في انتظار عفو رئاسي .. عن حبس الصحفي محمد أكسجين

تاريخ النشر : الأربعاء, 21 سبتمبر, 2022
Facebook
Twitter

إصدارات وحدة الرصد والتوثيق

محتوى

منهجية

تمهيد

 

أولًا: عن أكسجين

ثانيًا: أكسجين قيد الملاحقات القضائية.. أربع قضايا وحكم نهائي بالسجن

  • القضية ٦٢١ لسنة ٢٠١٨
  • القضية ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩
  • القضية ٨٥٥ لسنة ٢٠٢٠
  • القضية ١٢٢٨ لسنة ٢٠٢١

‏ثالثًا: انتهاكات داخل محبسه

 

منهجية

اعتمد التقرير على القراءة القانونية لحيثيات حكم محكمة جنح أمن الدولة العليا طوارئ في القضية رقم 1228 لسنة 2021، والتي عوقب على خلفيتها الصحفي محمد أكسجين بالسجن 4 سنوات، كما استند التقرير إلى تعليقات محامي مؤسسة حرية الفكر والتعبير الموكل بحور جلسات المحاكمة. باﻹضافة إلى ‏عدد من التقارير الصحفية، وبيانات المنظمات الحقوقية المهتمة بالقضية. فضلًا عن شهادات أسرة المدون محمد أكسجين والبلاغات والتلغرافات التي تم تقديمها أثناء سير القضايا المختلفة التي جرى حبس وتدوير أكسجين على ذمتها قبل الحكم عليه.

 

تمهيد

يقبع المدون والصحفي محمد إبراهيم محمد رضوان الشهير بـ”محمد أكسجين” في السجن منذ ثلاث سنوات فيما يبدو أنه عقاب له على انتشار وتأثير مدونته الشخصية “‏أكسجين مصر” وتغطياتها ‏الصحفية المصورة، المزعجة عادةً للسلطات الأمنية ‏التي اعتادت خلال السنوات الأخيرة ‏على احتكار وتسييد  روايتها ‏الرسمية عن كل ما يجري في مصر من أحداث وقمع أو إقصاء أو تهميش كل رواية مغايرة.

 

‏يقضي أكسجين حكمًا بالسجن أربعة أعوام على خلفية اتهامه بنشر بيانات وأخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالبلاد ، وذلك في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا طوارئ.

 

‏يحاول هذا التقرير تتبع سير الملاحقات الأمنية المتعددة التي تعرض لها المدون محمد أكسجين منذ عام ٢٠١٨ وحتي كتابة هذه السطور، وتفصيل الانتهاكات الصارخة للحق في حرية التعبير بصوره المختلفة، مطالبين لجنة العفو الرئاسي ونقيب الصحفيين والمجلس القومي لحقوق الإنسان بضرورة التدخل للإفراج عن أكسجين.

 

أولًا: عن أكسجين

 

محمد إبراهيم محمد رضوان وشهرته محمد أكسجين، هو مدون وصحفي مصري من مواليد 1 يناير 1986، تخرج في  الجامعة العمالية بالقاهرة.

عمل أكسجين موظفًا بإحدى دور النشر المصرية، واشتهر ضمن مجموعة من المدونين الشباب المشاركين في ثورة 25 يناير ٢٠١١. ‏وخلال الشهور السابقة على الثورة  تبنى أكسجين مشروعًا صحافيًّا مستقلًّا قائمًا على الجهود الذاتية، إذ أنشأ عام 2010  مدونة بعنوان “أكسجين مصر”،  كان شعارها: “نحن نحمل الحقيقة إليك”.

عُرف محمد بـ أكسجين نسبة إلى المدونة التي بدأت في تحقيق انتشارًا واسعًا عبر تغطية الأحداث ونقلها بكاميرته، ليتجاوز عدد متابعيه، عبر منصتي يوتيوب وفيسبوك فقط  أكثر من نصف مليون متابع.

 

نجح أكسجين في نشر تقارير سمعية بصرية وأخرى كتابية حول قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة في مصر ونقل وتحليل التطورات السياسية والاقتصادية من خلال إجراء لقاءات مع شخصيات عامة من خلفيات وتخصصات مختلفة مثل: الأديب علاء الأسواني، والسفير معصوم مرزوق، والدكتور مهندس ممدوح حمزة، والمحامي الحقوقي جمال عيد، وغيرهم من ‏أصحاب الرأي.

 

يضم حساب أكسجين على منصة “يوتيوب” 389 ألف متابع، بينما بلغ عدد متابعيه على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك 307 ألف متابع. ولعبت القناة والمدونة دورًا نوعيًّا في نقل أحوال الشارع المصري وهموم ومطالب جمهور المواطنين في محاولة منه لإيصال صوتهم إلى من يهمه الأمر.

 

ثانيًا: ‏أكسجين قيد الملاحقة الأمنية القضائية… ‏أربع قضايا وحكم نهائي بالسجن

تعد حالة المدون الصحفي محمد أكسجين نموذجًا صارخًا لانتهاك حزمة من الحقوق الأساسية للمواطنين والمكفولة دستوريًّا، وكذلك وفق المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر والتزمت بها وأصبح لها قوة القانون. بداية بالحق في حرية ممارسة العمل الصحفي والحق في حرية التعبير الرقمي، مرورًا بحقوق المتهم ووصولًا إلى الحق في المحاكمة العادلة.

 

ألقي القبض على أكسجين على خلفية التغطيات المصورة التي يقدمها عبر مدونته الصحفية “أكسجين مصر” وأثناء فترة احتجازه تعرض أكسجين للتعذيب وسوء المعاملة ‏وظل قيد الحبس الاحتياطي لفترات زمنية طويلة رغم انتفاء المبررات القانونية للحبس الاحتياطي. كما تعرض أكسجين للتدوير على ذمة ثلاث قضايا مختلفة، من داخل محبسه، إمعانًا في التنكيل به قبل أن يحال إلى المحاكمة أمام محكمة استثنائية أصدرت بحقه حكمًا نهائيًّا غير قابل للطعن عليه بالسجن أربعة أعوام.

 

القضية  621 لسنة 2018 :

في الثالثة من فجر يوم  6 إبريل 2018 ألقت قوة من جهاز الأمن الوطني القبض على المدون والصحفي محمد أكسجين، من منزله في حي البساتين بمحافظة القاهرة، وتم اقتياده إلى مكان غير معلوم وحرمانه من التواصل مع أهله أو محاميه. قبل أن يظهر في 17 إبريل 2018، في نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس، متهمًا على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العليا. حيث واجه  أكسجين اتهامات من بينها: نشر أخبار وبيانات كاذبة، والانضمام إلى جماعة إرهابية.

 

خلال فترة احتجازه تعرض أكسجين للتعذيب في مقر الأمن الوطني بالعباسية، وهو ما أثبته خلال جلسات التحقيق، وظل أكسجين رهن الحبس الاحتياطي قرابة ١٥ شهرًا، وكانت أغلب فترات الحبس انفرادية.

 

وفي جلسة 22 يوليو 2019 أصدرت دائرة الإرهاب بمحكمة الجنايات قرارًا بالاستعاضة عن الحبس الاحتياطي بتدبير احترازي، كان يضطر بموجبه أكسجين إلى التوجه إلى قسم شرطة البساتين مرتين في الأسبوع.

 

القضية رقم 1356 لسنة 2019:

في 21 سبتمبر 2019، أبلغ أكسجين مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المحامي جمال عيد، تليفونيًّا، أثناء تنفيذه التدابير الاحترازية بقسم شرطة البساتين، بأن ضابطًا من الأمن الوطني جاء لاصطحابه إلى مقر الأمن الوطني في المعادي، قبل أن يغلق هاتفه. ورغم إرسال ثلاثة تلغرافات إلى النائب العام ووزير الداخلية ووزير العدل، فإن تحقيقًا لم يُجرَ في هذا الشأن، وظل أكسجين قيد الإخفاء القسري إلى ما يقرب من 18 يومًا، إلى أن ظهر في 8 أكتوبر 2019 في نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه على ذمة قضية جديدة حملت رقم 1356 لسنة 2019 حصر نيابة أمن الدولة العليا، والتي واجه خلالها نفس الاتهامات بالقضية السابقة. وظل قيد الحبس الاحتياطي لمدة 14 شهرًا حتى أصدرت محكمة جنايات إرهاب في 3 نوفمبر 2020 قرارها بالاستعاضة عن الحبس الاحتياطي بتدبير احترازي.

 

جاء القبض على أكسجين ضمن حملة أمنية عنيفة شنتها الأجهزة الأمنية في مصر على خلفية ما اشتهر حينها بـ”احتجاجات 20 سبتمبر 2019″ والتي دعا إليها المقاول المصري المقيم خارج البلاد محمد علي. وكان أكسجين ضمن الصحفيين الذين قاموا بتغطية تلك الاحتجاجات،  في أكثر من محافظة، وقد طالت هذه الحملة صحفيين ونشطاء ومحامين وحقوقيين.

 

القضية  855 لسنة 2020:

امتنعت وزارة الداخلية عن تنفيذ قرار إخلاء السبيل، وتم احتجاز أكسجين بالمخالفة للقانون حتى 10 نوفمبر 2020، ليفاجأ محاموه بإحالة موكلهم للمرة الثالثة إلى نيابة أمن الدولة العليا متهمًا على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا. جرت تحريات تلك القضية بينما كان “أكسجين” قابعًا في زنزانته في سجن شديد الحراسة/2، فيما اصطلح على تسميته حقوقيًّا (تدوير من الداخل) وضمت القضية الى جانب أكسجين المحامي الحقوقي محمد الباقر، وقد واجهوا اتهامات بنشر أخبار وبيانات كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالبلاد.

 

القضية 1228 لسنة 2021:

 

في 16 أكتوبر 2021 أحيل المدون والصحفي محمد أكسجين إلي المحاكمة في القضية رقم 1228 لسنة 2021 أمام  محكمة جنح أمن الدولة طوارئ. وبحسب محامي أكسجين؛ نُسخت هذه القضية من القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر نيابة أمن الدولة العليا. وبدأت أولى جلسات المحاكمة في 18 أكتوبر 2021، حتى قضت المحكمة في 20 ديسمبر 2021، بحبس الناشط السياسي علاء عبد الفتاح 5 سنوات، والحكم على محمد الباقر ومحمد أكسجين بالسجن 4 سنوات.

 

أُلقي القبض على أكسجين للمرة الأولى في إبريل 2018 واستمر حبسه احتياطيًّا ١٦ شهرًا قبل إخلاء سبيله بتدبير احترازي في يوليو ٢٠١٩، ثم تم القبض عليه مرةً أخرى ‏بعد أقل من شهرين‏ ‏أثناء قضاء التدابير الاحترازية بقسم شرطة البساتين في سبتمبر ٢٠١٩، ليبقى رهن الحبس الاحتياطي ٢٥ شهرًا متصلة، تم تدويره خلالها على ذمة قضيتين مختلفتين وامتنعت وزارة الداخلية ‏عن تنفيذ قرار بإخلاء سبيله ‏قبل أن يحال إلى المحكمة ‏في أكتوبر 2021.

 

‏وعلى الرغم من الحبس الاحتياطي المطول، وغير المبرر قانونيًّا، ‏الذي تعرض له أكسجين، فإن محاكمته اتسمت بتسارع كبير وغير مبرر كذلك. ‏إذ لم تستغرق المحاكمة ‏سوى شهرين اثنين فقط ما بين جلستين إجرائيتين وأخرى ثالثة للمرافعات حتى النطق بالحكم. ‏ذلك على الرغم من أن أحكام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ هي أحكام نهائية لا يمكن الطعن عليها أو استئناف أحكامها، ولكن من حق رئيس الجمهورية إلغاء الحكم أو تعديله، أو الأمر بإعادة المحاكمة.

 

سرعة المحاكمة كانت أحد مشاهد ‏انتهاك الحق في المحاكمة العادلة؛ فلم تسمح ‏هيئة المحكمة على مدار ثلاث جلسات بالاستماع لدفاع المتهم أو الاستجابة لطلباته، كذلك ‏رفضت السماح للمحتجزين بالتشاور مع محاميهم، والحيلولة دون حصول المحامين على صورة ضوئية من ملف القضية. فضلًا عن عدم مواجهة المتهمين الثلاثة بأي أدلة أو أحراز تثبت ما نسب إليهم من اتهامات، ولم تسمح المحكمة للمراقبين الدوليين بحضور الجلسات رغم كونها جلسات علنية وفقًا للدستور.

 

هذا مع  اختصاص محكمة أمن الدولة العليا في حالات الطوارئ بسلطة قضائية على القضايا المتعلقة بأمن الدولة. وعلى الرغم من إعلان رئيس الجمهورية وقف العمل بحالة الطوارئ في 26 أكتوبر 2021،  فإن محكمة أمن الدولة ستظل سارية للنظر في القضايا التي تمت إحالتها ‏بشكل سابق على قرار رئيس الجمهورية.

 

ويعد استخدام محاكم الطوارئ ضد المدنيين انتهاكًا للمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ‏إلا في حالات استثنائية محددة على أن لا تتعارض مع الالتزامات القانونية للدولة.‏ ‏وتكون الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة العليا ‏نهائية وغير قابلة للطعن عليها عبر أي درجات تقاضٍ أخرى فيما يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق المواطنين في المحاكمة العادلة والمنصفة.

 

ثالثًا: انتهاكات داخل محبسه:

 

‏تعددت وسائل ‏التنكيل بأكسجين داخل محبسه خلال سنوات الحبس الاحتياطي، ومثلت جميعها انتهاكات جسيمة لحقوق المساجين ‏المكفولة بنصوص قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية وكذلك ‏المنصوص ‏عليها في المعاهدات الدولية الملزمة لمصر في مجال حماية حقوق المسجونين.

 

‏تعرض المدون الصحفي محمد أكسجين ‏للحرمان من الزيارة بشكل نهائي منذ فبراير 2020 وهو المنع الذي لا يزال قائمًا حتى كتابة هذه السطور دون إبداء أسباب أو الرد على طلبات الأسرة والمحامي.

 

في نفس الوقت رفضت إدارة سجن ‏شديد الحراسة ٢، بمنطقة سجون طرة  إيداع أسرة أكسجين أي مبالغ مالية لحسابه فيما يعرف بـ”الكانتين” ‏كما امتنعت عن إدخال الأدوية “الطبية” حتى 15 يوليو الماضي إذ تمكنت أسرته من إدخال طعام له لأول مرة منذ فبراير 2020، دون رؤيته.

 

وبسبب ما يتعرض له أكسجين من تنكيل داخل محبسه بزنزانة (3/2 عنبر ب) شديد الحراسة 2، سواء بمنع الزيارات أو حرمانه من “الوجبات الساخنة/ الطبلية” والاكتفاء بـ”التعيين” فقط دون باقي المساجين. بالإضافة الى التفتيش المستمر للزنزانه، وحرمانه من التريض. ‏وقد تسبب الإمعان في التنكيل بأكسجين في ‏إصابته باكتئاب حاد وامتناعه عن الكلام إلى ما يقرب من شهر ونصف، فأصبح في عزلة تامة داخل الحبس رغم وجوده في غرفة بها اثنان آخران معه،  بحسب شهادة أحد المحبوسين السابقين والذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية.

 

التهديد المستمر والتنكيل دفعه إلى الإقدام على الانتحار مستخدمًا العقاقير الطبية داخل جدران سجن طرة شديد الحراسة 2، لكن تم إنقاذ حياته في اللحظات اﻷخيرة وهو اﻷمر المؤهل بقوة للتكرار طالما استمرت ‏ظروف الاحتجاز السيئة وغياب تحرك النيابة العامة لوقف تلك الانتهاكات الجسيمة بحقه.

 

في أغسطس 2021 رفضت إدارة سجن شديد الحراسة 2  طرة تنفيذ قرار النيابة بالتصريح لمحامي الشبكة العربية ‏لمعلومات حقوق الإنسان بزيارة الصحفي “محمد أكسجين” بعد محاولته الانتحار، بل تم الاستيلاء على التصريح ورفض إعادته للمحامين، من قبل إدارة السجن.

 

في فبراير 2022 تُوفيت والدة المدون محمد أكسجين، وأطلق محامون وكتاب ومدونون هاشتاج “خرجوا_أكسجين_يدفن_أمه”، مطالبين بالسماح له بوداع والدته وتقبل العزاء فيها، لكنه رفض الخروج من محبسه للمشاركة في عزاء والدته التي رحلت خلال تواجده بالسجن، ما يعبر عن حالة اليأس الشديد التي وصل إليها أكسجين بعد العزلة المفروضة عليه ووفاة والدته اللاحق لمحاولة انتحاره.

 

للاطلاع بصيغة PDF

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.