للإطلاع بصيغة PDF إضغط هنا
إصدارات وحدة الرصد والتوثيق
محتوى
منهجية
مقدمة
القسم الأول: انتهاكات جسيمة بحق المدافعين المحبوسين
- التدوير كأحد أشكال عقاب المدافعين.
- الاحتجاج بالمخالفة للقانون.
- الاحتجاز على ذمة أكثر من قضية.
- الإخفاء القسري.
- التعذيب والاعتداء البدني.
القسم الثاني: المنع من السفر أو الإدراج على قوائم الإرهاب، أدوات تضيِّق الخناق على عمل المدافعين عن حقوق الإنسان
القسم الثالث: هجمات متتالية على مدار عقد كامل تستهدف تصفية المنظمات الحقوقية المستقلة
توصيات
منهجية التقرير
اعتمد التقرير على ما قامت به وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصدٍ وتوثيقٍ لأبرز الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وكذلك أبرز المحطات التي تعرض فيها المدافعون والمنظمات الحقوقية المستقلة لهجمات أمنية تستهدف التضييق على حقهم في العمل بحرية في بيئة خالية من الترصد والاستهداف.
اعتمد التقرير على قواعد البيانات الخاصة بضحايا الانتهاكات والتي تقوم وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بتقديم الدعم القانوني إليهم.
كما اعتمد التقرير على توثيق ثماني شهادات لأهالي ومحامي الضحايا، بالإضافة إلى الأخبار القانونية المنشورة على منصات ومواقع المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة.
لا يعبر التقرير عن كل الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان ولا عن أعداد المدافعين المستهدفين جراء الحملات الأمنية، بقدر ما يعبر عن أبرز الانتهاكات التي يتعرضون لها.
مقدمة
لم تتوقف الملاحقات الأمنية والقضائية بحق منظمات حقوق الإنسان المستقلة في مصر، والعاملين بها، وكذلك الأفراد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، منذ اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ وحتى اليوم. تنوعت أشكال الملاحقة وتدرجت وسائل تصفية الحركة الحقوقية بالشكل الذي نتج عنه إضعاف كبير لحركة حقوق الإنسان في مصر، في ظل خنقٍ تامٍّ للمجال العام وإغلاق كافة منافذ التعبير السلمية داخله.
تصاعدت عملية تصفية الحركة الحقوقية عبر مجموعة من الهجمات، اشتملت كل منها على حزمة من الإجراءات الأمنية والتشريعية والقضائية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان. كان أبرزها: تحريك القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والمعروفة إعلاميًّا بقضية “التمويل الأجنبي” وما ترتب عليها من إجراءات وملاحقات طوال عقد كامل، من بينها: القبض على المدافعين واحتجازهم، قرارات بالإغلاق بحق منظمات حقوقية، الإدراج على قوائم الإرهاب بما يشمله من قرارات المنع من السفر وتجميد الأموال. إضافة إلى ذلك قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعديل المادة ٧٨ من قانون العقوبات في٢٠١٤ بما يسمح بتغليظ العقوبات ضد متلقي التمويلات والتبرعات من أية جهة وتحت أي شكل لتصل إلى السجن المؤبد، وفي بعض الحالات إلى الإعدام. وأخيرًا في ٢٠١٩ أقر البرلمان المصري قانونًا جديدًا لتنظيم العمل الأهلي تلاه بعامين إصدار مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون.
لم يحظَ القانون ولا اللائحة التنفيذية بأي نقاش أو حوار مجتمعي جاد مع المنظمات المعنية والعاملين بها والمجتمع الحقوقي بشكل عام. ما جعلهما يخرجان بعيدين عن طموحات المعنيين بحقوق الإنسان.
ذلك، بينما تشهد الحركة الحقوقية انقسامًا حول آليات التفاعل مع قضية توفيق الأوضاع، هل يقبلون العمل تحت مظلة قانون لم يشاركوا في وضعه، ولديهم عديد من التحفظات عليه؟! أم أن توفيق الأوضاع أصبح النافذة الوحيدة للبقاء والعمل؟
في ظل ارتباك المؤسسات الحقوقية حول موقفها من مسألة توفيق الأوضاع، ومع استمرار الهجمات والملاحقات الأمنية والقضائية، وتصاعد الضغوط الدولية الناقدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، يبدو أن هناك خطوات جادة للتفاعل مع ملفيِ المدافعين المحبوسين وقضية التمويل الأجنبي ١٧٣ لسنة ٢٠١١.
خلال الشهرين الماضيين أخلَتْ نيابة أمن الدولة العليا سبيل خمسة مدافعين عن حقوق الإنسان: الناشطة الحقوقية إسراء عبد الفتاح، الباحثة شيماء سامي، والمحاميين ماهينور المصري وسيد البنا ومحمد حلمى حمدون. حيث كانوا جميعًا قيد الحبس الاحتياطي لفترات زمنية متفاوتة على ذمة قضايا مختلفة، وواجه جميعهم نفس لائحة الاتهامات المتكررة، وأبرزها: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، نشر أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل لتنفيذ جريمته.
كما أحيل عدد آخر من المدافعين إلى المحاكمة، أثناء كتابة التقرير، بعضهم كان قيد الاحتجاز التعسفي بعد أن قضى عامين من الحبس الاحتياطي، وهي الحد الأقصى المسموح للحبس الاحتياطي وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية.
بينما قرر المستشار علي مختار، قاضي التحقيق المنتدَب فى قضية التمويل الأجنبى، بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحق عدد من منظمات و كيانات وجمعيات المجتمع المدنى، وذلك “لعدم كفاية الأدلة”. بعد قرابة عقد كامل على بدء التحقيقات في القضية. وتضمن القرار رفع أسماء الأشخاص المرتبطين بالاتهام من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول وقوائم المنع من التصرف في أموالهم سائلة كانت أو منقولة.
حيث تم رفع الحظر عن كلٍّ من الحقوقيين: إسراء عبد الفتاح، ونجاد البرعي، وعزة سليمان، وحسام الدين علي، مجدي عبد الحميد، وهم ممثلون عن جمعيات: “المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون واقتصاديون، ومحامون من أجل العدالة والسلام، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي. بينما ذكر قاضي التحقيق المنتدب في بيان له عن القضية أن: “عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها يزيد على ١٨٠ جمعية”.
إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير ترى، ودون الخوض في دوافع تلك الخطوات، أن اختبار جدية تعامل السلطات المصرية مع ملف حقوق الإنسان يمكن قياسها عبر مراقبة التطور الحاصل تحديدًا في القضايا الشائكة المتمثلة في: قضية المدافعين المحبوسين وأزمة توفيق أوضاع المؤسسات القائمة وفق القانون واللائحة الأخيرين، إضافة إلى استكمال إجراءات غلق قضية التمويل الأجنبي رقم ١٧٣ لسنة ٢٠١١ وكافة الإجراءات التي ترتبت عليها من تجميد الأموال والمنع من السفر.
ومن هنا، يحاول هذا التقرير أولًا، رصد عدد المدافعين عن حقوق الإنسان من المحبوسين احتياطيًّا على ذمة التحقيقات في قضايا عدة، وثانيًا التعرض لأبرز أنماط الانتهاكات سواء المرتكبة بحق المدافعين المحبوسين أثناء عمليات القبض والاحتجاز، أو التي يتعرض لها المدافعون بشكل عام (مؤسسات وأفراد). آملين أن يساهم هذا الصوت في مزيد من تسليط الضوء على قضايا المدافعين عن حقوق الإنسان بهدف استكمال ما بدأ من خطوات.
القسم الأول: انتهاكات جسيمة بحق المدافعين المحبوسين
من بين ١٩ مدافعًا حقوقيًّا محبوسًا، على الأقل، رصدتهم مؤسسة حرية الفكر والتعبير، يقبع مدافعان اثنان قيد الاحتجاز التعسفي بالمخالفة للقانون، بعد أن تجاوزا الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين وفقًا للمادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية. بينما تحتجز السلطات ١٧ مدافعًا آخر قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا متعددة، لم يحل أغلبيتها إلى المحاكمة حتى كتابة هذه السطور، بينهم سيدة واحدة وثمانية عشر رجلًا.
كانت الفئة الأكثر عرضة للتنكيل بين صفوف المدافعين هي المحامين الحقوقيين، حيث ضمت قائمة المدافعين المحبوسين ١١ محاميًا. ولم يتوقف استهداف المحامين على العاملين بالمؤسسات الحقوقية، ولكنه امتد ليشمل كل من يقدم خدمات الدعم القانوني إلى المتهمين على خلفية قضايا سياسية أو قضايا حرية التعبير، حيث تشير القائمة إلى استهداف ٦ من أصحاب مكاتب المحاماة الخاصة أو عاملين بها، فضلًا عن استهداف محامٍ حر.
تعرض جميع المدافعين الذين شملهم التقرير لأنماط متعددة من الانتهاكات، بعضها يمكن وصفه بالجسيمة. توزعت بين مراحل: القبض مرورًا بالتحقيقات ووصولًا إلى مرحلة الاحتجاز. ويستعرض هذا القسم من التقرير أبرز تلك الأنماط، مع التدليل عليها من خلال وقائع حية تعرَّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان ممن شملهم التقرير.
- التدوير كأحد أشكال عقاب المدافعين
من أصل ١٩ مدافعًا عن حقوق الإنسان خلف القضبان، تعرض تسعة مدافعين للتدوير مرة واحدة على ذمة قضايا جديدة، بينما أعيد تدوير مدافعين اثنين مرتين متتاليتين، وذلك إمعانًا في التنكيل بهما، حيث تعرض كلاهما للحبس الاحتياطي على ذمة ثلاث قضايا مختلفة، وذلك حتى تتمكن السلطات القضائية من تمديد حبسهم احتياطيًّا لمدد تتخطى، أربع سنوات، دون الإحالة إلى المحاكمة أو تنفيذ قرارات إخلاء السبيل.
تدوير المتهمين، هو أحد الأنماط الاعتيادية للانتهاكات التي يواجهها النشطاء والمعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان خلال السنوات القليلة الماضية. ويمثل تدوير المتهمين انتهاكًا صارخًا للحق في المحاكمة العادلة، حيث يهدف بالأساس إلى استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته، بدلًا من كونه إجراءً احترازيًّا لضمان سير التحقيقات.
في أغلب الحالات تنتظر وزارة الداخلية إخلاء سبيل أحد المتهمين، لتقوم بالامتناع عن تنفيذ القرار، وفي بعض الأحيان إخفاء المتهم لمدد متفاوتة، قبل أن تعيد عرضه على جهة التحقيق، بنفس الاتهامات، واعتمادًا فقط على محاضر تحريات الأمن الوطني، دون أي أدلة أو أحراز جديدة، لتقوم نيابة أمن الدولة العليا طوارئ بحبس المتهم احتياطيًّا مرة أخرى على ذمة قضية جديدة.
ويمثل تدوير المتهمين انتهاكًا صارخًا لصريح نص المادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على عدم جواز حبس المتهم احتياطيًّا أكثر من عامين، إلا في اتهامات معينة حددها نص المادة. لكن جهات الاحتجاز والتحقيق تقوم بلي ذراع القانون واستغلال أبوابه الخلفية، بهدف مزيد من التنكيل بالمتهمين. حيث تنتظر وزارة الداخلية إخلاء سبيل أحد المتهمين من قبل نيابة أمن الدولة العليا أو غرفة المشورة بمحكمة الجنايات، ثم يتبعها امتناع سلطات الاحتجاز عن تنفيذ القرارات وإعادة عرض المتهمين على النيابة على ذمة قضايا جديدة بنفس الاتهامات تقريبًا، وفي بعض الحالات يتم عرض المتهمين بملابس السجن، ما يتيح حينها للسلطات القضائية حبسه احتياطيًّا عامين آخرين على ذمة القضية الجديدة.
يتشارك في ممارسة الانتهاك المعروف أخيرًا بـ”تدوير المتهمين” جهتان رسميتان بالأساس، وهما جهة القبض والاحتجاز ممثلةً في وزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة (وخصوصًا جهاز الأمن الوطني)، وجهات التحقيق ممثلةً في نيابة أمن الدولة العليا.
من أبرز النماذج على ممارسة هذا النمط من الانتهاكات: حالة المحامي الحقوقي، إبراهيم متولي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسريًّا. ويعد متولي أقدم المدافعين المحبوسين من بين ١٩ مدافعًا/ـة شملهم التقرير. حيث أمضى متولي، حتى كتابة هذه السطور، ٤٦ شهرًا قيد الحبس الاحتياطي على ذمة ثلاث قضايا مختلفة دون إحالة أيٍّ منها إلى المحاكمة، خلال تلك السنوات تم إعادة تدوير متولي مرتين على ذمة قضايا مختلفة.
ألقت قوات أمن مطار القاهرة الدولي القبض على المحامي الحقوقي ومؤسس رابطة أسر المختفين قسريًّا، إبراهيم عبد المنعم متولي حجازي، في ١٠ سبتمبر ٢٠١٧، أثناء تواجده بمطار القاهرة متوجهًا إلى العاصمة السويسرية جنيف لحضور أحد الاجتماعات بدعوى من فريق العمل على الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة. وبعد يومين، في ١٢ سبتمبر ٢٠١٧، تم عرض متولي على نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٩٧٠ لسنة ٢٠١٧ حصر أمن دولة عليا، بعد أن وجهت إليه اتهامات أبرزها: إنشاء منظمة غير قانونية، التآمر مع كيانات أجنبية للإضرار بأمن الدولة ونشر بيانات ومعلومات كاذبة.
في ١٢ سبتمبر ٢٠١٩ أتم متولي عامين من الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٩٧٠ لسنة ٢٠١٧، وهي الحد الأقصى للمدة الزمنية للحبس الاحتياطي وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، ما يتوجب معه إخلاء سبيل متولي. إلا أنه ظل قيد الاحتجاز غير القانوني لمدة شهر كامل قبل أن تقرر نيابة أمن الدولة إخلاء سبيله للمرة الأولى في ١٤ أكتوبر ٢٠١٩، وأثناء إنهاء إجراءات إخلاء السبيل فوجئ محامي متولي وأسرته يوم ٥ نوفمبر ٢٠١٩ بعرضه، للمرة الثانية، أمام نيابة أمن الدولة العليا، حيث تم تدويره للمرة الأولى على ذمة قضية ثانية برقم ١٤٧٠ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن دولة عليا، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات بعد أن وجهت إليه نفس الاتهامات بالضبط التي واجهها في القضية الأولى.
بعد عشرة أشهر من حبس متولي احتياطيًّا على ذمة القضية الثانية قررت الدائرة الأولى بمحكمة الجنايات في ٢٥ أغسطس ٢٠٢٠ إخلاء سبيله، إلا أن وزارة الداخلية، امتنعت للمرة الثانية عن تنفيذ قرار إخلاء السبيل، وفي ٦ سبتمبر ٢٠٢٠ قررت إعادة تدويرها للمرة الثانية على ذمة قضية ثالثة حملت رقم ٧٨٦ لسنة ٢٠٢٠ حصر أمن دولة عليا.
كذلك حالة المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، محمد رمضان عبد الباسط، والذي يقبع قيد الحبس الاحتياطي منذ ١١ ديسمبر ٢٠١٨ على ذمة ثلاث قضايا مختلفة[1]، لم تُحَل أيٌّ منها إلى المحاكمة. وذلك بعد أن اشتركت جهة القبض والاحتجاز مع جهة التحقيق في إعادة تدوير رمضان مرتين متتاليتين على ذمة ثلاث قضايا، لم يُخلَ سبيله سوى في قضية واحدة فقط منها.
ألقي القبض على رمضان يوم ١٠ ديسمبر ٢٠١٨ وعرض في اليوم التالي على النيابة التي قدمت حبسه على ذمة التحقيقات في القضية رقم ١٦٥٧٦ لسنة ٢٠١٨ إدارى أول المنتزه. بعد أن وجهت إليه اتهامات من بينها: الانضمام إلى جماعة إرهابية والترويج لأغراضها باستخدام مطبوعات ونشر أخبار كاذبة.
بعد عامين من حبس رمضان احتياطيًّا دون الإحالة إلى المحاكمة قررت محكمة جنايات الإسكندرية إخلاء سبيله في ٢ ديسمبر ٢٠٢٠، إلا أن وزارة الداخلية امتنعت عن تنفيذ القرار واحتجزت رمضان بشكل غير قانوني حتى ظهر في ٨ ديسمبر٢٠٢٠ للمرة الثانية أمام نيابة أمن الدولة العليا، حيث أعيد تدويره على ذمة قضية ثانية برقم ٤٦٧ لسنة ٢٠٢٠ حصر أمن دولة عليا بعد اتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. على خلفية محضر تحريات للأمن الوطني يزعم نشره رسائل من محبسه تهدف إلى زعزعة الاستقرار. وظل رمضان قيد الحبس الاحتياطي من خلال قرارات تجديد حبس ورقية دون حضوره من محبسه، في انتهاكٍ للحق في المحاكمة العادلة.
وفي ١٣ يونيو ٢٠٢١ قررت محكمة جنايات القاهرة استبدال بحبس رمضان تدابير احترازية، إلا أن وزارة الداخلية لم تنفذ القرار وفوجئ محامو رمضان بتدويره للمرة الثانية، حيث عرض على نيابة أمن الدولة في 15 من نفس الشهر متهمًا على ذمة قضية جديدة حملت رقم ٩١٠ لسنة ٢٠٢١ حصر نيابة أمن الدولة ومتهمًا بنفس الاتهامات في القضيتين السابقتين.
- الاحتجاز بالمخالفة للقانون
رصد التقرير احتجاز اثنين من المدافعين عن حقوق الإنسان دون وجه حق، بالمخالفة للقانون، وذلك بعد انتهاء الحد الأقصى لفترة حبسهما احتياطيًّا والمقررة بعامين وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية. ويعد الاحتجاز التعسفي، باعتباره أحد أشكال الاعتقال، من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان جسامة، حيث ينص الدستور المصري وكذلك المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها والتزمت بها مصر وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على ضمان تمتع كافة الأشخاص بحريتهم، وألا يتم تقييدها بأي شكل دون مسوغ من القانون.
وتعد الحالة الأبرز في هذا الشأن، احتجاز المدافعة عن حقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، العضوة السابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، تعسفيًّا بالمخالفة للقانون، منذ انقضاء الحد الأقصى لحبسها احتياطيًّا، والمقررة بعامين، وذلك منذ تاريخ ٢١ نوفمبر ٢٠٢٠. قبل أن تحال إلى المحاكمة في أغسطس 2021 على ذمة القضية ١٥٥٢ لسنة ٢٠١٨. ألقي القبض على عبد المنعم في الأول من نوفمبر عام ٢٠١٨ وحققت معها نيابة أمن الدولة العليا لأول مرة في ٢١ نوفمبر ٢٠١٨ على ذمة التحقيقات في القضية رقم ١٥٥٢ مصر نيابة أمن الدولة العليا، بعد أن وجهت إليها اتهامات أبرزها: الانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف القانون، تلقي تمويل لغرض إرهابي والتحريض على ضرب الاقتصاد القومي.
تنطبق الحالة السابقة كذلك على المحامي الحقوقي محمد أبو هريرة[2]، المتحدث الرسمي باسم التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والذي ألقي القبض عليه في نفس ليلة القبض على المدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، ١ نوفمبر ٢٠١٨ وظهر لأول مرة أمام نيابة أمن الدولة العليا بنفس اليوم ٢١ نوفمبر ٢٠٨ حيث قررت حبسه على ذمة نفس القضية ١٥٥٢ لسنة ٢٠١٨ بعد أن وجهت إليه نفس الاتهامات الموجهة إلى عبد المنعم. ومنذ ٢١ نوفمبر 2020 يقبع أبو هريرة قيد الاحتجاز التعسفي بالمخالفة للقانون، حتى تمت إحالته إلى المحاكمة في أغسطس 2021.
- الاحتجاز على ذمة أكثر من قضية
رغم تكرار استخدام ذلك النمط من الانتهاكات خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا بحق المتهمين من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي التيار الإسلامي بشكل عام، وبحق المنتمين إلى التيار المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان بدرجة أقل، إلا أنه لم يحظَ بالتركيز عليه بشكل كافٍ باعتباره أحد أبرز أشكال التنكيل بمتهمي الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يساعد هذا الإجراء الجديد أجهزة الأمن على ضمان استمرار حبس المتهمين احتياطيًّا حتى لو قررت الجهات القضائية إخلاء سبيله على ذمة أي قضية منها.
ومن أبرز تلك الأمثلة، حبس المحامي الحقوقي، محمد الباقر[3]، المدير التنفيذي لمركز عدالة للحقوق والحريات احتياطيًّا على ذمة قضيتين مختلفتين في نفس الوقت، لم تُحل أيٌّ منها إلى المحاكمة حتى اللحظة. حيث ألقي القبض على الباقر يوم ٢٩ سبتمبر ٢٠١٩ أثناء حضوره التحقيقات مع موكله الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، حيث قررت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق مع الباقر على ذمة نفس القضية المتهم فيها موكله، والتي حملت رقم ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩ حصر نيابة أمن الدولة العليا. وقررت حبسه على ذمة التحقيقات، بعد أن وجهت إليه اتهامات من بينها: الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ٣١ أغسطس ٢٠٢٠ استدعت نيابة أمن الدولة الباقر للتحقيق معه في قضية جديدة حملت رقم ٨٥٥ لسنة ٢٠٢٠ حصر نيابة أمن الدولة العليا، وقررت حبسه ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات بعد أن وجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية والاشتراك في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب متمثلة فى نشر وإذاعة أخبار كاذبة، لبَثِّ مخطط عام في الدولة بغرض إشاعة الفوضى فى البلاد. واشتملت تحريات جهاز الأمن الوطنى، باعتبارها الدليل الوحيد لتوجيه الاتهام إلى الباقر، على توصيف الأفعال محل الاتهام، أنه “أثناء الزيارات والتريض قام بالتواصل مع عناصر إثارية من أفراد الجماعة الإرهابية من أجل العمل على ضم العديد من العناصر، وتحقيق أغراض هذه الجماعة متمثلة فى نشر أخبار كاذبة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فى البلاد”.
في سياق مشابه، تعرض المحامي الحقوقي، عمرو إمام[4]، عضو فريق عمل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان للاحتجاز على ذمة قضيتين مختلفتين في نفس الوقت. حيث ألقي القبض على إمام من منزله في ١٦ أكتوبر ٢٠١٩، وعرض في اليوم التالي على نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٤٨٨ لسنة ٢٠١٨ حصر نيابة أمن الدولة العليا، بعد أن وجهت إليه اتهامات من بينها: مشاركة جماعة إرهابية لتحقيق أغراضها مع العلم بأغراضها، نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ٢٦ أغسطس ٢٠٢٠ استدعت نيابة أمن الدولة العليا إمام للتحقيق معه في قضية جديدة حملت رقم ٨٥٥ لسنة ٢٠٢٠ حصر نيابة أمن الدولة العليا وذلك على خلفية اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، بناءً على تحريات جهاز الأمن الوطني، والتي أشارت إلى قيامه بعقد اجتماعات خلال فترة التريض لاستقطاب عناصر جديدة ونقل المعلومات إلى الخارج عن طريق الزيارات وجلسات نظر تجديد الحبس، بالرغم من توقف وزارة الداخلية عن منح المسجونين فترات التريض بالإضافة إلى وقف نقل المتهمين إلى جلسات تجديد الحبس خلال الفترة المشار إليها بسبب انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-١٩). وبذلك يقبع أمام قيد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في قضيتين مختلفتين في نفس الوقت، دون أن تحال أيٌّ منهما إلى المحاكمة.
يعد المحامي الحقوقي البارز، عزت غنيم، المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، نموذجًا دالًّا _بشكل فج_ على ممارسة الأنماط الثلاثة السابقة من الانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان. حيث تعرض غنيم للتدوير والاحتجاز بالمخالفة للقانون والإدراج على ذمة أكثر من قضية في نفس الوقت.
ألقي القبض على غنيم في الأول من مارس ٢٠١٨ وقضى ستة أشهر قيد الحبس الاحتياطي قبل أن تقرر غرفة المشورة بمحكمة الجنايات إخلاء سبيله بتدابير احترازية في سبتمبر ٢٠1٨. إلا أن وزارة الداخلية لم تنفذ القرار، واحتجزت غنيم أربعة أشهر دون وجه حق وأخفت عن أسرته ومحاميه مكان احتجازه وانقطعت أي أخبار رسمية عنه حتى ظهر أمام محكمة الجنايات التي طالبت بصبطه وإحضاره لعدم التزامه بتنفيذ التدابير الاحترازية! وقررت حبسه من جديد على ذمة نفس القضية ٤٤١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا.
في ٢٨ يوليو ٢٠١٩ وقبل إخلاء سبيل غنيم على ذمة القضية الأولى، استدعته نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه على ذمة قضية جديدة حملت رقم ١١١٨ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن الدولة العليا، حيث واجه نفس الاتهامات في القضية الأولى، وأبرزها: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، نشر أخبار وبيانات كاذبة وإساءة استخدام أحد وسائل التواصل لارتكاب جريمته. وفي ٢٨ مايو ٢٠٢١، وبعد إخلاء سبيل غنيم في القضية الأولى ٤٤١ لسنة ٢٠١٨، استدعت نيابة أمن الدولة العليا غنيم للتحقيق معه للمرة الثالثة على ذمة القضية رقم ١٥٥٢ لسنة ٢٠١٨ حصر نيابة أمن الدولة العليا، والتي واجه خلالها غنيم نفس الاتهامات في القضيتين السابقتين. وبذلك يكون المحامي الحقوقي متهمًا على ذمة ثلاث قضايا مختلفة، مخليًّا سبيله على ذمة التحقيقات في إحداهن، بينما يقبع قيد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في القضيتين الأخريين، مع العلم أن أيًّا من تلك القضايا لم يُحل إلى المحاكمة حتى كتابة هذه السطور.
- الإخفاء القسري
يعد الإخفاء القسري أحد أبرز أنماط الانتهاكات وأكثرها شيوعًا خلال السنوات السبع الأخيرة، وخاصة بعد قرارات الثالث من يوليو ٢٠١٣. ولا يكاد يتعرض أحد الأفراد للقبض عليه على خلفية معارضته لأيٍّ من سياسات النظام الحالي، إلا ويتعرض للإخفاء القسري لفترات زمنية متفاوتة. حيث تلقي أجهزة الأمن القبض على المعارضين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، ثم تنكر واقعة القبض، أو معرفتها بمكان المقبوض عليهم من الأساس، وتنقطع من تلك اللحظة كافة المعلومات الرسمية حول المقبوض عليه، ولا تنتهي تلك الحالة إلا بظهور أحدهم أمام السلطات القضائية، بعد تغيير تاريخ القبض بمحاضر الضبط المقدمة إلى السلطات القضائية المختلفة.
عادة ما تتجاهل السلطات القضائية بشكل كامل كل دفوع محامي المتهمين ومزاعم المتهمين أنفسهم حول تعرضهم للإخفاء وفي بعض الأحيان للتعذيب داخل مقرات احتجاز أمنية، قبل عرضهم على سلطات التحقيق، على الرغم من اتخاذ ذوي ومحامي المختفي كل الإجراءات القانونية التي تثبت اختفاء الشخص بعد القبض عليه. من بين تلك الإجراءات: إرسال تلغرافات إلى كل من وزارة الداخلية والنائب العام، وفي بعض الأحيان تحرير محاضر بالاختفاء، وإقامة دعاوى قضائية ضد وزارة الداخلية لبيان مكان الشخص الذي تعرض للقبض عليه من قبل الأجهزة الأمنية. وتتمثل خطورة ممارسة هذا الانتهاك كونه ينزع الحماية القانونية عن المقبوض عليهم طوال فترة الإخفاء، وهو ما قد يعرضهم لانتهاكات أكثر جسامة، على رأسها القتل خارج إطار القانون والتعذيب.
وعلى سبيل المثال فقد تعرض الباحث الحقوقي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات إبراهيم عز الدين، للإخفاء القسري لفترة زمنية بلغت ١٦٧ يومًا، خلال تلك الفترة تعرض عز الدين للتعذيب والاعتداء البدني والنفسي. بينما تعرض المحامي الحقوقي عزت غنيم للإخفاء القسري أربعة أشهر كاملة بعد إخلاء سبيله على ذمة إحدى القضايا المتهم فيها. ما أدى إلى طلب محكمة الجنايات ضبطه وإحضاره لتغيبه عن تنفيذ التدابير الاحترازية، لتأمر بإلغاء قرار إخلاء سبيله وحبسه على ذمة نفس القضية من جديد.
- التعذيب والاعتداء البدني
تعرض مدافعان اثنان على الأقل للتعذيب الشديد داخل مقرات احتجاز تابعة لوزارة الداخلية، من بين 19 مدافعًا/ـة محبوسين شملهم التقرير. ويعد التعذيب أبرز وأقدم الأنماط الاعتيادية لانتهاك حقوق الإنسان في مصر، ويعتبره الكثيرون من المراقبين أحد الأسباب الجوهرية لانفجار ثورة يناير ٢٠١١ والتي كان خالد سعيد، الشاب الإسكندراني شهيد التعذيب، أهم أيقوناتها على الإطلاق.
خلال فترة احتجازه غير القانوني بقسم شرطة دار السلام، تعرض الناشط الحقوقي صاحب الـ٣٤ عامًا، محمد صلاح عبد العزيز[5]، للتعذيب الشديد والاعتداء البدني العنيف من قبل عدد من أفراد وضباط مباحث قسم شرطة دار السلام، برفقة عدد آخر من المحتجزين السياسيين بنفس حجرة الاحتجاز، عقابًا على تقديم أسرهم شكاوى إلى وزارة الداخلية ومجلس الوزراء لتمكينهم من زيارة والاطمئنان على ذويهم. أدت الاعتداءات على صلاح إلى إصابات بالغة بالركبة والظهر. ورغم نقله عقب واقعة التعذيب إلى سجن تحقيق طرة، فلم يسمح لصلاح بإثبات واقعة التعذيب وطلب العرض على الطبيب الشرعي لتوثيق ما لحق به من إصابات. حيث يتعذر نقل صلاح لحضور جلسات تجديد الحبس لأسباب أمنية طوال فترة احتجازه، عدا مرة وحيدة تم نقله لحضور الجلسة إلا أنه ظل محتجزا بـ”حبسخانة النيابة” بينما يتم التجديد له على الورق بشكل دوري دون تمكينه من رؤية المحقق.
كذلك تعرض إبراهيم عز الدين، الباحث الحقوقي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، للإخفاء القسري لمدة ١٦٧ يومًا، خلال تلك الفترة تعرض عز الدين للتعذيب والاعتداء البدني والنفسي، بعدما تم حبسه في زنزانة انفرادية، خضع خلالها لاستجواب غير قانوني وهو معصوب العينين، في غيبة محاميه، حول عمله بملف الحق في السكن بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات. ثم توالت ممارسات التجويع والتهديد والترهيب فضلًا عن الحرمان من النوم بإجباره على رفع يديه بشكل مستمر، وأخيرًا تهديده بالقتل لنزع اعترافات محددة منه.
في سياق أقل وطأة، تعرض المحامي الحقوقي محمد الباقر للإهانة الشخصية البالغة والاعتداء البدني لحظة وصوله سجن شديد الحراسة٢ بمنطقة سجون طرة، إضافة إلى سوء المعاملة.
القسم الثاني: المنع من السفر أو الإدراج على قوائم الإرهاب، أدوات تضيق الخناق على عمل المدافعين عن حقوق الإنسان
- المنع من السفر
يعد المنع من السفر واحدًا من أنماط الانتهاكات التي تستخدمها السلطات المصرية للتضييق على حركة وحرية العديد من الأفراد ذوي الآراء والمواقف المناهضة لبعض أو كل السياسات الحكومية بعد الثالث من يوليو 2013، بالمخالفة لنص المادة 62 من الدستور المصري والذي ينص على حرية المواطنين في التنقل، وعدم التعدي عليها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة. كما تتعارض أغلبية قرارات المنع من السفر مع نص المادة 54 من الدستور والتي تلزم السلطات المصرية في حالة أي قرارات تحد من حرية الأفراد أن يكون القرار بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق، كما يجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بتلك الأسباب.
وبالإضافة إلى استخدام المنع من السفر للتنكيل بنشطاء سياسيين وقيادات أحزاب معارضة وباحثين مصريين بالخارج، تستخدمه السلطات المصرية لتقييد حركة وحرية المدافعين عن حقوق الإنسان في إطار توجه الحكومة إلى التضييق المستمر على عمل منظمات حقوق الإنسان المستقلة. حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير منع ما لا يقل عن 25 مدافعًا عن حقوق الإنسان على الأقل خلال السنوات الست الماضية. واستخدمت السلطات المصرية لذلك عدة طرق، منها: المنع من السفر على خلفية قرار من قاضي التحقيقات في القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميًّا بقضية التمويلات الأجنبية والذي يعد أحد أكثر الطرق استخدامًا لمنع المدافعين من السفر وقيادات المنظمات الحقوقية المستقلة من السفر حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، منع ما لا يقل عن 17 مدافعًا على الأقل بناءً على قرار من قاضي التحقيقات في القضية. ولكن وبالرغم من صدور القرار بأمر قضائي فإنه شابه كثير من العوار حيث صدرت تلك القرارات دون استدعاء أغلبية الذين تعرضوا للمنع من السفر للتحقيق كما لم تكن محددة المدة ولا يزال أغلبيتهم قيد المنع من السفر لما يقارب 6 سنوات، فأي قرارات قضائية تستمر لكل تلك المدة الزمنية دون إنجاز أي نتيجة من التحقيقات، وكيف لإجراء احترازي وهو المنع من السفر أن يستمر كل تلك السنوات إلا إذا كان الهدف منه هو التنكيل بضحاياه والتضييق عليهم. ولعل أبرز الأسماء التي تعرضت لمثل تلك القرارات، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، جمال عيد، مدير مكتب القاهرة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع، ومديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عايدة سيف الدولة وعدد آخر من قيادات وباحثي المنظمات الحقوقية المستقلة.
كما رصدت حرية الفكر والتعبير قيام السلطات المصرية بمنع مسؤولين بالمنظمات الحقوقية المستقلة من السفر دون إبداء أي أسباب أو تسليم الممنوعين من السفر أي قرارات رسمية تفيد بمنعهم من السفر، وهو ما تعرض له المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي والذي فوجئ بمنعه من السفر من قبل أجهزة أمن مطار القاهرة الدولي أثناء سفره إلى العاصمة الألمانية برلين في يونيو من عام 2015 لإلقاء خطاب أمام البرلمان الألماني حول وضع حقوق الإنسان في مصر بدعوة من حزب الخضر الألماني، قبل أن يتم توقيفه من قبل أجهزة أمن مطار القاهرة بدعوى وجود اسمه على قوائم الممنوعين من السفر دون إعلامه بأسباب ذلك القرار أو الجهة التي تقف خلفه.
كما يتعرض عدد من المدافعين للمنع من السفر كنتيجة لإدراجهم على قوائم الإرهاب بقرار من محكمة الجنايات بناءً على تحريات يقوم بها جهاز الأمن الوطني، ويعد مدير مركز عدالة محمد الباقر واحدًا من مسؤولي المنظمات الحقوقية الذي صدر قرار بمنعه من السفر كنتيجة لإدراجه على قوائم الإرهاب.
- إدراج المدافعين عن حقوق الإنسان ضمن قوائم الممنوعين من السفر
يعد الإدراج على قوائم الإرهاب أحد أنماط الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في استخدام واضح للقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والأفراد، ضد المدافعين عن حقوق الإنسان. والذي أصدره الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في غيبة البرلمان وبعد موافقة مجلس الدولة وفقًا للمادة 190 من الدستور. حمل القانون كعادة التشريعات التي صدرت خلال السنوات السبع الماضية عددًا من المصطلحات الفضفاضة المتعلقة بتعريف الكيانات أو الأفراد المتهمين بالإرهاب بالشكل الذي يجعل من نصوصه مادة قابلة للتكييف وفقًا لأهواء الجهات القائمة على تنفيذه وهو ما يهدر الضمانات الدستورية المعنية بحماية الحقوق والحريات وهو ما تم بالفعل حيث جرى استهداف عدد كبير من النشطاء والسياسين بهذا القانون عن طريق إدراحهم على قوائم الإرهاب لمدد زمنية دون أي أدلة أو براهين حول تورطهم في دعم الإرهاب بأي شكل، بعيدًا عن معارضتهم للسياسات الحكومية. كما رصدت المؤسسة تعرض 4 مدافعين على الأقل للإدراج على قوائم الإرهاب وهم مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، محمد الباقر والتي قررت محكمة الجنايات في نوفمبر 2020 إدراجه على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات كما أدرج 3 مسؤولين وموظفين بالمنتدى المصري لعلاقات العمل، حسن بربري، أحمد تمام، وعلاء عصام ضمن 13 شخصًا آخر متهمين فيما أطلق عليها إعلاميًّا قضية الأمل لمدة 5 سنوات بحسب قرارٍ من الدائرة الخامسة – إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة في غرفة المشورة بمجمع محاكم طرة، على خلفية اتهامهم في القضية رقم ٥٧١ لسنة ٢٠٢٠ حصر أمن دولة عليا.
ويترتب على قرار الإدراج على قوائم الإرهاب عدة قرارات احترازية من بينها المنع من السفر والتحفظ على الأموال.
القسم الثالث: هجمات متتالية على مدار عقد كامل تستهدف تصفية المنظمات الحقوقية المستقلة
منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ورغم تعاقب أكثر من نظام سياسي وعديد من الحكومات على إدارة شؤون البلاد، فإن المجتمع المدني بشكل عام ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة على وجه التحديد لم تحظَ مطلقًا بحرية في العمل تسمح لها بلعب دور فاعل في وقف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عنها. وكذلك المساهمة في رسم السياسات والتشريعات بالشكل الذي يضمن حقوق المواطنين سواء المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية. بل على العكس، تعرض المجتمع المدني خلال العقد الأخير لضربات متتالية وهجمات متلاحقة، أسفرت عن غلق عدد من تلك المنظمات بشكل نهائي، وتصفية عدد آخر أعماله داخل مصر والتوجه إلى العمل من الخارج، بالإضافة إلى تعرض البقية إلى الاستهداف المستمر عبر الملاحقات الأمنية والقضائية ضد القائمين عليها والعاملين بها.
ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن تحركات يناير ٢٠١١، ظهرت دعاوى مضادة تستهدف تشويه الداعين إلى تلك التحركات والمشاركين فيها، وكانت الاتهامات بالعمالة والعمل لصالح منظمات حقوقية وأجهزة استخباراتية أجنبية، معادية، تسعى إلى إسقاط الدولة المصرية. ولم تنجح قوى الثورة أو المجتمع المدني بعد ٢٠١١ في دحض تلك الدعاوى أو كسب ثقة جمهور المواطنين حول الدور الذي يلعبونه وأهميته. خاصة وأن الضربة الأولى جاءت مبكرًا جدًّا في ٢٠١١ فيما عرف إعلاميًّا حينها بقضية التمويل الأجنبي.
يحاول هذا القسم من التقرير أن يرصد _من خلال لمحة عامة_ أبرز هجمات الأنظمة المتعاقبة منذ يناير ٢٠١١ وحتى اليوم، ضد المجتمع المدني، وبالأخص منظمات حقوق الإنسان المستقلة. وذاك من خلال تقسيمها إلى ثلاث هجمات محورية، الأولى تتعلق بقضية التمويل الأجنبي، بينما تتعلق الثانية بما عرف حينها بـ”إعلان الأهرام” الذي حمل تهديد وزارة التضامن الاجتماعي للمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بسرعة توفيق أوضاعها وفقًا لقانون تنظيم العمل الأهلي رقم ٨٤ لسنة ٢٠٠٢، وما لحقها من تعديل المادة ٧٨ من قانون العقوبات في عام ٢٠١٤ بما يغلظ عقوبة تلقي تمويلات أو تبرعات من أشخاص أو جهات سواء في صورة سائلة أو منقولة، لتصل إلى السجن المؤبد وفي بعض الحالات إلى الإعدام. أما الهجمة الثالثة، والمستمرة إلى الآن، فارتبطت بإصدار قانون تنظيم العمل الأهلي الجديد ولائحته التنفيذية، وما ترتب على إقرارهما من آثار وتطورات.
جدير بالذكر أن قضية التمويل الأجنبي رقم ١٧٣ لسنة ٢٠١١ لم تتوقف عند محاكمات 2012/2013 الشهيرة ضد عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان من المنتمين إلى منظمات حقوقية محلية ودولية تعمل في مجال حقوق الإنسان في مصر منذ سنوات، بل استمرت ملاحقات قضاة التحقيق المنتدبين في القضية ضد المنظمات الحقوقية والعاملين بها طوال عقد كامل. اشتملت على إجراءات الاستدعاء للتحقيق، تفتيش مقرات العمل وإصدار أوامر المنع من السفر وتجميد الأموال. وبالتالي فالهجمة الثانية استمرت توابعها في التوالي، إلى أن بدأت تظهر أخيرًا ملامح توجه إلى إغلاق ملف القضية، تحت وطأة الضغوط الدولية بشكل أساسي، وتحديدًا مع قرارات إخلاء سبيل خمسة من المدافعين المحبوسين، ورفع أسماء خمسة آخرين من قوائم المنع من السفر أو التحفظ على الأموال، بعد قرار قاضي التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى ضد المنظمات التي يقومون على إدارتها.
بالطبع لا يغطي القسم كافة الهجمات التي تعرضت لها مؤسسات حقوق الإنسان والعاملون بها، والتي لم تتوقف طوال العقد الأخير. وإنما يحاول استعراض ثلاث هجمات كانت لها أثر كبير على أوضاع وعمل منظمات حقوق الإنسان المستقلة في مصر خلال العقد الأخير.
- الهجمة الأولى.. قضية التمويل الأجنبي
في يوليو ٢٠١١ أمر رئيس مجلس الوزراء حينها وزير العدل بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني وتحديد ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب القانون ٨٤ لسنة ٢٠٠٢. تم استكمال التقرير في سبتمبر ٢٠١١، وإدراجه كجزء من الأدلة المقدمة من النيابة بحق المنظمات في ملاحقة 2012/2013.
وبحسب تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الوثيقة تضم تقريرًا من قطاع الأمن الوطني، وآخر من جهاز المخابرات العامة، وكلاهما يذكر بالتقريب كل منظمة حقوقية مصرية مستقلة تعمل في مصر، علاوة على المنظمات الدولية التي لوحقت عقب ذلك وصدرت عليها أحكام.
كانت تلك هي بداية قضية امتدت لعقد كامل تلاحق إجراءاتها الجماعة الحقوقية المصرية بهدف تصفيتها وتجفيف منابعها. جاءت القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ في سياق عام تتعرض فيه الحركة الحقوقية لاتهامات بالعمالة، والعمل على تنفيذ أجندات خارجية لصالح استخبارات دول معادية تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية، وهو ما صاحبه عداء لكل ما هو أجنبي وبالتبعية كل ما هو حقوقي. وربما لا زالت الحملة الإعلامية التي روج لها التليفزيون المصري لتحذير المواطنين من التعامل أو التواصل مع الأجانب بشكل عام، عالقة في أذهان الكثيرين. وبالتالي فإن سلطة المجلس العسكري بعد ٢٠١١ ومن بعدها سلطة الإخوان المسلمين (٢٠١٢-٢٠١٣)، قد ساهمتا بشكل كبير _وعبر أجهزة الدولة الرسمية_ في تشويه منظمات حقوق الإنسان والقائمين عليها والعاملين بها، إضافة إلى تشويه الدور الحقيقي الذي يقومون به، في سياسة راسخة ترى في الحركة الحقوقية عدوًّا ساهم في التحريض على اندلاع الثورة.
“في يونيو ٢٠١٣، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. حكم على المديرين وكبار العاملين بالسجن لمدة 5 سنوات، وكانت معظم الأحكام غيابية، أما العاملون المصريون الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد القومي الديمقراطي، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحافة، ومؤسسة كونراد أديناور”.
اعتمدت الاتهامات الموجهة إلى المقبوض عليهم من المدافعين عن حقوق الإنسان في القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ على المواد ٧٨، ٩٨(ج)(١)، ٩٨(د) من قانون العقوبات، والمادة ٧٦ (٢)(أ) من قانون تنظيم العمل الأهلي _الساري حينها_ رقم ٨٤ لسنة ٢٠٠٢.
تعاقب هذه المواد المخالفين لنصوصها بعقوبات تتراوح بين الحبس ثلاثة أشهر أو الغرامة ثلاث مئة جنيه، وتتدرج إلى السجن المشدد خمس سنوات وغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتصل إلى المؤبد أو الإعدام وفق التعديل الأخير الذي أجراه الرئيس عبد الفتاح السيسى لاحقًا في سبتمبر ٢٠١٤، حيث غلظ العقوبة إلى السجن المؤبد في تهم غامضة الصياغة تشمل تلقي الأموال من الخارج “بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها”. ووفقًا للمادة ٧٦ من قانون الجمعيات الأهلية رقم ٨٤ لسنة ٢٠٠٢ فإن الإخفاق في التسجيل جنحة تستوجب الحبس حتى ستة أشهر.
تمت تسمية 37 منظمة في تقرير لجنة تقصي الحقائق، تعرض أغلبها للملاحقة والتضييق طوال الأعوام اللاحقة من قبض واحتجاز وقرارات بالإغلاق ومداهمات لمقرات العمل إضافة إلى المنع من السفر والتحفظ على أموال قيادات بعض المنظمات وأسرهم.
فعلى سبيل المثال، في ٩ أكتوبر ٢٠١٥ قامت صحيفة اليوم السابع بتسريب نسخة مصورة من طلب قضاة التحقيق على خلفية القضية رقم ١٧٣، المقدم إلى مصلحة الضرائب للاستعلام عن التوافق الضريبي لـ٢٣ منظمة مصرية.
وخلال شهري فبراير ومارس عام ٢٠١٦ تعرضت، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ست منظمات حقوقية مستقلة لملاحقات أمنية وقضائية متعددة، مثَّلت في أغلبها اعتداءات وانتهاكات جسيمة لحق تلك المؤسسات غير الحكومية في التنظيم والعمل بحرية.
شملت الإجراءات استدعاء سبعة مدافعين، ستة من قبل قاضي التحقيق والأخير بمعرفة النيابة، للسؤال بشأن القضية. ثلاثة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وثلاثة من مركز نظرة للدراسات النسوية، بالإضافة إلى المحامي الحقوقي نجاد البرعي الذي تم استجوابه بمعرفة النيابة في ٣ مارس ٢٠١٦، بتهمة “إنشاء كيان بدون ترخيص يدعى المجموعة المتحدة ـ للمحاماة والاستشارات القانونية، بغية التحريض على مقاومة السلطات، وممارسة أنشطة حقوق الإنسان بدون ترخيص، وتلقي الأموال من المركز الوطني لمحاكم الدولة، وتعمد نشر معلومات كاذبة بغرض الإضرار بالنظام العام والمصلحة العامة”.
بينما تعرض كل من: جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لقرارات بتجميد الأموال والمنع من السفر. وأخيرًا تلقى مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب أمرًا بالإغلاق في ١٧ فبراير، صادرًا عن وزارة الصحة بدعوى “مخالفة شروط الترخيص”.
- الهجمة الثانية.. المجتمع المدني وقانون الأشياء الأخرى
في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ أصدر رئيس الجمهورية قرارًا بالقانون رقم ١٢٨ لسنة ٢٠١٤، بشأن تعديل المادة ٧٨ من قانون العقوبات.
صدر هذا القانون بعد أيام من التهديد أو المهلة التي حددتها وزارة التضامن الاجتماعي _١٠ نوفمبر ٢٠١٤_ للشركات العاملة في مجال حقوق الإنسان لتوفيق أوضاعها وفقًا لقانون الجمعيات الأهلية.
توسع تعديل نص المادة ٧٨ من قانون العقوبات في تحديد مصادر التمويل، حيث تضمن النص: “كل من طلب لنفسه أو لغيره… من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى ﻻ تتبع دولة أجنبية وﻻ تعمل لصالحها”. إضافة إلى التوسع المبالغ فيه في تحديد الأشكال المختلفة للدعم سواء كان “أموالًا سائلة أو منقولة أو … أشياء أخرى”. وهو ما يعد تجريمًا على فعل غير محدد. ما دفع كثيرًا من المراقبين إلى أن يطلقوا عليه قانون “الأشياء الأخرى”.
بالإضافة إلى ما سبق تمادى النص في استخدام المصطلحات المطاطة التي تسمح للسلطة التنفيذية بتفسيرها على ضوء أهوائها. مثال: “المساس باستقلال البلاد أو وحدتها” و”اﻹخلال باﻷمن والسلم العام”.
ففي ظل تبرير الانتهاكات التي تُرتكب من قبل الأجهزة اﻷمنية والإفلات من العقاب وخنق المجال العام واعتبار الحكومة ملف حقوق الإنسان ملفًّا مؤجلًا تحت ذريعة محاربة الإرهاب، في انتهاك لما حدَّده دستور 2014 من ضوابط لمكافحة ما يطلق عليه “الحرب على الإرهاب”، كان السماح للسلطة التنفيذية بالتوسع في تحديد المقصود بالإخلال باﻷمن والسلم العام.
وأخيرًا يفرض نص المادة ٧٨ المعدل بالقانون رقم ٢٨ لسنة ٢٠١٤ عقوبة تصل إلى الإعدام على جريمة غير محددة متمثلة وفقًا للنص في عدة أفعال اختتمها المشرع بـ”… وأية أشياء أخرى..”
- الهجمة الثالثة.. تقنين القمع
شهدت نهاية العام الماضي (٢٠٢٠) موجة جديدة من القمع والتضييق الأمني بحق المجتمع المدني والعاملين فيه، حيث تعرض ثلاثة من العاملين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بينهم المدير التنفيذي للمنظمة، جاسر عبد الرازق، للقبض والاحتجاز لعدة أيام، على خلفية استضافة المبادرة في وقت سابق من نفس العام، عددًا من السفراء والدبلوماسيين، بهدف مناقشة تطورات أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كان ذلك بمقر المنظمة بحي جاردن سيتي، بمحافظة القاهرة.
تعالت الانتقادات الدولية الموجهة إلى الحكومة المصرية حينها بشكل لافت للنظر، ما استدعى معه ردًّا من قبل وزارة الخارجية المصرية، حيث أكدت في بيان رسمي أن المبادرة المصرية تعمل بدون ترخيص بالمخالفة لقانون العمل الأهلي رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩. وبعد رد القائمين على المبادرة بأنهم بانتظار إقرار اللائحة التنفيذية للقانون حتى يتمكنوا من التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة من أجل توفيق وضعهم القانوني، اضطرت الحكومة المصرية إلى الإسراع في استصدار اللائحة التنفيذية للقانون. وبالفعل في ١٦ يناير ٢٠٢١ نشرت الجريدة الرسمية قرار الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء رقم ١٠٤ لسنة ٢٠٢١ بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي.
بحسب القانون الصادر في عام ٢٠١٩ تلتزم جميع المؤسسات والشركات التي تمارس أنشطة العمل الأهلي بتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام القانون ١٤٩ لسنة ٢٠١٩ ولائحته التنفيذية، خلال عام واحد من تاريخ العمل باللائحة. وبناء عليه أصبح المجتمع المدني المصري، وتحديدًا المنظمات المستقلة العاملة في مجال حقوق الإنسان، أمام منعطف جديد يعد الأبرز والأهم منذ تأسيس الموجة الثالثة من حركة حقوق الإنسان في مصر مع انتصاف العقد الأول من الألفية الثالثة.
تستهدف تلك المنظمات بحث سبل استمرارها في العمل على نقد السياسات الحكومية المنتهِكة لحقوق الإنسان، وتقديم الدعم القانوني اللازم إلى ضحايا تلك الانتهاكات، ولكن هذه المرة وفق قواعد جديدة تستلزم العمل من داخل الإطار القانوني الناظم للعمل الأهلي في مصر، والذي يشكل عبر القانون الجديد ولائحته التنفيذية تهديدًا لاستقلال عمل تلك المنظمات. ويفرض قانون تنظيم العمل الأهلي ولائحته التنفيذية وصاية الجهة الإدارية، التابعة لوزارة التضامن، على تمويل وأنشطة تلك المنظمات. وتعتمد أغلبية المنظمات الحقوقية منذ عقود على أشكال قانونية متعددة، أبرزها: الشركات ذات المسؤولية المحدودة التابعة لإشراف هيئة الاستثمار، أو شركات المحاماة والتي تتبع إشراف النقابة العامة للمحامين.
ورغم وعود الحكومة المصرية بتلافي عدد من مشكلات القانون أثناء إعداد اللائحة التنفيذية، فإن عملية إعداد اللائحة برمتها جرت من خلال لجنة شكلها رئيس مجلس الوزراء من ممثلي عدة وزارات معنية، على رأسها وزارة التضامن الاجتماعي ورئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، بينما اقتصر ما وصفته الحكومة بالحوار المجتمعي حول اللائحة التنفيذية على عدة مناقشات أجراها رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية مع ممثلي بعض الجمعيات، دون توضيح ماهية التوصيات التي صدرت عنها. وجرت هذه المناقشات في ظل استبعاد المنظمات الحقوقية الفاعلة. كما لم تعلن وزارة التضامن الاجتماعي المسودات الأولية التي جرى النقاش عليها في اللجنة المعنية بوضع اللائحة التنفيذية وكيف أثر الحوار المجتمعي على نص المسودة النهائية.
وتخالف نصوص اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي نص المادة 75 من الدستور المصري وكذا التزامات مصر، وفقًا للمعاهدات الدولية التي وقعت عليها بشأن حماية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان.
خاتمة وتوصيات
إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير إذ تضع بين أيدي جميع المعنيين بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، هذا التقرير، بهدف تسليط الضوء على أبرز الانتهاكات التي تمارسها السلطات المصرية، عبر أجهزتها المختلفة، بحق منظمات حقوق الإنسان المستقلة والمدافعين عن حقوق الإنسان، فإنها تؤكد على ضرورة أن تتخذ السلطات إجراءات أكثر سرعة وحزمًا على طريق تحسين شروط العمل الحقوقي في مصر خلال الفترة المقبلة، وعلى رأس تلك الإجراءات:
- حفظ التحقيقات في القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١. بما يتضمنه ذلك من إلغاء قرارات المنع من السفر وتجميد الأموال، وأية ملاحقات قضائية أخرى تابعة للقضية.
- وقف الانتهاكات ضد المدافعين المحبوسين ومحاسبة المسؤولين عنها والمتورطين فيها، وتحديدًا تدوير المدافعين في قضايا جديدة بنفس الاتهامات لتمديد فترات حبسهم احتياطيًّا دون الإحالة إلى المحاكمة. وكذلك إخلاء سبيل المحتجزين تعسفيًّا بالمخالفة للقانون ممن تجاوز حبسهم احتياطيًّا مدة العامين، إضافة إلى التوقف عن إدراج المدافعين على ذمة أكثر من قضية في نفس الوقت وبنفس الاتهامات.
- استكمال خطوات إخلاء سبيل المدافعين المحبوسين سواء الذين شملهم التقرير أو لم يشملهم.
- خلق حوار مجتمعي واسع حول توفيق أوضاع المنظمات الحقوقية القائمة، بالشكل الذي يمكنها من الاحتماء بمظلة القانون وممارسة عملها بحرية في نفس الوقت.
[1] شهادة من محاميه. [2] شهادة من أخيه. [3] شهادة من زوجته. [4] شهادة من محاميه. [5] شهادة من أخيه.