لدينا ما نخفيه!.. ورقة عن حظر النشر في القضايا المتهم فيها موظفون رسميون في مصر

تاريخ النشر : الخميس, 8 أبريل, 2021
Facebook
Twitter

إعداد وكتابة: جيهان فادي

الباحثة بوحدة الأبحاث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

 

قائمة محتويات:

المنهجية

مقدمة

أولًا: مفهوم حظر النشر وتنظيمه داخل القانون المصري

ثانيًا: استخدام السلطات الرسمية قرارات حظر النشر في القضايا المتهم فيها موظفون رسميون

  • اتهامات مُخلَّة بالشرف (اعتداءات جنسية)
  • قضايا فساد مالي وإداري
  • ضباط شرطة متهمون بالقتل والتعذيب

ثالثًا: كيف انتهت القضايا التي تم حظر النشر فيها؟

خاتمة

 

المنهجية

اعتمدت هذه الورقة على رصد بيانات وأخبار حول قرارات حظر النشر، إضافة إلى المواد القانونية المنظِّمة لمسألة حظر النشر داخل القانون المصري.

المقدمة

يعتبر تداول المعلومات والأخبار عن القضايا التي تنظرها المحاكم أداة أساسية لتمكين المجتمع من الاطلاع على سير العدالة، ضمن الحق في المعرفة، سواء مارست هذا الحق الصحافة ووسائل الإعلام، أو قام به المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل الاتصال. لكن أحيانًا ما تقتضي بعض الضرورات تقييد هذا الحق في تفاصيل معينة من القضية أو لفترة زمنية إلى حين البَت فيها.

ومن أبرز هذه الضرورات حماية الشهود، وحماية خصوصية الضحايا، خصوصًا في جرائم العنف الجنسي. فعلى سبيل المثال يتمتع ضحايا العنف الجنسي ضمن القانون الإنجليزي بحماية مدى الحياة في تجهيل بياناتهم الشخصية وحظر تداولها ونشرها، إلا إذا قدموا إقرارًا بموافقتهم على نشر بياناتهم. كما يحظر القانون الإنجليزي على الإعلام نشر أي بيانات شخصية عن الأطفال ضمن محكمة الطفل، سواء كان الأطفال: ضحايا، شهودًا، أو متهمين.[1]

وقد شدد القانون المصري على حفظ الحياة الخاصة للمواطنين ومنع نشر أي مواد تخص المراسلات البريدية أو الإلكترونية أو أي وسائل اتصالات ولا يجوز الاطلاع عليها من قبل أي شخص إلا بأمر قضائي يفسر ذلك[2]، كما حظر النشر في دعاوى الطلاق والتفريق والزنا.[3]

ولا يعتبر من هذه الضرورات التستر على موظفين عموميين، تمهيدًا لإفلاتهم المحتمل من العقاب. كما لا يجوز التوسع في قرارات حظر النشر لتصبح الأصل لا الاستثناء، ولا أن تتجاوز الغرض الرئيسي لها من حماية الضحايا، وضمان حيادية ونزاهة عملية التقاضي دون تأثير عليها. لأن حظر النشر أمر استثنائي لا يمكن ربطه بظروف اعتيادية، أو تحويله إلى قاعدة، وحريٌّ بالمشرع أن يتعامل مع القوانين المنظِّمة لحظر النشر بعمومية، حتى تتناسب اﻹجراءات مع الظروف الخاصة بكل حالة.[4]

في هذا السياق تحلل الورقة استخدام النيابة العامة وسلطات التحقيق، قرارات حظر النشر مع فئة بعينها من المتهمين، وهم الموظفون الرسميون، مع التأكيد على فرضية كون حظر النشر قيدًا لا يجوز التوسع فيه أو استخدامه بشكل تعسفي. تبدأ الورقة باستعراض تنظيم حظر النشر في القانون المصري، والتعريف بالحالات التي يكون فيها حظر النشر مطلقًا بقوة القانون والحالات التي يحتاج حظر النشر فيها إلى صدور قرار من النيابة العامة أو إحدى جهات التحقيق القضائية. ثم تقدم في الجزء الثاني رصدًا لبعض الأمثلة لقرارات حظر النشر التي صدرت في قضايا اتُّهم فيها موظفون حكوميون باتهامات مخلة بالشرف، فضلًا عن اتهامات الفساد المالي والإداري، إلى جانب القتل والتعذيب.

وهو ما يدفع إلى التساؤل بأنه إلى أي مدًى حظر النشر يمكن أن يحمي الأمن القومي في قضايا فساد داخل الدولة؟ هل التغطية على سير هذه الدعاوى وحماية سمعة المتهمين يؤدي إلى حماية الأمن القومي بالفعل؟ أليس من الأولَى السماح بالنشر في هذه القضايا بالتحديد، وعرضها بشكل شفاف أمام الرأي العام حتى يستطيع المواطنون أن يمارسوا رقابة شعبية على هذه الإجراءات، وهذا أدعى إلى أن يقلص تأثير ونفوذ المتهمين في هذه القضايا من الموظفين الرسميين وأصحاب المناصب إذا فكروا في استغلال هذا النفوذ للإفلات من العقاب؟

وتتطرق الورقة إلى رصد كيف انتهى بعضٌ من هذه القضايا التي تم رصدها، بأحكام براءة، وكذلك بتسويات وإفلات من العقاب. وتنتهى بتقديم مجموعة من التوصيات التي تعمل على ترشيد استخدام قرارات حظر النشر وإعادتها إلى وضعها الصحيح كاستثناءٍ للحق في حرية التعبير بشكل عام لا يجوز التوسع فيه أو التعسف في تطبيقه.

أولًا: مفهوم حظر النشر وتنظيمه داخل القانون المصري

يمكن تعريف حظر النشر بأنه قرارٌ بمنع تناول واقعة ما في كافة وسائل الإعلام: مقروءة، مرئية، أو مسموعة، من كافة الجهات المعنية بالقضية، سواء في ذلك الصحافة والنيابة والقضاة والمحامون. يطبق حظر النشر بنصوصٍ مباشرة في القانون المصري أو بقرارٍ يصدر عن: سلطة التحقيق، مكتب النائب العام،  أو المحكمة[5]، أي الهيئة القضائية التي تنظر في هذه القضايا[6].

الأصل في النشر هو الإباحة، إذ تحفْظ عملية النشر لوسائل الصحافة والإعلام دورها كحلقة وصل بين المواطنين والسلطات العامة في الدولة. كما يستطيع المواطنون من خلالها أن يمارسوا حقهم في متابعة ومراقبة ما يحدث داخل الدولة، وإذا غاب هذا الحق أو قُيِّد بشكل تعسفي، فنستطيع القول: إن الحق الدستوري للمواطنين في الوصول إلى المعلومات قد تم انتهاكه.

عزز الدستور من هذا الحق في المادة 68 إذ نصت على: “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا”.[7]

والحق في الوصول إلى المعلومات أحد الحقوق المرتبطة بحرية التعبير والحريات الصحفية بشكل وثيق، وهو أيضًا أحد الحقوق السياسية التي يجوز التدخل لتنظيمها من قبل المشرِّع بما لا يمس جوهر هذا الحق. ويعتبر التنظيم القانوني لحظر النشر أحد أوجه التدخل الذي يمارسه المشرع لتنظيم حرية التعبير.

بطبيعة الحال يتدخل المشرِّع في معظم الأنظمة القانونية للنص على حظر نشر بعض المواد التي تمس أمن البلاد وسلامتها، مثل: الخرائط والمعلومات العسكرية، أو المواد التي تنتهك خصوصية المواطنين وتمس حياتهم الخاصة، ولكن قد يتدخل المشرع أحيانًا لتقرير حظر نشرٍ لبعض الأمور التي يتركها عامة ومبهمة ويترك تفسير هذه الأحكام لإحدى سلطات الدولة، وهو الوضع في مصر، حيث تملك النيابة العامة والجهات القضائية سلطة إصدار قرارات بحظر النشر دون التقيد بنوع القضية أو الملابسات المحيطة بها.

تتعدد التفسيرات حول إقرار حظر النشر كقيدٍ على الحريات الصحفية العامة، فمنها: أن الهدف يكون لحفظ سير التحقيقات حتى لا تؤثر أي آراء خارجية على سير الدعوى المنظورة، والحيلولة دون التأثير على حيادية حكم القضاء لتحقيق العدالة في هذه القضايا، وكذلك بهدف حماية الأمن القومي للبلاد والحفاظ على الثقة بهيئات الدولة ومراعاة النظام العام والآداب العامة[8].

لكن الواقع العملي يشهد بأن بعض قرارات حظر النشر تخلو من التسبيب التفصيلي وقت إصدارها، فلا يدري المواطن لِمَ تم منع تداول الأخبار في هذه القضايا بالتحديد، إذ تتضمن بعض قرارات حظر النشر أسبابًا تتعلق بالأمن القومي دون توضيح تفاصيل، فنجد أنها تثير التساؤلات حول منطقية هذه التبريرات، مع استخدام مصطلحات عامة لتبرير حظر النشر، فعلى سبيل المثال استخدام مصطلحات مثل: (الأمن القومي، النظام العام والآداب العامة، سوء النية)، تعتبر مصطلحات فضفاضة لم يُفرِد لها المشرِّع مساحة للشرح أو توضيح المقصود بها.

يتم تطبيق حظر النشر في مصر بطريقتين: الطريقة الأولى، بقرارات استثنائية يصدرها النائب العام أو الجهة القضائية المنوط بها النظر في القضية بمنع نشرٍ مطلق أو منع نشرِ معلومات بعينها في قضية ما.

والطريقة الثانية، هي التي تتم في القضايا والموضوعات التي أقر القانون المصري بنصوص مباشرة بحظر النشر فيها، وهو منع تام ومطلق ولا يستدعي إصدار قرارات استثنائية، وفي الحالتين، لا يسري حظر النشر على منطوق الأحكام التي تصدرها المحكمة. وتختلف الأسباب التي من المفترض أن تكون الدافع الحقيقي وراء تقنين الحظر، مثل: حماية الحياة الخاصة، أو تأمين الأسرار العسكرية[9]، أو فيما يخص مؤسسات أو أوقات معينة.

إذ حظر المشرِّع نشر كل من الجلسات السرية لمجلس الشعب، والجلسات العلنية له بسوء نية[10]، كما حظر نشر التحقيقات الابتدائية للنيابة بسوء نية [11]، وكذلك جلسات المحاكمات السرية أو العلنية ،[12] إلا أن المشرع لم يوضح المقصود بـ”سوء النية” وهذا يجعل المصطلح عُرضة للتأويل تبعًا لرؤية من يحكم في الدعوى، ومن يخالف النشر يتعرض لعقوبة الحبس بمدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن خمس آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، ونجد من العبارات الفضفاضة التي تكررت في أكثر من مادة من قانون العقوبات، عبارة “بسوء قصد” ولم يتم توضيح المقصود بها، ونجدها في المواد: (187) من قانون العقوبات، وتشير إلى منع أي معلومات من شأنها التأثير في القضاة الذين ينظرون في الدعوى أو غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق أو التي قد تؤثر في الشهود[13]، وبخصوص الأخبار الكاذبة فقد نصت المادة (188) من قانون العقوبات على منع نشر أخبار كاذبة أو شائعات أو أوراق مزورة بسوء نية مما يسبب إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.[14]

كل هذه المواد التي تنظِّم حظر النشر موجودة في ظل وجود مبدأ دستوري أساسي نصت عليه المادة[15] 187 من الدستور على علانية الجلسات: “يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك، مراعاةً للنظام العام أو محافظةً على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها”، ونجد أنفسنا هنا أيضًا أمام عبارات فضفاضة مثل: “مراعاة النظام العام والآداب العامة”، ولم يحدد المشرِّع ما المقصود بها، وأيضًا فالمادة تعطي الحق المطلق للجهة القضائية بعقد جلسات سرية دون مراعاة المبدأ الأساسي للمحاكمة وهو علانية الجلسات، بالإضافة إلى هذه العبارات الفضفاضة.

ثانيًا: استخدام السلطات الرسمية قرارات حظر النشر في القضايا المتهم فيها موظفون رسميون

بخلاف النص القانوني الذي يعتبِر أن حظر النشر مباح في القضايا التي تمس سمعة الأفراد أو الأمن القومي. نجد أن قرارات النيابة العامة بحظر النشر شملت قضايا فساد مالي أو إداري، أو قضايا مخلة بالشرف تتضمن أشكالًا من الاعتداء الجنسي من قِبَل موظفي الدولة، ومؤسساتها في بعض الأحيان، فضلًا عن جرائم قتل وتعذيب، وغيرها، والعامل المشترك في جميع هذه القضايا هو أن المتهم فيها أحد المنتمين إلى السلطات الرسمية، مثل: الوزراء، والقضاة، والضباط، وكبار الموظفين. يرصد هذا الجزء من الورقة القضايا التي صدر فيها قرار بحظر النشر، بعد تورط أحد موظفي الدولة في هذه القضايا بوصفهم متهمين.

  • اتهامات مخلة بالشرف (اعتداءات جنسية)

بتاريخ 2 فبراير 2021 أصدرت محكمة الجنايات قرارًا بحظر النشر بعد أقل من 10 أيام على تداول وقوع جريمة خطف فتاة واغتصابها، وذلك بعد اتهام قاضٍ بمحكمة الاستئناف واثنين من أصدقائه بارتكاب الجريمة، وتداول الصحف للخبر.[16] أثارت القضية استنكارًا ومناقشات عدة في الفضاء العام في مصر حول سبب إصدار قرارٍ بحظر النشر في هذه القضية وهو ما استدعى في الأذهان مسلسلًا طويلًا من القرارات المماثلة بحظر النشر في القضايا المتهم فيها موظفو السلطة الرسميون.

وفي السياق نفسه، حظرت النيابة العامة النشر في قضيةٍ كان المتهم الأساسي فيها هو القاضي رامي عبدالهادي، حيث واجه اتهامات بطلبه الحصول على رشوة جنسية من إحدى السيدات مقابل الحكم لها في قضية منظورة أمامه، وقد تم التعتيم على ماجريات هذه القضية بعد التحقيقات، ثم أُغلقت القضية بتقديم عبدالهادي استقالته، ولم يتخذ  المجلس الأعلى للقضاء ضده أي إجراء رسمي، وقال المستشار السابق المتهم عبدالهادي _في بيان أصدره_ إن الاتهامات الموجهة ضده جاءت ضمن حملة إخوانية ممنهجة _على حد وصفه_ والموضوع لا يخرج عن كونه خطأ إداريًّا فى ملف قضية ويتحمل مسؤوليتها سكرتير المجلس.[17]

ليست النيابة العامة الجهة الوحيدة التي تصدر قرارات بحظر النشر، ففي 2012 أصدر رئيس هيئة القضاء العسكري، اللواء عادل محمود المرسي، قرارًا بحظر النشر في القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية “إجراء كشوف العذرية”، ورغم أن الاعتداء الجنسي الذي قام به ضباط وجنود بالقوات المسلحة على مواطنات مصريات بإخضاعهن للكشف على عذريتهن قسرًا، على خلفية احتجازهن تعسفيًّا في المتحف المصري، بعد تظاهرهن.[18] تجدر الإشارة إلى أن قرار حظر النشر جاء بعد أسابيع من تأكيد محكمة القضاء الإداري على أن ما ارتكبه عدد من المنتمين إلى القوات المسلحة من كشوف عذرية قسرية يعتبر جريمة جنائية يعاقب عليها القانون.[19]

الاعتداءات الجنسية ما بين تحرش واغتصاب، واستغلال المنصب للحصول على رِشًا جنسية، كلها اتهامات وردت في قضايا صدر فيما يخصها قرارات بحظر النشر، ويظهر فيما بعد أن هذا الحظر ليس حماية للضحايا، أو الناجيات من تلك الاعتداءات، ولكن يأتي الحظر لأن الطرف الآخر من القضية، يعمل موظفًا عامًّا في الحكومة المصرية.

  • قضايا فساد مالي وإداري

خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق مبارك أصدرت سلطات التحقيق قرارت بحظر النشر في 10 قضايا على الأقل، كان من بينها قضية محمد فودة[20]، سكرتير وزير الثقافة الأسبق. والذي ألقي القبض عليه عام 1997 ومعه محافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندي، وتحفظت النيابة في حينها على تسجيلات بين فودة ومسؤولين كبار في الدولة تخص قضايا فساد ورشوة، وأصدرت النيابة قرارها بحظر النشر لأي أخبار أو معلومات عن القضية قبل إدانته والحكم عليه بالسجن خمس سنوات.

بعد قيام ثورة يناير 2011، وخلع الرئيس الأسبق مبارك، تطلع المصريون إلى تحقيق العدالة التي كانت من أهم مطالب ثورة يناير، خاصة مع ظهور عدد من قضايا الفساد وتبديد المال العام، فضلًا عن قتل المتظاهرين، والتي تورط فيها النظام السابق وعلى رأسه مبارك وابناه علاء وجمال مبارك، وعدد من الموظفين والمسؤولين في الدولة.

وبدلًا من إعمال الشفافية فيما يخص هذه القضايا، المرتبطة بشكل أساسي بإحقاق العدالة الانتقالية، كررت  السلطة نفس النمط بدعوى الحفاظ على الأمن القومي، وجاء قرار حظر النشر الذى أصدره المستشار أحمد رفعت رئيس الدائرة الخامسة جنايات القاهرة فى قضية محاكمة مبارك والعادلي، و6 من مساعديه بتهمة قتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام من خلال تصدير الغاز إلى إسرائيل،[21] كذلك قررت محكمة جنايات الجيزة بتاريخ 3 نوفمبر 2012 حظر النشر في القضية المشهورة إعلاميًّا باسم “سخرة المجندين” المتهم فيها اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، وعدد من معاونيه.

توالت القرارات بحظر النشر في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، فعلى سبيل المثال في يونيو 2014 أصدر النائب العام قرارًا بحظر النشر في قضية تلقِّي رشوة، والمتهم فيها رئيس هيئة موانئ بورسعيد وستة متهمين آخرين  وتم إصدار الحكم عليه بالسجن المشدد لخمس سنوات.[22]

أما في 2017 فنذكر قضية رشوة وزارة الزراعة المتهم فيها وزير الزراعة صلاح هلال و3 آخرون من أفراد عائلته[23]، التي أصدر قرار حظر النشر فيها القائم بأعمال النائب العام، وقد تم الحكم على المتهم ومدير مكتبه بالسجن عشر سنوات وبغرامة تقدر بمليون جنيه.

كذلك أمر النائب العام بحظر النشر في قضية اتهام رئيس نيابة مدينة نصر وشقيقه المستشار بنيابة النقض، وسبعة ضباط بوزارة الداخلية بتهريب آثار، كذلك نذكر القضية المعروفة إعلاميًّا بالرشوة الكبرى والتي أصدر النائب العام قرار حظر النشر فيها عام 2016، حيث تم اتهام مدير عام التوريدات والمشتريات بمجلس الدولة جمال اللبان بتلقي رشوة، حيث تم ضبط مبالغ مالية ضخمة في منزله، على إثر هذه الواقعة تقدم المستشار وائل شلبي أمين عام مجلس الدولة باستقالته، ثم تم القبض عليه صباح 1 يناير 2017، ولم تستمر التحقيقات كثيرًا مع المستشار السابق وتم إعلان وفاته في صباح 2 يناير، وترددت أقاويل عن انتحاره داخل زنزانته، بتاريخ 13 سبتمبر 2017، تم الحكم بالسجن 25 عامًا على جمال اللبان.

  • ضباط الشرطة متهمون بالقتل والتعذيب

في 22 أكتوبر 2011، حظرت محكمة جنايات الإسكندرية النشر في قضية مقتل خالد سعيد على يد الشرطة المصرية، وكان المتهمان قد حكم عليهما بالسجن لمدة 7 سنوات، لكنهما استأنفا الحكم، ثم أطلق سراحهما لانتهاء فترة الاحتجاز الوقائي.

كما أصدر النائب العام في عام 2015 قرارات بحظر النشر في قضيتي مقتل شيماء الصباغ ومقتل المحامي كريم حمدي، حيث تم اتهام أحد ضباط الأمن المركزي بقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ خلال اشتراكها في وقفة سلمية، وحكم عليه بالسجن 15 عامًا، ثم تم الطعن على الحكم وتمت إعادة المحاكمة ليصبح الحكم 10 سنوات بالسجن المشدد.

أما عن قضية مقتل المحامي كريم حمدي والذي تم تبرئة المتهمين فيها، كان قد اتهم ضابطا الأمن بتعذيب حمدي حتى القتل، وعقب مرور عشرة أشهر تم الحكم على المتهمينِ بالسجن المشدد 5 سنوات، وبتاريخ 1 أكتوبر 2016 “قبلت محكمة النقض، الطعن المقدم من الضابطين على الحكم الصادر بحقهما من محكمة الجنايات بالسجن المشدد 5 سنوات، وقررت إعادة محاكمتهما أمام دائرة جنايات أخرى”، وبتاريخ 5 إبريل 2017 انتهى الأمر ببراءة المتهمينِ.[24]

ثالثًا: كيف انتهت القضايا التي تم حظر النشر فيها؟

من خلال تتبع النهاية لعدد ليس بالقليل من هذه القضايا، نجد أنها قد انتهت بتبرئة المتهمين فيها، مثل: قضية تعذيب وقتل المحامي كريم حمدي التي انتهت بتبرئة الضباط المتهمين فيها، أو أنها انتهت إلى التسوية بطريقة غامضة وغير مفهومة، مثل: القضية التي اتهم فيها القاضي رامي عبدالهادي بطلب رشوة جنسية من إحدى السيدات، حيث أغلقت القضية بتقديم عبدالهادي استقالته، ولم يتخذ المجلس الأعلى للقضاء ضده أي إجراءات قضائية بتحويله إلى المحاكمة أو توجيه اتهام رسمي إليه.

تجعلنا هذه النماذج نفكر في سؤال مفاده: هل يتم استخدام حظر النشر في تلك القضايا كمقدمة للعبث بأدلتها؟ بما يحتويه ذلك على إفلات للجناة من العقاب وإهدار لحق المجتمع في العدالة ومعرفة الحقيقة، بل وإهدار لقيمة القانون نفسه، وما تحققه العقوبات المطبقة على المجرمين من ردع عام لغيرهم وردع خاص لهم، يمنعهم من العودة إلى تكرار الجرم. قد تكون الإجابة بنعم وقد تكون بلا. إذ إن حظر النشر عادة ما يثير الشبهات، بدلًا من إتاحة وتداول المعلومات وترسيخ الحق في المعرفة للجمهور فيما يتعلق بالقضايا التي تنظرها السلطة القضائية، وخصوصًا في القضايا التي يتم اتهام موظفين رسميين فيها سواء من نفس السلطة القضائية أو من غيرها من سلطات الدولة.

خاتمة

لا يمكن القول بتحقق مبدأ الشفافية إلا بتوفير المعلومات الصحيحة من مصادرها الرئيسية، وهي أجهزة الدولة، إذ إن من واجب الدولة ضمان تداول المعلومات وإتاحة شفافية أكبر، وتسهيل الحق في المعرفة لدى المواطنين عن المواضيع المختلفة وبفتح مجال للمناقشات حولها، وإحدى طرق إتاحة المعلومات هي النشر الصحفي والإعلامي عن القضايا التي تنظرها السلطة القضائية كإحدى السلطات الثلاث المكونة للدولة، لذا ينتظر من التشريعات والقرارات الرسمية أن تتعامل بحزم مع أي قيود تُفرض على حرية النشر اتساقًا مع الحقوق الدستورية المقررة للمواطنين/ات.

وبالنظر إلى الصورة الواسعة لتعامل سلطات الدولة المختلفة مع فكرة النشر وحرية التعبير، نجد أن قرارات حظر النشر السابق بيانها تتسق بشكل كبير مع الاتجاه العام للسلطة في مصر والذي يسعى إلى تقييد حرية النشر في سياقات متعددة وقصر عملية النشر على المعلومات التي تنبع من مصدر واحد هو السلطة نفسها بحيث تسود رواية واحدة للأحداث هي رواية السلطة وتختفي قسرًا كل الروايات الأخرى.

وبعد الاستعراض السابق يتضح لنا أن التنظيم القانوني لقرارات حظر النشر بالشكل الحالي، وترك سلطتها في يد جهات التحقيق دون تعريفات محددة، قد نتج عنه صدور قرارات حظر نشر بشكل قد يجاوز الغاية القانونية لقرار حظر النشر، وبما يمثل توسعًا في هذا الاستثناء واعتداء على الحق في حرية التعبير بمفهومه الواسع وما يرتبط به من حق الوصول إلى المعلومات والحريات الصحفية.

 لذا نوصي بما يلي:

  • وضع المشرع تعريفات واضحة للمصطلحات الفضفاضة، مثل: لفظ (الآداب العامة) المذكورة في النصوص القانونية، المادة رقم 190 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020، حيث يعتبر مدخلًا لافتراض تأويلات بموجبها يتم فرض عقوبات على من يخترقها.
  • إلغاء المشرع عقوبة الحبس في حال خرق قرارات حظر النشر والاكتفاء بفرض الغرامات.
  • على مجلس النواب سرعة إصدار قانون حرية تداول المعلومات الذي تم المماطلة في إصداره من 2012 حتى الآن.
[1] Judicial College, Reporting Restrictions in the Criminal Courts April 2015 (Revised May 2016), P.17
[2] مادة 57، الباب الثالث الحقوق والحريات والواجبات الاجتماعية، الحق في احترام الخصوصية، الدستور المصري 2014.
[3] البند الثاني من المادة (193)، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[4] مؤسسة حرية الفكر والتعبير، حظر النشر والحق في المعرفة، 24 ديسمبر 2016، رابط: https://afteegypt.org/right_to_know/2016/12/25/12699-afteegypt.html
[5] أسامة أحمد عبد المنعم، الضوابط القانونية لقرار حظر النشر، سنة النشر 2017.
[6] أحمد راغب، "قرارات حظر النشر… رؤية حقوقية"، الناشر: مركز هشام مبارك للقانون، سنة النشر 2008.
[7] تضامن، تقرير "حق الوصول للمعلومات في الدستور المصري"، منشورات قانونية، أغسطس 2016، https://2u.pw/GpNxE
[8] الدكتور طارق سرور، جرائم النشر، الناشر: دار النهضة العربية، سنة النشر 2001.
[9] مادة 85، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[10] مادة 192، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[11]فقرة (أ)، مادة 193، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[12] مادة 189،  قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[13] مادة 187، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020.
[14] مادة 188، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل في 5 سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة.
[15] مادة 187، الفرع الأول: أحكام عامة، الباب الثالث: السلطة القضائية، الدستور المصري.
[16] جريدة الشروق: خبر "بالملابس العادية.. دخول القاضي وصديقيه المتهمين باغتصاب فتاة قفص الاتهام"، تاريخ النشر: 2 فبراير 2021، تاريخ الزيارة: 10 مارس 2021، https://2u.pw/zKOng
[17] جريدة فيتو، 27 يوليو 2015، "أسرار حظر النشر في قضية الرشوة الجنسية لرئيس مستأنف بمحكمة مدينة نصر"، آخر زيارة 11 مارس 2021، https://2u.pw/rPBQA
[18] يمنى مختار، المصري اليوم، نشطاء يلجؤون إلى التدوين لمساندة "سميرة" بعد قرار حظر النشر في قضية "العذرية"، 11 فبراير 2012، آخر زيارة 31 مارس 2021، رابط:
shorturl.at/lxQRY
[19] محمد أسعد، اليوم السابع، بالفيديو.. القضاء الإدارى: "العسكرى" اعترف بإجراء كشف العذرية للمعتقلات.. وما ارتكبه أفراده "جريمة جنائية" وانتهاك لحرمة وجسد الإناث.. وعلى القوات المسلحة عدم تجاوز القانون فى التعامل مع المواطنين، 27 ديسمبر 2011، آخر زيارة 31 مارس 2021، رابط: https://bit.ly/3m8AdFy
[20] جريدة المصري اليوم، خبر "محمد فودة.. تخصص إسقاط مسؤولين بتهمة الفساد"، تاريخ النشر: 8 سبتمبر 2015، آخر زيارة 23 مارس 2021، https://2u.pw/AIU5D
[21] جريدة اليوم السابع، 13 سبتمبر 2011. "آسف يا ريس تخترق حظر النشر في قضية مبارك بنشر شهادة عمر سليمان"، آخر زيارة :13 مارس 2021 https://2u.pw/5MBqq
[22] الوطن، إبريل 2019 "الحبس 10 سنوات لرئيس الجمارك السابق وبراءة آخرين في قضية الرشوة"، آخر زيارة: 14 مارس 2021، https://2u.pw/9gfCJ
[23] جريدة فرانس 24، 11 إبريل 2016، "مصر: الحكم على وزير الزراعة السابق بالسجن عشر سنوات في قضية رشوة"، آخر زيارة: 15 مارس 2021، https://cutt.us/EXQcA
[24] جريدة الشروق، 13 مايو 2018، "بعد حكم الجنايات ببراءة المتهمين، أبرز محطات قضية مقتل المحامي كريم حمدي"، أخر زيارة 11 مارس 2021، https://2u.pw/gb7rc

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.