويل الأجنبي مؤتمرا صحفيا ضخما، يوم ٨ فبراير ٢٠١١، لاستعراض أدلة الثبوت، التي تم على أساسها إحالة ٤٣ عاملًا بمنظمات عاملة في مصر إلى محكمة الجنايات، وذلك “لإيهام الرأي العام بوجود مؤامرة هائلة تستهدف استقرار ووحدة البلاد، وإظهار منظمات المجتمع المدني الدولية في صورة الخطر المهدد لأمن البلاد. حتى لو كان من خلال التضحية بالقانون وأخلاقيات العمل القضائي والقواعد القانونية التي تقضي بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.”[5]

في ظل هذه الأجواء، من التهديد والتخوين والتضييق والملاحقة القانونية، يصبح من المستحيل على المجتمع المدني الاستمرار في العمل وممارسة أنشطته في كافة المجالات، خاصة المنظمات التي تستهدف رصد انتهاكات حقوق الإنسان والرقابة على أداء الحكومة ومكافحة الفساد.

الحق في التنظيم

من المفترض أن ينظم قانون الجمعيات جانبا من حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو الحق في التنظيم. يرد الحق في التنظيم في المادة ٢٠ من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وفي المادة ٢٢ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. كما تتحدث اتفاقية منظمة العمل الدولية  ٨٧ لسنة ١٩٤٨،عن الحق في التنظيم وحمايته، في المادة ٢. ويرد الحق في المادة ١٠ من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة ٥ من إعلان حقوق وواجبات الأفراد والجماعات والأجهزة في المجتمع، في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمعروف باسم “إعلان المدافعين عن حقوق الإنسان،” وغيرها من المواثيق الدولية.

يفسر الحق في التنظيم على أنه: حق الفرد في تكوين، والانضمام مع غيره من الأفراد إلى، كيان ما يجمعهم، للتعبير والدفاع عن مصالح وأفكار مشتركة. وهو حق فردي وجماعي في نفس الوقت. أي حق الفرد في الانضمام والعمل في إطار كيان ما للتعبير عن مصالحه، وحق الكيان نفسه في الوجود وممارسة أنشطته. وتلتزم الدولة بحماية هذا الحق؛ حيث أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالحق في حرية الفكر والوجدان والعقيدة (المادة ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)؛ الحق في الرأي والتعبير والوصول للمعلومات (المادة ١٩)؛ الحق في التجمع السلمي (المادة ٢١)؛ حق المشاركة في الشأن العام ( المادة ٢٥)، وحقوق الأقليات (المادة ٢٧).[6] ويساهم الحق في التنظيم في خلق البيئة المواتية للأفراد للتعبير عن الآراء السياسية، والمشاركة في المساعي الأدبية والفنية والثقافية والاقتصادية، والأنشطة الاجتماعية، والاحتفالات الدينية أو العقائدية الأخرى، والانضمام إلى المنظمات ونقابات العمال والتعاونيات، وانتخاب القادة لتمثيل مصالحهم ومحاسبتهم.هذا الترابط والتشابك مع الحقوق الأخرى، جعل حماية الحق في التنظيم مؤشرا هاما لحماية الدولة لحقوق الإنسان الأخرى.[7]

قد يتخذ شكل التنظيم منظمة أو نقابة أو اتحاد عمال، أو غيرها من الأشكال التي يختارها أفرادها دون وجوب التقيد بشكل معين للتنظيم، ودون الحاجة للتسجيل لدى سلطات الدولة. ويمتد هذا الحق ليشمل كافة الأفراد، سواء كانوا مواطنين أو أجانب أو لاجئين، أو لا يتمتعون بجنسية دولة معينة، دون النظر إلى اعتبارات الدين والجنس واللون والعرق واللغة وغيرها.[8]

ويتضمن هذا الحق فيما يتضمن، الحق في عدم الانضمام إلى كيان بعينه. وبالتالي يعني ضرورة التنوع والتعدد في الكيانات المختلفة وأشكالها، وعدم تدخل الدولة بالتقييد في عددها وأشكالها، أو فرض قيود على إنشائها، أو إلزامها باتخاذ شكل قانوني محدد. ومن الممارسات التي تنتهك هذا الحق أن تضع الدولة قواعدًا معينة من ضمنها مثلا فرض رسوم تسجيل، أو حد أدنى لرأس المال الذي يعتمد عليه الكيان، أو محاباة اتجاه سياسي وفكري معين، تتبناه في سياساتها الرسمية، أو اشتراط عمل المنظمات في مجالات دون غيرها؛ مما يؤدي لحرمان الأفراد، أيا كانت قدرتهم المادية واتجاهاتهم الفكرية، من التعبير عن آرائهم بحرية، وتنظيم أنفسهم في جماعات للتعبير عن هذه اﻵراء والدفاع عنها.[9]

كما يتضمن الحق في التنظيم الحق في العمل بحرية، دون تدخل من السلطات، والوصول إلى الموارد والتمويلات المالية اللازمة للقيام بأنشطتها، والمشاركة في الشؤون العامة في الدولة، حتى لو كان ذلك في مواجهة الدولة وضد مواقفها الرسمية.[10]

تنص المادة ٢٢ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:

“١. لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.

٢. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.

  1. ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة عام 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية.”

انتبه خبراء القانون الدولي إلى سوء استخدام الدول الأعضاء في مواثيق حقوق الإنسان الدولية للقيود التي يمكن أن تفرض على الحقوق، بسبب التعبيرات الفضفاضة لتلك القيود، مثل التي أوردها البند الثاني من المادة ٢٢ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وذلك رغم أن المادة الخامسة من نفس العهد تنص، وبوضوح، على أنه لا يجب تفسير أي من القيود الواردة فيه على أنها تعطي سلطة لتقويض الحق. تنص المادة ٥ من العهد الدولي على:

” ١. ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواؤه على حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه.

٢. لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف أو النافذة في أي بلد تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كونه اعترف بها في أضيق مدى.”

ولذلك تم تبني العديد من المبادئ الدولية لتناول تلك القيود بالشرح والتفسير، وبيان أن هذه القيود، في حقيقة الأمر، ليست مطلقة، ولا تطلق يد الدولة في تقييد الحقوق كيف تشاء. وذلك لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة ضد سيطرة الدولة، وكذلك حماية حقوق الأقليات وذوي الآراء المختلفة، وهي سمة أساسية للمجتمع الديمقراطي.

من ضمن تلك الشروحات تأتي التعليقات العامة للجنة حقوق الإنسان، وهي الهيئة المنشأة بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومبادئ سيراكوزا، وهي مباديء اتفق عليها مجموعة من ٣١ خبيرا دوليا في مجال القانون الدولي، من جنسيات مختلفة، من ضمنها مصر،  أثناء اجتماعهم في سيراكوزا في إيطاليا، في ربيع ١٩٨٤، ثم أقرتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سبتمبر ١٩٨٤.  وتقول مقدمة الوثيقة أن تلك المبادئ جاءت للفحص الدقيق للشروط والقيود والاستثناءات المسموح بها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؛ من أجل التنفيذ الفعال لسيادة القانون. من ضمن المراجع الهامة في هذا الإطار أيضا تقارير المقررين الخواص، المعهود إليهم حق أو فئة من حقوق الإنسان. كما أن هناك مقررا خاصا معنيا بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان. ولم يكن هناك مقرر خاص معني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات حتى وقت قريب، ولكن إدراكًا لضرورة وجود آلية متخصصة لهذا الحق، تم اتخاذ قرار بتعيين مقرر خاص له في الجلسة الخامسة عشر لمجلس حقوق الإنسان، سبتمبر ٢٠١٠.  ويتمثل دوره في تقديم تقارير حول انتهاك الحق في التجمع السلمي وتكوين جمعيات، ومنها استخدام العنف أو المضايقات أو الاضطهاد أو التخويف أو الانتقام ضد الأفراد، إلى مجلس حقوق الإنسان، ورصد أفضل الممارسات الدولية لحماية وتعزيز هذا الحق.[11]

القانون المطروح والقانون الدولي لحقوق الإنسان

أوردت المذكرة التوضيحية للقانون المطروح، أنه من الأسباب الداعية لهذا القانون الجديد هو أن القوانين السابقة شابها أوجه قصور، ولم تجد “التوازن المطلوب بين متطلبات حماية الأمن القومي والحفاظ على النظام العام في البلاد.”[12] واستشهدت بنص المادة ٢٢ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بالحق في التنظيم، والتي تضع في البند الثاني منها بعض القيود على ممارسة هذا الحق (أن ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم).

ورغم أن الاستشهاد بوثيقة دولية لحقوق الإنسان يعتبر تقدما نوعيا في خطاب مجلس النواب، إلا أن الغرض للأسف كان تبرير بعض القيود الفضفاضة التي وضعتها مسودة القانون، مثل حماية الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة، والمنقولة حرفا من العهد الدولي دون التدبر في معناها وشروطها، بأنها تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأنه بالتالي لا غبار على القانون. ولكن الحقيقة أن هذا هو أبعد ما يكون عن الصواب، لأن هناك قائمة بالالتزامات القانونية للدولة التي يجب أن تفي بها لحماية الحقوق الواردة في العهد. وعندما تريد الدولة استخدام بعضا من القيود الواردة في العهد على الحقوق، فهناك قائمة من الشروط المحددة التي يجب أن تلتزم بها لتطبيق تلك القيود، وإلا يعتبر ذلك انتهاكا لمواد العهد الدولي.

يتمثل دور الدولة الأساسي في حماية وتعزيز الحقوق الواردة في التزاماتها الدولية لحقوق الإنسان، والعمل على ضمان ممارستها بحرية. وفي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، نجد “أن الالتزام القانوني … هو التزام ذو طابع سلبي وإيجابي على السواء.” [13] ويعني ذلك الامتناع عن انتهاك الحقوق الواردة في العهد، إلى جانب اتخاذها لتدابير تشريعية وقضائية وإدارية وتربوية وغيرها من التدابير المناسبة بغية الوفاء بالتزاماتها القانونية.[14]

وفي حين يمكن للدول تطبيق قيود معينة على ممارسة بعض الحقوق الواردة في العهد، تؤكد لجنة حقوق الإنسان، في تعليقها العام رقم ٢٧، أنه يمكن، فقط، تطبيق “بعض” القيود على الحق. وهو ما يعني بوضوح أن الحق هو الأساس وتقييده هو الاستثناء. وأوردت أنه “في اعتماد قوانين تنص على القيود … ينبغي للدول دائما الاسترشاد بمبدأ أن القيود يجب ألا تنال من جوهر الحق … وأن العلاقة بين الحق والقيد وبين المبدأ والاستثناء، يجب ألا تكون معكوسة.”[15] ونتيجة لذلك، عندما ترغب الدول في تقييد هذه الحقوق، يجب أن تتحقق عدة شروط؛ أن يكون الدافع لأي قيد هو واحد من الأهداف المذكورة في نص العهد دون غيرها، أي (وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم)، ومعنى ذلك أن القيد الإضافي الذي أورده نص مشروع القانون في نص المادة ١٤(ب)، وهو، “الوحدة الوطنية،” ليس من الأغراض المشروعة في نص العهد الدولي، وبالتالي لا أساس له من الصحة. من الشروط أيضا، مراعاة التناسبية، أي مراعاة أن الحق هو الأساس وأن الإجراء المتبع هو أقل الإجراءات شدة،  ويكون له أساس قانوني، حيث أن “ينص عليه القانون” تعني، أن القانون يجب أن يكون معلنا، وتصاغ أحكامه بدقة كافية،[16] وتكون القيود “ضرورية في مجتمع ديمقراطي.”

ويتضح من مواد القانون المطروح أنه لا يتوافق والتزامات مصر الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدا مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأن القيود العديدة، التي تم فرضها على الحق في التنظيم، لم تنجح في اختبارات الضرورة والتناسبية المشار إليهما، وفرّغت العديد من مواد القانون الحق في التنظيم من معناه، وجعلت من الاستثناء قاعدة. وستتم مناقشة ذلك بالتفصيل في الأقسام التالية.

القانون المطروح والدستور

يرد الحق في التنظيم  في الدستور المصري لسنة ٢٠١٤ في أكثر من مادة في باب الحريات العامة. حيث يدخل في إطاره الحق في تنظيم الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات العمالية، إلى جانب الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والذي نتناوله هنا، وتختص به المادة ٧٥. تنص المادة على:

“للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار.وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شؤونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى.ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون.”

كما تنص المادة ٩٢ على: “الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.” والمادة ٩٣ على “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة.”

ومن هنا يتضح أن الدستور قد حمى حق تكوين الجمعيات، ولم يضع أي ضوابط لهذا الحق صراحة في نصه. وإن كان قد أوعز إلى القانون بتنظيم هذا الحق، شأنه شأن العديد من الحقوق الواردة بالدستور. ومن ثم يأتي دور البرلمان في إصدار القوانين المكملة للدستور، ومن ضمنها قانون الجمعيات. وطبقا للمادة ٩٢، لا يجوز للقوانين التي تنظم ممارسة الأفراد للحقوق والحريات أن تفرض قيودا عليها بما يمس أصلها وجوهرها. وهذه القيود دائما وأبدا تكون في صورة تدخل السلطة لتقف عائقا بين الحق وبين الأفراد. وفي هذه الحالة تعتبر تلك القوانين غير دستورية ويجب تعديلها أو إسقاطها. كما أن الدولة تلتزم بالاتفاقيات الدولية التي تصدق عليها، ومن ضمنها مواثيق حقوق الإنسان.

إشكاليات القانون

١- طريقة تبَنِّي القانون

تمت الموافقة، يوم الإثنين ١٥ نوفمبر الحالي، على قانون الجمعيات الجديد في مجلس النواب. وهو الآن بين يدي مجلس الدولة لمراجعته قبل إقراره النهائي. ولم تتم مناقشته أو طرحه على الجمهور أو وسائل الإعلام، قبل أو بالتزامن مع طرحه في مجلس النواب. حيث فوجئ الجميع بمناقشته على مدى جلستين في مجلس النواب، بطريقة تكاد تكون سرية، وإقراره قبل أن يتم إرساله لمجلس الدولة للتعليق النهائي عليه، ومن ثم يتم التصويت النهائي عليه بمجلس النواب، وإرساله للرئيس للتوقيع عليه، وينشر في الجريدة الرسمية. لم يطرح النواب مشروع القانون على دوائرهم الانتخابية، ولم يناقشوا مواده في الإعلام أو مع جماعات الضغط والمصالح المختلفة، بل اعتبر في حقيقة الأمر سرا من الأسرار العليا للبلاد، وتتم الآن محاسبة نائب من النواب بالبرلمان، محسوب على التيار الديمقراطي،  قام بمشاركة مسودة القانون مع مجموعة من السفارات ومنظمات المجتمع المدني، حيث تم تحويله للجنة القيم بالبرلمان، باعتباره خان ثقة المجلس.[17]

وفي الحقيقة فإن المشاركة الجماهيرية في عملية صنع القانون تعتبر من أسس الممارسة الديمقراطية الحديثة، وهو ما يسمى بالمواطَنة الفعالة، وهي تدخل ضمن الحق في المشاركة في الشأن العام (المادة ٢٥ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية). ويجب أن تُشرك المجالس التشريعية المواطنين والمجتمع المدني، دون تمييز، في العمليات التشريعية، من أجل التمثيل الفعال لمصالح المواطن، وتفعيل حق المواطنين في صنع القرار.[18] وتعتبر المواطنة الفعالة هي الرابط الحقيقي بين الشفافية والمحاسبة.[19] ومن الفوائد العديدة لذلك، ضمان شرعية القانون المطروح، بسبب مشاركة الجمهور في وضعه؛ الحفاظ على الوقت والموارد، بسبب الاستفادة من موارد كل مشارك في المجتمع بخبراته وموارده؛ تعزيز الديمقراطية؛ منع نشوب الصراعات بين الجماعات المختلفة، أو بين الجمهور والحكومة؛ وزيادة الثقة في المؤسسات العامة.[20]

وقد اعترفت العديد من برلمانات العالم بقيمة مساهمة المواطنين في العملية التشريعية، من خلال توفير آليات لهم لمشاركة أفكارهم وتجاربهم فيما يتعلق بقانون معين، ونقل خبراتهم بشأن المشكلات التي قد يساعد القانون في معالجتها، ومن ضمنها برلمان جنوب إفريقيا، والذي يعتبر من أكثر البرلمانات تقدما في هذا المجال.[21] وتعتبر جلسات الاستماع العامة من أبسط الآليات التي يمكن اعتمادها، وكذلك إمكانية تقديم المقترحات المكتوبة مباشرة. ويتزايد استخدام التقنيات الحديثة لتوفير فرص جديدة للمواطنين للمشاركة في عملية صناعة القانون.[22] وقد تم استخدام موقع إلكتروني يسمح للجمهور بإبداء التعليقات على مواد مشروع دستور ٢٠١٤ أثناء عملية الصياغة،[23] رغم أنه لا يتوفر دليل حقيقي على أنه تم أخذ تعليقات الجمهور في الاعتبار عند اعتماد الصياغة النهائية للدستور.

٢- التكوين والانضمام والتسجيل:

لم يسمح القانون بوجود منظمات المجتمع المدني دون تسجيل قانوني لدى السلطة التنفيذية، وقصَر شكل المنظمات المصرية المسموح بها على الجمعيات الأهلية والمؤسسات، وأفرد معايير مختلفة لتسجيل كل من المنظمات المصرية والمنظمات الأجنبية، وحدد للمنظمات موضوعات بعينها تعمل فيها.

أ)المنظمات المصرية:

يلزم القانون كل الكيانات التي تقوم بالعمل المدني في مصر بالتسجيل وفقا لأحكام القانون الجديد في شكل جمعيات أو مؤسسات في غضون ستة أشهر من تاريخ صدوره (المواد ١، ٢، ٤)، وتدفع الكيانات الراغبة في التسجيل رسما قدره ١٠ آلاف جنيه مصري. ومن المفترض أن تتشكل الجمعية أو المؤسسة بمجرد الإخطار- شريطة استيفاء كل الأوراق الرسمية المطلوبة ومن ضمنها النظام الأساسي لها، والذي ستورد اللائحة التنفيذية للقانون نموذجا استرشاديا له. ولكن يتبين من القانون أنه في خلال ثلاثين يوم من الإخطار يمكن للوزير المختص أن يوقف تسجيل المنظمة بقرار مسبب يخطر به المؤسسين، ولا يكون أمامهم إلا استيفاء البيانات أو تعديل الأوراق المطلوبة للحصول على الموافقة، أو الطعن أمام المحكمة خلال ستين يوما.

أورد القانون الأسباب التي يمكن من خلالها للوزير أن يوقف تسجيل الجمعية وتركها فضفاضة وقابلة لأكثر من تفسير، مما يتيح الفرصة للتدخل السياسي في المنظمات. من الأسباب التي أوردها القانون، أن يكون من بين أنشطة الجمعية نشاطا محظورا أو مؤثما، وفق قانون العقوبات أو أي قانون آخر، أو عدم استيفاء البيانات (المواد ٧،٨،٩).  كما أنه يجب الحصول على تصريح من الوزير المختص بإنشاء فروع للمنظمة داخل أو خارج مصر (المواد ٢١، ٢١).

وأورد القانون بيانا للمجالات التي يمكن أن تعمل بها المنظمات، وهي “ميادين التنمية والرعاية الاجتماعية لتنمية المجتمع وفقا لخطة الدولة واحتياجاتها التنموية وأولوياتها،” و”يحظر عليها ممارسة أنشطة يترتب عليها الإخلال بالوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة … أو الدعوة إلى مخالفة القوانين أو اللوائح أو الدعوة لعدم تطبيقها”(المادة ١٤)

وطبقا للقانون، تنضم المنظمات جبريا لاتحاد إقليمي في كل محافظة، وآخر عام على مستوى البلاد، ويُمكن للمنظمات تكوين اتحادات نوعية (المواد ٨١-٨٥).

ب)المنظمات الأجنبية غير الحكومية:

من حق المنظمات الأجنبية العمل في مصر من خلال الحصول على تصريح مسبق من جهاز ينشأ خصيصا لهذا الغرض، وهو الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية (المادة ٥٩)، ويتضمن في عضويته ممثلين لوزارات الخارجية، الدفاع، العدل، الداخلية، التعاون الدولي، الوزارة المختصة ( حاليا وزارة التضامن الإجتماعي)، ممثل لجهاز المخابرات العامة، ممثل للبنك المركزي، ممثل لوحدة غسيل الأموال، وممثل للرقابة الإدارية. ويخصص له موازنة سنوية من موازنة الدولة.

لا يختص الجهاز فقط بعمل المنظمات الأجنبية في مصر، سواء التصريح لها  وتمويلها ومراقبة أنشطتها، بل أيضا يختص بالتصريح بتلقي التمويلات الداخلية والخارجية للجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية ومراقبة إنفاقها (المواد ٧٠، ٧١، ٧٢). ويمنح الجهاز تصريحا للمنظمة الأجنبية بالعمل لمدة أقصاها ثلاث سنوات بعد سداد رسوم قدرها ٣٠٠ ألف جنيه مصري تزيد بمعدل ٢٠ بالمائة كل خمس سنوات. (المادة ٦١) وتقوم المنظمات الأجنبية بالعمل في مصر بما يتوافق مع خطة الحكومة التنموية، ولا تقوم بعمل ذي طابع سياسي أو يضر بالنظام والآداب والصحة العامة (المادة ٦٢)، ويمكن للوزير أن يقوم بتجميد أنشطة المنظمة أو سحب تصريحها في أي وقت، إذا خالفت أحكام القانون (المادة ٦٨).

إلزام التسجيل، وفي أشكال محددة للتنظيم:

ونجد أن مواد القانون تتعارض مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث لم يفرض العهد شكلا قانونيا معينا للمنظمات، ولا يلزمها بالتسجيل. وهناك نوعان من الأنظمة لحصول المنظمات على الشخصية القانونية، وهما التسجيل والإخطار. وبينما لا يتعارض نظام التسجيل بشكل مباشر مع مواد العهد الدولي، إلا أنه يجب ألا يكون جبريا.[24] وقد أجبر القانون المطروح المنظمات العاملة في مصر على التسجيل، وإلا تعرضت للحل والمصادرة، ويتعرض العاملون فيها للملاحقة الجنائية.

ويعتبر ذلك من القيود التعسفية، حيث توجد أشكال مختلفة للتنظيم، من ضمنها المبادرات، والمجموعات البحثية والدفاعية عن قضية أو غرض معين. وقد نشطت هذه الكيانات بعد ثورة يناير ٢٠١١، واعتبرت من مكتسبات الثورة. حيث شعر العديد من الأفراد برغبتهم في التنظيم والتعبير عن أنفسهم في جماعات ينظمونها بأنفسهم. وقد اختارت هذه الكيانات لأنفسها أحيانا شكلا تنظيميا يتمثل في مجرد صفحة أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي أو موقعا إلكترونيا، يمكنهم من نشر أفكارهم والتواصل مع الآخرين. وهو حق من حقوق الأفراد المشروعة؛ أن يختاروا الشكل التنظيمي، الذي يناسبهم ويناسب أفكارهم وطريقة التعبير عنها. وهذا القانون المطروح يلغي تلك الإمكانية لقطاع عريض من الأفراد، بل ويهدد الكيانات القائمة بالفعل بالعقاب والمصادرة. كما أورد القانون رسما للتسجيل قدره ١٠ آلاف جنيه مصري، مما يحد من قدرة الأفراد باختلاف مقدرتهم المادية على إنشاء منظمات.

وأفرد مشروع القانون موادًا تتناول عملية التسجيل البيروقراطية المعقدة، وأنواع البيانات والأوراق المطلوبة للتسجيل. ومن ضمنها النظام الأساسي للجمعية، والذي ستورد اللائحة التنفيذية للقانون نموذجا استرشاديا له. في خطوة تبين مدى التضييق على المنظمات والتدخل في شئونها الداخلية. ويذكر أن القانون الدولي قد اشترط فقط وجود هيكل مؤسسي ما للمنظمات، ولم يشترط تسجيلها، أو أي متطلبات أخرى، كالمطلوبة في القانون. وحيث أن ماهية الحق في التنظيم تنبع من فكرة تأسيس منظمة، أو الانضمام إلى منظمة موجودة بالفعل،  يتفق أفرادها في جانب معين، من أجل التعبير والدفاع عن مصالح مشتركة؛ فلا يجوز للدول منع، أو التدخل في، تأسيس المنظمات وأنشطتها.[25]

وضع القيود على مجالات عمل المنظمات

لم تتضمن المادة ٢٢ من العهد الدولي  تعدادا صريحا للأغراض التي يمكن أن تسعى الجمعيات لتحقيقها. وبالتالي يفترض أن يكون نطاق الحماية لهذه المادة واسعا. “فالجماعات الدينية والأحزاب السياسية والمشاريع التجارية والنقابات العمالية، تتمتع بالحماية التي توفرها المادة ٢٢، بنفس القدر، الذي تتمتع به المنظمات الثقافية أو منظمات حقوق الإنسان أو نوادي كرة القدم أو جمعيات هواة جمع الطوابع.”[26] وبالتالي تعتبر المادة ١٤ من القانون المطروح غير متوافقة والتزامات مصر أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ بسبب تحديدها للمجالات التي يمكن للمنظمات العمل في إطارها، والتي يمكن رفض تسجيل المنظمات في حالة عملها بها، بل وحلّها والملاحقة القانونية لأفرادها.

كما نص القانون المطروح على ضرورة أن ينص نظام الجمعية الأساسي على “عدم إخلالها بالأمن القومي، والنظام العام، والآداب العامة أو دعم أي منهما” (المادة ٣)، وألا تمارس أنشطة “يترتب عليها الإخلال بالوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة” (المادة ١٤)، ورغم أنها وردت جميعها، ما عدا “الوحدة الوطنية،” في نص المادة ٢٢ من العهد الدولي، كقيود يمكن بمقتضاها تقييد الحق، إلا أن هناك شروطا لاستخدام هذه القيود في تقييد الحق، أوردتها ذات المادة. وهي أن تكون هذه القيود لتحقيق أغراض مشروعة، ذكرت حصرًا في نص المادة ٢٢(٢)، وأن تكون بمقتضى قانون، وضرورية في مجتمع ديمقراطي، وألا تُفرغ الحقوق من جوهرها، وإلا تحول الحق إلى قيد. وبالتالي تصبح القوانين التي تتضمن هذه القيود منتهكة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. ويجب أن تخضع هذه القوانين لاختباريّ التناسبية والضرورة. وسيتم شرح شروط استخدام هذه القيود بالتفصيل في قسم منفصل.

عدم استقلال السلطة المنوط بها الموافقة على التسجيل:

يرجع القانون سلطة الموافقة على التسجيل للسلطة التنفيذية، وهي الوزارة المختصة في حالة المنظمات المصرية، أو للجهاز القومي للمنظمات الأجنبية، في حالة المنظمات الأجنبية. ويعتبر استقلال الجهة التي تنظر في أمر تسجيل المنظمات عن الحكومة أمرا جوهريا؛ لضمان نزاهة عملية التسجيل.[27] وقد أشارت المقررة الخاص المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان إلى أن تسجيل الجمعيات أصبح مسيسا وتتدخل فيه الأجهزة الأمنية. وهو ما نجده واضحا في تشكيل الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية؛ حيث يتضمن ممثلين عن ٦ وزارات من ضمنها وزارة الداخلية والدفاع، إلى جانب المخابرات العامة. وقد يؤدي ذلك إلى رفض تسجيل المنظمات التي تعمل في مجال الرقابة على أنشطة الحكومة، على سبيل المثال.

التفرقة بين المنظمات المصرية والأجنبية:

لا يُسمح للمنظمات الأجنبية بالعمل في مصر، طبقا لمشروع القانون، إلا بموافقة خطية من الجهاز القومي، الذي سيُنشأ خصيصا بموجب القانون للرقابة على شئونها، وتخضع لنظام منفصل أكثر تشددا من المنظمات المصرية؛ حيث يسري التصريح لها لمدة ثلاث سنوات فقط، قابلة للتجديد، ويمكن للجهاز أن يسحب رخصة تسجيلها، في أي وقت، عند القيام بأنشطة لا يوافق عليها. كما تخضع لرسوم تسجيل تصل إلى ٣٠٠ ألف جنيه مصري، قابلة للزيادة كل خمس سنوات، مقارنة بعشرة آلاف جنيه فقط، في حالة المنظمات المصرية. وفي هذا مبالغة غير مفهومة. فبجانب أن رسوم التسجيل لا يجب أن تكون موجودة بالأساس؛ حيث أن المجتمع المدني هو منظمات غير قابلة للربح بالأساس، فإن في ذلك تفرقة واضحة ضد المنظمات الأجنبية.

وقد أشار المقرر الخاص، المعني بالحق في التنظيم، إلى أن أفضل الممارسات الدولية في إطار الحق في التنظيم تتضمن حق جميع الأفراد في إنشاء جمعيات. ولا تسري الحماية القانونية للحق فقط على مواطني الدولة، ولكن أيضا على أي من حاملي الجنسيات الأجنبية، واللاجئين، والذين لا يحملون جنسية دولة معينة، وأن تتم معاملتهم جميعا بالمثل.[28] كما أوضح المقرر الخاص، المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أنه لا ينبغي التمييز فيما يتعلق بأنواع الأنشطة المسموح بها بين المنظمات الأجنبية والوطنية، وأنه يجب أن تخضع المنظمات غير الحكومية الأجنبية، التي تقوم بأنشطة حقوق الإنسان، لنفس مجموعة القواعد التي تنطبق على المنظمات غير الحكومية الوطنية، من ضمنها قواعد التسجيل والحصول على تمويلات.[29]

الإجبار على الإنضمام لاتحادات موحدة

يجبر القانون الجمعيات والمؤسسات المسجلة على الانضمام إلى اتحاد إقليمي واحد تابع لكل محافظة من محافظات الجمهورية. وتنضم هذه الاتحادات الإقليمية بدورها إلى الاتحاد العام، ومقره القاهرة. وبذلك  أجبر القانون الجمعيات على التنظّم في شكل تنظيمي أكبر مع منظمات أخرى بحسب النطاق الجغرافي، واحد في كل محافظة، وآخر عام على نطاق الجمهورية. ولا يتبين الغرض من هذه الاتحادات، ولا سبب توحيدها. فمن المفهوم أن تستطيع المنظمات تكوين اتحادات أو ائتلافات، كما يتناسب معها ومع تحقيق أهدافها وأنشطتها، دون الحاجة للتقيد بالانضمام إلى كيان رسمي بعينه. كما أن عنصرا هاما من عناصر الحق في تكوين جمعيات هو أنه لا يمكن إجبار الأفراد على الانضمام الى منظمة بعينها. وبالتالي يطبق نفس الحق على المنظمات في حالة إجبارها على الانضمام إلى منظمات جامعة.[30]

٣-التمويل

طبقا للقانون يجب أن “تخطر” الجمعيات الوزير المختص بتلقي تمويلات من داخل أو خارج مصر. ويصدر الوزير قراره بشأن ذلك خلال ٣٠ يوما من تلقي الإخطار، بعد أخذ رأي الجهاز. وللجهاز حق الاعتراض خلال ٦٠ يوما من تلقي الإخطار. ويجب تلقي ردٍ بالموافقة من الجهاز، وإلا اعتبر عدم الرد رفضا (المادة ٤٣). وبذلك يصبح تصريحا وليس إخطارا. كذلك  يجب على المنظمة عدم إرسال أموال إلى الخارج إلا بموافقة الجهاز(المادة ٢٤). والجهاز هنا هو الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية بمصر، وهو المنوط بالموافقة على تلك التمويلات، ومتابعة أوجه إنفاقها.

كما يجب إخطار الوزارة قبل تلقي التبرعات من داخل مصر بثلاثين يوما على الأقل. والتي بدورها تخطر الجهاز. ويجب أن تحصل المنظمات على موافقة الوزارة قبل البدء في جمع والتصرف في الأموال التي تلقتها(المادة ٢٣). وبالتالي فهو تصريح وليس إخطارا.

وينشأ بموجب مشروع القانون صندوق، يسمى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ويحصل جبريا على نسبة ١ بالمائة من حصيلة جمع التبرعات، أو المنح التي تتلقاها أية منظمة، إلى جانب حصيلة الغرامات الموقعة عليها. وذكر القانون أن وظيفة الصندوق هي توفير الدعم المالي اللازم لاستمرارية أنشطة الجمعيات والاتحادات المنشأة بموجب هذا القانون (المادة ٧٨).

القيود على التمويل

يتضح من مواد مشروع القانون وجوب طلب تصريح بالموافقة من الجهاز القومي في حالة تلقي المنظمات المصرية أو الأجنبية المسجلة لتمويلات أجنبية، ومن الوزارة المختصة في حالة جمع تبرعات داخلية أو تلقي تمويل من داخل مصر. ولا يحق للمنظمات التصرف في هذه الأموال دون الحصول على هذه الموافقة، وتتابع السلطات طرق صرف هذه الأموال والأنشطة التي تستخدم فيها، في تدخل واضح في الشئون الداخلية للمنظمات. وبينما يحق للدول ممارسة الرقابة المالية التي تؤهلها لرصد الأنشطة غير المشروعة في البلاد، مثل غسيل الأموال، في قوانين منفصلة معدّة لذلك، إلا أن ذلك لا يعني فرض الرقابة المسبقة على أنشطة المنظمات، والتدخل المباشر في كل أنشطتها والتحكم في مصادر تمويلها.

وقد أكد المقرر الخاص على حق المنظمات في البحث عن، وتلقي، الدعم المادي بدون قيود. وذلك للمنظمات المسجلة أو غير المسجلة، من مصادر داخلية، أجنبية أو دولية. ويدخل في ذلك الأفراد، الشركات الخاصة، منظمات المجتمع المدني، الحكومات والمنظمات الدولية. وأبدى قلقه من أن القانون في بعض الدول يسمح فقط بتلقي التمويلات للمنظمات المسجلة، ودعا الدول لتعديل قوانينها الداخلية لتتماشى مع أفضل الممارسات في هذا الإطار.[31] ويعتبر تلقي التمويلات الدولية جزءًا من التعاون الدولي، حيث يعامل المجتمع المدني في ذلك شأنه شأن الحكومات.[32]

الإجبار على الإنضمام لصندوق دعم الجمعيات

ذكر مشروع القانون أن وظيفة الصندوق هي توفير الدعم المالي للمنظمات المنشأة بموجب القانون وأنشطتها، ولم يحدد كيفية توفير ذلك الدعم تحديدا، وعلى أي أساس يتم اختيار المنظمات أو الأنشطة التي تتطلب ذلك الدعم. كما أنه اشترط حصول الصندوق على نسبة ١ بالمائة من أي تمويل أو تبرع تتلقاه المنظمات بالإجبار. ويشرف على الصندوق مجلس إدارة، يترأسه الوزير المختص، ويتشكل في أغلبه من مسئولين تنفيذيين، ولا توجد معايير واضحة لاختيار أعضائه، ولا لكيفية إنفاقه لأموال الصندوق. وبذلك لا يكون هذا الصندوق مستقلا بل تابعا للسلطة التنفيذية، وبالتالي تلاحقه شبهة عدم الحياد وعدم الشفافية. والمفترض أن تترك حرية الاختيار للمنظمات لتختار الانضمام للصندوق من عدمه، أو تشكيل بعضها لصناديق مستقلة تشرف على إدارتها بنفسها، بما يضمن تحقيق أهدافها.

٤-التدخل الحكومي في أنشطة المنظمات وشؤونها الداخلية

يورد القانون أن المنظمات تعمل في إطار خطة الدولة التنموية و احتياجاتها وأولوياتها، ولا يجوز ممارسة نشاط سياسي أو حزبي أو نقابي، أو ممارسة أنشطة من شأنها الإضرار “بالوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة”.  وطبقا للقانون أيضا، لا يجوز إجراء استطلاعات الرأي أو البحوث الميدانية إلا بتصريح، ولا يجوز نشرها إلا بتصريح “للتأكد من سلامتها وحيادها” (المادة ١٤).

كما أن من حق الوزارة والجهة الإدارية أن تبعث بمراقبين، في أي وقت، للتأكد من سير عمل المنظمة من الناحية الإدارية والمالية والفنية، وعلى المنظمة استقبالهم، في أي وقت (المادة ٢٧). يمكن للجهة الإدارية أيضا أن تعترض على أي قرار داخلي تقوم به المنظمة. ويكون على المنظمة في هذه الحالة إطاعة قرار الجهة الإدارية أو التظلم منه، “وفق الإجراءات المعتادة” (المادة ٣١).

كما يمكن للجهة الإدارية، أو غيرها، أن تطلب من المحكمة المختصة أن تقوم بعزل مجلس إدارة المنظمة وتعيين مجلس جديد، في حالة عدم إخطارها بالانتقال لمقر إداري جديد، أو في حالة تلقي تمويلات دون الحصول على تصريح بشأنها، أو ممارسة أنشطة لم ترد في النظام الأساسي للجمعية، أو عدم تمكين الجهة الإدارية من متابعة أعمال المنظمة، وغيرها من الحالات (مادة ٤٢). وألزم القانون المنظمات بأن تحتفظ بالوثائق والمكاتبات والسجلات والمعاملات البنكية لمراجعتها، ويجب أن تختم هذه السجلات من الجهة الإدارية قبل استخدامها (المادة ٢٥).

كما يقضي القانون بضرورة إخطار الجهة الإدارية بأسماء وبيانات المرشحين لمجلس إدارة المنظمة. ويحق للجهة الإدارية الاعتراض على أي من المرشحين، وطلب استبعاده من الانتخابات. وفي هذه الحالة يكون أمام المستبعد، فقط، اللجوء للمحكمة المختصة (المادة ٣٤).

كما لا يجوز أن تتعاون منظمات المجتمع المدني، وفقا لأحكام هذا القانون، مع منظمات أجنبية  أو مصرية بدون الموافقة المسبقة من الوزارة المختصة (المادة ١٩). ويدخل في ذلك تعيين أشخاص أجانب، أو الاستعانة بخبرات أجنبية (المادة ٦٦). كما لا يجوز إبرام اتفاقيات مع منظمات أجنبية، أو تعديلها، دون إخطار الجهاز القومي بها (المادة ١٤).

التدخل في إدارة المنظمات

يسمح مشروع القانون بتدخل الحكومة في الشؤون الداخلية لمنظمات المجتمع المدني، وسير عملها، بشكل سافر. مما يجعلها تابعة للحكومة، وليست كيانات منفصلة عنها من شأنها إن أرادت أن تقوم بدورها في الرقابة المجتمعية على أنشطتها. كما تكاد تتحول المنظمات لقسم إداري تابع لأي مصلحة حكومية بفضل مشروع القانون. فيسمح القانون للسلطة التنفيذية بالرقابة على طريقة إدارة المنظمات، واختيار من يترشحون لمجالس إداراتها، وإرسال مراقبين للرقابة على سير عمل المنظمة، من النواحي الإدارية والمالية والفنية، في أي وقت، ودون طلب ذلك أولا من المنظمة. في إجراء يشابه رقابة الدولة على أجهزتها الرسمية. والحقيقة أن مفهوم الحق في التنظيم هو أن يتنظم الأفراد في منظمات، للدفاع عن آرائهم، والتعبير عنها بحرية، والتأثير في الشأن العام، وغيرها من الأهداف، التي لم يحددها القانون الدولي، وتركها مفتوحة؛ لتضمن حرية المنظمات في عملها. وبالتالي لا شأن للسلطة التنفيذية في التدخل في هذه الأهداف، أو كيفية تحقيقها. ويترك للمنظمات اختيار الشكل التنظيمي والإداري الذي يناسب تحقيق أهدافها.

كما يطلب القانون، صراحة، من المنظمات أن تحتفظ بشكل معين للسجلات والمعاملات البنكية. بل وتقوم “بختمه” بختم الدولة من الجهة الإدارية قبل استخدامه. وفي هذا تدخل غير مسبوق في الحق في التنظيم وفي حق المنظمات في اختيار طريقة تسيير أمورها الداخلية وكيفية حفظها لسجلاتها وطريقة هذا الحفظ. وكل هذا ليس من شأن السلطة التنفيذية، وهو يقوم بتعطيل عمل المنظمات، وحرمانها من أن تكون سيدة قراراتها، وبالتالي حرمانها من التعبير عن الرأي  وممارسة عملها بحرية، ومن تحقيق أهدافها.

التدخل في نشاط المنظمات

يسمح مشروع القانون بالتدخل في نوعية المجالات التي تعمل بها المنظمات منذ البداية عند التسجيل، حيث من المفترض أن يتضمن النظام الأساسي للمنظمات المجالات التي تعمل فيها وهو من الأوراق المطلوبة للتسجيل. وفي حالة نجاح المنظمة في التسجيل، يستمر تدخل السلطة التنفيذية في عمل المنظمة واختياراتها لأنشطتها وطريقة القيام بها، ومن ذلك الحكم على نوعية الأنشطة التي تقوم بها، وإلغاء ما تراه السلطة التنفيذية منها مخالفا للقانون أو للنظام الأساسي للجمعية. وليس من دور السلطة التنفيذية أن تحكم على مدى مطابقة أنشطة الجمعية لنظامها الأساسي. فمن المفترض أن يكون نظام الجمعية الأساسي ووثائقها المؤسسّة استرشادية، وقابلة للتطور والتغيير كما تنمو المنظمة وتتطور وترتبط بتحالفات مع غيرها من المنظمات والجماعات والأفراد لتحقيق أهدافها ومصالحها، وبالتالي يعتبر ذلك القيد انتهاكا لجوهر الحق في التنظيم.

كما أورد القانون ضرورة الحصول على تصريحات وموافقات من السلطة التنفيذية عند الاشتراك مع منظمة أخرى في نشاط معين، ومن الجهاز القومي إذا كانت هذه المنظمة أجنبية. وفي هذا تقييد للحق في التنظيم وتفريغ له من معناه؛ حيث يصبح الاستثناء هو القاعدة، وأن الأصل ليس إتاحة الحق في التنظيم ولكن تقييده، وتدَخُّل السلطة التنفيذية في كل مناحي ممارسته. كما يفرق القانون بين المنظمات الأجنبية والمصرية في القواعد المتعلقة بسير أعمالها. وهو ما يخالف جوهر الحق في التنظيم.

وطبقا للقانون المطروح أيضا، يجب على المنظمات ألا تقوم ببحوث ميدانية أو استطلاعات رأي قبل الحصول على تصريح من السلطة التنفيذية، ثم تصريح آخر بالموافقة على النشر “لضمان سلامتها وحيادها،” كما يذكر نص المادة ١٤. في حين لا يحق للسلطة التنفيذية الحكم على محتوى أي من الأبحاث أو الأنشطة التي تقوم بها المنظمات، لأن المفترض بالمنظمات، وفقا للحق في التنظيم، أن تمارس عملها في تحقيق أهدافها بحرية، ولا يجوز فرض قيود عليها إلا في حالات استثنائية ومحددة، تخضع لشروط صارمة، ولا يكون المنع تاما مطلقا.

ولم يوضح القانون طرق التظلم من قرارات الجهة الإدارية بإجراء الأبحاث ونشرها، أو ضرورة أن توضح السلطة التنفيذية قرارها مسببا. وفي كل الأحوال لا يجوز وضع هذا القيد من الأساس على أنشطة المنظمات.

عدم توضيح سبل الانتصاف القانوني من قرارات السلطة التنفيذية

أوردت المادة ٣١ أن من حق السلطة التنفيذية الاعتراض على أي قرار داخلي تتخذه المنظمة لتسيير شؤونها، وترى السلطة التنفيذية مخالفته للقانون أو لنظام الجمعية الأساسي،  ويكون واجب التنفيذ خلال عشرة أيام من استلام المنظمة قرار الجهة الإدارية بخطاب بعلم الوصول، وإلا اعتبر نافذا. ولم يبين القانون إجراءات التظلم من قرار السلطة التنفيذية، ولا القسم المختص بتلقي التظلمات والطعون، حيث أورد نص المادة أنه يمكن “التظلم بالطرق المعتادة”، ولم يذكر ما هي. كما لم يذكر المدة الزمنية التي سيُبت فيها في هذا التظلم، وإن كان يمكن استئناف نتيجة التظلم بدورها،  وأمام أي جهة.

وطبقا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يتعين على الدول إنشاء آليات للشكاوى متاحة وفعالة، وتكون قادرة على إجراء تحقيق مستقل وسريع ووافٍ في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من أجل محاسبة المسؤولين عنها.[33]

التحكم في عضوية المنظمات والعاملين بها

حددت المادة ٥ من القانون نسبة اشتراك غير المصريين في عضوية الجمعية أو مجلس إدارتها بنسبة ١٠ بالمائة فقط من الأعضاء، واشترطت أن تكون إقامتهم دائمة بمصر. كما أورد مشروع القانون أنه يجب أن ترجع المنظمات للجهاز القومي للحصول على موافقة في حالة الرغبة في الاستعانة بأفراد من جنسيات أجنبية. ويتنافى ذلك مع حق جميع الأفراد، بغض النظر عن جنسياتهم،[34] في الانضمام لمنظمات وممارسة حقهم في التنظيم.

٥-العقوبات

يسمح مشروع القانون بطائفة واسعة من العقوبات على المنظمة نفسها، ومجلس إدارتها والعاملين بها، والمتعاونين معها من أفراد ومن الجهات الإدارية نفسها.  تنقسم إلى عقوبات إدارية وقضائية، وتختص بالجانب القضائي محكمة إدارية ومحكمة الجنايات.

أ) العقوبات الإدارية التي تصدرها السلطة التنفيذية

أورد مشروع القانون أن  السلطة التنفيذية لها سلطة وقف نشاط المنظمة لمدة تصل إلى عام، بعد توجيه انذار، في حالة مخالفة أحكام المواد ٢٣، ٢٤، ٢٥، وهي المواد المتعلقة بتلقي تبرعات أو تمويلات داخلية أو خارجية، وعدم الاحتفاظ بسجلات المعاملات المالية والإدارية والبنكية للمنظمة (المادة ٢٦).

ب) عقوبات القضاء الإداري

يحق للمحكمة الإدارية المختصة بطلب من الجهة الإدارية “أو كل ذي صفة” بعزل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مجلس إدارة جديد في حالات ممارسة أنشطة لم ترد في النظام الأساسي لها أو  بدون تصريح، ثبوت مخالفة بيانات التأسيس للحقيقة، تصرف المنظمة في أموال الجمعية في غير الأغراض التي أنشئت من أجلها، الحصول على تبرعات أو تمويلات من داخل مصر دون تصريح، التربح الشخصي، عدم انعقاد مجلس الإدارة لعامين، عدم تمكين الأجهزة الإدارية من متابعة أعمالها الرقابية على المنظمة، وأخيرا الانتقال إلى مقر جديد دون إخطار الجهة الإدارية (المادة ٤٢).

وطبقا لنفس المادة، لا يجوز لمن ثبتت مسؤوليته الشخصية عن المخالفات التي تسببت في عزل مجلس إدارة الجمعية أو حلها، ترشيح نفسه لعضوية مجلس إدارة منظمة لمدة ٤ سنوات من تاريخ صدور الحكم النهائي.

ويحق للمحكمة المختصة بناء على طلب الجهة الإدارية أو كل ذي صفة أن تحل المنظمة وتعين مصف لأموالها، في حالة عدم توفيق أوضاعها وفقا للقانون، إذا ثبت استهداف وممارسة نشاط محظور في المادة ١٤، وفي حالة التمادي في المخالفات الموجودة في المادة ٤٢، أو في حالة تلقي تمويل أجنبي دون الحصول على التصريح اللازم، أو عند مخالفة أحكام وقواعد تلقي تبرعات وتمويلات من داخل مصر، أو تعاون المنظمة مع أو انضمامها لمؤسسة أو هيئة أو جماعة أو منظمة أجنبية دون الحصول على التصريح اللازم، أو في حالة عدم القيام “بأعمال فعلية وبرامج جدية” لمدة عام من تاريخ التأسيس أو من تاريخ  آخر عمل تم القيام به في المنظمة (المادة ٤٣).

ج) العقوبات الجنائية

يورد القانون عقوبات سالبة للحرية لمدد تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات، بالإضافة لغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، لمن يعمل في، أو يتعاون مع، منظمة أجنبية غير حكومية غير مصرح لها بالعمل في مصر، أو في حالة القيام  بأبحاث وأنشطة، لم يتم الموافقة القبلية عليها من الجهة الإدارية المختصة، أو لكل من أنشأ جمعية تبين أنها تمارس أنشطة محظورة في المادة ١٤.

آما في حالة ممارسة منظمة ما للعمل الأهلي خارج أحكام هذا القانون، أي في حالة عدم توفيق أوضاعها طبقا له، فيحكم على مديرها وأعضائها بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة تتراوح بين خمسين ألف جنيه ومليون جنيه، إلى جانب مصادرة كافة أموال المنظمة لصالح صندوق دعم الجمعيات، وغلق مقراتها.

وفي حالة تلقي هذه المنظمة تمويلا من الخارج أو جمع التبرعات، يتم تطبيق ذات العقوبات، إلى جانب الحكم على مديرها أو أعضائها بسداد ضعف ما تم الحصول عليه من أموال لصالح صندوق دعم الجمعيات، ويعاقب بذات العقوبة كل بنك أو وسيط مالي ساعد في ذلك (المادة ٨٧).

كما يورد القانون عقوبات على كل شخص أو جهة صرحت لأي كيان بمزاولة نشاط يدخل في نطاق الجمعيات والمؤسسات، غير الجهة الإدارية المختصة أو الجهاز القومي، بالسجن مدة أقصاها سنة والغرامة التي تصل إلى ٥٠٠ ألف جنيه. (المادة ٨٨).

كما أورد القانون الاستعانة بأي عقوبات أشد من تلك الواردة فيه في حال ورودها، كما في قانون العقوبات المصري أو أي قانون آخر(المادة ٨٦).

إفراد سلطات واسعة للسلطة التنفيذية

أفرد القانون سلطة واسعة وتقديرية للسلطة التنفيذية، وخولها بتوقيع عقوبة مغلظة على الجمعيات بمحض قرار تنفيذي دون الرجوع للقضاء، وهي عقوبة وقف الجمعية لمدة سنة، لأسباب تتضمن تلقي أموال وتبرعات من داخل البلاد بدون تصريح أو لعدم الاحتفاظ بالسجلات المالية والإدارية للمنظمة. ولم يوضح القانون سبل التظلم والطعن على قرار السلطة التنفيذية بوقف المنظمة، وهذا يخالف مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أشارت لجنة حقوق الإنسان إلى أهمية توافر وتوضيح سبل الانتصاف القانوني حين يتم توقيع قيود على الحق في التنظيم، وأن تكون تلك السبل عادلة وسريعة.

تغليظ العقوبات

طبقا لمشروع القانون يحق للسلطة التنفيذية وكذلك كل من له صفة، طلب عزل مجلس إدارة الجمعية وتعيين بديل له، أو حل الجمعية ووقف نشاطها من القضاء الإداري. وهذا يعني توسعة نطاق أجهزة الدولة، التي تستطيع تحريك الدعوى ضد المنظمات الحكومية، ولم يتم تحديدهم. كما يمنع من ثبت مسؤوليته الشخصية عن قرارات حل المنظمة أو عزل مجلس إدارتها من تولي عضوية مجالس إدارة أي منظمة مجتمع مدني لمدة أربع سنوات كاملة، وفي هذا مبالغة في تقدير حجم العقاب الواقع على الفرد، وحرمان له من ممارسة حقوقه لفترة ممتدة من الزمن.

وتم تغليظ العقوبات الجنائية من ستة أشهر فقط في القانون الحالي بتهمة تلقي أموال بدون تصريح، إلى حكم بالسجن قد يصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه، في حالة ما إذا كان التمويل أجنبيا، إلى جانب سداد مقدار ضعف التمويل الذي تم الحصول عليه، وهي غرامة غير مسبوقة وتعجيزية، وسيؤدي ذلك إلى إحجام الأفراد عن الانضمام لمنظمات المجتمع المدني أو تأسيسها خوفا من العقوبات الانتقامية الواردة في القانون، والحد غير المعقول المسموح به للغرامات والذي يعتبر كمية ضخمة من الأموال ليست في متناول الفرد ذي الدخل العادي.

كما أتاح القانون حل المنظمات عن طريق القضاء الإداري والجنائي بسبب فئة واسعة من الأسباب التي يمتد نطاقها، وأغلبها يعتمد على صلاحيات تقديرية، كتقدير مدى جدية الأنشطة المقدمة من المنظمة وعددها، وتقدير مدى اتفاقها مع معايير غامضة في المادة ١٤، أو في حالة قيامها بأبحاث ميدانية دون تصريح،  مما يضعها تحت تهديد الإغلاق في أي وقت.  وقد أوصى المقرر الخاص المعني بالحق في التنظيم بأن تعليق نشاط منظمة أو حلها يجب أن تقوم به فقط محكمة محايدة ومستقلة، وفي حالة وجود خطر واضح وشيك يؤدي لانتهاك صارخ للقوانين المحلية ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.[35]

وقد فشلت المواد العقابية في القانون المطروح في توضيح ما هو الخطر الداهم والوشيك الذي يستدعي تلك العقوبات المغلظة على المنظمات والعاملين فيها.

القيود التي يمكن فرضها على الحق في التنظيم، طبقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان

أوردت المادة ٢٢(٢) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمتعلقة بالحق في التنظيم، عدة قيود وهي: ( ينص عليها القانون، ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي، السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم). وبينما ركز القانون المطروح على الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة كقيود، فإنه تجاهل مراعاة باقي الشروط المذكورة في باقي المادة، وهي أن القيود يجب أن ينص عليها القانون، وفي مجتمع ديمقراطي، وضرورية. وبدون هذه المعايير تصبح القيود تعسفية وتنتهك جوهر الحق والغرض منه.

حيث أوردت لجنة حقوق الإنسان في التعليق العام رقم ٢٧ في تعليقها على المادة ١٢ من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية شرحا للقيود الممكن استخدامها لتقييد الحق في التنقل، وينطبق ذلك التفسير على كل مواد العهد الدولي بما فيها المادة ٢٢ المتعلقة بالحق في التنظيم:

– تنـص الفقرة … من المادة … على ظروف استثنائية يمكن فيها تقييد الحقوق المكفولة بموجب … . فالفقرة … تجيز للدولة تقييد هذه الحقوق فقط لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. ويستوجب السماح بهذه القيود أن ينص عليها القانون، وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية هذه الأغراض، وأن تكون متسقة مع جميع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد

– ولا بد للقانون نفسه من أن يحدد الظروف التي يجوز فيها الحد من الحقوق. ولذا ينبغي أن تحدد تقارير الدول القواعد القانونية التي توضع القيود على أساسها. فالقيود التي لا ينص عليها القانون، أو التي لا تتسق مع متطلبات … المادة، ستمثل انتهاكا للحقوق المكفولة…

– وينبغي للدول، لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها في الفقرة … من المادة … ، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود (انظر الفقرة ١ من المادة ٥)؛ ويجب ألا تُعكَس العلاقة بين الحق والقيد، وبين القاعدة والاستثناء. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم.

-وتشير الفقرة… من المادة … بوضوح إلى أنه لا يكفي أن تخدم القيود الأغراض المسموح بها؛ فيجب أيضاً أن تكون ضرورية لحمايتها. ويجب أن تتمشى التدابير التقييدية مع مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛ ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها.

– ولا بد من احترام مبدأ التناسب، لا في القانون الذي يحدد إطار القيود وحده، بل أيضاً في تطبيقه من جانب السلطات الإدارية والقضائية. وينبغي للدول أن تكفل سرعة إنجاز أي إجراءات متصلة بممارسة تلك الحقوق أو تقييدها، وأن تكفل توفير الأسباب التي تبرر تطبيق التدابير التقييدية.

– وكثيراً ما أخفقت دول في إثبات أن تطبيق قوانينها المقيدة للحقوق المكفولة في …  يتسق مع جميع المتطلبات المذكورة في الفقرة… . فتطبيق القيود، في أي حالة فردية، يجب أن يستند إلى أسس قانونية واضحة، ويجب أن يلبي شرط الضرورة ومتطلبات التناسب … .

– ويجب أن يكون تطبيق القيود المسموح بها بموجب الفقرة…  المادة … متسقاً مع الحقوق الأخرى المكفولة في العهد ومع المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز. وبالتالي فإن تقييد الحقوق المنصوص عليها في … عن طريق أي تمييز أياً كان نوعه، سواء كان على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو على أساس الوضع الاجتماعي، إنما يشكل انتهاكاً واضحاً للعهد.

وطبقا للتعليق، أولا، يجوز تقييد الحقوق المنصوص عليها في نص المادة للأغراض المشروعة في نص الفقرة الثانية منها فقط، وهي حصرا:  لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو السلامة العامة، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. أي لا يجوز استخدام أي غرض آخر لتوقيع قيودا على ممارسة الحق. ومن ضمن الأغراض الشائعة في القانون المصري والتي ترد أيضا في قانون الجمعيات المطروح “الوحدة الوطنية”، ويعتبر استخدام هذا الغرض وغيره ممن لم يذكروا في نص مادة العهد الدولي، لفرض قيود على الحق، غير جائز، ويتعارض مع التزامات مصر أمام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وثانيا، يجب تطبيق شروط استخدام القيود المذكورة حصرا في نص المادة على أي إجراء يتبع لتقييد الحق في التنظيم. وهذه الشروط هي:  ١- أن تكون القيود المفروضة بموجب قانون، ٢- أن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي ٣- أن يتناسب القيد المفروض مع حماية جوهر الحق.

وفيما يلي تحليل وتفسير هذه القيود التي أوردها العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، والتي وردت في المادة ٢٢ المتعلقة بالحق في التنظيم، وأكثر من مادة أخرى من ضمنها المادة ١٩ المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والمعلومات والمادة ١٢ المتعلقة بالحق في التنقل.

ينص عليها القانون :

  • أي أنه لا يجوز تقييد أي حق من حقوق الإنسان إلا بنص في قانون عام بالدولة[36]، أي قانون وافق عليه ممثلي الشعب، وليس قرارا تنفيذيا. وما يستتبعه ذلك من الخطوات المفهومة في تمرير قانون. ومن ضمنها استطلاع آراء الشعب والجماعات المختلفة ووسائل الإعلام فيه، وإشراكهم في صياغته، وأخذ تعليقاتهم ومقترحاتهم في الحسبان.
  • كما لا يجوز أن يكون القانون المقيد لحق من الحقوق تعسفيا أو غير معقول. فمن غير المعقول أن يأتي قانون من المفترض به أن ينظم حقا من الحقوق بما يفرغه من معناه وجوهره، فالأصل في الحريات والحقوق الإتاحة. وتبين مواد القانون المطروح أن الغرض هو تنفير الأفراد وإثنائهم عن تنظيم أنفسهم في كيانات للدفاع عن مصالحهم والتعبير عن آرائهم، بسبب وجود تلك العقوبات “الرادعة” كما وصفتها المذكرة الإيضاحية للقانون نفسها،
  • كما أن القانون المقيد يجب أن يتضمن وبوضوح تام أساليب وسبل الانتصاف القانونية في حالة التظلم من أي قرارات تعسفية تقيد هذا الحق.

ضروري في مجتمع ديمقراطي:

  • مصطلح “المجتمع الديمقراطي” يجب أن يفهم منه أنه يضع معاييرًا عالية[37] على القيود التي يمكن فرضها على الحق. حيث أنه يمكن فقط في هذه الحالة الثقة في عدم سوء استغلالها من قبل أجهزة الدولة، لأن المجتمع نفسه ديمقراطي يحترم قيم حقوق الإنسان وحكم القانون وأسس المشاركة الديمقراطية. وبينما لا يوجد تعريف واحد لما هو المجتمع الديمقراطي، ولكن يكون المجتمع ديمقراطيا لأنه يحترم ويعترف بحقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان.[38]
  • يقع العبء على الدولة لإثبات أن القيود التي يراد فرضها لن تؤدي إلى إعاقة الممارسة الديمقراطية للمجتمع[39]، ويقع عليها أيضا أن تبرهن على أن حظر جمعية ما والملاحقة الجنائية لأفرادها هو أمر ضروري لتجنب خطر حقيقي، وليس مجرد خطر مفترض، يهدد الأمن القومي أو النظام الديمقراطي، وأن تثبت أنه لا توجد إجراءات أقل عنفا وتدخلا يمكن اتخاذها من أجل تجنب هذا الخطر الحقيقي، وفي كل الأحوال يجب ضمان مواصلة الحماية الفعالة للحقوق الواردة في العهد الدولي.[40] وهذا هو ما يطلق عليه اختباري الضرورة والتناسب لأي من القيود المفروضة على الحق.[41]ويعني ذلك أنه عندما تفرض دولة طرف في العهد قيودا على ممارسة حق من الحقوق الواردة فيه في قوانينها الداخلية، يجب ألا يسمح ذلك بتعريض الحق نفسه للخطر، أي انتهاكه وتفريغه من معناه، وأشارت لجنة حقوق الإنسان[42] إلى أن “العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء يجب ألا تكون معكوسة”[43]، أي أن الأصل في الحقوق الإتاحة، وأن القاعدة هي الإتاحة، ولكن يمكن وجود استثناءات وقيود محددة ولا يعني ذلك تحول الحق إلى قيد والاستثناء إلى قاعدة.
  • القيود المسموح بها على الحقوق هي فقط المذكورة في نصوص المواد المتعلقة بهذه الحقوق في العهد الدولي، ولا يمكن الاستعانة بأية قيود أخرى.

 

مثال

توجد في القانون المصري قيود أخرى غير مذكورة في العهد الدولي ويتم استخدامها لتقييد الحقوق. على سبيل المثال تتم حاليا محاكمة مدافعين عن حقوق الإنسان في قضية منظمات المجتمع المدني، القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١،  التي تنظر الآن أمام القضاء بتهم تتضمن تلقي أموال من جهات خارجية للإضرار بالأمن القومي للبلاد، ووفقا لأوراق القضية، فالدليل هو نشاط تلك المنظمات الحقوقي نفسه، ومن ضمنها معلومات تنشرها المنظمات بنفسها على مواقعها الإلكترونية متعلقة بأنشطتها ونتائج الأبحاث التي تجريها. على سبيل المثال شهد أحد المصادر الأمنية أن “عمل منظمة استهدف “الإضرار بالأمن القومي وزعزعة الاستقرار في مصر والتشجيع على الفوضى وانهيار الأمن، وتشجيع الانقسام داخل المجتمع المصري والترويج لفشل النظام.”

كما صدر قرار من محكمة جنايات القاهرة  في ١٧ سبتمبر ٢٠١٦ بالتحفظ على أموال ثلاث منظمات حقوقية ، وهي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز هشام مبارك للقانون ومركز الحق في التعليم،  وورد في حيثيات القرار تلقي تلك المنظمات لتمويلات “نظير ممارسة أنشطة تؤدي لعدم الاستقرار في البلاد وإشاعة حالة من الفوضى والانفلات الأمني، وإحداث الفرقة بين الشعب المصري للإضرار بالأمن القومي وإفشال الدولة المصرية … وتنفيذ أجندات خارجية هدفها تحريض الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، والإدعاء في المحافل الدولية أن منظومة التشريعات الحالية مقيدة للحريات” ويأتي هذا بعد صدور قرار من قاضي التحقيق في وقت سابق بمنع عدد من العاملين بتلك المنظمات من السفر للخارج .[44]

وفي  ١٥ يونيو ٢٠١٦، صدر قرار بتجميد أصول وأموال منظمة أخرى، هي مركز أندلس لدراسات التسامح ونبذ العنف، ومديرها، وورد في القرار أن “المركز استقبل أموالا أجنبية في مقابل نشر معلومات خاطئة، تستهدف الإضرار بصورة مصر ونشر الفوضى وإضعاف مؤسسات الدولة وإحداث انقسامات في المجتمع المصري”[45]، وذلك لمجرد العمل على أنشطة وبرامج تتعلق بالحريات الدينية في مصر.

ومن هنا يتضح سوء استخدام الدولة لمصطلح الأمن القومي في ملاحقة كل من يشارك في رصد انتهاكات حقوق الإنسان ويتوجه لأداء الحكومة بالانتقاد، والهدف من ذلك هو حماية الحكومة والسلطة التنفيذية من الرقابة الشعبية وقمع التعبير عن الآراء والمشاركة السياسية وهي المبادئ التي يقوم عليها الحق في التنظيم.  يتضح أيضا استخدام مصطلحات واسعة وفضفاضة لتبرير قمع المنظمات وملاحقة أفرادها، من ضمنها: زعزعة الاستقرار، والتشجيع على الفوضى وانهيار الأمن، وتشجيع الانقسام داخل المجتمع المصري، الترويج لفشل النظام، الإضرار بصورة مصر ونشر الفوضى وإضعاف مؤسسات الدولة، تنفيذ أجندات خارجية، وهي كلها قيود لا محل لها من الإعراب ولا توجد من ضمن القيود المسموح بها في العهد الدولي.  كما أن الحكومة لم توضح ما هو الخطر الحقيقي الذي نجم عن أو سينجم عن نشاط تلك المنظمات. وبالتالي يتضح أنها اتهامات جزافية واسعة يقصد بها الانتقام من وتهديد العاملين بمنظمات المجتمع المدني.

 

 

النظام العام:

  • يمكن تعريف النظام العام بأنه مجموع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، واحترام حقوق الإنسان هو جزء أساسي من النظام العام في أي دولة[46]، بالتالي فكافة حقوق الإنسان هي من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها أي مجتمع.ويعني ذلك أن إمكانية أن تؤدي ممارسة أي حق من الحقوق إلى الإخلال بالنظام العام (كما نص مشروع القانون)، هو أمر غير منطقي، بل بالعكس صيانة الحقوق تؤدي إلى صيانة النظام العام في الدولة. المبادئ الأساسية للمجتمع تتضمن حقوق الإنسان، وتتضمن أيضا الممارسة الديمقراطية والحكم الرشيد وقوة القانون والمساواة وعدم التمييز وغيرها من المبادئ التي تختارها المجتمعات وتوردها في الوثيقة القانونية العليا للدولة وهي الدساتير. ولا يدخل في النظام العام مثلا حكومة الدولة أو سلطة من سلطاتها، حيث أن كل السلطات هي أذرع الدولة المنوط بها حفظ النظام العام وصيانة الدستور وحقوق الإنسان.
  • يجب أن يتم تفسير “النظام العام” في سياق الغرض من الحق المحدد الذي يتم تقييده بالقانون[47]، فلا يجوز مثلا اتهام منظمة ما بإخلالها بالنظام العام دون النظر في كيف يؤثر تحديدا حق هذه المنظمة في الوجود على النظام العام في حالة محددة، أي ما هي المبادئ الأساسية للمجتمع المعرضة للخطر بسبب وجود هذه المنظمة؟ ويكون ذلك بناء على تقييم كل حالة على حدة.
  • يجب تقييد أجهزة الدولة المسؤولة عن حفظ النظام العام في الدولة عن ممارسة سلطتها بواسطة البرلمان أو القضاء أو جهة مستقلة[48]، ويقصد بتلك الأجهزة هي السلطة التنفيذية وتوابعها مثل الشرطة. أي أن رغبة السلطة التنفيذية في تقييد حق من الحقوق يجب أن تخضع لرقابة مباشرة من السلطة التشريعية أو القضائية أو جهة مستقلة عنها.

الصحة العامة:

  • يمكن استخدام الصحة العامة كقيد مؤقت على الحق في التنظيم وذلك لتتخذ الدولة إجراءات للتعامل مع تهديد خطير لصحة السكان أو الأفراد. هذه الإجراءات لا بد أن تكون مختصة تحديدا بمنع مرض أو إصابة، أو لتوفير الرعاية للمرضى والمصابين.[49]

الآداب العامة:

  • حيث أن القيم والأخلاق والآداب العامة تختلف عبر الزمان ومن ثقافة إلى أخرى، يجب على الدولة التي تستعين بالآداب العامة كقيد على الحق في التنظيم أن تثبت أن القيد ضروري لحماية احترام قيم أساسية في المجتمع[50]. ويعتبر هذا القيد خلافيا ويثير العديد من التساؤلات، إذ لا يوجد تعريف واحد جامع وشامل للآداب العامة بسبب تغيرها من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر ومن وقت لآخر داخل المجتمع نفسه. ورد في التعليق العام رقم ٢٢ للجنة حقوق الإنسان أن مفهوم الأخلاق يستمد من العديد من التقاليد الاجتماعية والفلسفية والدينية؛ وبالتالي، “القيود التي تفرض على الحقوق بغرض حماية الأخلاق يجب أن تقوم على مبادئ غير مستمدة حصرا من تقليد واحد”[51]، أي يجب أن تتعدد مصادر الحكم على الأخلاق والآداب العامة، والاستناد لقواعد عامة في الفكر الإنساني، وبالتالي يتم تفسير هذا القيد في ضوء شمولية حقوق الإنسان ومبدأ عدم التمييز.
  • وردت الآداب العامة في موضع آخر من القانون الدولي، وهو اتفاقية التجارة العالمية، من ضمن الأسباب التي تتيح للدول الأعضاء في الاتفاقية عدم التقيد بشروطها، واتفقت تفسيرات هذه المادة من الاتفاقية على أن الآداب العامة تعني حقوق الإنسان كمصطلحين مترادفين[52]. وبالتالي فإن التفسيرات الحديثة لهذا المصطلح تربطه بالمبادئ الدولية لحقوق الإنسان كمرجع أساسي. ولا يجب أن تستخدمه الدولة لفرض قيود على أنواع معينة من الخطاب أو التوجهات الفكرية أو العقائدية التي قد تتبناها وتعبر عنها الكيانات، بدعوى الإخلال بالآداب العامة،  طالما تتماشى مع حقوق الإنسان وقيمها الأساسية.

الأمن القومي:

  • لايجوز التذرع بالأمن القومي لتبرير فرض قيود على حق معين إلا لحماية وجود الدولة أو لضمان سلامة أراضيها ضد القوة أو التهديد بالقوة، ولا يمكن التذرع بالأمن القومي كسبب لفرض قيود على حق معين فقط لوجود تهديدات أو قلاقل داخلية،[53] لأن الثاني يعني إمكانية اعتبار أي مناهضة داخلية لسياسات الدولة على أنها تهديد للأمن القومي، بينما الأول يعني فقط التهديد الخارجي المادي على حدود الدولة.
  • لا يمكن أن يستخدم الأمن القومي كذريعة لفرض قيود غامضة أو تعسفية، ويمكن أن يستخدم فقط عند وجود ضمانات كافية وسبل فعالة للتظلم ضد سوء المعاملة.[54]
  • يتعارض الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان مع الأمن القومي، بل ويعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر، ولا يمكن التحجج بالأمن القومي لتبرير قمع الاحتجاجات المعترضة على انتهاك الدولة لحق من حقوق الإنسان أو على الممارسات القمعية التي ترتكبها الدولة[55].

السلامة العامة:

  • تعني السلامة العامة الحماية ضد تهديد سلامة الأفراد وحياتهم وسلامتهم الجسدية، أو إلحاق أضرار جسيمة بممتلكاتهم. وكغيره من القيود يجب استخدامه فقط في حالة وجود ضمانات للإنتصاف القانوني في حالة سوء استخدامه كقيد على الحق[56].

توصيات

إذا ما تم تمرير مشروع قانون الجمعيات في شكله الحالي، فسيفرض نظام أكثر قمعا لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية من قانون الجمعيات الحالي، وسيضع عقبات لا حصر لها أمام المجتمع المدني الموجود بالفعل على الرغم من المساهمة الملموسة التي تقدمها تلك المنظمات في كافة المجالات مثل التعليم والصحة وحقوق الإنسان. كما سيثير قلق الأفراد والمنظمات الراغبة في ممارسة الحق المشروع في التنظيم في المستقبل، مما سيكون له أثر بالغ السوء على الحياة الحياة الديمقراطية في مصر.

توصيات موجهة إلى مجلس النواب:

  • رفض تمرير هذا القانون بصورته الحالية، وتعديل مواده بما يضمن تعزيز وحماية الحق في التنظيم، وبما لا يسمح بتدخل السلطة التنفيذية في شئونه وتمويله وإدارته.والاسترشاد بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتفسيراتها وأفضل الممارسات الدولية المختصة بالحق في التنظيم في صياغة مواد القانون، والتي تم ذكرها في هذه الورقة، على سبيل المثال:

١-التأكد من أن كافة الأفراد لهم حق تأسيس منظمات مجتمع مدني دون الحاجة للتسجيل الرسمي، وأن لها كامل الحق في الحصول على تمويلات داخلية وخارجية للقيام بأنشطتها وتحقيق أهدافها دون الحصول على تصريح بذلك.

٢- التأكد من أن القانون يقضي على أي محاولة من جانب السلطات لرفض تسجيل أو تقييد المنظمة وأنشطتها، أو حلها، في حالة رغبتها في التسجيل، وأن المسئولية تقع على عاتق السلطات لإثبات أن أي إجراء لتقييد الحق في التنظيم أولاً يتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بمفهومها الصحيح، وأنه الوحيد الممكن اتخاذه في حالة معينة وللضرورة القصوى في حالة بعينها لتحقيق هدف مشروع بعينه، وأن يتم النظر لكل حالة على حدة عند تقييم مشروعية فرض القيد على الحقوق، التزاما بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

٣- أن يرد في القانون ما يؤكد أن السلطة التنفيذية تخضع لرقابة جهة قضائية مستقلة ومحايدة في سلطتها على المنظمات، وأن المنظمات يمكنها أن تلجأ لتلك الجهة القضائية للطعن على قرارات السلطة التنفيذية والحصول على الإنتصاف القانوني وفي مدة زمنية مناسبة.

٤- التأكد من توفير السلطة التنفيذية لأسباب مفصلة في قراراتها برفض تسجيل منظمة معينة، وأن تستند هذه الأسباب للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأنه من دون ذلك يسقط ذلك القرار، وأن تقدم السلطة التنفيذية قراراتها في مدة زمنية مناسبة، وأن يتاح للمنظمات أن تمارس عملها بمجرد الإخطار دون انتظار قرار السلطة التنفيذية، مع توفير سبل الانتصاف القانوني للمنظمات.

٥-إلغاء كل ما يتعلق بما يطلق عليه “الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية”، وإنشاء جهة مستقلة عوضا عنه لا تتبع للسلطة التنفيذية أو المؤسسة الأمنية، ويتم تشكيلها بطريقة ديمقراطية، ويكون دورها بديلا عن دور السلطة التنفيذية فيما يتعلق بالحق في التنظيم بصفة عامة، ووضع أسس عملها بما يضمن الشفافية الكاملة وأن تستند في حكمها على معايير واضحة ومحددة للجميع.

٦- إلغاء المواد التي تجبر المنظمات على الانضمام لصندوق دعم الجمعيات أو إلى اتحادات بعينها.

٧-المساواة بين المنظمات غير الحكومية الأجنبية والمصرية فيما يتعلق بالقانون بما في ذلك قواعد التسجيل إن رغبت في ذلك، وعدم منعها من العمل إن لم ترد التسجيل وفي الحصول على تمويلات وكافة الشئون الأخرى.

٨- تعديل المواد التي تسمح بإطلاق يد السلطة التنفيذية في التدخل في شئون المنظمات ومن ضمنها حذف إمكانية عزل مجالس إدارات المنظمات وتعيين بديلا عنها، أو الإعتراض على قرارات داخلية للمنظمات، أو استبعاد مرشحين لعضوية مجالس إدارات الجمعيات، أو الحصول على تصريحات قبل إجراء بحوث ميدانية أو أي أنشطة، وكذلك حذف الرقابة المباشرة للسلطة التنفيذية على النواحي الإدارية والفنية والمالية للمنظمات، وذلك كله في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.

٩- إلغاء العقوبات الجنائية وتلك التي تفرضها السلطة التنفيذية الواردة في مواد مشروع القانون، وتحديد محكمة بعينها تكون مختصة بنظر التظلمات من قرارات السلطة التنفيذية في حالة رفض التسجيل.

  • إشراك منظمات المجتمع المدني والجمهور العام في عملية وضع القانون من خلال جلسات استماع أو حلقات نقاشية وغيرها.
  • التأكد من دراسة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وفهمها والاستعانة بجهود منظمات المجتمع المدني التي تعمل على نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وغيرها من الجهات ذات الخبرة في توفير حلقات نقاشية وورش عمل للنواب من أجل ذلك الغرض.

توصيات موجهة إلى الحكومة:

  • عدم إلزام المنظمات الموجودة حاليا بالتقيد بالتسجيل الرسمي.
  • إبداء كافة أشكال التعاون مع منظمات المجتمع المدني لتمارس عملها في المجتمع بحرية، والتوقف عن إصدار تصريحات معادية لعمل المجتمع المدني ونشر المفاهيم المغلوطة عن عمله والنظر إليه باعتباره عدو للدولة.
  • رفع مستوى وعي العاملين بمؤسسات الدولة بالتزامات الدولة أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

توصيات موجهة إلى القضاء:

  • مراعاة الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وأفضل الممارسات الدولية التي تؤطر للحق في التنظيم عند نظر القضايا المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني والحق في التنظيم، وعند بيان الملاحظات على مشروعات القوانين الواردة إلى مجلس الدولة، بما فيها مشروع قانون الجمعيات المنظور حاليا.

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF

 

الهامش
[1] تضامنا مع ضحايا الحكم في قضية منظمات حقوق الإنسان: https://goo.gl/YXwMrJ
[2] ينبغي وضع حد للهجوم على منظمات حقوق الإنسان ومدافعيها
:http://www.andalusitas.net/News/Details/63db1923-b2ef-463a-ba50-3933c513dc37
[3]  خلفية عامة عن القضية رقم 173 المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي" خطر وشيك من 
الملاحقة والإغلاق: https://goo.gl/W4LvJo
[4]الحملة المنظمة ضد منظمات حقوق الإنسان: حقائق غائبة وتضليل متعمد للرأي العام
  https://goo.gl/lQ8UCc
[5] المرجع السابق.
[6] UN Human Rights Committee (HRC), General comment no. 34, 
Article 19, Freedoms of opinion and expression, 12 September 2011,
 CCPR/C/GC/34 , Paragraph 4, available at: 
http://www.refworld.org/docid/4ed34b562.html
[7] UN Human Rights Council, Report of the Special Rapporteur on the Rights to
Freedom of Peaceful Assembly and of Association, 21 May 2012, A/HRC/20/27, paragraph12, 
available at: http://www.refworld.org/docid/525fad894.html
[8] المرجع السابق.
[9] المرجع السابق.
[10] المرجع السابق، الفقرات ٦٧-٦٨.
[11]المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات:
 http://www.ohchr.org/AR/Issues/AssemblyAssociation/Pages/SRFreedomAssemblyAssociationIndex.aspx
[12] انظر نسخة غير رسمية من قانون الجمعيات المطروح أمام مجلس النواب، متاحة
 عبر الرابط: http://www.madamasr.com/wp-content/uploads/2016/11/6504_2010_114.pdf
[13] UN Human Rights Committee (HRC), General comment no. 31 [80], The nature of 
the general legal obligation imposed on States Parties to the Covenant,
 26 May 2004, CCPR/C/21/Rev.1/Add.13, Paragraph 6, available at:
 http://www.refworld.org/docid/478b26ae2.html
[14] المرجع السابق، فقرة ٧.
[15] UN Human Rights Committee (HRC), 
CCPR General Comment No. 27: Article 12 (Freedom of Movement),
 2 November 1999, CCPR/C/21/Rev.1/Add.9, Paragraphs 11-16,
 available at: http://www.refworld.org/docid/45139c394.html
[16] UN Human Rights Council, 
Report of the Special Rapporteur on the Rights to Freedom of Peaceful Assembly 
and of Association, 21 May 2012, A/HRC/20/27, Paragraph 16,
 available at: http://www.refworld.org/docid/525fad894.html
[17] التحقيق مع "السادات" تمهيدا لإحالته للجنة القيم بالبرلمان:
 http://www.elwatannews.com/news/details/1588398
[18] إعلان شفافية البرلمان(أغسطس ٢٠١٢): https://goo.gl/iTUe4F
[19] Citizen engagement, Open Government Partnership guide,  https://goo.gl/Mzb3AJ
[20] Transparency and Public Participation in Law Making Processes,
 Organization for Security and Cooperation in Europe, https://goo.gl/kpp5pk
[21] Public Participation
Framework for the South African Legislative Sector, https://goo.gl/HmCghX
[22] Enable citizens to provide input into the 
legislative process, Open Governmnet Partnership guide: https://goo.gl/AIktt4
[23] موقع لجنة الخمسين التي قامت بصياغة مواد الدستور المصري: http://dostour.eg/
[24] UN Office of the High Commissioner for Human Rights (OHCHR), Commentary to
 the Declaration on the Right and Responsibility of Individuals,
 Groups and Organs of Society to Promote and Protect Universally
 Recognized Human Rights and Fundamental Freedoms, July 2011, Page 37,
 available at: http://www.refworld.org/docid/4e2fc3f02.html
[25] المرجع السابق، ص ٣٥.
[26]المرجع السابق، ص ٣٤.
[27] المرجع السابق، ص ٣٩.
[28] UN Human Rights Council, Report of the Special 
Rapporteur on the Rights to Freedom of Peaceful Assembly 
and of Association, 21 May 2012, A/HRC/20/27, paragraph 54,
 available at: http://www.refworld.org/docid/525fad894.html
[29] UN General Assembly, Human rights defenders :
 note / by the Secretary-General, 4 August 2009, A/64/226, paragraphs 122-126,
 available at: http://www.refworld.org/docid/4aae4eebd.html
[30] مرجع سابق رقم ٢٩، تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في التنظيم ٢٠١٢،  فقرة ٥٥.
[31]المرجع السابق، الفقرات ٦٧، ٦٨.
[32] المرجع السابق، فقرة ٦٩.
[33] المرجع السابق، فقرة ٧٧.
[34] UN Human Rights Council, Report 
of the Special Rapporteur on the Rights to Freedom of Peaceful Assembly
 and of Association, 21 May 2012, A/HRC/20/27, paragraph 54,
 available at:   http://www.refworld.org/docid/525fad894.html
[35] المرجع السابق، فقرة ١٠٠.
[36] وثيقة مبادئ سيراكوزا، يمكن الاطلاع عليها بالإنجليزية عبر هذا الرابط: 
http://icj.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/1984/07/Siracusa-principles-ICCPR-legal-submission-1985-eng.pdf
[37] مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[38] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[39] مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق
[40] UN Office of the High Commissioner for Human Rights
 (OHCHR), Commentary to the Declaration on the Right and Responsibility of 
Individuals, Groups and Organs of Society to Promote and Protect Universally
 Recognized Human Rights and Fundamental Freedoms, July 2011, p 43-44,
 available at: http://www.refworld.org/docid/4e2fc3f02.html
[41] UN Human Rights Committee (HRC), General comment no. 34, Article 19, Freedoms
 of opinion and expression, 12 September 2011, CCPR/C/GC/34 ,
 available at: http://www.refworld.org/docid/4ed34b562.html
[42] الهيئات المنشأة بواسطة معاهدات دولية هي لجنة من الخبراء 
المستقلين تراقب تنفيذ المعاهدة المختصة بها، وتتناول موادها
 بالشرح والتفسير وإزالة الغموض لضمان التزام الدول بحماية
 وتعزيز حقوق الإنسان. ولجنة حقوق الإنسان هي اللجنة المنشأة
 بواسطة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتصيغ شروحاتها 
في هيئة "تعليقات عامة" وظيفتها أن تكون مكملة للعهد الدولي. 
انظر Human Rights Committee
 http://www.ohchr.org/EN/HRBodies/CCPR/Pages/CCPRIndex.aspx
[43] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 27: Article 12
 (Freedom of Movement), 2 November 1999, CCPR/C/21/Rev.1/Add.9,
 available at: http://www.refworld.org/docid/45139c394.html
[44] حكم محكمة جنايات القاهرة (الدائرة ٣ جنوب القاهرة) في ١٧ سبتمبر ٢٠١٦.
[45] انظر: ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان بتهمة القيام بنشاط حقوقي: 
المزيد عن خلفية القضية رقم 173 ضد منظمات حقوق الإنسان: https://goo.gl/qwNsRa
[46] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[47] المرجع السابق.
[48] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[49] المرجع السابق.
[50] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[51] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 22: Article 18 
(Freedom of Thought, Conscience or Religion), 30 July 1993, CCPR/C/21/Rev.1/Add.4, 
available at: http://www.refworld.org/docid/453883fb22.html
[52] Human Rights Related Trade Measures Under International Law,
 Anthony Cassimatis (Martinus Nijhoff Publishers, 2007) P 355-356
[53] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.
[54] المرجع السابق.
[55] المرجع السابق.
[56] انظر مبادئ سيراكوزا، مرجع سابق.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.