انتهاكات الحرية الأكاديمية (ورقة مقدمة للحوار الوطني)

تاريخ النشر : الثلاثاء, 27 يونيو, 2023
Facebook
Twitter

 

مقدمة:

 

شهد المناخ الأكاديمي منذ العام الدراسي 2013/2014  ترديا مستمرا ومتصاعدا. فيتعرض الأكاديميون والطلاب إلى انتهاكات واسعة ومستمرة تهدف إلى السيطرة الكاملة على الحقوق والحريات الأكاديمية والطلابية داخل الجامعة وخارجها. كما تهدف إلى القضاء على استقلالية الجامعة واستقلالية اتخاذ القرار ومشاركة الجامعة في الشأن العام والحياة السياسية بشكل عام. وقد تنوعت تلك الانتهاكات ما بين تدخلات من السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية فى الشئون الادارية واختيار قيادات الجامعة، تقييد الحرية الأكاديمية، وانتهاك الحقوق الطلابية من خلال القضاء على  الحركة الطلابية فى مصر وما أنتجته من تأثير فى المطالبة بلائحة طلابية تمثل الطلاب وتصون حقوقهم وحريتهم داخل الحرم الجامعي. أدى ذلك كله إلى تقليص مساحة الحريات فى الجامعة وخلق مساحة من الخوف والارتياب أدت إلى خلق رقابة ذاتية من جانب الأساتذة والباحثين والطلاب تمنع أي طرف من التعبير عن رأيه وأفكاره بأي شكل من الأشكال خوفا من التعسف والتنكيل.

تتناول الورقة وضع الجامعة فى مصر من خلال: أولا وضع استقلالية الجامعة. ثانيا: وضع الحرية الأكاديمية. ثالثا: الحريات الطلابية.

 

استقلالية الجامعة:

 

ينص دستور 2014 في المادة 21 ” تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية..”. [1]ويمتد مبدأ استقلالية الجامعة إلى استقلال الجامعة المالي والإداري والأكاديمي والذي يشتمل على اختيار قيادات الجامعة، واتخاذ القرار فى مجلس الجامعة، استقلال أعضاء هيئة التدريس، حرية البحث والتدريس واستقلال الشئون الأكاديمية، والتمتع بالحريات والحقوق الطلابية.[2]

وتخضع الجامعات منذ عام 1972 لقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 الذي تم إصداره فى عهد الرئيس السادات. وقد أدخلت العديد من التعديلات على هذا القانون دون إصدار قانون جديد يساير المتغيرات السياسية والاجتماعية وخاصة بعد يناير 2011.[3]

أولا: اختيار القيادات الجامعية وتأثير ذلك على صنع القرار:

تمثل اشكالية اختيار القيادات الجامعية واحدة من أهم محددات استقلالية الجامعات. وقد ظل اختيار القيادات مثار جدل سياسي وأكاديمي لفترة طويلة وخاصة بعد يناير 2011. وقد نص قانون تنظيم الجامعات لعام 1972 على اختيار قيادات الجامعة مثل رئيس الجامعة، عميد الكلية، ورئيس القسم عن طريق التعيين.  في ذلك  نصت المادة 25 من قانون 1972 لتنظيم الجامعات على تعيين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بعرض من وزير التعليم العالي. ويجوز إقالته من منصبه قبل انقضاء مدة تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية بناءا على طلب المجلس الأعلى للجامعات. [4] أما المادة 43 تنص على  تعيين عمداء الكليات بقرار من رئيس الجمهورية. ويتم اختيارهم بالاقتراع السري في مجلس الكلية ويتم ارسال ثلاثة أسماء إلى رئيس الجامعة الذي يرشح أحدهم إلى وزير التعليم العالي[5]

وبعد ثورة يناير 2011، ونتيجة جهود تيار استقلال الجامعات والحركات الطلابية، تم اعتماد أول نظام ديمقراطي لاختيار قادة الجامعات بالانتخاب. وأيضا انتخاب عمداء الكليات عن طريق الاقتراع السري المباشر من أساتذة الكلية وبنسبة من الهيئة المعاونة. و استمر هذا الوضع حتى 24 يونيو 2014، وذلك عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بقانون يتضمن تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 ليتم العودة الى تعيين قيادات الجامعات بدلا من انتخابهم. وقد تم تعديل  المادة 25 والتي تنص على: “يعين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالي. وذلك من بين ثلاثة أساتذة ترشحهم لجنة متخصصة…” [6]

وتخالف هذه التعديلات بتعيين القيادات الجامعية المادة (21) من الدستور المصري التي تنص على أن تكفل الدولة استقلال الجامعات، والمجامع العلمية واللغوية. حيث يتضمن استقلال الجامعة عدم تدخل الدولة أو أي جهة أخرى خارجية فى الشؤون الإدارية للجامعة وطريقة اختيار قياداتها.

وترجمة لهذا القانون، صدر القرار رقم 2665 لسنة 2015 عن وزارة التعليم العالي لتشكيل اللجنة المختصة بترشيح رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد وتنظيم عملها وإجراءات وشروط الترشح. ثم أخيرًا أعاد القرار الوزاري رقم 293 لسنة 2021 ترتيب إجراءات تشكيل اللجان القائمة على اختيار القيادات الجامعية، وألحق بها شروط للمفاضلة بين المرشحين.

نتيجة لذلك عُرقلت ترقيات إدارية داخل الجامعة بسبب  توجهات  أصحابها السياسية  على أساس تعليمات من الأمن. كما يشير تبني سياسة التعيين إلى هيمنة السلطة التنفيذية على اختيار قيادات الجامعة وعرقلة استقلال الجامعات عن طريق التحكم فى التخطيط وتنفيذ سياسات إدارة الجامعة بشكل يوفي احتياجات ومتطلبات كل جامعة. [7]

 

ثانيا: الموارد المالية للجامعة:

استمر الخطاب الرسمى منذ السبعينيات على تأكيد استقلال الجامعات، بمعنى حق كل جامعة في أن تضع لنفسها ما تراه من لوائح، وأكاديمياً بمعنى حق كل جامعة فى أن تنشئ من الكليات والتخصصات ما ترى أنه فى إطار احتياجات المجتمع.  إلا أن الجامعات لا تزال بعيدة عن الاستقلال الحقيقي. فالدولة بحكم إنفاقها على الجامعة تسيطر على مجمل الشئون الجامعية من خلال المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالى إذ تتولى تعيين القيادات الجامعية متمثلين في رؤساء الجامعات ونوابهم وأمناء الجامعات. ويتولى رؤساء الجامعات تعيين العمداء والوكلاء ورؤساء الأقسام بشرط موافقة السلطات الأمنية. وهنا تثار بعض التساؤلات التى تدور حول كيفية تحقيق التوازن بين مبدأ الإدارة المستقلة للجامعات مع اعتمادها على التمويل الحكومى الذى يصل إلى 75% من مجمل الميزانيات الجامعية والحقوق التي تترتب على هذا التمويل. حيث يؤدي التمويل الحكومي إلى حق الحكومة ( السلطة التنفيذية) فى الاشراف المباشر على الشئون التعليمية والبحثية في الجامعات، حق وزير التعليم العالي أن يصدر توجيهاته للجامعات فى الشئون المختلفة، وحق تدخل الحكومة وأجهزة الأمن فى الجامعات. [8] وبذلك فقد أدى اعتماد الجامعات على الموارد الحكومية إلى فقدان استقلال الجامعة وتابعيتها المالية والإدارية والأكاديمية إلى السلطة التنفيذية.[9]

الحرية الأكاديمية:

 

تعرف الحرية الأكاديمية طبقا لإعلان الحرية الأكاديمية الصادر عن  المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات بجامعة كولومبيا بأنها: “حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم”.[10] وقد تعرضت الحرية الأكاديمية لتضييقات وانتهاكات على عدة مستويات كان من أهمها

تقييد حرية البحث والتدريس ، حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام، قوانين العزل من الوظيفة، فرض حصول أعضاء هيئة التدريس على موافقة أمنية قبل السفر إلى الخارج وذلك بالرغم من استيفاء كافة الإجراءات والموافقات الأكاديمية والإدارية من الجامعة، و وضع قيود على استضافة الباحثين الأجانب وعرقلة عملهم البحثي فى مصر و ملاحقتهم أمنيا.

 

أولا: حرية البحث والتدريس:

تنص المادة 23 من الدستور المصري على حرية البحث العلمي[11]. وبالرغم من ذلك استمرت الجامعة منذ 2013 في التضييق على الحرية الأكاديمية  من خلال وضع القيود والتدخل فى مساحات البحث والتدريس وتحديد صلاحيات الأستاذ الجامعي الى أدنى الحدود وذلك من خلال أولا: شطب رسائل علمية لأسباب سياسية. [12] ثانيا: تدخل إدارة الجامعة فى حرية البحث والتدريس. في هذا السياق أحالت كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية أستاذ مادة هندسة البيئة، الدكتور هيثم عوض، إلى التحقيق بسبب إشارته إلى مصرية جزيرة تيران في سؤال أورده بامتحان مادته.

وتستمر الجامعة أيضا بالتدخل فى حرية التدريس تحت دعوى حماية الأخلاق وقيم المجتمع.  حيث لم تتوقف القيود المفروضة على حرية البحث والتدريس بسبب اعتبارات سياسية، بل تجاوزتها إلى فرض قيود خاصة بتناول أمور الدين أو الجنس. وكذلك القيود المتعلقة بمراقبة السلوك الشخصي وما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية. فقد أيدت المحكمة الإدارية العليا قرار رئيس جامعة السويس بعزل الدكتورة منى البرنس، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب من الوظيفة بعد إحالتها إلى مجلس تأديب على غرار نشر مقاطع  على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لها وهي ترقص فوق سطح منزلها. وقد اعتبرت الجامعة أن تلك الفيديوهات مسيئة للآداب. كما لم تلتزم منى البرنس بتدريس المنهج العلمي بكلية التربية وتم اتهامها بازدراء الأديان، وظهرت في عدة برامج تليفزيونية بدون اذن الجامعة. وأدلت بتصريحات تخالف التقاليد والقيم الجامعية والعامة والأخلاق مما يتنافى مع دورها كأستاذ جامعي.

ثالثا: تدخل وزارة التعليم العالي في حرية البحث والتدريس. يمثل التدخلات من وزارة التعليم العالي لتقييد حرية البحث والتدريس واحدة من أهم الانتهاكات التي تتعرض لها الحرية الأكاديمية. في هذا السياق يمكن الاستشهاد باعتراض  وزير التعليم العالي على أحد الأسئلة الواردة بامتحان لطلاب كلية الحقوق لتناولها بيان القائد العام للقوات المسلحة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي (بيان 3 يوليو 2013)، أو مخاطبة الوزير بخلو المحتوى العلمي  لكافة الأقسام العلمية فى الجامعات من أي إساءة بالتصريح أو التلميح بشأن المجتمعات أو الدول أو الأفراد في الدول الصديقة.

عامة تسعى تلك التدخلات سواء من جانب الكلية أو الجامعة أو وزارة التعليم العالي في حرية البحث والتدريس إلى تحجيم دور الجامعة فى الاشتباك مع القضايا الراهنة التي تواجه المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. مما يؤدي إلى عزل الجامعة عن الواقع وخفوت دورها وتأثيرها في الحياة العامة.

 

ثانيا:  حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام:

لقد اتخذ التضييق على حرية الرأي والتعبير على مستوى إدارات الجامعات خلال السنوات السابقة أشكالا متعددة.  أهمها حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام من خلال الظهور الإعلامي أو كتابة المقالات والتصريحات الصحفية أو على منصات التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، أصدرت إدارة جامعة كفر الشيخ، في سبتمبر 2015، قرارا بحظر الظهور الإعلامي وإصدار أو نشر أية مقالات أو تصريحات صحفية، إلا بإذن مسبق من رئيس الجامعة أو موافقة كتابية من  الجهات المختصة بالجامعة، وتبعتها في ذلك جامعة قناة السويس في نوفمبر 2015.[13]

ثالثا: العزل من الوظيفة:

في يناير 2015 أصدر الرئيس السيسي تعديلا جديدا على قانون الجامعات ينظم حالات عزل عضو هيئة التدريس وإجراءات مساءلته. ونصت المادة 110 المعدلة من القانون على معاقبة عضو هيئة التدريس بالعزل في 4 حالات هي: “إذا اشترك أو حرض أو ساعد على العنف أو أحداث الشغب داخل الجامعات أو أي من منشآتها، إذا مارس أي من الأعمال الحزبية داخل الجامعة، وإذا أدخل سلاحاً من أي نوع أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو أدوات تعرض الأفراد والمنشآت والممتلكات للضرر والخطر، أخيرا إذا ارتكب أي فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس أو يمس بنزاهته وكرامته وكرامة وظيفته”.[14]

تنافي تلك البنود المادة 74 من الدستور والتي تنص على حق المواطنين فى تكوين أحزاب سياسية.[15] كما تثير تلك التعديلات تساؤلات  حول الحقوق السياسية والمدنية والحريات الشخصية لأساتذة الجامعات. وتقيد مساهمتهم في المجال السياسي و ممارستهم لحق التعبير عن الرأي والمشاركة في الشأن العام. وفي الحقيقة تهدف هذه التعديلات بشكل رئيسي إلى إقصاء وعزل الأساتذة ذوي الأفكار والآراء المعارضة للنظام. كما تعطي تلك التعديلات سلطات للجامعة ليست من اختصاصها. فالجامعة مؤسسة اكاديمية من أين لها أن تحدد نشاط الأستاذ الحزبي أو إثارته للشغب والعنف إلا بالاعتماد على تقارير أمنية، وهو ما يسمح بتغلغل الأجهزة الأمنية فى الجامعة وشئون أعضاء هيئة التدريس بدون وجه حق.

رابعا: الموافقة الأمنية على سفر الأساتذة:

تقيد الموافقة الأمنية اللازمة لسفر أعضاء هيئة التدريس الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس من خلال منعهم من البحث والتدريس في جامعات خارج مصر. كما تعيق تواصلهم مع أقرانهم لتبادل المعرفة والنقاش العلمي ومواكبة التطورات في مجال تخصصهم. [16]

لا يتضمن القانون رقم (49) لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات أي نص يلزم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالحصول قبل سفرهم على موافقة ما يعرف “بالإدارة العامة للاستطلاع و المعلومات”، وهي إدارة داخلية تابعة لوزارة التعليم العالي غير معلن عن مهامها وطبيعة اختصاصاتها. كما تعد الموافقة الأمنية انتهاكا للمادة (21) من الدستور المصري التي تنص على “تكفل الدولة استقلال الجامعات..”، فوزارة التعليم العالي وغيرها من مؤسسات الدولة الأمنية لا يجوز لها التدخل في شئون الجامعات الإدارية أو المالية أو العلمية.

بالرغم من ذلك ترفض الجامعات سفر أعضاء هيئة التدريس بسبب عدم الحصول على الموافقة الأمنية. فعلى سبيل المثال  في نوفمبر 2015 رفضت إدارة جامعة عين شمس منح المدرس بكلية الهندسة محمد حسن سليمان الموافقة النهائية على سفره في منحة إلى الولايات المتحدة، رغم استيفاء كافة المتطلبات والموافقات من الجامعة، بسبب عدم ورود الموافقة الأمنية. مما أدى إلى عدم حصوله على المنحة. [17]

خامسا: التبادل الأكاديمي: قيود على الاستضافة:

تخضع اتفاقيات التعاون بين الجامعات الحكومية والجامعات الأجنبية إلى رقابة وسيطرة الأجهزة الأمنية والتي تملك القرار الأخير فى إتمام الاتفاقيات من عدمه .كما يتعرض الباحثون الأجانب فى مصر الى تضييقات أمنية أثناء إجرائهم بحوث ميدانية رغم امتلاكهم أوراق رسمية تثبت عملهم البحثي. تؤدي هذه الضغوط إلى عدم استمرار الباحثين فى مصر وعودتهم إلى بلدانهم. في هذا السياق يمكن تسليط الضوء على  تعذيب ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني  في 2016 من قبل أجهزة الأمن. كان ريجيني باحث دكتوراه وزائر فى الجامعة الأمريكية وكان يجري بحثا عن نقابة الباعة الجائلين فى مصر. أيضا هناك باحث الماجستير الذي تم توقيفه عدة مرات من قبل الأمن المصري أثناء إجراءه بحثا ميدانيا، رغم اشتراكه في برنامج دراسي بين جامعة مصرية حكومية وجامعة أوروبية، ووجود أوراق رسمية تثبت عمله البحثي، وفي كل مرة كان يتم التحقيق مع الطالب وتوجه إليه أسئلة عن سبب تواجده وطبيعة النشاط الذي يقوم به، قبل أن يتم إطلاق سراحه. وهكذا واجه الطالب ضغوطا أمنية شديدة، ولم يتمكن من الاستمرار في دراسته بمصر، وقرر الرحيل إلى بلده مرة أخرى. [18]

الحقوق الطلابية:

 

اللائحة الطلابية واتحاد طلاب مصر:

اللائحة الطلابية هي جزء من قانون تنظيم الجامعات وتتضمن المواد الخاصة باتحادات الطلاب من حيث كيفية انتخابها واللجان المندرجة تحتها، بما يفتح المجال للأنشطة الطلابية المختلفة. [19]وقد شهد نضال الطلاب لإنشاء لائحة تضمن حقوقهم وحريتهم فى الجامعة عدة محطات مهمة بدأت منذ 1952 بعد ثورة يوليو. وبعد ثورة يناير تميزت الحركة الطلابية بنشاط متصاعد وقوي . وقد مرت اللائحة الطلابية على مدار سبع سنوات من 2011 حتى 2017 بمنعطفات عديدة.

ففي 2011 سعت القوى الطلابية إلى تشكيل الاتحاد العام لطلاب مصر، وكان في هذا الوقت يتم العمل بلائحة 2007 والتي عرفت باسم (لائحة أمن الدولة)، والتي تم اعتمادها بقرار جمهوري رقم 240 بعد إدخال بعض التعديلات على لائحة 1979. واتفق رؤساء الاتحادات بـ 20 جامعة حكومية و12 جامعة خاصة على صيغة مشتركة لضبط عمل الاتحاد الموحد، لحين تعديل اللائحة.  وتضمنت تلك الصيغة أن يكون اتحاد طلاب مصر هو الممثل الشرعي الذي من خلاله يمارس الطلاب أنشطتهم المختلفة.

في عام 2013 أصدر رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل لائحة تنفيذية جديدة للانتخابات الطلابية، والتي أقرت الاتحاد العام لطلاب مصر، وأتاحت قانونيا اختيار اتحاد الطلاب بالتصويت بأي عدد من الأصوات، كما أصدر وزير التعليم العالي حينذاك مصطفى مسعد لائحة مالية وإدارية، ونصت اللائحتان على تشكيل اتحاد طلاب مصر، لتجري الانتخابات في ذلك العام.[20]

بعد عزل الرئيس مرسي في 2013، سعت السلطة الجديدة إلى القضاء على الأصوات المعارضة لها واستهدفت اتحادات الطلاب. فتم استخدام القمع الأمني من جانب قوات الشرطة والجيش فى الجامعة لقمع أي تظاهرات لطلاب الجامعات وخاصة طلاب جماعة الاخوان المسلميين. كما اعتقلت السلطات الآف من الطلاب. حيث تم السماح للشرطة بدخول الحرم الجامعي في أي وقت ترى فيه تهديدات على الجامعة.  كذلك واجه الطلاب تعسفات ادارية، حيث قامت الجامعات بفصل آلاف من الطلاب على خلفية نشاطهم السياسي داخل الجامعة ومنع لأنشطة وفعاليات وتسليم الطلاب إلى الشرطة أحيانا. [21] و أدخلت الحكومة تعديلات على القوانين المتعلقة بالطلاب والتي منها على سبيل المثال إضافة المادة 184 مكرر لقانون تنظيم الجامعات والتي تمنح رؤساء الجامعات الحق في فصل الطلاب “المخربين” نهائيًا. واخيرا عطلت الدولة انتخابات الاتحادات الطلابية لعامين دون أي سبب قانوني في 2014-2015.

وقد أدخل كلا من الوزير سيد عبد الخالق والوزير أشرف الشيحي تعديلات على اللائحة المالية والادارية للاتحادات الطلابية تسعى الى التحكم فى الانتخابات. [22]ففي 2014 أصدر السيد عبد الخالق القرار رقم 4951 لسنة 2014، باعتماد لائحة مالية وإدارية جديدة للاتحادات الطلابية، ووقف العمل باللائحة المالية والإدارية التي تم وضعت عام 2012 ، لوجود بعض المخالفات بها. و فى عام 2015 أعلن الدكتور أشرف الشيحي عن إجراء الانتخابات الطلابية وفق لائحة عام 2007 والتي لا يوجد بها بند خاص باتحاد طلاب مصر، مشيرا إلى أن لائحة 2013 مطعون عليها ولن يتم إجراء الانتخابات بها حتى يفصل في الطعن.وأعلنت القيادات الجامعية حينها أن قرارات الشيحي  هي تعسف تجاه الحركة الطلابية. دفع ذلك وزارة التعليم العالي إلى الإعلان عن تشكيل لجنة جديدة لوضع مقترحات لتعديل اللوائح القديمة للاتحادات الطلابية.

كان على رأس تلك التعديلات إضافة بعض الشروط الواجب توافرها في المرشحين لانتخابات الاتحادات الطلابية والتي كان أهمها: عدم انتماء المرشح إلى جماعة إرهابية ووجوب أن يكون للمرشح نشاط طلابي سابق. وقد اتسمت تلك المعايير بالغموض والعمومية. فكيف يمكن للجامعة تحديد انتماء الطالب الى جماعة ارهابية او  مدى مشاركته فى الانشطة الطلابية. فى الأساس عمدت تلك التعديلات الى اقصاء الطلاب المعارضين وتحديدا طلاب الإخوان المسلمين من المشاركة فى الانتخابات. [23]

في أغسطس 2017، أعلن المجلس الأعلى للجامعات برئاسة الدكتور خالد عبد الغفار اعتماده اللائحة الطلابية الجديدة، القائمة حتى الآن. ألغت اللائحة اتحاد الطلاب على المستوى القومي واكتفت باتحادات الكليات والجامعات على غرار لائحة 1979 والمعدلة في عام 2007.[24]

نصت اللائحة الجديدة على بنود للترشح من ضمنها: أن يكون الطالب مستجدًّا في فرقته، أن يكون له نشاط طلابي موثق، أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، ألا يكون قد وقع عليه جزاء تأديبي، ألا يكون قد حكم عليه في عقوبة جنائية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، وألا يكون منتميا إلى أي تنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون.

عكست تلك البنود تعسفا من الجامعة و تضييقا على حق الطلاب فى الترشح والمشاركة فى الاتحادات الطلابية. وأعطت مجالا أوسع للجامعة لاستخدام سلطتها فى اقصاء الطلاب المعارضين والمستقلين من الانتخابات. كما أعطت للجامعة سلطة تحديد ما إذا كان الطالب ينتمي الى جماعة ارهابية. ونتج عن اللائحة الجديدة أمرين؛ إلغاء اتحاد  طلاب مصر و اقصاء الطلاب المعارضين والمستقلين أو من لا ترغب الجامعة فى ترشحه من الأساس. وأدت تلك التعديلات على اللائحة بالاضافة الى انتهاكات الأمن داخل الجامعة والانتهاكات الإدارية من الجامعة إلى انزواء الحركة الطلابية فى مصر وتراجع أثرها.

 





[1]الدستور المصري، "المادة 21"، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://dostour.eg/2013/topics/basic-components/state-35-4/comment/85250/

[2] منة عمر، "هكذا تحرك الطلبة والأساتذة من أجل الدفاع عن مفهوم استقلال الجامعة فى مصر"، المفكرة القانونية، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3QKTOLi

[3]محمد عبد السلام، "قيد الدراسة.. عن كيفية إصدار قانون التعليم العالي وضمانات التشاركية"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://afteegypt.org/research/policy-papers/2016/08/30/12439-afteegypt.html

[4]"قانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات "، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/30Hd4OB

[5] المرجع السابق.

[6]“ قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 52 لسنة 2014"، الجريدة الرسمية، العدد 25، 24 يونيو 2014، تاريخ الاطلاع 15 يناير 2023، متاح على الرابط: https://manshurat.org/node/12946




[7] “ اختيار القيادات الجامعية فى إطار استقلالية الجامعات"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 29 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

https://afteegypt.org/research/policy-papers/2021/12/29/27862-afteegypt.html#_ftn10

[8] عواطف عبد الرحمن، " استقلال الجامعات إشكالية تتجدد"، الأهرام اليومي،12 أكتوبر 2015، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3w7OdFl

[9]عبد الستار محروس عبد الستار، " الموارد المالية بالجامعات الحكومية فى مصر"، جامعة الفيوم، ص 1 متاح على الرابط:

 https://www.fayoum.edu.eg/Edu/EduManagement/pdf/MrAbdelsattar2.pdf

[10] “ جامعات بلا حرية أكاديمية"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، يوليو 2020، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2020/07/22/19729-afteegypt.html

[11]“ المادة 23 من دستور مصر"، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://dostour.eg/2013/topics/basic-components/state-34a-3/

[12] “ نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة"، العدد الرابع، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مارس 2016، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2016/05/16/12226-afteegypt.html

[13]“ الحبس الاحتياطي كعقاب لأساتذة الجامعة المعارضين"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مارس 2020، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2020/03/19/18526-afteegypt.html

[14] محمد بصل، “ السيسي يصدر تشريعا خاصا بحالات عزل أساتذة الجامعات"، الشروق، 16 يناير 2015، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3IUTjMP

[15]الدستور المصري المعدل 2019، منشورات قانونية، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://manshurat.org/node/14675

[16] “ نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، العدد الخامس، يونيو 2016، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2016/07/28/12377-afteegypt.html 

[17]“ نشرة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، العدد السادس، ديمسبر 2016، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

  https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2017/01/19/12753-afteegypt.html

[18] “ مشتبه بهم عن ملاحقة الأجهزة الأمنية للباحثين الأجانب فى مصر" مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ابريل 2016، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2016/04/11/12070-afteegypt.html

[19]منة عمر، "هكذا تحرك الطلبة والأساتذة من أجل الدفاع عن مفهوم استقلال الجامعة فى مصر"، مرجع سابق.

[20]“ داليا شبل،" بعد ثورة 25 يناير.. اللائحة الطلابية حائرة بين وزراء التعليم العالي"، مصراوي، 20 أغسطس 2017، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3iFoCAH

[21] “ حركة على استحياء وانتهاكات مستمرة.. تقرير حول العام الدراسي 2015\2016"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أغسطس 2016، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

https://afteegypt.org/research/monitoring-reports/2016/08/16/12390-afteegypt.html

[22]“ اتحاد خارج التغطية.. قراءة فى الانتخابات الطلابية بالجامعات المصرية خلال عقد 2011-2021"، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ابريل 2021، تاريخ الاطلاع 13 يناير 2023، متاح على الرابط:

 https://afteegypt.org/research/research-papers/2021/04/22/21636-afteegypt.html#_ftn13

[23]المرجع السابق.

[24]داليا شبل،" بعد ثورة 25 يناير.. اللائحة الطلابية حائرة بين وزراء التعليم العالي"،  مرجع سابق.

للإشتراك في نشرة مؤسسة حرية الفكر والتعبير الشهرية

برجاء ترك بريدك الالكتروني أدناه.