التقرير ربع السنوي لحالة حرية التعبير في مصر الربع الثالث (يوليو – سبتمبر 2019)

Date : الثلاثاء, 26 نوفمبر, 2019
Facebook
Twitter

  ثانيًا: عرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير:

 يتطرق التقرير في القسم الثاني إلى عرض انتهاكات حرية التعبير في ملفات: حرية الصحافة والإعلام، الحقوق الرقمية، حرية الإبداع، والحرية الأكاديمية.

حرية الصحافة والإعلام:

 يمثل احتجاز وحبس الصحفيين النمط الأكثر شيوعًا من انتهاكات حرية الإعلام، خلال الربع الثالث من العام 2019، بينما رصدت وحدة الرصد والتوثيق انتهاكات أقل على مستوى المنع من التغطية ومنع النشر.

 حبس الصحفيين: ألقت قوات الشرطة القبض على 5 صحفيين، على خلفية تظاهرات 20 سبتمبر، كما يلي:

  •  محمد أكسجين: أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في 21 سبتمبر 2019، ترحيل الصحفي والمدون محمد إبراهيم الشهير بأكسجين، إلى مقر الأمن الوطني بالمعادي، وذلك أثناء تواجده داخل قسم البساتين لتنفيذ التدابير الاحترازية في القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة، والتي كان أكسجين محبوسًا على ذمتها.[1] ورفض قسم البساتين الإفصاح عن مكان احتجاز أكسجين، منكرًا تواجده داخل القسم أو معرفته بمكانه. وكانت الشبكة العربية قد أعلنت تواصل أكسجين تليفونيًّا بمديرها من داخل قسم البساتين، أثناء تأديته التدابير وإبلاغه أن ضابطًا من الأمن الوطني جاء لاصطحابه إلى مقر الأمن الوطني في المعادي.

ونشط أكسجين في رصد وتصوير المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي انطلقت في 20 سبتمبر 2019. وقبل صدور هذا التقرير، ظهر أكسجين بنيابة أمن الدولة متهَمًا في القضية رقم 1356 لسنة 2018 حصر أمن دولة بعد اختفاء دام 18 يومًا، ووجهت إليه النيابة اتهامات إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة. وأمرت النيابة بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.

  •  عمر هشام:أطلقت قوات الأمن سراح الصحفي بموقع مصراوي عمر هشام، دون تحرير أية محاضر أو توجيه أية اتهامات، بعد احتجاز غير قانوني دام من 20 سبتمبر 2019 إلى 2 أكتوبر 2019.[2] وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على عمر هشام من محيط وسط البلد، أثناء تغطيته احتفالات جماهير النادي الأهلي بالفوز ببطولة السوبر المصري كما ذكر موقع مصراوي.
  • عبد الله غنيم: وفي نفس التوقيت، أطلقت قوات الأمن سراح الصحفي بموقع المنصة عبد الله غنيم، دون تحرير أية محاضر أو توجيه أي اتهامات بعد احتجاز غير قانوني بدأ من 25 سبتمبر 2019. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على غنيم أثناء عودته من بلدته بالمحلة إلى القاهرة.
  • إسلام مصدق: في 1 أكتوبر 2019، أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المصور الصحفي بقناة سي بي سي إسلام مصدق 15 يومًا، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 488 لسنة 2019 أمن دولة. ووجهت النيابة إلى مصدق تهمة مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة، واستخدام حساب بمواقع التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات.

كان مصدق قد ألقي القبض عليه من منزله، فجر 25 سبتمبر 2019، ولم يستدل على مكانه، وعلمت أسرته بعرضه على النيابة وحبسه دون حضور محاميه. وقال موقع مدى مصر في تقرير له عن مصادر أن إدارة قناة سي بي سي فصلت مصدق بعد قرار نيابة أمن الدولة بحبسه.[3]

  • إنجي عبد الوهاب: أمرت نيابة أمن الدولة بحبس الصحفية بالمصري اليوم إنجي عبد الوهاب 15 يومًا على ذمة التحقيقات في المحضر رقم 1338 لسنة 2019 أمن دولة، وذلك في 26 سبتمبر 2019. كانت قوات الشرطة المتمركزة بميدان التحرير قد ألقت القبض على عبد الوهاب في 20 سبتمبر 2019، أثناء المظاهرات. وظل مكان عبد الوهاب غير معلوم ولم تعرض على أي جهة تحقيق حتى 26 سبتمبر 2019، ووجهت نيابة أمن الدولة إليها اتهامات مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة. ولاحقًا أمرت النيابة بإخلاء سبيل الصحفية إنجي عبدالوهاب.
  • المنع من التغطية: في 26 يوليو 2019، طردت الفنانة يسرا والفنانة إلهام شاهين، محررة جريدة الدستور رضوى عبد الغني خارج قاعة عزاء والدة الفنانة يسرا، أثناء قيام المحررة بتغطية العزاء. وذكرت جريدة الدستور أنه أثناء قيام محررتها بتغطية العزاء فوجئت بالفنانة يسرا تتوجه ناحيتها وتسألها عن تحقيق الشخصية.[4] وأضافت الدستور أن عبد الغني أخبرت يسرا أنها صحفية تقوم بتغطية العزاء، ولكن طردتها يسرا من قاعة العزاء بمساعدة الفنانة إلهام شاهين.

وتعرض الصحفي بموقع مصراوي والأهرام الزراعي، أحمد مسعد، في 26 أغسطس 2019، لاعتداء من قبل حرس وزير الزراعة عز الدين أبو ستيت، أثناء تغطيته لاحتفال الوزارة بأوائل خريجي كليات الزراعة بنقابة الزراعيين. وذكر مسعد في تصريحات لموقع كايرو 24 أن الواقعة بدأت بطلب أحد أفراد الأمن المسئولين عن القاعة بنادي الزراعيين رجوع الصحفيين إلى الخلف أثناء التصوير،[5] إلا أنه وبالرغم من تنفيذ التعليمات دفعه أحد أفراد طاقم حراسة الوزير. وأصاف مسعد خلال تصريحاته، طلبت منه الابتعاد وانتقاء الألفاظ إلا أنه قام بدفع الهاتف من يدي قائلًا: “دي مش رغبتي والوزير شايفنا”.

وأكد مسعد أن المكتب الإعلامي تدخل وأبعد حرس الوزير عنه نهائيًّا لاحتواء الموقف. وذكر مسعد أنه قام بالانسحاب من الاحتفالية وتقدم بشكوى رسمية إلى نقابة الصحفيين. من جانبه، صرح عضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عمرو بدر لموقع كايرو 24 بأن الأزمة انتهت باعتذار الوزارة للصحفي، وتقبله للاعتذار وقرر التوقف عن الإجراءات القانونية والنقابية مع وعد من مسئولي الوزارة بعدم تكرار الأزمة مجددًا والالتزام بالتعامل اللائق والكريم مع كل الصحفيين.[6]

  • منع النشر: نشر أستاذ العلوم السياسية مصطفى السيد على حسابه بفيسبوك عن منع مقاله بجريدة الشروق، في 5 أغسطس 2019.[7] وأضاف السيد أن المقال يتحدث عن الوجوه المتعددة للفقر في مصر، واعتمد فيه على بيانات بحث الدخل والإنفاق، الذي أصدره أخيرًا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وقام السيد بالاستعلام عن سبب منع المقال، أضاف أنه عرف أنه يخرج عن إرادة دار الشروق.

الحقوق الرقمية:

 لا تزال السلطات المصرية تقوم بالرقابة على الإنترنت، وقد أظهرت مظاهرات 20 سبتمبر انزعاج السلطات المصرية من قيام بعض المواقع الإخبارية بتغطية الفعاليات المعارضة للرئيس السيسي، ومن جانب آخر تتكرر الاتهامات المتعلقة بممارسة حرية التعبير من خلال الإنترنت. وفي الربع الثالث من العام 2019، برزت محاولات متنوعة من السلطات المصرية لخنق الوصول إلى الإنترنت، بهدف التأثير على المشاركة في مظاهرات سبتمبر.

الرقابة على الإنترنت ومحاولات خنق الوصول إليه:

نشر الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام موضوعًا بعنوان: “الحجب والغرامة عقوبة نشر الشائعات على وسائل الإعلام”،[8] قبل ساعات من انطلاق مظاهرات 20 سبتمبر 2019، ولم يكن الأمر سوى تذكير بالمادة 17 من لائحة الجزاءات الخاصة بالمجلس، والتي حددت أن أي صحيفة أو وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني، يقوم بنشر أو بث أخبار كاذبة أو شائعات أو ما يدعو إلى مخالفة القانون أو التحريض على ذلك، تقع عليها جزاءات تتراوح بين “منع نشر أو بث أو حجب الصفحة أو الباب أو البرنامج أو الموقع الإلكتروني لفترة محددة أو بصفة دائمة”.

وبالفعل تحرك المجلس الأعلى للإعلام في هذا الاتجاه، حيث واجه بعض مستخدمي الإنترنت، في 22 سبتمبر 2019، صعوبة في الوصول إلى موقعي “بي بي سي” و”الحرة”، على شبكات اتصالات متنوعة وفي فترات زمنية متباينة. اتضح أن السلطات المصرية حجبت موقعي الحرة وبي بي سي، حيث  قال مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، لموقع بي بي سي إنه لم يُخطر بشكل رسمي بأسماء المواقع التي حجبت، غير أن معلوماته الأولية تؤكد حجب مواقع إخبارية بسبب نشر أخبار “غير دقيقة” عن المظاهرات.

وفي نفس اليوم، تم حجب موقع أريج، وهو موقع متخصص في الصحافة الاستقصائية ويغطي المنطقة العربية، وكان آخر موضوع مُتعلق بمصر نُشر على أريج هو موضوع بعنوان “خانة الديانة”.[9] بينما تم حجب موقع “حبر”، في 26 سبتمبر2019، بعد نشره خبر “معتقلان أردنيان في مصر: زيارة اعتيادية تنتهي بالاعتقال و”الاعتراف” على الشاشة”،[10] وتناول الخبر تفاصيل القبض على الشابين ثائر مطر وعبد الرحمن الرواجبة، حيث قبض على مطر، في 22 سبتمبر، من محيط ميدان التحرير، بينما قبض على الرواجبة من منزله، فجر اليوم التالي. لاحقًا، ظهر الشابان الأردنيان في برنامج “الحكاية” للإعلامي عمرو أديب، وهما يعترفان بالمشاركة في مظاهرات 20 سبتمبر، وتصوير المظاهرات بهدف نشرها على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي. وفي 2 أكتوبر 2019، أفرجت قوات الأمن المصرية عن كلٍّ من مطر والرواجبة، بينما لا يزال موقع “حبر” محجوبًا في مصر على بعض الشبكات، وحبر كما يُعرف نفسه هو مؤسسة إعلامية ومجلة إلكترونية، انطلقت من الأردن كمساحة لإعلام المواطن تدار بشكل تطوعي، في عام 2007. وتحول موقع حبر إلى مجلة صحفية احترافية، في عام 2012.

وبعد المظاهرات المحدودة التي حدثت في 20 سبتمبر، انطلقت دعوة ثانية للتظاهر في 27 سبتمبر. وقبل خروج مظاهرات أكثر محدودية في 27 سبتمبر، حاولت السلطات المصرية حجب تطبيقات التراسل الفوري أو خنق الوصول إليها،[11] حيث حجبت السلطات المصرية 11 موقعًا لتطبيقات التراسل الفوري، أبرزهم ويكر (Wickr) وسيجنال (Signal)، بينما حاولت السلطات المصرية منع الوصول إلى تطبيقات واير (Wire) وفيسبوك ماسنجر Facebook messenger.

وبهذا، وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 546 موقعًا على الأقل، بعد الهجمة التي صاحبت مظاهرات سبتمبر. وتجدر الإشارة إلى أن بعض المواقع المذكورة تعرضت للحجب لفترة زمنية محدودة، عادت بعدها إلى العمل بشكل طبيعي، بينما البعض الآخر ما زال محجوبًا حتى وقت صدور التقرير.

ومن جانب آخر، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا، في 24 أغسطس 2019، بحجب موقعي الإخبارية والصباح نيوز، وذلك بسبب “ممارسة الابتزاز بنشر أخبار كاذبة تضر بنشاط شركة هواوي في مصر، ومخالفة ميثاق الشرف المهني والمعايير والأعراف المكتوبة”، وفقًا للخبر المنشور على الموقع الرسمي للمجلس، وجاء القرار بعد توصية لجنة الشكاوى بشأن الشكوى المقدمة من الممثل القانوني لشركة هواوي للتكنولوجيا مصر، وموافقة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.[12]وبعد التحقيق في الشكوى أوصت اللجنة بإلزام المواقع المشكو في حقها (الصباح نيوز) و(الإخبارية) بإزالة المحتوى المخالف الذي يمس الشركة، وإلزام المشكو في حقها بتقديم اعتذار واضح وصريح للشركة. وبالرغم من هذه التوصيات، قرر المجلس حجب الموقعين لمدة 3 أشهر، ولكن وفقًا لرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير، فإنه لم يتم تنفيذ القرار ويمكن الوصول إلى المواقع التي تعمل بشكل طبيعي.

  • حرية التعبير باستخدام الإنترنت:

 واصلت السلطات المصرية استهداف النشطاء السياسيين ومستخدمي الإنترنت من خلال توجيه اتهامات تتعلق بإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى صدور قرارات عن نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، وبالتزامن مع الدعوة إلى مظاهرات 20 سبتمبر، قامت السلطات المصرية بالقبض على عدد من النشطاء، على خلفية التعبير عن الرأي باستخدام الإنترنت. وفيما يلي يقدم التقرير عرضًا لهذه القضايا:  

  •  القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة عليا

 ألقت قوات الأمن القبض على الناشط اليساري كمال خليل من منزله في 16 سبتمبر2019، وتم عرضه في اليوم التالي على نيابة أمن الدولة العليا، والتي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات لاتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وذلك في القضية التي حملت رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. وترجع القضية 488 إلى الربع الأول من العام وتحديدًا في مارس، حين ظهرت دعوات تظاهر للتنديد بحادثة قطار رمسيس التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 21 قتيلًا، وفي اليوم المُقرر للتظاهر، رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلقاء القبض على 68 شخصًا من مختلف المحافظات وذلك للاشتباه في تظاهرهم في 1 مارس بالرغم من أن التفاعل مع تلك الدعوات لم يكن واسعًا. جميع من أُلقي القبض عليهم وجهت إليهم اتهامات “الاشتراك مع جماعة إرهابية في إحدى أنشطة تلك الجماعة، استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار تلك الجماعة” في القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.

وبعد يومين من انتهاء مظاهرات 20 سبتمبر، ألقت قوات الأمن القبض على محامية وصحفي وأستاذي جامعة، من أماكن متفرقة وقامت نيابة أمن الدولة بضمهم جميعًا إلى القضية ذاتها. ففي 22 سبتمبر2019، ألقت قوات الأمن القبض على المحامية ماهينور المصري من أمام مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، بعد أن انتهت المصري من حضور تحقيقات النيابة مع أحد المتهمين، وتم اقتيادها إلى جهة غير معلومة. عُرضت المصري على نيابة أمن الدولة العليا في اليوم التالي، ووجهت إليها النيابة الاتهامات نفسها الموجهة إلى الناشط كمال خليل.

وفي 25 سبتمبر 2019، ألقت قوات الأمن القبض على أستاذي العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة، وحازم حسني، والصحفي خالد داوود، رئيس حزب الدستور السابق، ووجهت إليهم نيابة أمن الدولة العليا في القضية ذاتها، رقم 488 لسنة 2019، اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وبث ونشر إشاعات كاذبة تحض على تكدير الأمن العام، وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ببث ونشر إشاعات كاذبة، وتقرر حبسهم جميعًا احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.

  • القضية 1356 أمن دولة عليا

 تم حبس كلٍّ من المبرمج علاء عبد الفتاح والمحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد الباقر على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. في 29 سبتمبر 2019، علمت الدكتورة ليلى سويف والدة علاء عبد الفتاح من قسم الدقي أن عبد الفتاح تم القبض عليه وترحيله إلى نيابة أمن الدولة، وتوجه عدد من المحامين لحضور التحقيقات مع عبد الفتاح ومن بينهم المحامي محمد الباقر، وفوجئ الباقر في مقر النيابة بصدور أمر ضبط وإحضار له على ذمة القضية نفسها المتهم فيها عبد الفتاح. تحفظت قوات الأمن على الباقر وتم التحقيق معه، حيث قررت النيابة حبس الباقر وعبد الفتاح احتياطيًّا على ذمة القضية، لاتهامهما بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها الإرهابية، ارتكاب جريمة من جرائم التمويل لتلك الجماعة مع العلم بغرضها، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بإذاعة وبث ونشر أخبار وشائعات كاذبة عمدًا تؤدي إلى تكدير الأمن العام وتلقي الرعب بين الناس.

في جلسة نظر أمر تجديد حبس عبد الفتاح والباقر يوم 10 أكتوبر 2019، طلب عبد الفتاح إثبات تعرضه للضرب والإهانة منذ وصوله إلى مكان احتجازه في سجن طرة شديد الحراسة 2، وفقًا لمنشور لأخته منى سيف على صفحتها الموثقة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ووضحت أن إدارة السجن قامت بتهديد عبد الفتاح وتحذيره من ذكر ما تعرض له في السجن أمام النيابة.[13]

وإلى جانب هاتين القضيتين، كانت هناك القضية 1338 لسنة 2019، وتضم مئات الأشخاص، ممن تم القبض عليهم على خلفية مظاهرات سبتمبر، ومن بين المتهمين في هذه القضية حازم غنيم، وهو شقيق الناشط وائل غنيم. وبالتزامن مع ظهور المقاول محمد علي، صاحب الدعوة إلى المظاهرات، بدأ وائل غنيم في بث مقاطع فيديو من الولايات المتحدة، حيث يعيش هناك منذ خروجه من مصر منذ عدة سنوات. تطرق وائل غنيم في هذه المقاطع إلى عدة موضوعات متعلقة بالشأن العام في مصر.

وفي 19 سبتمبر 2019، ظهر وائل غنيم في بث على صفحته بفيسبوك بعنوان “أمن الدولة في البيت”، وقال غنيم إن قوات أمن الدولة اقتحمت منزل عائلته في مصر وتقوم بالتحقيق مع أفراد أسرته. وبعد دقائق، أكد غنيم أن قوات الأمن قامت بإلقاء القبض على أخيه طبيب الأسنان حازم غنيم من المنزل واقتادته إلى مكان غير معلوم. وفي منشور آخر على صفحته، أعلن وائل غنيم أن قوات الأمن قامت بالاستحواذ على هاتف والدته الشخصي وجواز سفرها ومبلغ 28 ألف دولار من المنزل.

في اليوم التالي للقبض عليه، قررت نيابة أمن الدولة حبس حازم غنيم على ذمة التحقيق معه في القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، ووجهت إليه النيابة اتهامات المشاركة في تحرك يضم جماعة الإخوان وعناصر إثارية بغرض القيام بأعمال عدائية، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بغرض ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة بغرض تكدير السلم العام وبث الفتنة.

ومن ناحية أخرى، ألقت قوات الأمن القبض على الإعلامي مدحت عيسى في 27 أغسطس 2019، من منزله، بعد أن توجه أمين شرطة إلى منزله للسؤال عنه. ثم جاء إلى منزل عيسى أمين الشرطة برفقة ضابط من الأمن الوطني وفتشا المنزل، رغم عدم إظهار حصولهما على إذن بالتفتيش. بعد الانتهاء من التفتيش، تم تحريز الهاتف الجوال لعيسى، كما حصلا منه على كلمات السر الخاصة بحساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتم اقتياد عيسى بعد وضع عصابة على عينيه إلى مبنى أمن الدولة بمدينة الشيخ زايد، حيث أمضى الليلة هناك، قبل أن يتم اقتياده إلى قسم أكتوبر ثالث وعرضه على النيابة دون حضور محامين. ووجهت النيابة إلى عيسى تهمة إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لبث الشائعات والأخبار الكاذبة، وقررت حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق في القضية رقم 2888 لسنة 2019 إداري قسم ثالث أكتوبر.

ووفقًا لمكالمة هاتفية مع الإعلامي مدحت عيسى، فإن النيابة واجهته بمنشورات على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، من بينهم صورة “لا للتعديلات الدستورية” ومنشورات أخرى معارضة للنظام الحاكم، ولم يتعلق التحقيق بعمله كإعلامي حيث تم وقفه عن العمل منذ 3 سنوات. وفي جلسة 31 أغسطس، تقرر إخلاء سبيل الإعلامي مدحت عيسى، لكن النيابة استأنفت على القرار. وفي جلسة 2 سبتمبر 2019، تم رفض استئناف النيابة، وتأييد إخلاء سبيله بكفالة 20 ألف جنيه على ذمة التحقيقات.

حرية الإبداع:

 امتدت الممارسات الأمنية الهادفة إلى قمع مظاهرات سبتمبر إلى المبدعين، ورغم أن هذه الانتهاكات تعرض لها المبدعون بشكل عشوائي وليس ارتباطًا بممارسة الإبداع، فإنها أثارت انتباه مجتمع الفنانين والكتاب والأدباء، الذين سعوا إلى الدفاع عن زملائهم وإدانة الممارسات الأمنية، وأغلب المبدعين الذين قبض عليهم تم ضمهم إلى القضية 1338 أمن دولة عليا، ويقدم التقرير ملابسات القبض على المبدعين كما يلي:

  •  مينا سمير إبراهيم الدفشي:

ألقت قوات الأمن القبض على المخرج مينا سمير الشهير بمينا الدفشي، في 23 سبتمبر 2019، من محيط ميدان التحرير، حيث كانت قوات الأمن تستوقف المارة، وتقوم بتفتيش هواتفهم المحمولة وتصفح حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. تم عرض الدفشي على نيابة أمن الدولة العليا، في 28 سبتمبر 2019، ووجهت إليه النيابة اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، بث ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الاشتراك في تظاهرة بدون ترخيص، على ذمة القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.

تقدم المخرج مسعد فودة نقيب المهن السينمائية ورئيس اتحاد الفنانين العرب بطلب إلى النائب العام جاء فيه أن النقابة تشهد “بحسن سلوك وسمعة المخرج مينا سمير إبراهيم يوسف ونقرر بأنه كان في طريقه إلى منزله ولم يكن مشاركًا بأي أعمال مخالفة للقانون”، وطلب أيضًا النقيب أن يتم “اتخاذ ما يلزم قانونيًّا نحو تفريغ الكاميرات المحيطة بمكان القبض على المخرج مينا سمير إبراهيم يوسف عضو نقابة المهن السينمائية لإثبات انتفاء صلته بأي وقائع نُسبت إليه”.[14]

وفي 9 أكتوبر 2019، نشر مجموعة من العاملين في مجال السينما بيانًا لمطالبة النائب العام ووزير الداخلية ورئيس نيابة أمن الدولة العليا بسرعة إخلاء الدفشي سبيله وحُسن معاملته حيث أنه لم يشارك في أي أعمال ضد القانون، ووقع على البيان عدد كبير من المخرجين والممثلين والمنتجين، من بينهم المخرج داوود عبد السيد والمخرج يسري نصر الله. وأكد البيان على أن الدفشي قُبض عليه أثناء خروجه من محطة مترو بالقرب من ميدان عبد المنعم رياض “حيث كان في الطريق إلى منزله لم يكن ينوي المشاركة في مظاهرات ولَم يكن هناك مظاهرات في هذا اليوم من الأساس”.[15] تم إخلاء سبيل مينا الدافشي، في 24 أكتوبر 2019، قبل صدور التقرير.

  • تُقى طارق:

ألقت قوات الأمن القبض على المغنية تُقى طارق من محيط وسط البلد، في 29 سبتمبر 2019، ولم يُستدل على مكان وجودها، حتى تم عرضها على نيابة أمن الدولة العليا، في 2 أكتوبر. حيث وجهت النيابة إلى تقى طارق اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وبث ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والاشتراك في تظاهرة بدون ترخيص، وقررت حبسها على ذمة القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. تم إخلاء سبيل تقى طارق، في 24 أكتوبر 2019، قبل صدور التقرير.

  • عز درويش:

ألقت قوات الأمن القبض على الكاتب المسرحي عز درويش، في يوم 29 سبتمبر 2019، في شارع شامبليون بمحافظة الإسكندرية. تم عرض درويش على نيابة أمن الدولة العليا، في 1 أكتوبر 2019، وقررت النيابة حبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. وواجه درويش اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وبث ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الاشتراك في تظاهرة بدون ترخيص.

من جانب آخر تعرض اثنان من المبدعين للاحتجاز دون توجيه اتهامات، حيث تم إخلاء سبيلهما لاحقًا، وهما: الشاعرة أمينة عبد الله والكاتب محمد علاء الدين، حيث قامت قوات الأمن بوقف الشاعرة أمينة عبد الله، في 21 سبتمبر 2019، أثناء تجولها في وسط البلد بالقاهرة على مقربة منزلها، واحتجزتها في مكان غير معلوم. وبعدها بثلاثة أيام، تم وقف الكاتب محمد علاء الدين بصورة مشابهة من منطقة الدقي حيث يسكن، ولم يستدل على مكان أيٍّ منهما لمدة أيام.

ورغم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمعرفة مصيرهما، فإن الأجهزة المعنية لم تقدم أي إفادات، ما دفع بعض الكُتَّاب والمثقفين إلى نشر بيان، في 29 سبتمبر 2019، لمطالبة الجهات المختصة بالكشف عن أماكن تواجدهم،[16] وقالوا في البيان: “نطالب، نحن الموقعين على هذا البيان، من كتاب مصر ومثقفيها، الجهات المختصة بالكشف الفوري عن مكان تواجد الروائي محمد علاء الدين والشاعرة أمينة عبد الله، وتوفير كل الضمانات التي تكفل لهما حريتهما، وحقهما في التعبير عن الرأي، كما نطالب نقابة اتحاد كتّاب مصر، ووزارة الثقافة، بالقيام بالدور المنوط بهما في حماية الكتّاب والمثقفين”. ووقع على البيان أكثر من مئتي روائي وناشر وعاملٍ في مجال الكتابة والإبداع، وكان هذا قبل أن يتم إطلاق سراح أمينة عبد الله في 1 أكتوبر 2019، وفي اليوم التالي تم إطلاق سراح محمد علاء الدين، دون تحرير أي محاضر أو عرضهما على النيابة.

وعلى مستوى الهجمة التي تمارسها نقابة المهن الموسيقية على أغاني المهرجانات، فقد أصدر نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر قرارًا بمنع مطربي المهرجانات من الغناء في الساحل الشمالي، في 10 يوليو 2019. كما أرسل شاكر طلبًا إلى مدير أمن مرسى مطروح يرجو منه التعاون مع لجنة التفتيش المفوضة من النقابة بالساحل الشمالي لكي يتم “منع تشغيل كل من هو غير عضو أو حاصل على تصريح عمل من النقابة ممن يطلق عليهم مطربي المهرجانات”. كما طلب أيضًا نقيب الموسيقين أن يتم “تحرير محاضر للمخالفين والغير مقيدين والغير مصرح لهم بالعمل من النقابة وتسليمها إلى قسم الشرطة المختص”.[17]

ولم تتوقف النقابة عند هذا الحد، حيث أصدرت قرارًا بمنع التعامل مع 16 فنانًا من فناني المهرجانات، على رأسهم حمو بيكا ومجدي شطة و”جميع فرق المهرجانات وجميع من لا يحمل كارنيه نقابة المهن الموسيقية”، وذلك في 8 أغسطس 2019.[18] وجاء أيضًا في القرار تنويه إلى جميع المنشآت الحكومية وغير الحكومية والمحلات السياحية والفنادق والقرى بتنفيذ ذلك القرار، والنص على أن “من يخالف هذا القرار يعرض نفسه للمساءلة القانونية”.

وهددت النقابة بحبس مطربي المهرجان المذكورة أسماؤهم في القرار وفقًا للمادة (5) مكرر من القانون رقم 35 لسنة 1978، فيما يعد مخالفة للدستور المصري الذي يكفل حرية التعبير والإبداع الفني، حيث تنص المادة (67) على أن “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري”.

وترجع معركة الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية مع مطربي المهرجانات وتحديدًا الفنان حمو بيكا إلى الربع الأخير من العام 2018، حين قامت نقابة المهن الموسيقية بإلغاء حفلتين لبيكا “حفاظًا على الذوق العام”. وفي نوفمبر 2018، قام محامي النقابة بتحرير محضر ضد بيكا أثناء استعداده لإقامة حفل غنائي في الإسكندرية، واتهمته النقابة بـ”بالغناء بدون ترخيص وتلويث الذوق العام”، وتم إحالة البلاغ الذي حمل رقم 13812 لسنة 2018 إداري الدخيلة، إلى محكمة جنح الدخيلة والتي أصدرت حكمًا بحبس بيكا لمدة ثلاثة أشهر على خلفية مزاولة مهنة الغناء، وإذاعة حفل سمعي وبصري، دون الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة.

وفي 10 إبريل 2019، أيدت محكمة جنح مستأنف الدخيلة حكمًا بحبس الفنان حمو بيكا لمدة شهرين مع الشغل والنفاذ لاتهامه بإقامة حفل غنائي بدون ترخيص. وفي 30 إبريل 2019، تم قبول استشكال بيكا على الحكم بحبسه ووقف تنفيذ العقوبة إلى حين الفصل في الطعن وتم إخلاء سبيله. ويذكر أن حمو بيكا قد توجه، في فبراير 2019، إلى نقابة المهن الموسيقية للحصول على تصريح للغناء، ولكن النقابة رفضت منحه العضوية العاملة أو المنتسبة أو حتى تصريحًا مؤقتًا بالغناء.[19]

 الحرية الأكاديمية:

 شملت الهجمة الأمنية المصاحبة لمظاهرات سبتمبر إلقاء القبض على اثنين من أبرز أساتذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهما حازم حسني وحسن نافعة، كما أشار التقرير في الجزء الخاص بالحقوق الرقمية. وإلى جانب اتهامهما في القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة عليا، فقد باشرت نيابة أمن الدولة العليا التحقيقات مع الدكتور حسن نافعة، على ذمة قضية جديدة، في 5 أكتوبر 2019، وذلك على خلفية بلاغ مُقدم ضده من المحامي طارق محمود محمد.

وحملت القضية رقم 397 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وواجه نافعة اتهامات مشاركة جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، ارتكاب أحد جرائم تمويل الإرهاب بتلقي أموال بقصد الإضرار بمصلحة قومية تحقيقًا لأغراض جماعة إرهابية، إذاعة عمدًا أخبارًا وبيانات وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، استخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام السابق. وكانت آخر تغريدة لنافعة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قبل القبض عليه تطالب برحيل الرئيس السيسي لأن “استمرار حكم السيسي المطلق سيقود إلى كارثة”، بحسب نص التغريدة.

وقبل مظاهرات سبتمبر، كانت هناك ملاحقات لبعض أساتذة الجامعات بسبب التعبير عن الرأي بشأن أوضاع العمل في الجامعات. وفي 4 سبتمبر 2019، أمرت نيابة جنوب الزقازيق بحبس طارق الشيخ، أستاذ بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق، على ذمة القضية رقم 518 لسنة 2019 قسم أول الزقازيق، والمتهم فيها بترويج معلومات ومفاهيم مغلوطة. كان الشيخ قد ألقي القبض عليه من منزله في 31 أغسطس 2019، على خلفية مشاركته في التدوين ضمن هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلقه بعض أعضاء هيئة التدريس تحت عنوان: “علماء مصر غاضبون”. وتهدف حملة علماء مصر غاضبون زيادة مرتبات أعضاء هيئة التدريس.