قراءة في أوراق قضية هدير الهادي

Facebook
Twitter

 

للإطلاع على الورقة بصيغة PDF إضغط هنا

 

إعداد: آلاء كليب، باحثة بوحدة اﻷبحاث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

 المحتوى

 منهجية

 مقدمة

  •  خلفية: ملاحقة فتيات تيك توك
  •  تحقيقات النيابة تطال الحياة الخاصة
  •  المحاكمة: قيم الأسرة المصرية تقود إلى السجن

خاتمة

منهجية

اعتمدت هذه الورقة على التحليل القانوني لأوراق القضية المتهمة بها صانعة المحتوى هدير الهادي، والتي حملت رقم 762 لسنة 2020 جنح اقتصادية القاهرة، كما استندت الورقة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن النيابة العامة، وتقارير إعلامية تناولت هذه القضية.

مقدمة

يأتي هذا التعليق في إطار عمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير على تقديم تحليلات قانونية، فيما يعرف بمحاكمات تيك توك، وقد قدمت المؤسسة تحليلات لبعض تلك القضايا سابقًا.

ألقت قوات الشرطة التابعة لمباحث الآداب القبض على هدير الهادي في 5 يوليو 2020، وذلك في محيط مسجد الحصري بدائرة قسم أول أكتوبر.

وأصدرت المحكمة الاقتصادية حكمًا على الهادي بالسجن عامين وغرامة 100 ألف جنيه  في 27 أكتوبر 2020، وأيدت محكمة جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية الحكم السابق في 7 إبريل 2021[1].

وقبل صدور هذا الحكم، تلقت النيابة العامة عدة بلاغات من المحامي أشرف فرحات، الذي يستهدف صانعات المحتوى ضمن حملة لفرض الوصاية الأخلاقية على النساء.[2] وجاءت هذه الحملة حسب وصف مؤسسها لتكون شرطة أخلاقية تهدف إلى تطهير المجتمع المصري. وبالمثل قدم فرحات بلاغات أخرى ضد عدد من صانعات المحتوى، بعد نشرهن مقاطع فيديو ترفيهية وراقصة.

وجهت المحكمة إدانتها إلى هدير الهادي وفق اتهامات باستخدامها مواقع التواصل الاجتماعي بهدف ارتكاب فعلًا فاضحًا مخلًا بالحياء العام والاعتداء على قيم الأسرة المصرية والدعوة إلى الدعارة[3].

خلفية: ملاحقة فتيات تيك توك

بات للنيابة العامة دور رقابي اجتماعي، قائم على مراقبة مستخدمي ومستخدمات الإنترنت، وتقييم سلوكهم الاجتماعي، بغرض إحالة من لا ترضى عن سلوكياتهم النيابة العامة إلى المحاكمات. وظهر ذلك جليًّا في تتبع فتيات تيك توك عن طريق وحدة الرصد والتحليل بالنيابة العامة[4].

أصدرت النيابة إذن الضبط على هدير وتفتيش سكنها الخاص. واعتمدت النيابة في ذلك على تحريات الشرطة، التي استندت إلى مراقبة المتهمة على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أن لديها عددًا من المتابعين على موقع تيك توك وإنستجرام، ولنشرها مقاطع فيديو غنائية راقصة بمقابل مادي. كما جاء بالتحريات أن الإدارة العامة للآداب رصدت مقاطع فيديو إباحية لهدير الهادي، منشورة على مواقع وِب. وحملت هذه القضية رقم 712 لسنة 2020 جنح حدائق أكتوبر.

وبعد القبض على هدير الهادي، في 5 يوليو 2020، اصطحبتها قوات الشرطة إلى محل إقامتها، وضبطت الشرطة مستلزمات التصوير الخاصة بها والبطاقة اﻻئتمانية، وتم مواجهتها بما رصدته المتابعة الفنية لمواقع التواصل الاجتماعي، والذي يلقي الاتهام علي الهادي بنشر صور ومقاطع فيديو لها خادشة للحياء.

ونفى قسم الأدلة الجنائية، خلال التحقيقات، أن يكون الفيديو الإباحي خاصًّا بصانعة المحتوى هدير الهادي.

تحقيقات النيابة تطال الحياة الخاصة

طلب وكيلُ النائب العام الرقمَ السريَّ الخاص بهاتف المتهمة هدير الهادي، أثناء التحقيقات. وفحصت النيابة العامة هاتفها بما يحتويه من صور وفيديوهات ومحادثات شخصية بينها وبين آخرين. وكان ضابط بالإدارة العامة للآداب قد حرَّز هاتف هدير الهادي، بحسب المحضر المرفق في أوراق القضية.

وتبين أوراق القضية أن ما واجهت به النيابة العامة هدير الهادي من صور ومقاطع فيديو، أثناء التحقيقات، لم تكن منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي وإنما كانت محفوظة في سجلات هاتفها الشخصي.

وتنص المادة (54) من الدستور على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”، ويعد اﻻعتداء علي الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين جريمة لا تسقط بالتقادم، حسب المادة (99) من الدستور[5].

كما تنص المادة (57) من الدستور على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون”.

أثناء التحقيقات، تبيَّن للنيابة العامة أن الحسابات المنسوبة إلى هدير الهادي تخصها بالفعل. ورغم عدم إثبات وجود مواد منشورة خادشة للحياء، عند فحص هذه الحسابات، فإن النيابة بنت اتهامها هدير الهادي بخدش الحياء العام على مقاطع فيديو محذوفة من حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يمكن اعتبار مقاطع محذوفة دليلًا رقميًّا، حيث أن ذلك يخالف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

ومن جانب آخر، نفت هدير الهادي في التحقيقات أن الفيديو الإباحي الذي واجهتها به النيابة يخصها. ولم يحضر محامٍ مع الهادي، خلال أول جلسة تحقيق، خاصة أنه ليس هناك داعٍ استثنائي للتحقيق معها دون حضور محاميها.

وواجهت النيابة العامة هدير الهادي كذلك باتهام الترويج للدعارة، والتكسُّب المادي من نشر مقاطع الفيديو الخادشة للحياء، استنادًا إلى وجود تحويلات مالية للهادي من أفراد في دول مختلفة. وردت الهادي على ذلك موضحة أنها تلقت أموالًا من الشركة المالكة لموقع لايكي، إلى جانب تلقيها أموالًا من أفراد متابعين لها على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف دعمها.

ووجهت النيابة العامة عددًا من الاتهامات إلى هدير الهادي، كما يلي:

1- نشر صور وفيديوهات خادشة للحياء عن قصد على مواقع التواصل الاجتماعي “إنستجرام – تيك توك – يوتيوب” تبرز فيها مفاتنها مصحوبة بتلميحات وعبارات خادشة للحياء العام.

2- قامت بفعل فاضح للحياء العام بأن أغرت بمفاتنها، بعبارات وتلميحات وإيحاءات جنسية في مقاطع الفيديو الخاصة بها، التي قامت بنشرها على حساباتها الخاصة بالمواقع السابق ذكرها.

3- أعلنت من خلال حساباتها على تلك المواقع دعوة تتضمن إغراءً بما يلفت الأنظار إلى الدعارة عن طريق نشر هذه الصور والفيديوهات.

4- اعتدت على قيم ومبادئ الأسرة المصرية بنشر تلك الصور والفيديوهات الخادشة للحياء العام.

5- استخدمت حساباتها على تلك المواقع بهدف تسهيل ارتكاب الجرائم محل الاتهامات السابقة.

وطالبت النيابة بمعاقبة المتهمة هدير الهادي، طبقًا لنصوص:

  • المادتين 178، 278 من قانون العقوبات.[6]
  • المادتين 14، 15 من قانون 10 لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة.[7]
  • المواد 1، 12، 25، 27 من قانون 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.[8]

المحاكمة: قيم الأسرة المصرية تقود إلى السجن

أحالت النيابة العامة الدعوى ضد هدير الهادي إلى المحكمة الاقتصادية، بتاريخ 14 سبتمبر 2020، على ذمة القضية رقم 762 لسنة 2020 جنح اقتصادية القاهرة. وأصدرت المحكمة الاقتصادية حكمها على الهادي بالسجن سنتين وغرامة مئة ألف جنيه، ووضعها تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة. وبعد تقديم استئناف على الحكم، أيدت محكمة مستأنف الاقتصادية الحكم السابق، في 7 إبريل 2021.

وجاء في حيثيات حكم أول درجة الصادر عن المحكمة الاقتصادية تأييدها الاتهامات المحالة من النيابة العامة ضد المتهمة هدير الهادي، وتغاضت المحكمة عن دفوع الهادي بأنها كانت تتقاضى أجرًا من الشركة المالكة لتطبيق لايكي، وأنها لا تروِّج للدعارة.

وأشارت الحيثيات إلى عدم وجود علاقة بين هدير الهادي والفتاة المنسوب إليها ظهورها في فيديو إباحي، بحسب ما جاء به تقرير قسم الأدلة الجنائية من وجود اختلاف في الشكل العام والقياسات البيومترية بين الفتاة التي ظهرت في الفيديو وهدير الهادي. ولم تتبين المحكمة أن العلاقات التي تجمع الهادي بالأفراد الذين يقدمون إليها الدعم المالي تعد علاقات جنسية.

من جانب آخر، أوضحت تحريات إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية واﻻتجار بالبشر أن المتهمة هدير الهادي لم تستغل فتيات أخريات في أية منفعة أو تكسب خلال نشاطها الرقمي، وذلك على الرغم من دعوتها عديدًا من الفتيات إلى الاشتراك على تطبيق لايكي والتكسب منه. ولذلك لم توجه النيابة إليها اتهامًا بالاتجار بالبشر.

وفيما يخص تهمة اﻻعتداء على قيم اﻷسرة المصرية، فإنها تضعنا أمام مصطلح غير محدد، تخضع  أحكام اﻹدانة الصادرة فيه لرأي المحكمة. أما الاتهامات المستندة إلى قانون مكافحة الدعارة، فهي لا تراعي التطور التكنولوجي والرقمي الكبير الذي شهده العالم، وبات صناع المحتوى يحصلون على عائد مادي طبقًا لما يحققونه من انتشار ومتابعة بين الجمهور.

خاتمة

تدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير لجنة العفو الرئاسي إلى تضمين الفتيات والشبان المتهمين فيما يعرف إعلاميًّا بقضايا أو محاكمات تيك توك في قوائم العفو التي سيصدرها رئيس الجمهورية وفق صلاحياته المنصوص عليها في المادة رقم (155) من الدستور المصري، حيث أن هذه الأحكام التعسفية الصادرة في محاكمات تيك توك هي بمثابة انتهاك لحقوق النساء في التعبير عن رأيهن بحرية.

[1] مؤسسة حرية الفكر والتعبير، هدير حمدي عبد الهادي سعد صباح "هدير الهادي"، ملف قضايا التيك توك https://afteegypt.org/tiktok-ar/2021/05/14/21997-afteegypt.html
[2] بلدنا اليوم،إحالة هدير الهادي فتاة الـ"تيك توك" إلى المحاكمة الجنائية، 14 سبتمبر 2020.
https://www.baladnaelyoum.com/news/5f5fdbc9a2432152e03fb44a/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%AF%D8%AB/%D8%A5%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%80-%D8%AA%D9%8A%D9%83-%D8%AA%D9%88%D9%83-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9
[3] وفقًا لما جاءت به "مسودة بأسباب ومنطوق الحكم الصادر في 27 أكتوبر 2022".
[4] الصفحة الرسمية للنيابة العامة 2 مايو 2020، رابط: https://www.facebook.com/ppo.gov.eg/posts/2949414125166470
[5] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "تليفونك وبطاقتك": الجزء الأول من دراسة رصدية وقانونية عن الممارسات الروتينية المستجدة في مؤسسات العدالة الجنائية المصرية والتي تجرِّد المواطنين من الحد الأدنى من الحمايات الدستورية للحق في حياة خاصة والحق في تمثيل قانوني أمام القضاء، 13 فبراير 2020.
https://tinyurl.com/2s3rtdrj
[6] المادة (178) من قانون العقوبات تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحـدى هاتين العقوبتين كـل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورًا محفورة أو منقوشة أو رسومات يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت منافية للآداب العامة".
المادة (278) تنص على: "كل من فعل علانية فعلًا فاضحًا مخلًّا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تتجاوز ثلاث مئة جنيه".
[7] المادة (14) من قانون مكافحة الدعارة تنص على: "كل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار إلى ذلك، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه فى الإقليم المصري وعلى ألف ليرة في الإقليم السوري أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المادة (15) من قانون مكافحة الدعارة تنص على: "يستتبع الحكم بالإدانة في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وذلك دون إخلال بالأحكام الخاصة".
[8] راجع موقع منشورات قانونية، قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، رابط: https://manshurat.org/node/31487

تابع أيضًا

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.