التقرير ربع السنوي الثالت لحالة حرية التعبير في مصر (يوليو-سبتمبر2018)

تاريخ النشر : الثلاثاء, 16 أكتوبر, 2018
Facebook
Twitter

ثانيًا: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير:

يتناول التقرير في قسمه الثاني: انتهاكات حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، وحرية الإبداع، حيث يستعرضها التقرير بشكل تفصيلي، متطرقًا إلى تحليل التطورات التي لحقت بأنماط الانتهاكات، من حيث ارتباطها بممارسات سابقة للسلطة الحالية، أو تأثير السياق السياسي والتشريعي على وتيرتها.

ويظهر الإنفوجراف التالي الأرقام الإجمالية لانتهاكات حرية التعبير خلال الربع الثالث من العام 2018، والتي وثقتها وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير:

 

حرية الصحافة والإعلام:

رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خلال الفترة التي يغطيها التقرير 16 واقعة لانتهاكات حرية الإعلام. كانت أبرز أنماط الانتهاكات التي رصدتها المؤسسة خلال تلك الفترة، تلك المتعلقة بقرارات المجلس الأعلى للإعلام ضد برامج وقنوات، كان أبرزها قرار المجلس بوقف بث قناة LTC الخاصة لمدة أسبوعين [15] في الثالث من سبتمبر 2018، وأرجع المجلس أسباب القرار إلى تكرار مخالفات القناة وإصدار أكثر من عشرة قرارات بمنع بعض البرامج لفترات متتالية وتوقيع غرامات مالية، وأضاف القرار بأن القناة خالفت قرار المجلس بمنع ظهور “الشواذ” بحسب تعبير القرار أو الترويج لشعاراتهم.

ولم يكن هذا القرار هو الوحيد ضد قناة LTC وبرامجها خلال فترة التقرير، حيث قرر المجلس في 17 يوليو 2018 وقف برنامج نجم الجماهير[16] والذي يقدمه الصحفي أبو المعاطي زكي، على خلفية ما وصفه القرار بالتجاوزات والاتهامات بدون سند قانوني في الحلقة المذاعة يوم 15 يوليو 2018.

كما قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في 1 سبتمبر 2018، وقف برنامج صح النوم[17] وهو برنامج يذاع على قناة  LTC بسبب ما سمي باستمرار النهج في المعالجات الإعلامية في تصفية الحسابات، بحسب نص القرار. وهو سبب غير مفهوم ماذا يقصد به. وعلى الأرجح، لم ينتبه المسئولون في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى صياغة القرار. وفي نفس السياق، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقف برنامج “ملعب الزمالك” المذاع على قناة الحدث اليوم لمدة أسبوعين[18] بسبب استمرار النهج في المعالجات الإعلامية في تصفية الحسابات، بحسب نص القرار كذلك.

وأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في 4 يوليو 2018، قرارًا بوقف النشر في قضية مستشفى سرطان الأطفال 57357 إلى حين انتهاء اللجنة الوزارية من فحص موقفها. وطالب المجلس جميع الأطراف بالتوقف عن الكتابة في الموضوع، ووقف بث البرامج المرئية والمسموعة التي تتناول هذا الموضوع، وأن يكون التعامل مع أي جديد بتقديمه إلى الجهات القضائية أو لجنة التحقيق أو النشر من خلال المجلس. يذكر أن النائب العام أصدر قرارًا يوضح أن قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بوقف النشر غير قانوني وهو والعدم سواء، وأعقب ذلك استدعاء رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للتحقيق في مخالفته للقانون بإصدار هذا القرار.

ويستمر المنع من التغطية ضمن أبرز أنماط الانتهاكات في حرية الإعلام خلال الربع الثالث من العام 2018، حيث رصدت المؤسسة 4 وقائع لمنع الصحفيين ووسائل الإعلام من التغطية، ثلاث منها بشكل جماعي، حيث منع مسئولو وزارة الآثار، في 17 يوليو 2018، وسائل الإعلام المختلفة من تغطية إجراءات فتح التابوت الأثري، الذي تم اكتشافه بالإسكندرية.[19]  كما منع أعضاء بمجلس نقابة المهن العلمية، في 4 أغسطس 2018، وسائل الإعلام من تغطية الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه بعض أعضاء مجلس النقابة.[20].

وفي 27 أغسطس 2018، منع أمن مول العرب الصحفيين من تغطية العرض الخاص لفيلم سوق الجمعة،[21]  على الرغم من دعوة الشركة المنتجة للفيلم الصحفيين لتغطية عرض الفيلم، وتطور الأمر إلى طلب أمن المول من الشرطة منع دخول الكاميرات تمامًا إلى قاعات السينما والتسجيل مع أبطال العرض.

ورصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير واقعة منع صحفية من أداء عملها في بورسعيد،[22]  حيث مُنعت مراسلة الفجر في بورسعيد، نيرة الجابري، من دخول النادي المصري وتغطية أخباره، على خلفية تقرير نشرته المراسلة يتحدث عن عدم سداد مستحقات بعض اللاعبين وانقطاعهم عن التدريب بسبب إعطائهم شيكات بدون رصيد. وتقول الصحفية نيرة الجابري إنه عقب نشر التقرير فوجئت بمكالمات تهديد وسباب من أحد أعضاء مجلس إدارة النادي المصري، بحسب شهادتها لمؤسسة حرية الفكر والتعبير. وأضافت الجابري أنه عقب نشر التقرير أصدر مجلس إدارة النادي المصري قرارًا بمنع دخولها النادي أو أيٍّ من فروعه، ومنعها من تغطية أخبار النادي وفرقه المختلفة.

ورصد التقرير منع الإعلامية لميس الحديدي من الظهور لتقديم برنامجها هنا العاصمة، والمذاع على قناة CBC الفضائية الخاصة. كانت لميس الحديدي وفريق عمل البرنامج يستعدون للعودة مرة أخرى لتقديم البرنامج في 1 سبتمبر 2018، قبل أن يفاجأ فريق العمل بقرار تقديم الإعلامية ريهام إبراهيم للحلقة بدلًا من لميس الحديدي، دون إخطار فريق العمل بالأسباب، حسب تقرير نشره موقع مدى مصر.[23]

وعلى مستوى الأحكام القضائية ضد الصحفيين، فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في 31 يوليو 2018، تأييد محكمة جنح السيدة زينب حكم الحبس على الصحفي حمدي الزعيم، بتهمة نشر أخبار كاذبة، على خلفية تغطيته وصول جثامين قتلى إلى مشرحة زينهم، ذكرت وزارة الداخلية أنهم قتلوا أثناء مواجهة أمنية بإحدى الشقق السكنية بمدينة السادس من أكتوبر، غرب القاهرة. كان الزعيم حسب شهادته للمؤسسة قد أدين في يناير 2016 بالحبس 3 سنوات قبل أن يقدم معارضة على الحكم، وهو ما رفضته المحكمة وأيدت الحكم.

وعلى مستوى الإجراءات التأديبية التي تتخذها المؤسسات الإعلامية تجاه صحفييها، فقدت قررت إدارة المصري اليوم فصل الصحفية هدير فرغلي، من عملها بمؤسسة المصري اليوم، بناءً على شكوى من مديرها يتهمها بالتغيب بدون علم الإدارة، ما أدى إلى الإضرار بالعمل، بحسب شهادة الصحفية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير. وأضافت فرغلي أنها لم تكن تعلم أي شيء عن تلك الشكاوي، وأنه لم يجرِ التحقيق معها لإثبات أو نفي الادعاء، وفور علمها بالقرار قدمت تظلمًا وشكوى ضد مديرها المباشر تسرد فيها الوقائع الحقيقية لتغيبها عن العمل، إلا أن إدارة الموارد البشرية لم تقم بالتحقيق، وأصدرت قرارًا بفصلها عن العمل في 28 أغسطس 2018.

وعلى مستوى آخر، أصدرت اللجنة القضائية المختصة بإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، في 11 سبتمبر 2018، قرارًا بالتحفظ على جريدة المصريون وموقعها الإلكتروني،[24]  دون أن تبدي اللجنة أسبابًا لذلك القرار. يذكر أن قوة من أفراد تابعين للجنة إدارة أموال الجماعة مصحوبين بقوة من الشرطة، قد داهموا مقر جريدة المصريون، في 24 سبتمبر 2018، وقاموا بالتحفظ على المقر ومحتوياته وتسليم أخبار اليوم إدارة الجريدة. جدير بالذكر بأن موقع جريدة المصريون الإلكتروني قد تم حجبه ضمن حملة حجب المواقع الإلكترونية، والتي تقوم بها جهة حكومية غير معروفة إلى الآن.

وتأتي عمليات القبض على الصحفيين ضمن أبرز أنماط الانتهاكات التي رصدها التقرير، حيث تم القبض على 3 صحفيين وصحفيات، خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

تطورات قائمة الصحفيين المحبوسين:

صحفيون أضيفوا إلى القائمة خلال الربع الثالث:

  • محمد أبو زيد كامل: في 10 يونيو 2018، قام الصحفي بجريدة التحرير محمد أبو زيد بتسليم نفسه إلى قسم المعصرة، جنوب القاهرة، بعد مداهمة منزله من قبل وعدم العثور عليه، إلا أنه لم يعرض على النيابة إلا في 24 يونيو 2018. وأُدرج الصحفي ضمن القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة. ووجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة.
  • إسلام جمعة: تم القبض على الصحفي بجريدة فيتو إسلام جمعة من منزله في 29 يونيو 2018، إلا أنه لم يظهر أمام النيابة إلا في 7 أغسطس 2018، متَّهَمًا على ذمة القضية 441 لسنة 2018 أمن دولة. وجهت إليه نيابة أمن الدولة اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة. يذكر بأن جريدة فيتو والتي كان يعمل بها الصحفي قامت بفصله بعد إلقاء القبض عليه.
  • زينب أبو عونة: في 16 أغسطس 2018، تم القبض على المصورة بجريدة الوطن زينب أبو عونة من قبل السلطات الأمنية بمطار القاهرة، أثناء سفرها إلى العاصمة اللبنانية بيروت لحضور إحدى الورش التدريبية. ظهرت أبو عونة أمام نيابة أمن الدولة متهمة بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة.

صحفيون أنهوا مدة حبسهم خلال الربع الثالث:

  • عبد الله أحمد إسماعيل الفخراني ومحمد محمد مصطفى العادلي: أنهى عبد الله الفخراني، صحفي والمدير التنفيذي لشبكة رصد الإخبارية، ومحمد العادلي، مراسل تلفزيوني بقناة أمجاد، مدة حبسهما والتي استمرت 5 سنوات، وذلك بعد تأييد الحكم عليهما من قبل محكمة النقض، على خلفية اتهامهما في القضية المعروفة إعلاميًّا بغرفة عمليات رابعة، وأنهى الصحفيان إجراءات خروجهما من السجن.
  • سامحي مصطفى أحمد عبد العليم: أنهى سامحي مصطفى، صحفي بشبكة رصد، مدة حبسه على خلفية الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات في القضية المعروفة إعلاميًّا بغرفة عمليات رابعة، إلا أنه لم يتم الإفراج عنه حتى كتابة هذة السطور.
  • محمود عبد الشكور أبو زيد “شوكان”:  صدر الحكم بحبس شوكان 5 سنوات في قضية فض رابعة، وبذلك يكون شوكان قد أنهى مدة حبسه، إلا أنه لم يتم الإفراج عنه حتى كتابة هذة السطور.

الحقوق الرقمية:

لم تختلف أنماط الانتهاكات في الربع الثالث من العام 2018 عمَّا سبقه من فترات، إذ جاءت الانتهاكات مرتبطة بحرية التعبير باستخدام وسائط رقمية والرقابة على الإنترنت. وشهدت الفترة التي يغطيها التقرير ملاحقة مواطنين بسبب آراء نشروها على الإنترنت، حيث تقدم طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، ببلاغ ضد مدرس العلوم أحمد سعيد عبد الصمد، اتهمه فيه بسبه وقذفه، ونشر أخبار كاذبة عن سير وتطورات منظومة التعليم في مصر.

قررت نيابة استئناف القاهرة، في ٢٥ سبتمبر 2018، حبس المدرس ٤ أيام احتياطيًّا على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٣٣ لسنة ٢٠١٨ حصر تحقيق نيابة استئناف القاهرة.[25] وذكرت التحقيقات أن المدرس استخدم حسابه الشخصي على موقع فيسبوك، في توجيه عبارات السب والقذف إلى وزير التربية والتعليم، ودأب على نشر معلومات وأخبار كاذبة، من شأنها تشويه صورة الوزارة والإساءة إلى منظومة التعليم في مصر.

كما ألقت قوات الأمن القبض على المواطنة اللبنانية منى مذبوح، في يوم ٣١ مايو ٢٠١٨، قبل مغادرتها للبلاد، بعد صدور أمر ضبط وإحضار لها من النيابة العامة، بسبب نشرها مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تحكي فيه عن زيارتها لمصر. وجهت النيابة إلى منى مذبوح اتهامات بتوجيه إساءات إلى الشعب المصري من خلال نشر فيديو عبر صفحتها بموقع فيسبوك، ينطوي على عبارات وألفاظ يعاقب عليها القانون.

وفي ٧ يونيو أمرت محكمة جنح مصر الجديدة بحبس مذبوح لمدة ١١ سنة، بتهمة نشر فيديو خادش للحياء وازدراء الأديان. وفي نفس اليوم، قررت المحكمة تخفيف الحكم إلى ٨ سنوات بدلًا من ١١ سنة.[26] ولاحقًا، قدمت مذبوح استئنافًا على الحكم، وقضت محكمة مستأنف مصر الجديدة بتعديل الحكم، ليصبح الحبس لمدة سنة مع وقف التنفيذ، مع تأييد تغريمها 700,10 جنيه، وذلك في ٩ سبتمبر ٢٠١٨.

وفي قضية أخرى، تدور أحداثها حول مقطع فيديو أيضًا، قررت نيابة المعادي إحالة الناشطة أمل فتحي إلى المحاكمة، في القضية رقم ٧٩٩١ لسنة ٢٠١٨ جنح المعادي، بعد أن تم إخلاء سبيلها في وقت سابق بكفالة ١٠ آلاف جنيه.[27] وأصدرت محكمة جنح المعادي، في ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨،  حكمًا بحبس أمل فتحي لمدة سنتين، وغرامة ١٠ آلاف جنيه، وكفالة ٢٠ ألف جنيه، لوقف تنفيذ الحكم، إلى حين الإقرار بالاستئناف. ووُجهت إلى فتحي اتهامات بإشاعة أخبار كاذبة وإذاعة فيديو بغرض قلب نظام الحكم وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وما زالت أمل فتحي قيد الحبس الاحتياطي، على ذمة القضية رقم ٦٢١ لسنة ٢٠١٨ حصر تحقيق أمن دولة عليا، والمتهمة فيها بالانضمام إلى جماعة إرهابية والترويج لفعل إرهابي ونشر أخبار كاذبة. كما أن هناك ما لا يقل عن ٦ نشطاء قيد الحبس الاحتياطي، في ٤ قضايا مختلفة، تم ذكرها في التقرير ربع السنوي السابق، تجمعهم اتهامات بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار تلك الجماعة الإرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

بينما تم إخلاء سبيل الصحفي بالمعاش حسن حسين بتدابير احترازية، تشمل المراقبة بقسم الشرطة، بعد حبسه احتياطيًّا أكثر من ٦ أشهر لاتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أفكارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة، في القضية التي حملت رقم ٤٨٢ لسنة ٢٠١٨ حصر نيابة أمن الدولة العليا.

وفيما يتعلق بالرقابة على الإنترنت، فقد استمرت السلطة في حجب مواقع الوِب، وهي الممارسة التي بدأت على نطاق واسع منذ مايو 2017، ولم تتوقف حتى صدور التقرير. ويُلاحظ في الآونة الأخيرة، أن المواقع التي يتم تدشينها حديثًا، تتعرض للحجب خلال فترة قصيرة، وقد رصد التقرير السابق حجب موقع كاتب بعد ساعات من إطلاقه. وخلال الربع الثالث من العام 2018، تعرض موقع جيم للحجب، بعد أقل من شهر على إطلاقه. ويعد موقع جيم واحدًا من المواقع المتخصصة في شئون الجندر والجنس والجنسانية.

وقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير كذلك حجب ٥ مواقع أخرى على الأقل، تنوعت ما بين مواقع صحفية ومواقع مهتمة بالتقنية. وبذلك يرتفع عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى أكثر من ٥٠٠ موقع، منذ بداية ممارسة الحجب على نطاق واسع.

ونشر موقع رصيف ٢٢ في ٧ سبتمبر 2018، بيانًا بعنوان: “ممنوع على المصريين… إلى متى قمع حرية التعبير؟”[28] وذلك بعد يوم واحد من حجبه في مصر. وجاء في البيان: “لم نكن يومًا نجهل “الخطوط الحمراء” التي رسمها الرقيب المصري أمام وسائل الإعلام. تابعنا قصص أخبار حجب المواقع، ككل المهتمين بمجال الإعلام، ولكننا قررنا أن نتجاوزها، لأن فلسفة وجودنا قائمة على تجاوز “الخطوط الحمراء”. هناك إعلام السلطة وهناك إعلام المواطن رصيف 22 هو جزء من إعلام المواطن”.

وتأتي هذه الممارسات بعد تصديق الرئيس السيسي على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تتيح مواده حجب المواقع والمراقبة الجماعية على الاتصالات وتفرض سيطرة تامة على الإنترنت. وتتوقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن تزداد الاتهامات فيما يتعلق بالحقوق الرقمية مع تطبيق هذا القانون.

 حرية الإبداع:

مع بداية الربع الثالث من العام 2018، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا، بشأن تنظيم المِهرجانات أو الاحتفالات، والذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ ١١ يوليو 2018. يفرض القرار قيودًا على حرية الإبداع والمبدعين، إذ يمنع القرار تنظيم أو إقامة أية مِهرجانات أو احتفالات، إلا بعد حصول منظميها على ترخيص من لجنة عليا تضم ١٥ عضوًا على الأقل برئاسة وزير الثقافة، وتضم ممثلي وزارات وجهات متعددة، وممثلًا عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بالإضافة إلى رؤساء النقابات الثلاث، ورؤساء النقابات الأدبية ولم يحدد القرار عددهم.[29]

كما ينص القرار أيضًا على منح وزير الثقافة صلاحية رفض طلب الترخيص بإقامة الاحتفال، إذا ارتأى أنه لا يحقق أهداف تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية المصرية وتعزيز التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتفعيل التبادل الثقافي بين مصر ودول العالم. ويحق لوزير الثقافة وقف المِهرجان أو إلغاء ترخيصه بعد منحه، دون أية ضوابط.

ولا يمكن الفصل بين قرار رئيس الوزارء وبين ما تعرضت له بعض المِهرجانات، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، حيث  قامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير برصد انتهاكات تنوعت بين منع عرض ومنع مُبدعين من الدخول إلى مصر أو ترحيلهم. ويُظهر ذلك اتجاه السلطة للسيطرة على الإبداع والتضييق على المُبدعين.

ففي عصر يوم ٣١ أغسطس ٢٠١٨، قامت قوة أمنية مكونة من ٤ أفراد من الحماية المدنية بدخول المسرح الخاص بقصر ثقافة بني سويف، بدعوى إجراء التفتيش المعتاد الخاص باحتياطات الأمن والسلامة. تعدى أفراد قوة الحماية المدنية لفظًا على العاملين بقصر الثقافة، كما قاموا بتوجيه الإهانات إلى مدير قصر ثقافة بني سويف محمد عبد الوهاب، وأرغموه على التوقيع على إقرار يفيد بأن قصر ثقافة بني سويف غير آمن لإقامة أيٍّ من أنشطته أو استقبال الزوار.[30]

ونتج عن ذلك إيقاف التحضيرات الخاصة بكرنفال الموسيقا العربية والغناء، وقامت قوة الحماية المدنية بعدها بمنع العرض العام للجمهور، والذي كان من المقرر عرضه في مساء نفس اليوم بالرغم من إرسال العاملين بقصر الثقافة خطابات إلى مديرية الأمن لمتابعة الإجراءات، وفقًا لاتصال هاتفي بأحد العاملين.

ولم تكن تلك الواقعة الوحيدة المرتبطة بمنع مِهرجان، حيث نشرت الصفحة الرسمية، لمِهرجان سواسية للأفلام القصيرة والوثائقية، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بيانًا في ١٦ سبتمبر 2018، ذكرت فيه تعرض أعمال المِهرجان للمنع دون أي إعلان أو إخطار عن أسباب المنع، وجاء في البيان: “فوجئنا قبل بدء المهرجان بساعة واحدة فقط بإجراءات غير مسبوقة بتحرير محضر وإخطار للسينما بمنع أي أعمال للمهرجان رغم كافة التجهيزات الفنية والإدارية وقبل وصول المدعويين، ولم يتم إخطارنا رسميًّا حتى الآن بأي أسباب لمنع دور العرض”.[31]

وبعد أن قامت إدارة المِهرجان بنقل العرض إلى قاعة أخرى “تم قطع التيار الكهربائي عن القاعة التي أصبحت مظلمة دون كل منطقة بور توفيق والشاليهات المضاءة بالكامل من حولنا”. ويذكر أن تلك هي الدورة الأولى للمِهرجان الذي ينظمه صالون سواسية الثقافي برئاسة النائب عبد الحميد كمال.

بينما في الدورة الثانية لمِهرجان الجونة السينمائي، رفض الأمن المصري إعطاء تأشيرة دخول لفريق عمل الفيلم السوري “يوم أضعت ظلي” المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالمِهرجان. حيث نشرت مخرجة ومؤلفة الفيلم “سؤدد كعدان” منشورًا على صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك، في ٢١ سبتمبر 2018، تعلن فيه عن عدم قدرتها على التواجد في عرض الفيلم بسبب عدم حصولها هي والممثلة الرئيسية “سوسن أرشيد” والمنتجة “أميرة كعدان” على تأشيرات وموافقات أمنية لدخول مصر. وجاء في المنشور: “لم يتمكن جميع أفراد فريق فيلم “يوم أضعت ظلي” على الحصول على تأشيرات دخول إلى مصر. إذ لم تحصل كل من المخرجة والمنتجة والممثلة الأساسية سوسن أرشيد على فيز وموافقات أمنية تسمح لهن بالدخول و تقديم الفيلم. وبما أنه العرض الأول في الشرق الأوسط كان سيسعدنا أن نحتفل بالفيلم مع الجمهور المصري وجمهور الغونة”. وتم بالفعل عرض الفيلم دون تواجد صناعه.

وفي نفس السياق قامت قوات الأمن بترحيل الممثل الفلسطيني علي سليمان من مطار الغردقة إلى خارج البلاد بعد وصوله إلى مصر للمشاركة كعضو لجنة تحكيم في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمِهرجان الجونة في ١٩ سبتمبر 2018. ونشر سليمان على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك: “حيث وبكل أسف تعامل معي الظابط المسؤول في المطار بشكل لا إنساني وتم ترحيلي على نفس الطائرة التي وصلت بها من اسطنبول دون إعطائي حتى الحق بالسؤال عن سبب منعي من دخول مصر الحبيبة”.

وعلى مستوى الأعمال الإبداعية للهواة، ألقت الشرطة القبض على مجموعة من الهواة بسبب تصويرهم فيلمًا قصيرًا عن المخدرات بعزبة خير الله، حيث نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على موقع فيسبوك بيانًا من مديرية أمن القاهرة في ٤ سبتمبر 2018. أعلن البيان عن “ضبط ٨ أشخاص قاموا بتصوير مقطع فيديو بالمخالفة لأحكام القانون دون تصريح، يتضمن الادعاء بتعاطيهم المواد المخدرة والإتجار فيها، والترويج له عبر شبكة المعلومات الدولية الإنترنت”.

وأضاف البيان أن قطاع الأمن العام قام بتشكيل فريق بحث مشترك مع أجهزة البحث الجنائي بالقاهرة، وبإجراء التحريات وجمع المعلومات أمكن تحديد هوية الأشخاص المشار إليهم. وجهت إليهم النيابة اتهامات تصوير مقطع فيديو لمشهد تمثيلي لهم أثناء القبض على تجار مخدرات على مواقع التواصل الاجتماعي بقصد الشهرة، دون الحصول على موافقات أمنية، وحيازة أسلحة نارية وبيضاء. وفي يوم ٥ سبتمبر 2018، قرر قاضي المعارضات بمحكمة جنح دار السلام حبسهم ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات.

وبذلك، يبدو أن الهجمة المستمرة على حرية الإبداع قد اتخذت اتجاهًا جديدًا من خلال القواعد الجديدة لتنظيم المِهرجانات أو الاحتفالات، وما يصاحب ذلك من تضييقات تقوم بها أجهزة الشرطة والحماية المدنية، وعلى الأرجح فإن السلطة الحالية تتخوف من وجود مساحات حرة للفنون والثقافة، نتيجة لرغبة الرئيس في أن يتم السيطرة على الإعلام والثقافة بشكل تام.

تابعونا على :

آخر التحديثات

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.