القضاء الإداري يوقف قرارات منح النقابات الفنية صفة الضبطية القضائية ويحيل 3 مواد للدستورية العليا

تاريخ النشر : الأحد, 17 أبريل, 2016
Facebook
Twitter

انتصار جديد لحرية الإبداع وضوابط العدالة الجنائية

القضاء الإداري يوقف قرارات منح النقابات الفنية صفة الضبطية القضائية

ويحيل 3 مواد للدستورية العليا

حكمت محكمة القضاء الإداري الآن بوقف تنفيذ قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لأعضاء من مجالس إدارة نقابتي المهن التمثيلية والمهن الموسيقية، وأحال القضية إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية، والمادتين 5 و5 مكرر اتحاد نقابات المهن التمثيلية والموسيقية والسينمائية.

خلفية الدعويين القضائيتين

أصدر وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند في 14 سبتمبر 2015 قرار برقم 6614 منح فيه عدد من أعضاء مجلس نقابة المهن التمثيلية صفة مأموري الضبط القضائي، وذلك بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2003 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. كما أصدر قراراً مماثلا برقم 8737 منح فيه عددا من أعضاء مجلس نقابة المهن الموسيقية صفة مأموري الضبط القضائي. وقد تقدم محامو مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى القضاء الإداري بدعوى طعن على القرار الأول (طعن رقم ٨٣٣٠ لسنة ٧٠ قضائية) وتقدم محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى طعن على القرار الثاني (طعن رقم 9189 لسنة 70 قضائية).

ما الذي يستند إليه الطعن على قرار الضبطية القضائية؟

تتعلق صفة الضبطية القضائيةفي الأصل بمنح الموكلين بإنفاذ القانون الصلاحيات الضرورية للقيام بعملهم الذي ينصب أساسا على كشف حالات الخروج على القانون وضبط مرتكبيها. ولذلك فإن هذه الصفة تمنح بالأساس لرجال الشرطة كونها الجهاز الموكل بإنفاذ القانون بتعريفه. ولكن القانون يسمح بالتوسع في منحها لمن يمثلون جهات تراقب تنفيذ قوانين مختلفة تنظم ممارسة بعض الأنشطة وتستدعي طبيعة عملهم أن يكشفوا المخالفات المرتكبة لهذه القوانين، مثل مأموري الضرائب ومفتشي التموين. وحيث أن المؤسسات التي تمثل سلطات الدولة هي المعنية وحدها بإنفاذ القانون فإن القانون المنظم لمنح صفة الضبطية القضائية قد قصر إمكانية منحها على موظفي الدولة دون غيرهم. ومن هنا يأتي المدخل القانوني الأول لدعوتي الطعن على قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لبعض أعضاء مجلسي إدارة نقابتي المهن التمثيلية والمهن الموسيقية. فهؤلاء الأعضاء ليسوا من موظفي الدولة، وإنما هم في الأصل ممارسون لمهن إبداعية لا يدخل في مجال عملهم اليومي بأي حال ممارسة دور رقابي على أي نشاط، ودورهم النقابي الي انتخبوا لأدائه يقتصر على خدمة مصالح أعضاء نقابتيهم.

على جانب أكثر أهمية تتعلق الدعوى بانتهاك القرار المطعون عليه لحرية الإبداع. فحرية الإبداع هي في الحقيقة فرع من فروع حرية التعبير، وهي تتعلق بالحالات التي يتخذ فيها تعبير الفرد عن أفكاره ومشاعره صورا خارجة عن المألوف اليومي ومن شأنها في معظم الأحيان أن تحقق لمتلقيها إلى جانب إيصال الفكرة أو الشعور قدرا من المتعة. وعلى الرغم من أن للإبداع صور تقليدية متعارف عليها تصنفه بين ألوان مختلفة من الفنون، إلا أن تعريفه العام كأحد فروع حرية التعبير يترك مجاله دائما متسعا للجديد الذي قد لا يمكن تصنيفه تحت أي فن معروف. ولذلك تبقى حرية الإبداع حقا لصيقا بالإنسان بصفة عامة ودون تخصيص لفئة بعينها دون غيرها ولا يجوز بأي حال تقييدها بحدود الكيانات المنشأة أصلا لحماية حقوق من يمارسون صورا بعينها منها. وقد عكس الدستور المصري هذه الحقيقة في نص مادته رقم 67:

حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك…”

فالنص الدستوري يلزم بحماية حرية الإبداع الفني والأدبي كحق لجميع المواطنين دون تمييز، كما يلزم الدولة برعاية المبدعين بصفتهم العامة دون شروط. ومن هنا فإن الهدف الأساسي والأهم لدعوى الطعن على قراري منح الضبطية القضائية لبعض أعضاء مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية ومجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية هو الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة رقم 5 لقانون نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية حيث تنص هذه الفقرة على أنه يحظر التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة“. وبالتالي فهي تحرم عمليا كل من لم يكن من أعضاء هذه النقابات أو من الحاصلين على تصاريح عمل مؤقت منها من حقه الذي كفله الدستور له في حرية ممارسة الإبداع من خلال الفنون التي تتعلق هذه النقابات بها.

من جانب آخر يتناقض نص هذه المادة مع الحريات النقابية التي تشمل على السواء حق كل ممارس لعمل في الالتحاق بنقابة تحمي حقوقه وكذلك حقه في ألا يلتحق بأي نقابة إذا اختار ذلك، إضافة إلى حق العاملين بأي نشاط في أن يُكوّنوا أكثر من نقابة واحدة يكون لأي منهم حق الالتحاق بأي منها حسب اختياره. والواقع أن المشرع المصري (بما في ذلك المشرع الدستوري) لا يزال يخلط بين وظيفتين هامتين لتنظيم ممارسة أي نشاط بالمجتمع يؤدي دمجهما إلى الانتقاص من شروط فعاليتهما معا. ففي حين أن بعض المهن تحتاج إلى كيان رقابي ينظم الحق في ممارستها ويقصره على من تتوافر فيه شروط بعينها لضمان مصالح المواطنين الذين يحصلون على خدمات ممارسي هذه المهن مثل الأطباء أو المهندسين وغيرهم، فإن ممارسي كل مهنة يحتاجون إلى كيانات تحمي حقوقهم المتعلقة بممارسة مهنتهم. وفي حين يفضل أن يكون ثمة كيان واحد من النوع الأول لكل مهنة فليس ثمة أي ضرورة لاقتصار أداء الوظيفة الثانية على كيان واحد. وفي حال الأنشطة التي تتعلق بممارسة عمل إبداعي لا توجد حاجة إلى كيانات من النوع الأول، بل إن وجودها كما سبق أن أوضحنا ينتهك الحق الطبيعي لجميع المواطنين دون استثناء في التمتع بحرية الإبداع. ويبقى لأي كيان نقابي من النوع الثاني فقط أن يؤدي وظيفته في حماية حقوق المبدعين المتعلقة بممارستهم إبداعهم كمهنة وفقط إن اختاروا الانضمام إلى هذا الكيان أو طلبوا التمتع بخدماته بصورة مؤقتة بأي شكل تنظمه لوائحه.

إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يؤكدان على أن الحكم انتصارا لضمانات حرية الإبداع ومفترضات العدالة الجنائية وضوابطهما، ويمثل خطوة إيجابية لدعم حريات الرأي والتعبير لكون المحكمة انتهت إلى الحكم في القضيتين بوقف تنفيذ قرار وزير العدل، وبإحالة قضية مؤسسة حرية الفكر والتعبير للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المواد السالف بيانها، وقررت وقف الفصل في الشق الموضوعي للدعويين تعليقيا لحين الفصل في الدعوى الدستورية.

 

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.